الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (89)
.• * •.
قَالَ اللهُ عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89].
.• * •.
{مَنْ جَاءَ} : (مَن) شرطيَّة، و (جاء) فعلُ الشرطِ، وجملة:{فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} جوابُ الشرطِ.
وقوله تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} لم يَقُلْ: مَن فعلَ الحسنةَ، بل قَالَ: مَن جاء بها، لِأَنَّ الْإِنْسَان قد يفعلُ الحسنةَ فِي الدُّنْيا ولكِنه لا يأتي بها، لوجودِ ما يُسْقِطُها فتزول، ولكِن الشأن كُلّ الشأن فِي أن يأتيَ بها يومَ القيامةِ.
وقوله: {بِالْحَسَنَةِ} الظَّاهرُ أن المُرادَ بها الجِنس، وَلَيْسَ المُراد بها العهد، ولكِن المُفَسِّر رحمه الله فَسَّرَهَا عَلَى أن المُرادَ بها العهدُ، فقال:[أي لَا إِلَهَ إِلَّا الله]، فجعلَ الحسنةَ حسنةً معيَّنة معهودةً وهي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ولكِن الصَّواب بلَا شَكٍّ خلافُ كلامِ المُفَسِّر، وأن المُرادَ بالحسنةِ الجنسُ، فأيّ حسنة يأتي بها الْإِنْسَان فله خيرٌ منها، ولهَذَا جاء فِي الحديثِ الصَّحيحِ:"مَنْ هَمَّ بِحَسَنهٍ فَعَمِلَهَا"، بحسنةٍ: نَكِرة تَشْمَل جميع الحسنات.
وقول المُفَسِّر رحمه الله: [يومَ القيامةِ]، متعلِّق بـ {جَاءَ} يَعْنِي: من جاءَ يومَ القيامةِ بالحسنةِ {فَلَهُ خَيْرٌ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [ثوابٌ {مِنْهَا} ، أي: بسببها، وَلَيْسَ
للتفضيل؛ إذ لا فعل خير منها]، هَذَا غريبٌ، اقرأ الآيَة:{فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} يَقُول المُفَسِّر: المُرادُ بالخيرِ هنا الثوابُ، يعني ما يُقابِل الشرَّ، و {مِنْهَا} ليست (مِن) المتعلِّقة باسمِ التفضيلِ ولَكِنَّهَا للسببيَّة؛ أي: فله ثوابٌ بِسَبَبِها، وهَذَا تحريفٌ ظاهرٌ للقُرْآن، بل {خَيْرٌ مِنْهَا} يَعْنِي: أفضل منها، وذلك بالمضاعفةِ، فأنتَ إذا أعطيتَني ريالًا وقلتُ: سأعطيك خيرًا منه وأعطيتك ريالينِ صار خيرًا منه.
إِذَنْ: قوله: {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} ؛ أي: أفضل منها، فَهُوَ يأتي بواحدةٍ ويُعطى عَشْرًا إِلَى سبعمائة ضِعف إِلَى أضعافٍ كثيرة.
وأما تعليل المُفَسِّر لمنعِ أن يَكُون المُرادُ بالآيةِ التَّفضيل بِقَوْلِهِ: [إذ لا فعل خير منها] فنَقُول: نعم، الحسنة حَسَنَة بلَا شَكّ، وهي خيرٌ، لكِن لَيْسَ المُراد هنا: فله فعلٌ خيرٌ مِنها، بل المُراد الثوابُ والجزاءُ، والجزاء لَيْسَ بفعلٍ للعبدِ ولكِنه منَ اللهِ عز وجل يَجزي به العبدَ، فتعليل المُفَسِّر إذن عَلِيلٌ، بل ميِّت لَيْسَ فِيهِ رُوح إطلاقًا؛ لِأَنهُ لَيْسَ المقام هنا مَقام مُقابلةِ حسنةٍ بحسنةٍ منَ العدلِ، وإنما المقامُ مقامُ جزاءٍ مِنَ اللهِ، والله تَعَالَى يَجزي العبدَ بخيرٍ مِن فِعله وأفضلَ، وَفي آيَة أخرى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، فهل يَصِحّ أن يَكُون معنى قوله:{فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أي: عشر بسببها؟ ! هَذَا يَرُدّ عليه فِي الحقيقةِ، فالآيَةُ الَّتِي أشرنا إليها تفسِّر هَذِهِ الآيَة الَّتِي ذكر الله.
فقوله: {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} إذن عشر أمثالها، وَفي الحديث:"إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كثِيرَةٍ".
والغريبُ أنّ التفسيرَ الَّذِي نَحَا إليه المُفَسِّر لا يكادُ أحد يَفهمه أبدًا، فكُلّ مَن قرأ الْقُرْآن ولو كَانَ عامِّيًّا يفهم من قوله:{فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} جزاءً أفضلَ منه وأكثرَ،
ولا يفهم أنَّ المَعْنى فله ثوابٌ بِسببِ هَذِهِ الحسناتِ، أبدًا لا يَفْهَم هَذَا، وإنما يفهم أنَّ الثوابَ أكثرُ وأعظمُ وأفضلُ منَ العَمَلِ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَهُمْ} الجاءُونَ بِها {مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} بالإضافةِ وكسرِ الميمِ].
قوله: {مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} : (فزَع) مضافٌ، و (يوم) مضافٌ إليه، و (يوم) مضافٌ و (إذ) مضافٌ إليه، و (إذ) مضافٌ والجملةُ المحذوفةُ مضافةٌ إليها، فيَكُون عندنا ثلاثُ إضافاتٍ.
وقوله: {مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} الفزعُ بمعنى الخوفِ، ولكِنه لَيْسَ مجرَّد خوفٍ، بل خوفٌ بقلقٍ وحركةٍ واضطرابٍ، ولهذَا يقال: فَزعَ الرجل؛ لَيْسَ مجرَّد أَنَّهُ خافَ، بل تجده قَلِقًا ثُمَّ يحاول مثلما نَقُول فِي اللُّغة العامِّيَّة:(يفز) من الفَزَع، وكلمة فزَع مفرَد مضافٌ فيَعُمّ كُلّ ما يحصلُ به الفزعُ؛ لِأَنَّ يومَ القيامةِ فِيهِ أفزاع؛ عِدَّة أَسْبابٍ للفزعِ، كأخذِ الكتبِ بالشمالِ أو باليمينِ، وكذلك أيضًا دُنُوّ الشَّمْسِ، وكذلك الميزان، وكذلك الحَوْض المَوْرُود، وكذلك أيضًا يُنَادَى عَلَى الظالمينَ: أهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله
(1)
ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، كُلّ هَذِهِ تُثير المرءَ وتُوجِب الفزعَ، لكِن هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأتون بالحسنة آمنون.
قال: [مِنْ فزَعِ يَوْمَئِذٍ]، أضافَ الفزعَ إِلَى يومِ القيامةِ، لِأَنَّهُ فزعٌ لا نظيرَ له فِي الدّنْيا، وَعَلَى قراءةٍ أخرى يَقُول المُفَسِّر رحمه الله: وَفِي أخرى [بالإضافةِ وكسرِ الميمِ
(1)
رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله، حديث رقم (2768)، عن ابن عم رضي الله عنهما.
وفتحها، وفزع منوَّنًا وفتح الميم
(1)
].
إِذَنْ: فيها قراءتانِ {مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ} و"مِنْ فَزَعَ يَوْمِئِذٍ" هَاتان القراءتان عَلَى الإضافةِ، والثَّالثة (مِنْ فَزَعٍ) مُنَوَّنًا وفتحِ الميمِ "مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ" وهَذه فيها إشكالٌ؛ حَيْثُ إن (يوم) بالفتح مَعَ أَنَّهَا مضافةٌ، فيقتضي عَلَى هَذَا أن تكون مجرورةً، ونُخَرِّج هَذَا عَلَى واحدٍ منْ أمرينِ: إمَّا أن نَجْعَلَهَا مبنيَّةً عَلَى الفتحِ، يَعْنِي:(فزَع) مضاف ويوم مضاف إليه مبنيّ عَلَى الفتح فِي مَحَلّ جرّ. أو نَقُول: إنَّ (فزع) فِي الأَصْل منونة حذف التنوين تخفيفًا، وَعَلَى هَذَا فتكون (يوم) مَفْعُولا يعني ظرف زمان كما هِيَ، عَلَى قراءةِ التنوينِ (فَزَعٍ يَوْمَئذٍ).
وبالنِّسْبَة للمعنى أيّهما أبلغ: (من فزعٍ يومئذٍ آمنون) أو (من فزعِ يومئذٍ آمنون)؟
الأخير يَدُلّ عَلَى العموم، (فزعِ يومئذٍ) فكُلّ فزع فِي ذلك اليوم هم آمنون منه، وَعَلَى قراءة (فزعٍ يومئذٍ) يعني هم آمنون من فزعٍ فِي ذلك اليوم، فَهُوَ يقتضي أن يَكُون فزعًا واحدًا، إِلَّا إذا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى تقدير (من كُلّ فزعٍ)؛ أي: من كُلّ فزع آمنونَ، فتوافق القراءة الأُولى الَّتِي هِيَ للإضافةِ، ولكِن القراءة بالإضافةِ أحسنُ؛ لِأَنَّهَا لا تحتاج إِليَ تأويلٍ.
وقوله: {آمِنُونَ} آمنونَ منَ الفزعِ، هل المَعْنى أَنَّهُم لا يَفزَعون أو أَنَّهُم يفزعون لكِنَّهم آمنونَ؟
إِذَنْ: هم آمنونَ مِنَ الفزعِ، فيَحتمِل أن يَكُون المَعْنى أَنَّهُم لا يَفزعون إطلاقًا،
(1)
الحجة في القراءات السبع (ص: 275).