الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم التدخين
مداخلة: نحن نعلم أن الحلال والحرام هو من الله عز وجل، ما أحله الله في كتابه أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما حرمه الله في كتابه أو لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حرام، ثم حكم الدخان هنا والدليل على ذلك، بارك الله فيك.
الشيخ: على الخبير سقطت! نحن لا نشك من عشرات السنين وليس بعدما أذيع في الإذاعات المسموعة والمرئية كما يقولون اليوم عن أضرار الدخان وأنه من الأسباب القوية للمرض الخبيث السرطان، فقد كان معلوماً منذ القديم بأن شرب الدخان يضر بالأبدان ولكن لم يكن عند بعضهم هذا الضرر مقطوعاً بالنسبة لكل الذين يدمنون شرب الدخان فكان يظن أن يمكن البعض يتضرر والبعض لا يتضرر لكن الآن أصبح حقيقة طبية لا مراء فيها ولا جدال أن الدخان بالمادة التي فيه والمعروفة بالنيكوتين فهي مادة مضرة جداً بالبدن.
ولذلك فالدخان حرام عندنا من جهات ممكن أن تحصر بثلاثة جهات:
الجهة الأولى: وهي الواضحة التي لا إشكال فيها، رائحته الكريهة التي تؤذي المؤمنين .. أن يعافينا من شرب الدخان ولا بد قبل إتمام هذا الكلام من لفت النظر أن لا أحد سواء كان من المدمنين لشرب الدخان أو من الأطباء الذين يدرسون هذا الدخان دراسة طبية لا أحد منهم يستطيع أن يقول: بأن الدخان من حيث هو دخان مفيد للصحة، لا أحد يقول هذا إطلاقاً، فإذاً إذ خلا من أي فائدة وتطبع بطابع الرائحة الخبيثة واقترن مع هذه الرائحة الخبيثة الإيذاء من هذه الناحية يحرم استعمال الدخان.
والآن أنا أتكلم فقط من ناحية الرائحة وليس من ناحية الضرر الصحي البدني؛ لأننا نعلم من السنة الصحيحة أن الإيذاء لا يجوز إسلامياً حتى بأطيب الكلام .. حتى بتلاوة القرآن وهذا صحيح بحديث سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وموطأ مالك من حديث أبي سعيد الخدري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعض أهل المسجد
يرفعون أصواتهم بتلاوة القرآن، فقال: يا أيها الناس! كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة فتؤذوا المؤمنين» إذاً: نهاهم عن أن يؤذوا برفع صوتهم بتلاوة كلام الله فتؤذوا المؤمنين، من هؤلاء المؤمنين؟ هم الذين يشاركون هؤلاء الجاهرين بتلاوة القرآن بالجلوس في المسجد وكل واحد له غاية في جلوسه، إما أن يذكر الله سراً؛ وذلك أفضل الذكر، وإما أن يدرس مع بعض إخوانه فقه .. علم .. حديث .. فيشوش عليه أولئك الجاهرون بالقرآن فيتأذون بالجهر فنهاهم الرسول عليه السلام عن مثل هذا الإيذاء.
فإذا كان الشارع الحكيم نهى عن مثل هذا الإيذاء ومن ألطفه من إيذاء بإسماعهم لكلام الله عز وجل مع ذلك ما دام اقترن به إيذاء لم يجز أن ترفع صوتك بكلام الله عز وجل قرآن، هذا شيء لطيف جداً يمكن المسلم المتجرد عن الهوى أولاً وعن العصبية العلمية ثانياً أن يقنع بأن الدخان هذا لو لم يكن فيه إلا إيذاء من حوله من الجالسين ولا أقول: من المصلين؛ لأننا حينما نقوم في الصف ويأتينا رجل شرب دخان نكاد نقطع الصلاة من رائحته الكريهة، فهو يؤذينا ونحن نصلي .. ونحن نناجي ربنا عز وجل في الصلاة، هذا أشد إيذاءً من إيذاء أولئك لرفع الصوت بالقرآن.
ثم يضاف إلى هذا الأحاديث التي جاءت لتصرح بالنسبة لآكل الثوم والبصل مع أن الثوم والبصل من البقول التي فيها فائدة للجسم وربما تستخلص منهما خلاصات تدخل في بعض المعالجات في بعض الأدوية، مع ذلك قال عليه الصلاة والسلام:«من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» إذاً: الرائحة الكريهة لا تؤذي الإنس المؤمنين فقط بل والملائكة أيضاً وهذا ما لا يخطر في بال الشاربين للدخان، أكثر من هذا جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوماً فشم من أحدهم رائحة الثوم أو البصل فأمر بإخراجه من المسجد إلى البقيع .. إلى المقبرة كأنه يشير إلى أن هذا الذي يؤذي إخوانه المسلمين وفي بيت من بيوت الله فلا يحق ولا يستحق أن يعيش مع
الأحياء الذي عايش مع الأموات الذين لا يحسون ولا يشعرون أيان يبعثون.
إذا كان الرسول عليه السلام اهتم بمن يؤذي المسلمين بالطعام الحلال بالثوم والبصل والمفيدين فقط لأنهما ذات رائحة كريهة فماذا كان يقول الرسول عليه السلام لو أنه كان في هذا الزمان ألا يعامل الدخان على الأقل بمثل ما عامل رائحة الثوم والبصل أم سيعامل الدخان بأكثر من ذلك، وأنا لا أشك في هذا؛ لأن الدخان مضر بالناحية الصحية كما تعلمون؛ ولذلك فنحن مع إيماننا بأن الحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله ولكن لا ينبغي أن نقتصر على تحريم أشياء بمجرد هذا النص: حرام، وعلى تحليل لمجرد هذا النص: حلال، فهناك قواعد مثلاً كما تعلمون فيما يقابل الحلال المباح الأصل في الأصل الأشياء الإباحة، فنحن نقول مثلاً شرب الشاي مباح، لسنا بحاجة أن يكون عندنا نص يفصل تفصيلاً.
فالمقصود أنه إذا أردنا أن نثبت أمراً حلالاً كشرب الشاي مثلاً، أو نحو ذلك من المشروبات الحديثة العهد اليوم لسنا بحاجة أن يكون عندنا نص مفصل تفصيلاً على إباحة هذا الشراب ولكن يكفينا أنه يدخل في القاعدة .. الأصل في الأشياء الإباحة، كذلك يكفينا في النهي عن أشياء لم تكن معروفة من مقبل؛ لأن فيها ضرراً وبخاصة إذا كان فيها إضراراً، فهنا يدخل في القاعدة التي قعدها الرسول عليه السلام في الحديث المعروف:«لا ضرر ولا ضرار» .
كذلك ما سبق ذكره آنفاً: «فتؤذوا المؤمنين» وهناك آية في القرآن الكريم عن إيذاء المؤمنين، فالغرض: أن الحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله، لكن أحياناً يكون التحريم والتحليل ليس بلفظ الحرام أو بلفظ الحلال وإنما بما يؤدي إلى أحدهما، وإلا وقعنا في مشكلة بعض الجهلة المدمنين ليس للدخان فقط بل وللخمر يقول لك: هات نص في القرآن أن الخمر حرام، وقد يشكل هذا على بعض الجهلة؛ لأن ليس أحد يقدر يأتي له بآية من القرآن أن شرب الخمر حرام، لكن العالم الفقيه كما قلت آنفاً ليس من الضروري أن يجمد على لفظة الحرام أو لفظة الحلال، بل ويتوسع في فهم أحد الحكمين من نصوص أخرى كما هو ما يتعلق بذاك السؤال
الجاهل وهو: ما في نص في القرآن في تحريم الخمر، هناك نص في القرآن؛ لأن الله عز وجل أولاً: يقول: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] هذا يفيد وجوب اجتناب الخمر فإذاً هو بمعنى فهو حرام.
ثانياً: في القرآن الكريم: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
ثالثاً: الحديث المعروف: «ألا إنما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» .
الشاهد: فالدخان ليس من الضروري أن يكون عندنا نص شرب الدخان حرام، لا، يكفينا أنه يدخل في بعض الدلالات العامة كما سبق ذكره منا آنفاً.
وإلا من أين نأتي بتحريم الحشيش المخدر، أو الأفيون المخدر، من نفس الباب الذي حرمنا به شرب الدخان؛ لأنه قد يشكل هذا الجواب بالنسبة لبعض من يقرءون كتب السنة فيجد في سنن أبي داود:«كل مفتر حرام» لكن هذا الحديث في سنده ضعف، فيه رجل اسمه شهر بن حوشب وهو مع كونه صدوقاً في نفسه كان سيء الحفظ في ذاكرته.
فالشاهد: تحريم هذه الأنواع من المخدرات وما أكثرها اليوم وما أكثر أسمائها! فهي يكفي للقضاء عليها هذه الأدلة التي قدمناها آنفاً في تحريم شرب الدخان، مع أن الدخان يتميز في شدة التحريم على تلك المخدرات؛ لأن تلك المخدرات تحريمها يأتي من باب الضرر في البدن لكن ليس له تلك الرائحة الكريهة حتى بالنسبة للمصلين منهم إذا دخلوا المسجد نفروا من حولهم، هؤلاء الذين يشربون الحشيش ليس كذلك، بينما الذين يبتلون بشرب الدخان فهم منفرون برائحتهم الكريهة؛ لأنها تصبح جزءً لا يتجزأ من حياتهم .. من طبيعتهم حتى ترى بين الأصابع منهم آثار الدخان بين الأصابع .. ذي الشارب منهم أصبح شاربه أشقر وهو أسود من كثر ما يشرب الدخان، وهكذا.