الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد القول باستحباب إعفاء اللحية دون وجوبه
[قال الإمام]: لقد كنا ولا نزال نشكو من إعراض أكثر المسلمين عن العمل بالحديث تعصبا منهم لأئمتهم ونشكو من مخالفة بعض الصوفية للأوامر الشرعية لأنها - بزعمهم - لا تتفق مع أذواقهم وإذا بنا اليوم - ونحن ندعي الغيرة على الإسلام والعمل بالسنة - أمام تعصب جديد وصوفية حديثة نقدم أذواقنا وعاداتنا ونتعصب لها على هديه صلى الله عليه وسلم وأمره دون أن يكون لنافي ذلك قدوة فيمن سلف من إمام يوثق بعلمه وذوقه!
قرأت منذ بضعة أيام كتاب «الإسلام المصفى» لأحد الكتاب الغيورين
على الإسلام - كما يبدو ذلك من كتابه - والحريصين على بقائه نقيا سليما كما كان في عهده صلى الله عليه وسلم فإذا به يقول - بعد أن ساق أحاديث صحيحة في الأمر بإعفاء اللحية مخالفة للمشركين - ما نصه:
«والأمر بإعفائها لم يكن إلا من قبل الندب وشأنها شأن كل المظاهر الشكلية التي لا يهتم بها الإسلام ولا يفرضها على أتباعه بل يتركها لأذواقهم وما تتطلبه
بيئاتهم وعصورهم»!
فانظر لهذا الغيور على أحكام الإسلام كيف مهد لنسف الأمر بإعفاء اللحية بأن حمل الأمر بها على الندب أولا ثم زعم أن الإسلام ترك هذا الأمر المندوب لأذواق المسلمين وبيئاتهم فإذا استذوقوه فعلوه لا لأنه أمر به صلى الله عليه وسلم بل لأنه موافق لذوقهم وعصرهم وإن لم يستذوقوه تركوه غير مبالين بمخالفتهم لأمره صلى الله عليه وسلم ولو فرض أنه للندب!
وإني لأخشى أن يكون رأي المؤلف قريبا من هذا وإلا فما باله لم يتعرض لبيان حكم الإعفاء مع كثرة النصوص التي تتعلق به كما يأتي بيانه بينما نراه قد جزم ببيان حكم الختان مع أنه لا نص فيه كما أشار إليه فيما تقدم مع الرد عليه اللهم إلا تعليقه على قوله صلى الله عليه وسلم: «وفروا اللحى
…
»:
«حمل الفقهاء هذا الأمر على الوجوب وقالوا بحرمة حلق اللحية
…
» فإنه ليس صريحا في التعبير عن رأيه الشخصي وبخاصة أنه يعلم أن مخالفة الإعفاء أكثر وأظهر من مخالفة الختان فإن كثيرا من خاصة العلماء والشيوخ قد ابتلوا بالوقوع فيها بل وبالتزين والتجمل بها بل إن بعضهم قد يتجرأ على الإفتاء بجواز حلقها ولاسيما في مصر التي يعيش فيها السيد سابق والأستاذ السمان فهذا وحده كان كافيا في أن يحمله على بيان حكم هذه المخالفة ولذلك فإني أهتبل هذه الفرصة لأبين حكم الشرع فيها وأستحسن أن يكون ذلك بالرد على تلك الفقرة التي نقلتها عن كتاب «الإسلام المصفى» لشديد صلتها بالموضوع فأقول:
أولا: ذكر أن الأمر بإعفاء اللحية للندب وقد سمعنا هذا كثيرا من غيره وإبطالا لهذه الدعوى أقول:
هذا خلاف ما تقرر في «علم الأصول» : أن الأصل في أوامره صلى الله عليه وسلم الوجوب لقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وغيره من الأدلة التي لا مجال لذكرها الآن والخروج عن هذا الأصل لا يجوز إلا بدليل صحيح تقوم به الحجة وحضرة الكاتب لم يأت بأي دليل يسوغ له خروجه عن هذا الأصل في هذه المسألة اللهم إلا ادعاؤه أن الإسلام لا يهتم بكل المظاهر الشكلية
…
ومع أنها دعوى عارية عن الدليل فإنها منقوضة أيضا بأحاديث كثيرة وهو في قولنا:
ثانيا: زعم أن كل المظاهر الشكلية لا يهتم بها الإسلام وأن اللحية منها. أقول: هذا الزعم باطل قطعا لا يشك فيه ذلك أي منصف متجرد عن اتباع الهوى بعد أن يقف على الأحاديث الآتية وكلها صحيحة:
1 -
عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال.
2 -
عن عائشة أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمعط شعرها فأرادوا أن يصلوها فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» .
3 -
عن ابن مسعود مرفوعا: «لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات
والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله».
4 -
عن عبد الله بن عمرو قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسهما» .
أخرج هذه الأحاديث الشيخان في «صحيحيهما» : إلا الأخير منها فتفرد به مسلم وهي مخرجة في «آداب الزفاف» و «حجاب المرأة المسلمة» .
وفي الباب أحاديث كثيرة جدا وهى مادة كتاب: «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية فليراجعه من شاء.
فهذه نصوص صريحة تبين أن الإسلام قد اهتم بالمظاهر الشكلية اهتماما بالغا إلى درجة أنه لعن المخالف فيها فكيف يسوغ مع هذا أن يقال: إن كل المظاهر لا يهتم بها الإسلام
…
؟ !
إن كان حضرة الكاتب لم يطلع عليها فهو في منتهى الغرابة إذ يجرؤ على الكتابة في هذه المسألة التي لها ما وراءها من الفروع الكثيرة لون أن يراجع ولو مصدرا واحدا من مصادر الإسلام الأساسية! وإن كان اطلع عليها فإني أخشى أن يكون جوابه عنها أنها لا توافق الذوق! أو يقول: لا يقرها المنطق! كما قال ذلك في مسألة نزول عيسى عليه السلام ص 75 وحينئذ أعترف بأنه لا جواب إلا الشكوى إلى الله تعالى
…
مما سبق من النصوص يمكن للمسلم الذي لم تفسد فطرته أن يأخذ منها أدلة كثيرة قاطعة على وجوب إعفاء اللحية وحرمة حلقها:
أولا: أمر الشارع بإعفائها والأصل في الأمر الوجوب فثبت المدعى.
ثانيا: حرم تشبه الرجال بالنساء وحلق الرجل لحيته فيه تشبه بالنساء فيما هو من أظهر مظاهر أنوثتهن فثبت حرمة حلقها ولزم وجوب إعفائها.
ثالثا: لعن النامصة - وهي التي تنتف شعر حاجبيها أو غير بقصد التجميل -