الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنا أقول بهذا الكلام حتى في الأدوية التي يكون فيها مصرحًا بأن فيها نسبة معينة من الكحول، لكني أفرق بين دواء نصنعه في بلادنا فهذا لا يجوز فالحكم كما قلنا عن المشروبات، لا يجوز صنعه ولا يجوز استعماله لما فيه من التعاون على المنكر كما قلت، فهذا صحيح، لكن إذا كان الصانعون لهذه المشروبات أو لتلك الأدوية التي ثبت أن فيها كحول، إذا كان الصانعون لها غير مسلمين وتأتينا جاهزة فحينئذ يجوز لنا استعمالها؛ لأننا لا نعين المسلم على المنكر، فهذا كلام صحيح.
ولكن لا بد من لفت النظر إلى ما جاء في تضاعيف كلامك مما يشعرني أنا على الأقل أنه لم يكن في كلامك تفريق بين الخل التي كانت أصلًا خمرًا فتخللت بطبيعتها، وبين الخمر التي حولت صنعًا من المسلم، فالأحاديث التي ذكرتها ومنها حديث أبي طلحة الأنصاري الذي كان له أيتام وكان يتاجر لهم بالخمر، فحينما حرمت الخمر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«عندي زقاق من خمر أفأخللها؟ قال: لا، بل أهرقها» أي: صبها أرضًا، فلا شك أن تحويل الخمر إلى خل هذا حرام لا يجوز؛ لأن ذلك يستلزم أن يكون في دار المسلم خمر محرمة، أما إذا كان هناك خل أصله خمر تحولت هذه الخمرة إلى خل فهذا لا يقال بأنه لا يجوز؛ لأنه لم يكن خمرًا قصد تحويله إلى خل.
خلاصة القول: يجب التفريق بين الخل الذي تحول أصله الخمر إلى خل بسبب العوامل الجوية أو الطبيعية كما يقولون، وبين الخل الذي كان أصله خمرًا ثم تقصد صاحبها تحويلها إلى خل فهذا لا يجوز.
(فتاوى جدة - 2/ 00: 04: 29)
تحريم الخمر
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة
وخنازير إلى يوم القيامة».
[قال الإمام]: ذكر الإمام من فوائد الحديث:
تحريم الخمر، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين والحمد لله، غير أن طائفة منهم - وفيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة! وأما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة، مثل «السكر» وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ، و «الجعة» وهو نبيذ الشعير، و «السكركة» وهو خمر الحبشة من الذرة، فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه، وأما القليل منه فحلال! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم. وهذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر، كقول عمر رضي الله عنه:«نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل» وكقوله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» .
وقوله: «ما أسكر كثيره فقليله حرام» .
أقول: هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص وغيرها، فهو مخالف للقياس الصحيح والنظر الرجيح، إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره، وبين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر؟ ! وهل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر، فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك والعلة واحدة؟ ! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم، وأعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس والرأي! ! قال ابن القيم في «تهذيب السنن» «5/ 263» بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة: «فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس، مع كثرة النزاع فيه. فإذ قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص
لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا. فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم، والقياس في الحكم. ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها، لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه، وإن لم يسكر، وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه، وقليله يدعو إلى كثيره. وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل، فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم، فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها، ولا اشتباه في معناها، بل هي صحيحة. وبالله التوفيق».
وأيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي، لأنه لا يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة «الكحول» في الشراب، فرب شراب قليل، كمية الكحول فيه كثيرة وهو يسكر، ورب شراب أكثر منه كمية، الكحول فيه أقل لا يسكر وكما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين وصحتهم، كما هو ظاهر بين، وحكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب وهي التي تقول:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ، «ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» . «واعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معا في بعض المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه، الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله وتفكيره وعقيدته لغير معصوم، مهما كان شأنه في العلم والتقوى والصلاح بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب والسنة إن كان أهلا لذلك، وإلا سأل المتأهلين لذلك، والله تعالى يقول:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُون} .
وبالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم فهو مأجور على خطئه، للحديث المعروف، لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه، وأما من وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا، ثم أصر على تقليدهم على خطأهم، وأعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - ولا شك - على ضلال مبين، وهو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها ولا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه مثل الطلاء، والنبيذ، أو «الويسكى» أو «الكونياك» وغير ذلك