الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظنّوا أَنَّهُ يريد دنيا، فيَكُون هم الَّذِينَ بدأوا بالإساءةِ إليه، حَيْثُ أرسلوا إليه هدية يختبرونه بها فَكَانَ ردُّه بهَذَا مناسبًا.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [فلما رجعَ إليها الرَّسُولُ بالهَدِيَّةِ، جعلتْ سَرِيرَها داخلَ سبعةِ أبوابٍ، داخل قصرها، وقصرها داخل سبعة قصورٍ، وأغلقتِ الأبوابَ، وجعلت عليها حَرَسًا، وتجَهَّزَتْ لِلْمَسيرِ إِلَى سُلَيْمَان لِتَنْظُرَ ما يأمرها به، فارتحلتْ باثني عشر ألف فيلٍ، مَعَ كُلّ فيلٍ ألوف كثيرةٌ، إِلَى أنْ قربتْ منه عَلَى قِيدِ فَرْسَخٍ شَعَرَ بها، قَالَ: {يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا}].
هذا غريبٌ، ما أدري من أين يأتي المُفَسِّر رحمه الله بهَذِهِ الحكاياتِ! وَأَمَّا الأفيالُ فلَعَلَّها كثيرة باليمنِ، ولهَذَا صاحبُ الفيلِ الَّذِي أرادَ أنْ يَهْدِمَ الكعبةَ جاء بالفيلِ.
فالاقتصارُ عَلَى القَصَصِ الَّتِي فِي الْقُرْآن هُوَ اللائِقُ بالمسلمِ، إِلَّا ما صحَّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لِأَنَّ الله تَعَالَى يَقُول:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} [إبراهيم: 9]، فعِلْمُ هَذِهِ الأُمَمِ إِلَى اللهِ سبحانه وتعالى، فاللائِقُ بنا ألَّا نَتَجَاوَزَ ما جاء به الْقُرْآن.
من فوائد الآية الكريمة:
الفَائِدَة الْأُوْلَى:
إِظهارُ الْقُوَّة للأعداءِ؛ لِقَوْلِهِ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} ، فنفيُ الكَلامِ قوَّة، فهَذَا التهديدُ والوعيدُ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَظْهَرُ قوَّةٍ، فيَكُون داخلًا فِي قولِهِ تَعَالَى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، فإن قوله:{مِنْ قُوَّةٍ} نِكِرَة تَشمَل كُلّ ما يُمْكِن من القوى، سواء كانت الْقُوَّة قوليَّة أو مادِّيَّة أو معنويَّة، المهمّ أن جميعَ القوى فِي معاملة الأعداء ينبغي للمرءِ أن يَسْتَعْمِلَها، حَتَّى
إنَّهُ جاء فِي الحديث: "الحَرْبُ خُدْعَةٌ"
(1)
لكِن الخيانة -خيانة العدو- لا تَجوز، فلا يجوز للإِنْسَانِ أنْ يخونَ عَدُوَّه، ولهَذَا قَالَ الله تَعَالَى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58]، يَعْنِي: ولا تَخُنهم، وكذلك إذا خانوا فقد نَقَضُوا العهدَ.
وهَذِهِ المسألة لها ثلاث حالات -أي أنَّ المعاهَدين لهم ثلاثُ حالاتٍ -: إمَّا أن يَسْتَقِيموا لنا، قَالَ تَعَالَى:{فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: 7]، وَإمَّا أن يَنْكُثوا العهد وحينئذٍ لا عهدَ، قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]، وَإمَّا ألَّا يَنْقُضوا العهد وظاهِرُهُم الاستقامةُ، لكِن نخاف منهم الخيانةَ، فهنا نَنْبِذ العهدَ إليهم، ونُخْبِرهم بأننا قد أبطلنا العهدَ، حَتَّى لو قَالُوا: سَنبقَى عَلَى العهد نَقُول: لا، نحن الْآنَ كلٌّ مِنَّا حرٌّ.
لَوْ قَالَ قَائِلٌ: ما الفرق بين الخيانة والخَديعة؟
الخيانة معناها: أنك تَخْدَعه فِي مَقامِ الأمانِ، والخديعة تَخْدَعُه فِي غيرِ مقامِ الأمانِ، كَأن تكونَ الحربُ قائمةً ثُمَّ تَضَح كَمينًا ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو تُظْهِر مثلًا أن عندك كثرةَ عددٍ، كَأن تجعل النَّاس مثلًا يتردَّدون مثلما فعل القَعْقَاع بنُ عَمْرٍو فِي حُرُوبِهِ مَعَ الفُرْسِ وغير ذلك، فأنت الْآنَ ما خُنتهم؛ لِأَنَّهُ ما بينك وبينهم عهدٌ، أَمَّا المحارِب فقَتْلُه لا يُعتبَر خيانةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بيننا وبينهم عهد، ولهَذَا فِي قِصَّة كَعْب بنِ
(1)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، حديث رقم (2865)؛ ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، حديث رقم (1740)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.