الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحديد موضع الإزار وقياس البنطلون عليه
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه. يا عمرو! - وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع من كفه اليمنى تحت ركبة عمرو فقال: - هذا موضع الإزار، ثم رفعها، [ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع الأولى ثم قال: يا عمرو! هذا موضع الإزار]، ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية، فقال: يا عمرو! هذا موضع الإزار» .
[قال الإمام]: واعلم أن الأحاديث في موضع الإزار استحبابا وإباحة وتحريما كثيرة، وبعضها في «الصحيحين» ، وقد خرج الكثير الطيب منها الحافظ المنذري في «الترغيب والترهيب» ، وليس هذا منها، ومن الغريب أنه لم يذكره الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في هذا الباب من كتاب اللباس من «الفتح الرباني» «17/ 234» ولا أدري إذا كان قد ذكره في مكان آخر منه، والوقت لا يتسع للتحقق من ذلك، ولكن إن كان أورده فكان عليه أن ينبه على ذلك وأن يرشد إليه، تسهيلا للمراجعة على الباحث. ثم أخبرني أحد إخواني أنه أخرجه «17/ 294». وإنما آثرت تخريجه لأمرين: الأول: أن فيه تحديدا عمليا بديعا لموضع الإزار المشروع وغير المشروع، لم أره في غيره من الأحاديث. والآخر: أن فيه بيانا واضحا أن التفاوت الذي يرى في الناس بياضا وسوادا، وطولا وقصرا، وبدانة ونحولة، وهذا أشعر، وذاك أجرد، وهذا ألحى «عظيم اللحية» وذاك كوسج! أو زلهب، وغير ذلك من الفوارق الخلقية أن كل ذلك من خلق الله حسن، فلا ينبغي للمسلم أن يحاول تغيير خلق الله عز وجل، وإلا استحق اللعن كما في حديث «النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والفالجات المغيرات لخلق الله للحسن» . متفق عليه، ويأتي تخريجه بإذن الله رقم «2792». وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تسلية عمرو الأنصاري الذي أطال إزاره ليغطي حمش ساقيه بقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله قد أحسن كل شيء خلقه» .
وهذا مما يحمل المسلم على الرضا بقدر الله وقضائه في خلقه مهما بدا لبعض
الناس ممن ضعف إيمانهم وتكاثف جهلهم أنه غير حسن! وهذا في الواقع مما يعطي قوة للرأي القائل بأن المرأة إذا نبت لها لحية أنه لا يجوز لها أن تحلقها أو تنتفها، لأن الله قد أحسن كل شيء خلقه. ولا شك أنها حين تنتفها إنما تفعل ذلك للحسن والتجمل كما تفعل الواصلة لشعرها، فتستحق بذلك لعنة الله، والعياذ بالله تعالى. وأما بالنسبة للإزار، فالأحاديث صريحة في تحريم جره خيلاء، وأما بدونها فقد اختلفوا، فمنهم من حرمه أيضا، وهو الذي يدل عليه تدرجه صلى الله عليه وسلم مع عمرو في بيان مواضع الإزار استحبابا وجوازا، ثم انتهاؤه به إلى ما فوق الكعبين، وقوله له:«هذا موضع الإزار» ، فإنه ظاهر أنه لا جواز بعد ذلك، وإلا لم يفد التدرج مع القول المذكور شيئا كما لا يخفى. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:«ما أسفل من الكعبين في النار» . رواه البخاري عن ابن عمر. ويزيده قوة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم: «
…
ولا حق للكعبين في الإزار».
قال أبو الحسن السندي في تعليقه عليه: «والظاهر أن هذا هو التحديد، وإن لم يكن هناك خيلاء. نعم إذا انضم إلى الخيلاء اشتد الأمر، وبدونه الأمر أخف» . قلت: نعم، ولكن مع التحريم أيضا لما سبق. ويقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن للنساء أن يرخين ذيولهن ثم أذن لهن أن يزدن شبرا لكي لا تنكشف أقدامهن بريح أو غيرها، لم يأذن لهن أن يزدن على ذلك، إذ لا فائدة من وراء ذلك فالرجال أولى بالمنع من الزيادة. استفدت هذا من الحافظ ابن حجر رحمه الله في «الفتح». وجملة القول: إن إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين لا يجوز للرجال، فإذا اقترن مع ذلك قصد الخيلاء اشتد الإثم، فمن مصائب الشباب المسلم اليوم إطالته سرواله «البنطلون» إلى ما تحت الكعبين، لاسيما ما كان منه من جنس «الشرلستون» ! فإنه مع هذه الآفة التي فيه، فهو عريض جدا عند الكعبين، وضيق جدا عند الفخذين والأليتين، مما يصف العورة ويجسمها، وتراهم يقفون بين يدي الله يصلون وهم شبه عراة! فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن العجيب أن بعضهم ممن هو على شيء من الثقافة الإسلامية يحاول أن يستدل على جواز الإطالة المذكورة بقول أبي بكر لما سمع النبي
- صلى الله عليه وسلم يقول: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لست ممن يصنعه خيلاء» . أخرجه البخاري وغيره كأحمد، وزاد في رواية:«يسترخي أحيانا» ، وكذلك رواه البيهقي في «شعب الإيمان» «2/ 221 / 2» .
قلت: فالحديث صريح في أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يطيل ثوبه، بل فيه أنه كان يسترخي بغير قصد منه، وأنه كان مع ذلك يتعاهده، فيسترخي على الرغم من ذلك أحيانا. قال الحافظ «10/ 217» عقب رواية أحمد:«فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره، فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي، لأنه كلما كاد يسترخي شده» . ثم ذكر أن في بعض الروايات أنه كان نحيفا. قلت: فهل يجوز الاستدلال بهذا والفرق ظاهر كالشمس بين ما كان يقع من أبي بكر بغير قصد، وبين من يجعل ثوبه مسبلا دائما قصدا! نسأل الله العصمة من الهوى.
وإنما تكلمت عن إطالة البنطلون والسروال، لطرو هذه الشبهة على بعض الشباب، وأما إطالة بعض المشايخ أذيال جببهم خاصة في مصر، وإطالة الأمراء في بعض البلاد العربية لأعبئتهم فأمر ظاهر نكارته. نسأل الله السلامة والهداية. كتبت هذا لعل فيمن طرأت عليه الشبهة السابقة كان مخلصا، فحينما تتجلى له الحقيقة يبادر إلى الانتهاء عن تلك الآفة كما انتهى ذلك الشاب الذي كان عليه حلة صنعانية يجرها سبلا. فقال له ابن عمر رضي الله عنه: يا فتى هلم! قال: ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ويحك أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة؟ قال: سبحان الله! وما يمنعني أن لا أحب ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ينظر الله
…
». فلم ير ذلك الشاب إلا مشمرا حتى مات. رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه أحمد
«2/ 65» من طريق أخرى عن ابن عمر نحوه دون قوله: «فلم ير .... » .
السلسلة الصحيحة (6/ 1/ 408 - 411).