الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رفع اليدين في الدعاء في الجمعة ودبر الصلوات
مداخلة: معروف رأيكم في رفع اليدين في الدعاء في صلاة الجمعة، ودبر الصلوات المكتوبات، ولكن الأدلة العامة كقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله ليستحيي من العبد إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً» ، وتواتر الأحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام برفع اليدين في الدعاء، فرفع اليدين في الدعاء في صلاة الجمعة مع كونه دعاء يدخل في الادلة العامة
الشيخ: هذا السؤال يفتح أمامنا بحثاً أصولياً هاماً جداً، نستطيع أن نلخصه بالعبارة التالية:
إذا جاءنا نص عام -طبعاً صحيح- يتضمن جزئيات كثيرة، ونحن نعلم أن جزءاً من أجزاء هذا النص العام لم يجر عمل المسلمين عليه فيما مضى من الزمان، أيجوز لنا العمل به وهو داخل تحت النص العام.
جوابي على ذلك: إن كان هذا الجزء من الأعمال الظاهرة التي لا تخفى على الناس عادة، ثم تتوفر الدواعي أيضاً عادة على نقله، ثم لم ينقل عن السلف الصالح، فلا يجوز لنا العمل بهذا الجزء الذي يدخل تحت النص العام، والمثال بين أيديكم أو تحت سمعكم بعد أن ألقاه أخونا هذا.
مثل رفع اليدين يوم الجمعة والإمام يخطب والجالسون يرفعون أيديهم، هذه ظاهرة لو وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما قلت آنفاً لتوفرت الدواعي إلى نقله، فإذا لم ينقل دل على أنه لم يفعل.
كذلك ولعل المثال الثاني أهم من المثال الأول، ذلك لأن المثال الأول قلما نراه سواء من الناس الجالسين في الخطبة، أو من بعض الأئمة الخطباء، أما المثال الثاني فعلى العكس من ذلك، فهو كثير الانتشار.
المثال الثاني شائع جداً، وهو الدعاء بعد الصلاة جماعة، بعد صلاة العصر مثلاً
أو صلاة الفجر، هذا أيضاً مما يدخل في الأدلة العامة التي ذكرها السائل آنفاً، فهل يشرع؟
الجواب: لا يشرع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل ذلك، ولا أصحابه، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة لا يزيد على أن يشير بإصبعه عليه السلام، أما الجالسون فما كانوا يرفعون أيديهم إلا فيما إذا خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة استسقاء ودعا يطلب فيها السقيا من الله عز وجل، فهو يرفع يديه والحالة هذه، وكذلك الذين هم يسمعون خطبته، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم جمعة حينما دخل رجل من باب من أبواب المسجد، فقال:«يا رسول الله! هلكت الأموال والعيال من قلة الأمطار، فادع الله لنا، فرفع عليه الصلاة والسلام يديه حتى بان إبطاه» مبالغة منه في رفع اليدين، وقال:«اللهم! اسقنا اللهم! اسقنا، وأمن الناس ورفعوا أيديهم» .
فعل هذا عليه الصلاة السلام في هذا الأمر العارض، ومن هذا الحديث ذهب بعض العلماء إلى جواز الاستسقاء بالدعاء فقط دون الصلاة، أما في سائر الخطب خطب الجمعة، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، ولذلك ورد في صحيح مسلم أن أحد الصحابة أظن اسمه ابن رؤيبة لما رأى أحد الولاة الأمويين يرفع يديه في الخطبة، قال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب وما يزيد على الإشارة بإصبعه.
إذاً: عمل من النبي صلى الله عليه وسلم جرى على خلاف جزء من أجزاء النص العام لا يجوز الاستدلال على شرعية هذا الجزء بالنص العام، فنحن الآن تحدثنا عن مثالين: أحدهما رفع اليدين في يوم الجمعة، والآخر رفع اليدين من الإمام والمقتدين بعد الفراغ من الصلاة، صلاة العصر وصلاة الفجر بصورة خاصة.
لكني أريد أن أقدم إليكم مثالاً لعله ينبه شعوركم واهتمامكم بهذه القاعدة أكثر من المثلين السابقين؛ لأن من طبيعة الناس أنهم إذا اعتادوا على شيء تساهلوا به وتسامحوا، أما إذا فوجئوا بمثال جديد، فيستنكرونه، مع أن الحكم واحد بالمثال
القديم والمثال الجديد، كل ما في الأمر أن المثال القديم اعتادته النفوس، فصار أمراً معتاداً، فما عاد يتوجه الناس حتى خاصة الناس بالنكير.
المثال الذي أريده، عندنا نصوص عامة منها قوله عليه السلام:«يد الله على الجماعة» .
وعندنا نص آخر أخص بالمثال الذي سأذكره من هذا النص الأول، ألا وهو قوله عليه السلام:«صلاة الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين .. وهكذا» كلما زاد العدد، كلما زاد الأجر والفضل.
فالآن المثال هو كالتالي: يدخل الناس إلى المساجد استجابة لمنادي الصلاة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فينتحي كل فرد منهم ناحية من المسجد ليصلي السنة القبلية، فلو أن رجلاً بدا له أن يجمع الناس الذين يصلون السنة القبلية فرادى، قال لهم: أيها الناس! تعالوا لنصلي جماعة، واحتج بالحديثين السابقين:«يد الله على الجماعة» .. «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده» أيكون استدلاله هذا صحيحاً، من تمسك بالاستدلال بالعموم على الإطلاق كما جاء في السؤال، يكون استدلاله صحيحاً، وعلى ذلك نشرع للناس جماعة أنا أقطع بأنها لا أصل لها في الإسلام، فكيف الجواب عن الحديثين الذين استدل بهما هذا الإنسان خاصة الحديث الثاني:«صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده» .
هنا تتدخل السنة العملية التي نحن نهتم بها، ونقول: إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نقلوا لنا أقواله عليه السلام وأفعاله وحياته بصورة تفصيلية، هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين دخلوا المسجد صلى كل منهم السنة منفرداً أم صلوها جماعة؟
لا أحد من أهل العلم يقول بأنهم كانوا يصلون السنة جماعة.
إذاً: التجميع في صلاة السنة القبلية وعلى ذلك قس في السنن الأخرى، يكون بدعة ضلالة، ولو أنها تدخل تحت نص عام، وحجتنا في ذلك أن هذا النص العام بخصوص هذه الجزئية لم يجر عمل السلف عليها، ومن أجل ذلك يقول أهل العلم:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
والحقيقة أن هذه البدعة التي هي هذه المسألة، أن هذه البدع الكثيرة التي عمت البلاد الإسلامية على اختلاف أشكالها وأجناسها، إنما أصلها الاستدلال بالعمومات التي لم يجر عليها العمل، ولذلك فقد أحسن الإمام الشاطبي أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام حينما قسم البدعة إلى قسمين:
القسم الأول: سماها بالبدعة الحقيقية، ولسنا الآن في صددها.
والقسم الثاني: هي البدعة الإضافية، ونحن في موضوعها الآن.
يقول الإمام الشاطبي: البدعة الإضافية هي التي إذا نظرت إليها من جانب وجدتها مشروعة، وإذا نظرت إليها من جانب آخر وجدتها غير مشروعة، ويضرب على ذلك بعض الأمثلة المهمة سبق مني أن ذكرتها آنفاً، ومنه استفدتها، وهي ما يسمى في بعض البلاد بختم الصلاة، ختم الصلاة في السنة كما جاء في الحديث الصحيح:«تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» هذا هو ختم الصلاة، أما عند أهل البدعة ما ختمت الصلاة بهذا السلام، بل لا بد من أن يلقن الإمام أو المبلغ من خلفه: سبحوا، احمدوا، كبروا، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاثاً .. ما يبدءون بشيء حتى يبدأ الإمام، ثم يرفع يديه ويدعو، ويؤمنون على دعاءه، وبذلك تختم الصلاة.
هذه الهيئة ذكرها الإمام الشاطبي في جملة أمثلة للبدعة الإضافية، من أين هنا يصح أن يقال أنها من جهة مشروعة؛ لأنها دعاء، ولأن رفع اليدين كما جاء من السؤال في الحديث الصحيح:«إن الله لا يستحيي أن يرد يدي عبده خائبتين» أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فإذاً: هذه الهيئة أو هذا الختم باعتبار أنها داخلة في عمومات، فهي مشروعة، لكن باعتبار أن هذه الصورة لم تكن في عهد الرسول عليه السلام، فهي بدعة إضافية وهو يقرر ببيان ناصع وجميل جداً أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وأصغر بدعة هي ضلالة، وإن كانت البدع غير متساوية الأقدام في الضلالات،