الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلل ذلك بأنه تغيير لخلق الله تعالى والذي يحلق لحيته إنما يفعل ذلك للحسن - زعم - وهو في ذلك يغير خلقة الله تعالى فهو في حكم النامصة تماما ولا فرق إلا في اللفظ ولا أعتقد أنه يوجد اليوم على وجه الأرض ظاهري يجمد على ظاهر اللفظ ولا يمعن النظر في المعنى المقصود منه ولاسيما إذا كان مقرونا بعلة يقتضي عدم الجمود عليه كقوله عليه السلام ههنا: «
…
للحسن المغيرات خلق الله».
وثمة دليل رابع وهو أنه صلى الله عليه وسلم جعل إعفاء اللحية من الفطرة كما جعل منها قص الأظفار وحلق العانة وغير ذلك مما رواه مسلم في «صحيحه» ففيه رد صريح على الكاتب ومن ذهب مذهبه أن اللحية من أمور العادات التي يختلف الحكم فيها باختلاف الأزمان والعصور ذلك لأن الفطرة من الأمور التي لا تقبل شرعا التبدل مهما تبدلت الأعراف والعادات: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30].
فإن خولفنا في هذا أيضا فإني لا أستبعد أن يأتي يوم يوجد فيه من الشيوخ والكتاب المتأثرين بالجو الفاسد الذي يعيشون فيه وقد سرت فيه عادة إعفاء شعر العانة مكان حلقه وإعفاء اللحية وإطالة الأظافر كالوحوش لا أستبعد أن يأتي يوم يقول فيه بعض أولئك بجواز هذه الأمور المخالفة للفطرة بدعوى أن العصر الذي هم فيه يستذوقها ويستحسنها وأنها من المظاهر الشكلية التي لا يهتم بها الإسلام بل يتركها لأذواقهم يقولون هذا ولو كان من وراء ذلك ضياع الشخصية الإسلامية التي هي من مظاهر قوة الأمة فاللهم هداك.
[تمام المنة ص (78)]
هل حكم حلق اللحية يدور مع العلة
؟
مداخلة: فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم[ربط] فرضية اللحية أو اتباعها بمخالفة المجوس وكما نقول: إن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فلمخالفة المجوس أمر صلى الله عليه وسلم -
بإطلاق اللحى، فهل هي العلة فعلاً من هذه الأدلة النقلية، العلة مخالفة المجوس، أم هناك علة أخرى في إطلاق اللحية؟
الشيخ: -طبعاً- هناك علة أخرى، لكن أرجو أن طريق البحث ما يكون عائم، أنت الآن تقول لي بِدِّي اسمع رأيك، في ماذا تسمع رأيي؟
يعني أُكَرِّر على مسامعك الرسالة اللّي قرأتها وزيادة، مش معقول هذا الشيء، إنما كما فعلت أخيرًا، يعني، تأتي بمثال فهمته منا، وبقى عندك إشكال تطرحه، أما أنه تميع الموضوع معناه بدنا نسهر الليل كله حول مسألة كهذه المسألة.
فالآن سؤالك الأخير محدود النطاق: إن هذا الأمر النبوي -بتقول- مُعَلّل بعلة، تُرَى هل هناك علة أخرى أولاً؟ هذا سؤال علمي ووجيه ودقيق.
قبل أن ندخل في موضوع: هل هناك علة أخرى أم لا، وهي موجودة فعلاً، نقول: هل قوله عليه السلام: «خالفوا اليهود والنصارى» هو علة لهذا الحكم، بحيث أنه يختلف الأمر فيما إذا جاء الأمر بإعفاء اللحية فقط، وبينما جاء مشفوعاً، ولا أقول معللاً بمثل قوله عليه السلام:«خالفوا اليهود والنصارى» وبَنَيْتَ على ذلك أنه إذا كانت علة، فالعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً، هل يختلف الحكم في رأيك بين ما إذا لم تكن هذه الجملة في الحديث، وبين أن الواقع موجودة هذه الجملة في الحديث، فيه فرق؟
السائل: طالما العلة ذُكِرَت -إذاً- انتفاء العلة ينتفي على أساسها الحكم، هذا فهمي، وقد يكون ..
الشيخ: ما عليك، هذه الجملة فلنسمها معك، وعلى ما نقول نحن إخواننا في سوريا عندنا جملة: الذي ما يأتي معك روح معه، فنحن الآن نأتي معك، نفترض أن هذه الجملة تعليلية، الأمر هنا ماذا يفيد في علمك، هل يفيد الوجوب أم يفيد الاستحباب؟
السائل: نحن نقول مثلما يقول علماء الأصول: كل أمر في اللغة العربية يعني
[يفيد] الفرضية، إلا أن تكون قرينة تصرفه عن الفرضية.
الشيخ: جميل جداً، هل هناك قرينة تصرف الأمر هنا من الوجوب إلى الاستحباب؟
السائل: لا، هناك ما فيه مجال للوجوب والاستحباب، فيه أنه حكم أو لا حكم.
الشيخ: لا، عفواً ما أجبتني، ولا يُؤْتَى المؤمن من جحر مرتين، سؤالي -بارك الله فيك-: إذا كان علم الأصول يقول: الأصل في الأمر أنه للوجوب إلا لقرينة، فهل وُجِدَت قرينة هنا تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؟
السائل: ما وُجِدَت، لكن وجد الأمر مرتبط بعلة.
الشيخ: لم نأت للحديث -بارك الله فيك- لأن هذه العلة كما هو معلوم لدى علماء الأصول، وأنت ذكرت ذلك، العلة وجودُها يثبت الحكم المُعَلَّل بها، وفقدانها يزيل الحكم، نحن الآن نريد نعرف الحكم المقرر شرعاً، هل هو واجب، فإذا زالت العلة زال المعلول، أم هو مستحب فإذا زالت العلة زال المعلول.
فإذاً: إذا زالت العلة زال المعلول، قد يكون المعلول هو الوجوب، وقد يكون المعلول هو المستحب، واضح هذا الكلام؟
السائل: نعم نعم.
الشيخ: إذاً: قبل ما نلجأ إلى الجملة التعليلية، نريد نفهم هذا الأمر يفيد الوجوب، أم يفيد الاستحباب، إذا ما زالت العلة فالأمر باقي إما على الوجوب وإما على الاستحباب.
السائل: هو إذا قُطِع بالعلة فالوجوب قطعاً، ما دام أمر فالوجوب.
الشيخ: الآن حِدت عن كلامك، وهذه شَغْلة طويلة معك؛ لأن تلك الساعة ما قلت هذا الكلام، نحن بارك الله فيك في جلسة علمية، نقصد كما قلت -آنفاً- هو التفاهم، والوصول إلى الحقيقة، لماذا تقول الآن: إذا قطع بها، ومن قبل ما قلتها، إذا قطع بها؟ لا، هذا ما يصلح أبداً، لأن هذه مثل الذي يضع «العصا في العَجَل» ، كنا
سنتفق وإذا أنت وضعت «العصا في العَجَل» ، يعني بالتعبير السوري: شكلتها، شكلتها بماذا؟ إذا قطعت، يا أخي انقطع الموضوع، إما هذا الأمر للوجوب وإما للاستحباب، إذا لم توجد قرينة فمقطوع أنه للوجوب، إذا وجدت قرينة فمقطوع أنه للاستحباب، واعترفت حضرتك بأنه لا قرينة.
السائل: ما فيه قرينة، فيه علة.
الشيخ: إذاً: رجعت حليمة إلى عادتها القديمة، لم نصل -بارك الله فيك- إلى الجملة التعليلية، وشرحت لك، وأظن أنك موافق الجملة التعليلية لهذا الحكم، أليس كذلك؟
السائل: نعم.
الشيخ: نحن الآن نريد أن نفهم هذا الحكم ما هو، هل هو للوجوب أم للاستحباب.
السائل: إطلاقاً الأمر للوجوب.
الشيخ: إذاً: خليك معي هنا، بلاش العصا في العجل، الآن هل زالت العلة؟
السائل: والله حسب الظاهر، لنا أنها زالت.
الشيخ: لم؟
السائل: لوجود العادة عند المجوس أو النصارى أو اليهود، بعض هذه العادات موجودة.
الشيخ: إذا كان هناك ملايين من البشر، وملايين من المسلمين، وفيه عندنا عادتين عادة إعفاء اللحية وعادة حلق اللحية، من حيث الواقع، من حيث العدد الذين يعفون عن لحاهم أكثر أم الذين يحلقون لحاهم أكثر؟
السائل: بالنسبة للمسلمين الآن؟
الشيخ: لا لا، أقول البشر كله، لأنك أنت ذكرت اليهود والنصارى
والمجوس.
السائل: اللي بيحلقوا أكثر.
الشيخ: فأنت لماذا جعلت العادة بالعكس، مع أن الأقلية هم الذين يعفون، ولماذا لم تعكس العكس؟ ! هو الصواب، الأكثرون ما دام باعترافك - وأرجو أن تثبت معي في هذا - ما دام الأكثرون يحلقون والأقلون يعفون، لماذا لم تقل: العادة الحلق وليس الإعفاء، لأن العبرة بالأكثرية، يعني: إذًا نقول: الناس هل عادتهم الصدق أم عادتهم الكذب، نرى الناس الصادقين القليلين نقول: لا، عادتهم الصدق، ونغض النظر عن عادة الآخرين وأن الجمهور الكذب وقلة الأمانة وو .. إلخ، -فبارك الله فيك- أنا ألفت نظرك إلى أن هناك عادتان، ما نقدر نقول: العادة الآن حددها، وإنما عندنا عادتان، عادة الإعفاء وعادة الحلق، وعادة الحلق هي الأكثر، فكيف تحكم بتعطيل الحكم الشرعي بمجرد أنه بعض الكفار، وهم الأقلون يفعلون ما يفعل المسلمون، والمفروض أنهم هم الأكثرون.
فإذاً: -بارك الله فيك- ما يصح أن تقول: إن هذه العلة صارت الآن زائلة فزال الحكم، لا تزال العلة قائمة بشهادتك أنت، أنه أكثر العالم حِلِّيق، بل الموضة، وأنت ترى الناس بمناسبة الأعياد والأفراح يدخل الواحد وهو نظيف تماماً؛ نادر جداً جداً خاصة بالكفار أنك تلاقي واحد يهندس حاله بتسريح لحيته والأخذ من شواربه .. إلخ، لهذا أُذَكِّرك والذكرى تنفع المؤمنين أن الحديث كما قلت، الأمر فيه للوجوب، والجملة التي هي جملة تعليلية كما ذكرت أنت، ونحن مشينا معك، لأنه فيه علة أخرى كما سأذكرها ما زالت هذه العلة أبداً، لم تزل قائمة:«خالفوا اليهود والنصارى» فنحن ينبغي أن نخالف جمهور اليهود والنصارى، ليس يعني خالف فرد فردين ثلاثة أربعة.
السائل: لا لا، فيه طائفة يا شيخ طائفة بكاملها تُعْفِي اللحى.
الشيخ: يا شيخ -الله يهديك- هذه الطائفة لا تزال داخلة في القلة الله يهدينا
وإياك، طائفة، حسبك الاسم، أنت تسميها طائفة، هذه الطائفة بالنسبة للعالم كله هي قلة، ولذلك فلا يزال الحديث مُحْكَماً بأمره الذي يفيد الوجوب، وبتعليله الذي يفيد استمرار هذا الوجوب، لأن العلة لا تزال قائمة.
ننتقل الآن إلى هل هناك علة أخرى؟ نقول: نعم، لعلك سمعت بقوله عليه السلام:«خمس من الفطرة» وبحديث «عشرة من الفطرة» ما رأيك كلمة الفطرة هنا، ما هو المفهوم عندك على الأقل -وبلاش الدكاترة الذين أنت حبيت تشبكنا معهم-.
السائل: لا، صدق هم ما أعطوا رأيهم بصراحة في هذه.
الشيخ: ما رأيك أنت بالفطرة هذه، يجوز مخالفتها؟
السائل: فطرة الله التي فطر الناس عليها، أيضاً أريد أسألك توضيح المعنى في كلمة الفطرة، لأنه قبل ما أعطي رأيي.
الشيخ: لا، قبل ما تسألني جاوبني، بأي معنى أنت تفهم الفطرة، بساط أحمدي، أي معنى أنت تفهمه، هل يجوز مخالفة هذه الفطرة؟
السائل: لا يجوز.
الشيخ: لا يجوز، طيب، فإذا كان من الفطرة إعفاء اللحية، ماذا تكون النتيجة يجوز حلق اللحية، أم لا يجوز؟
السائل: نحن لا نُغَيِّر في الفطرة، لا يجوز طبعاً، لا يجوز.
الشيخ: بارك الله فيك، يعني: وفر علينا الوقت، لا يجوز.
إذاً: هنا علة ثانية وهي: أن إعفاء اللحية من الفطرة، هب أن الشعوب كلها النصارى واليهود والمجوس استجابوا لفطرة الله المذكورة في الآية الكريمة، وأعفو عن لِحَاهم، ما يرجع الحكم الذي اعترفنا أنه للوجوب يبطل، لأنه الحكم مربوط مع العلة وجوداً وعدماً، زالت العلة زال الحكم .. لا؛ لأن هناك علة ثانية لن تزول
ما وجد الإسلام على وجه الأرض {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، من هنا يخطئ كل الذين كتبوا في هذه المسألة سواء الذين قالوا: بأن هذه سنة، أو الذين قالوا: إن هذه مستحبة، أو الذين قالوا: سنة عادة، وهؤلاء أبعد صواباً عن كل هذه الأقوال لأنهم لم ينتبهوا، أو انتبهوا وحادوا وأحلاهما مُر.
هذا الحديث الذي يجعل من الفطرة التي لا تبديل لها جعلوها منثورة، قال لك: عادة، يعني: إن شئت فعلته أو إن شئت تركته، كما قلنا نحن في السنن، السنن العادية: إن شئت فعلت وإن لا، لا، هذه ليست سنة عادية أبداً، وأنا ذكرت مثالاً كجواب لسؤالك، ما هو الضابط ما هي القاعدة لتمييز السنة التعبدية عن السنة العادية؟
قلت لك: إن الرسول عليه السلام إذا حَضّ على شيء من السنن العادية، يخرج ويدخل في السنة التعبدية، وآتيك بمثال لباس البياض «عليكم بالبياض فالبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم» المثال الأقوى بالنسبة لسؤالك أنت الأول هو اللحية، لأنه كما قلت: الأعراب كانوا يلتحون، كانت عادة عربية، على العكس من ذلك كان المجوس وكان النصارى يلتحون، ولعلك قرأت في كتاب فقه السيرة للبوطي -الذي ذكرته في المجلس السابق- أن رجلاً من المجوس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً من قِبَل كسرى، جاء ملتحياً، قال: من أمرك بهذا؟ قال: ربي، يعني: كسرى، قال: أما ربي فأمرني بإعفاء اللحية وقص الشارب، فالمجوس إذاً: كانوا ولا يزالوا من عادتهم حلق اللحية، قلت: أني ضربت مثال بلباس البياض، وأقوى مثال ما نحن فيه الآن، لأن العرب كان من عادتهم إعفاء اللحية، الرسول أولاً أقرهم، ولو كان هذا فقط كنت أنا أقول مع القائلين: هذه عادة، من شاء فعل، ومن شاء ترك، لا، فإنه أولاً: أمر بها أمر إيجاب كما اتفقنا، ثم جعلها من الفطرة التي لا تَقْبَل التغيير والتبديل، ما بقي على وجه الأرض مسلم.
وثالثاً: ولعله يكون أخيراً: ما رأيك في تغيير خلق الله عز وجل دون إذن من
الله أو رسوله، هل يجوز؟
السائل: لا يجوز.
الشيخ: فإذاً: هذه القضية ....
السائل:
…
الدليل العقلي الذي أنا كنت قلت لك بعضه.
الشيخ: لكن قولك دليل عقلي
…
نريد ندخل في نقاش معك، لماذا سميته دليلاً عقلياً، هل استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية هو بحث عقلي؟
السائل: طالما اشتغل العقل فيها عقلي .. هكذا فهمي لها، طالما العقل اشتغل فهي عقلي.
الشيخ: ما جاوبتني، استعمال العقل لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة، هذا الحكم الذي نصل إليه يكون حكم عقلي؟
السائل: إذا ظني في دلالته عقلي، وإذا قطعي ..
الشيخ: هذا موضوع ثاني -بارك الله فيك-، الله يهديك، لما يكون عقلي يصير ظني.
السائل: يا أخي الكريم لو أن الدليل استنباط الحكم الشرعي من دليله التفصيلي، لو كان نقلي لما اختلف العلماء في ذلك على بعض المسائل.
الشيخ: -سامحك الله-، أسألك الآن سؤالاً: الأحكام الشرعية قطعية الثبوت؟
السائل: الحديث المتواتر، حسب صحة الحديث، الأحكام .. لا، عفواً أنا أتكلم في الدليل، الأحكام ليست قطعية.
الشيخ: ما هو إذا لم يكن قطعياً ماذا يكون؟
السائل: إذا كانت قطعية كيف نستطيع
…
الشيخ: ما جاوبتني -الله يهديك-، إذا لم يكن قطعياً ماذا يكون؟
السائل: ظني ظني.
الشيخ: طيب، فإذاً: إذا استنبطنا أحكاماً من الكتاب والسنة، وسميت أن هذا الحكم ظني ما علينا من ضير؟
السائل: ما فيه شيء.
الشيخ: طيب، لماذا أنت تجادل في موضوع معروف عند العلماء، أغلب الأحكام الشرعية ظنية، يعني: ظن غالب، ظن راجح ليس ظن بمعنى ظن مرجوح، ليست قطعية، ما يضرنا نحن؟
إذاً: قولك «تسمية الاستدلال الثالث» وهو أن حلق اللحية تغيير لخلق الله بدون إذن من الله، هذا سميته حكم عقلي، كيف حكم عقلي؟ العقل إذا لم يقيد نفسه بالكتاب والسنة ضل ضلالاً بعيداً، وإذا ربط نفسه عقله بالكتاب والسنة هو اهتدى هدىً سعيداً، وهكذا.
فإذاً: قولك هذا شيء لم نسمعه من قبل، أنه مجرد استنباط حكم من الكتاب والسنة، تسميه دليلاً عقلياً، لا، لا، ليس دليل عقلي.
السائل: أنا أعني بالعقلي الاجتهاد يعني، أعني الاجتهاد.
الشيخ: على كل حال أنت يظهر أن لك اصطلاح خاص نقول لك حينئذٍ: تَيَسَّر الموضوع لكل قوم أن يصطلحوا على ما شاؤوا، لا مشاحة في الاصطلاح، هكذا انحلت المشكلة.
المهم -بارك الله فيك- خلاصة الموضوع: المسلمون اليوم شباباً وكهولاً، شيوخاً ودكاترة، متساهلون جداً بالنسبة لهذا الحكم الشرعي، ليس فقط فعلاً، بل فَهْماً وعقيدةً، لأننا نعلم جميعاً أن مواقعة المنكر منكر، لكن استحسان المنكر منكر آخر، فالذي يرابي -مثلاً- إذا توَهّم أن رِبَاه لا شيء فيه، هذا لا يمكن أن يتصور منه أنه يتوب يوماً ما، لكن إذا عَرَف أن هذا حرام لا يجوز، يرجى يوماً ما أن يتوب إلى الله عز وجل.
فمسألة اللحية هذه، أولاً: نبينا صلوات الله وسلامه عليه والخلفاء الراشدون والصحابة أجمعون أكتعون أبتعون ما فيهم حِلِّيق اللحية أبداً، ثم انزل إلى التابعين، ثم، ثم الأئمة المجتهدين، لماذا نحن نجرؤ الآن نخالف هذا السلف كله، ابتداء من سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الأئمة الأربعة والذين اتبعوهم بإحسان، الذين قالوا بوجوب إعفاء اللحية، والذين قرروا في كتبهم أن حليق اللحية لا تقبل له شهادة، لأنهم اعتبروا ذلك من هؤلاء الحليقين فسقاً.
فلماذا نخالف كل هذا الجمهور، والله عز وجل يقول، وهذا الآية وحدها تكفي، فضلاً عن هذا البحث العلمي، هذا الذي قد يعتبره البعض ما يشبه الفلسفة، لكنه العلم وإنه لحق مثلما أنكم تنطقون، لو لم يكن في الموضوع إلا الآية التالية وهي قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، والآية الأخرى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] نحن اليوم لا نتبع في حَلْقِنا للحيتنا سبيل المؤمنين، وإنما نحن نتبع مع الأسف الشديد سبيل الكافرين، الذين كل من كان عنده شيء من الثقافة يعترف معي أنهم لما استعمرونا في بلادنا، استعمرونا -وهذا استعمار أخطر- فكرياً وثقافياً، فلما خرجوا من بلادنا وتركونا في زعمنا أحراراً، وإذا بنا لا نزال نعيش مستعبدين منهم فكرياً، أين كان حلق اللحية من عادة المسلمين؟ أبداً.
هذه العادة أدخلها الأتراك الذين امتدوا غرب أوروبا، واحتلوا كثيراً من تلك البلاد، لكنهم مع الأسف لم يكن عندهم الحصانة من الكتاب والسنة، التي تحملهم على أن يحافظوا على العادات الإسلامية، فاستحسنوا حلق اللحية، واستحسنوا تغيير اللباس العربي بهذا اللباس الضَّيق الذي تنتج منه أمور تنافي كمال الصلاة، فتجد الشاب الذي يصلي متبنطلاً يضطر أنه يعمل حركات، يرفع شويه كمي .... البنطلون عشان الكوية هذه ما تنكسر، وربما ما ينفتق من وراء الضيق التفصيل، هذا كله من أين جاءنا؟ جاءنا من الاستعمار الفكري.