الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (85)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85].
* * *
قَالَ المُفَسِّر: [{وَوَقَعَ الْقَوْلُ} حقَّ العذابُ {عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا} أي أَشْرَكُوا {فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} إذ لا حُجَّةَ لهم، .
{وَوَقَعَ الْقَوْلُ} يعني قولَ اللهِ بالعذابِ، فإنَّ الله تبارك وتعالى يأمرُ بِتَعْذِيبِهِمْ إذا لم يُجِيبُوا، وهَذَا السؤال كما تقدَّم لَيْسَ سؤال استخبار واستعلام، ولكِنه سؤال توبيخٍ وتقريعٍ، فحينئذٍ يقعُ عليهم القَوْلُ، وهَذَا القَوْل الَّذِي وقعَ عليهم لم يُظْلَموا به ولكِنْ همُ الَّذِينَ ظَلَموا، ولهَذَا قَالَ:{بِمَا ظَلَمُواْ} أي: بسبب، و (ما) هنا مصدريَّة يَعْنِي أنَّ الفِعْل بعدها يحول إِلَى مصدرٍ، فيَكُون التَّقْدير: بِظُلْمِهِم؛ أي وقع القَوْل عليهم بظلمهم.
وقول المُفَسِّر: [أي أشركوا]، ينبغي أنْ نفسِّر الظلمَ بما هُوَ أعمُّ مِنَ الشركِ؛ لِأَنَّ الله سبحانه وتعالى وَبَّخَهُمْ عَلَى التكذيبِ وعلى العَمَلِ المنحرِفِ، فيَكُون الظلمُ الَّذِي حصلَ منهم: التكذيب والجحْد الَّذِي يَتَضَمَّن الإشراكَ، وكذلك الفُسُوق والعِصيان الَّذِي حصلَ منهم كإيذاءِ الرُّسُلِ وغير ذلك، فالأصحُّ أنْ نجعلَ {بِمَا ظَلَمُواْ} أي: بسببِ ظُلْمِهِم، ومنه الشركُ.
قوله: {فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} : (الفاء) مُفَرّعة عَلَى قولِه: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} أي:
بَعْد أن وقعَ عليهم القَوْلُ استحقُّوا العذابَ فلا يستطيعون النُّطْقَ، يَقُول المُفَسِّر:[إذ لا حُجَّة لهم]، وهَذَا فِي آخِرِ الأَمْرِ؛ لِأَنَّهُم كانوا فِي أوَّلِ الأَمْرِ يَنطِقون ويُدافِعون.
ولكِنهم إذا رأوْا أنَّ جَوَارِحَهم شَهِدَتْ عليهم حينئذٍ أَمسكوا، فلا يستطيعون الآن، وإلّا فإن الله تَعَالَى يَقُول:{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فهم يَقُولُونَ: ما أَشركنا، ويَقُولُونَ أيضًا:{يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 27، 28]، فهم يتكلَّمون وُيدافِعون عن أنفسهم، ولكِنَّ ذلك لا يَنفعهم، قَالَ تَعَالَى:{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]، فالمهمُّ أَنَّهُم يتكلَّمون، فقوله هنا:{فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85]، هَذَا يَكُون الجمع بينه وبين الآيَات الدالّة عَلَى نطقهم أن للقيامة أحوالًا؛ لِأَنَّ يوم القيامة مِقداره خَمسونَ ألفَ سنةٍ، فالأحوالُ تَتَغَيَّر، فيَكُون الناطق فِيهِ ساكتًا وَيكُون الساكت فِيهِ ناطقًا، وتَتَقَلَّب الأحوال، قَالَ سبحانه وتعالى:{يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]، لِمَا ترَى، فهم فِي حالٍ لا يَنطِقون، وَفي حالِ يَنطِقون ويدافعون.
ولكِنهم مهما قالوا ومهما فعلوا فإن لديهم شهودًا من أنفسهم {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، فاللِّسان يَنطِق بما قال، واليدُ تَنطِق بما فعلتْ، والرِّجل تَنطِق بما فعلتْ، وأبلغ من ذلك الجلودُ تَشهَد بما لمستْ، فجميعُ ما فِيهِ الإدراكُ والحاسَّةُ يَشهد عَلَى هَؤُلَاءِ بما فَعَلُوا، وحينَئذٍ لا يَستطيعونَ أنْ يُدافِعوا، ما دام أنَّ هَذِهِ الأَشْيَاء تَشهد عليهم؛ إذن مَن يشهد لهم؟ !
الحاصل: أن الأحوال تتغيَّر، فالمتكبِّرون يُحشَرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ