الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضعي.
قيد يتعلق باللحية، وقيد يتعلق بالزمن، فنحن بَحْثُنا الآن في اللحية، فليس لذلك علاقة.
مداخلة: هكذا اتضحت يعني.
الشيخ: الحمد لله.
(الهدى والنور / 42 / .. : 50: .. )
أخذ ما زاد على القبضة
السؤال: نعلم أن أحاديثاً مستفيضةً وردت في إعفاء اللحية، وهي كان ظاهرها الأمر والوجوب، ونعلم أن حديث عبد الله ابن عمر:«أنه كان إذا حج أو اعتمرأخذ من لحيته» فهل هذا دليل على جواز الأخذ من اللحية، سواء ما زاد عن القبضة، أو من الجانبين؟
الشيخ: هذه القضية ليس لها علاقة بموضوع يجب إعفاء اللحية ولا يجب، وإنما هل يجوز الأخذ منها، أو لا يجوز، صح؟
السائل: نعم.
الشيخ: أثر ابن عمر إذا كان تمسكك به هو بخصوص كونه بحج أو عمره له جواب، وإذا كان لم يكن بهذا الخصوص له جواب، فأيُّ الخصوصين تعني؟
السائل: خصوص، قال كان «إذا حج أو اعتمر»
الشيخ: طيب، فإذا ارتفع هذا القيد «حج أو اعتمر» تَغيَّر عندك الموضوع؟
السائل: ما لم يكن هناك دليل آخر، نعم يتغير عندي الموضوع.
الشيخ: يعني، لو ثبت عن ابن عمر أنه كان يأخذ حتى في غير الحج والعمرة،
يعني ينتهي الإشكال، ما أظن أنا.
السائل: بالنسبة لي لا ينتهي الإشكال يا شيخ!
الشيخ: هذا الذي أنا شاعره، بينما أنت دندنت حوله.
السائل: نعم يا شيخ.
الشيخ: طيب، إذاً: للإفادة نقول: ثبت عنه القيد والإطلاق، يعني: كان يأخذ في الحج والعمرة، وكان يأخذ من لحيته دون قيد الحج والعمرة، الذي -يعني- أفهمه منك: كأنك تريد أن تقول: هل يجوز تخصيص عموم أمر الرسول بإعفاء اللحية بفعل ابن عمر المطلق أو بلاش حج وعمرة وإنما مطلقاً، فأظن هذا هو سؤالك، أكذلك؟
السائل: نعم، هذا سؤالي، لكن كان على أول شي، بس مقتصر على التقييد.
الشيخ: أي نعم، فلذلك: خذها على الماشي فائدة، جاء المقيد وجاء المطلق أيضاً، فعن ابن عمر كان يفعل في الحج والعمرة وغير الحج والعمرة، وخذها فائدة أخرى أن الأخذ جاء عن غير ابن عمر -أيضاً- أي نعم، وهذا في الحقيقة من الأمور التي تغيب عن أذهان كثير من أهل العلم والفضل، ولذلك ينهون الناس الملتزمين بأن يأخذوا من لحيتهم، لأنهم يريدون أن يقفوا عند عموم النص:«حُفُّوا الشارب وأعفوا اللحى» وهذا هو الأصل، أي أن يقف المسلم عند النص العام أو المطلق، ولا يخرج عليه بتخصيص أو قيد إلا بدليل.
فالآن: أنا أرى أن الدليل عندنا في التقييد، وفعل ابن عمر وليس الفعل الخاص في الحج والعمرة، مع أن هذا يفيد إلى نصف الطريق، لأن الذين يقولون بتنفيذ الأمر على عمومه أو إطلاقه، لا يُجَّوِّزُون ذلك لا في حج ولا في عمرة، واضح؟
فأنا أقول: إن فعل ابن عمر هنا حجه، وذلك لما يأتي بيانه:
ابن عمر رضي الله عنهما ينبغي لفهم التقييد لفعله أن نستحضر حقيقة تتعلق بالحديث السابق ذكره «حفوا الشارب وأعفوا اللحى» أن ابن عمر هو أحد رواته، وهنا تأتي قاعدة فقهية كثيراً ما يُنَبِّه عليها أهل العلم في أثناء تناقشهم بعضهم مع بعض في بعض المسائل الخلافية، فيقولون:«الراوي أدرى بمرويه من غيره» وهذا كلام سليم، مستقى من بعض النصوص الحديثية، كمثل قوله عليه السلام:«الشاهد يرى ما لا يرى الغائب» وهذا الحديث له رواية أخرى: «ليس الخبر كالمعاينة»
وسبب هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى قصة موسى عليه السلام مع أخيه هارون من جهة، وقومه من جهة أخرى، أنه لما ذهب إلى مناجاة ربه تبارك وتعالى، وخَلَّفَ أخاه على اليهود وعلى بني إسرائيل، فاتخذوا من بعده عجلاً جسداً له خوار، فلما رجع موسى وأخبره بالخبر، ما أخذته الغيرة الدينية إلا لما شاهد، فلما شاهد قال عليه السلام:«ليس الخبر كالمعاينة» .
وهذه الحقيقة، يعني بديهية فطرية معروفة عند الناس بالعمل والتجربة، إذا الأمر كذلك، فابن عمر كما نعلم جميعاً عاش مع الرسول عليه السلام سنين وهو سمع منه هذا الحديث.
ففي اعتقادي أن ابن عمر إذا كان يعلم بالمشاهدة منه عليه الصلاة والسلام أنه لا يأخذ منها مطلقاً، مستحيل ابن عمر أن يأخذ منها شَعْرةً، لما عُرِف عنه من أنه كان أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حرصاً على الاقتداء به، حتى في بعض الأمور التي قد تُسْتَنْكَر عليه من غيره؛ وأظن هذا معروف لديكم.
فإذا كان هذا الصحابي الجليل - الذي ترجمته بعضها ذكرناه آنفاً - كان أحرص الأصحاب على الاقتداء بالرسول عليه السلام، فلو لم يره هو، أو لم يسمع منه على الأقل شيئاً يفسح له مجال للأخذ، ما كان ليفعل ذلك أبداً؛ واضح إلى هنا؟ فإذا أنضم إلى ذلك أن بعض السلف كأبي هريرة وإبراهيم النخعي وو
…
إلى آخره، كانوا يفعلون -أيضاً- يأخذون من لحيتهم، ثم انضم إلى ذلك أن الذين لا أقول أنا
أعلم .... لكن الذين يحتجون بمطلق الحديث أو بعمومه، يقولون: ما أحد نقل عن أحد من الصحابة أنه كان يأخذ، فقلنا لهم: لا، أخذوا، من أخذوا من لحيتهم فلان وفلان وفلان، عليهم هم الآن أن يثبتوا لنا العكس، ودون ذلك كما يقال خرط القتاد! ما هو العكس؟ أنهم ما كانوا يأخذون، ليس عندهم إلا مجرد عدم العلم، وأهل العلم يقولون كلاماً سليماً جداً:«عدم العلم بالشيء، لا يستوجب العلم بعدمه» .
فكون أنا وزيد وبكر وعمرو، لا يعلمون أن أحداً من الصحابة كان يأخذ، لا يعني أن أحداً من الصحابة كان لا يأخذ، هذا ليس علماً هذا جهل، ممكن هيك وممكن هيك، لكن أحد الإمكانين انتقل بما ذكرناه -آنفاً- عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهم من السلف الصالح.
وفي ذهني أن إبراهيم النخعي يحكي - وإبراهيم كما نعلمه من التابعين - يحكي أنهم كانوا يأخذون من لحيتهم، وهذا نص مُهم جداً.
وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن أمر الرسول عليه السلام بإعفاء اللحية ليس على إطلاقه وشموله، لأنه ثبت عملياً ممن لهم وزنهم علماً واتباعاً، أنهم ما طَبَّقوا هذا الحديث على إطلاقه.
من هنا ومن غيره من الأمثلة الأخرى قلت أنا في كثير من المباحثات، وهي في الحقيقة قاعدة علمية مهمة جداً مَنْ تفقه بها أدرك عشرات المسائل التي تضل الأذهان في معرفة حقيقة أمرها، هل تجوز شرعاً أو لا تجوز، فأقول:«كُلُّ نصٍ عامٍ لم يجر العمل على عمومه، فلا يجوز الاحتجاج بعمومه» واضح هذا الكلام والا مش واضح؟
يعني، لا يخفى على الجميع أن النص العام يدخل تحته أجزاء كثيرة، فيراد الاستدلال بهذا النص العام على جزء من أجزائه، لأنه إما محرم أو مشروع بدلالة أيش النص العام، فهذا الاستدلال بالعموم لا يجوز في كثير من الأحيان إذا كان
الاستدلال به يشمل جزءًا جرى عليه العمل أو لم يجرِ عليه العمل، على ضوء ذلك ينبغي أن نحتج بالعموم؛ أو أن لا نحتج بالعموم المثال الذي هو الآن بين أيدينا، ونستطيع أن نأتي بأمثله أخرى بعضها من واقع حياتنا اليوم، وبعضها نُمَثِّلُ بها تمثيلاً لتوضيح هذه القاعدة.
المثال بين أيدينا: الأمر عام «حُفُّوا الشارب وأعفوا اللحى» يراد الاستدلال بأنه لا يجوز الأخذ مطلقاً، لكن الحياة العملية دَلَّتنا أنه أُخِذَ؛ إذاً: ما نأخذ بهذا العموم لأنه ثبت عملياً خلافه، وهو الأخذ.
أحياناً يكون الأمر معكوساً تماماً، يراد الاستدلال بالأمر العام على شرعية عبادة ما، وهذه العبادة لم تُنْقل إلينا من أهل العبادة الأولين، حينئذٍ لا يصح الاستدلال بالعموم، وإلا أقررنا المبتدعين على بدعهم كُلِّهَا، لأن أي بدعة على وجه الأرض -وبخاصة- إذا كانت منقسمة إلى ما يسميه الإمام الشاطبي بالبدعة الإضافية، لا يمكن إلا أن يكون لهذه البدعة دليل في الكتاب أو في السنة، مع ذلك نحن نقول هذه بدعة.
والآن نأتيكم بمثال عملي وآخر أنا أتخيله من أجل تفهيم هذه القاعدة، أنتم تعرفوا وقد حججتم واعتمرتم مراراً، أن هناك كثيراً من المصلين، و-هنا أيضاً- نراهم الآن يضعون اليد اليمنى على اليسرى بعد رفع الرأس من الركوع، واضح هذا القبض بعد الركوع، يفعله مشايخ لهم وزنهم في العلم، ما هو دليلهم؟ النص العام، ليس عندهم أبداً حديث أن الرسول عليه السلام كان إذا رفع رأسه من الركوع وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، ليس هناك حديث أبداً، ولكن هناك حديث عام:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى» قالوا «قام» في الصلاة، يشمل القيام الأول والثاني، أي القيام الذي بعد الركوع، هذا استدلال بالنص العام، كذلك -مثلاً- أحاديث أخرى أنه «أمرنا معشر الأنبياء بثلاث، منها: بوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة» .
قالوا: هذا مطلق فيشمل: القيام الأول، والقيام الثاني بعد الركوع.
نحن نرى أن هذا الاستدلال واهي جداً، لماذا؟ لأنه إما أن يكون جرى العمل عليه عند السلف وعلى رأسهم محمد عليه السلام، وإما أنه لم يجر عمل عليه، الذي يَدَّعِي أنه جرى العمل عليه كهؤلاء الذين يستدلون بالأحاديث العامة، عليهم أن يثبتوا أن الرسول وضع يديه على صدره بعد رفع رأسه من الركوع، وهذا لا وجود له إطلاقاً، الذين لا يفعلون ذلك ليسوا بحاجة إلى أن يثبتوا النفي، أي: أن يأتوا برواية «ما كان رسول الله يضع اليمنى على اليسرى بعد رفع الرأس من الركوع» ليسوا بحاجه، لماذا؟ لأن العبادات محصورة:«ما تركت شيئاً يُقَرِّبكم إلى الله إلا أمرتكم به» ، فلوا كان الرسول عليه السلام يضع في هذا المكان لنقل كما نُقِلَ الوضع في المكان الأول، لا، لو كان الرسول يضع في الموضع الثاني كان نقل إلينا كما نقل إلينا الوضع في القيام الأول، فإن لم يُنْقَل الوضع في القيام الثاني هذا دليل عملي جرى عليه المسلمون، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك.
فالاستدلالات بالأدلة العامة، سواء كانت من أقوال الرسول وهي أقوى، أو كانت من أقوال الصحابة وهي دونها، لأن أقوال الرسول تبقى بدقة محكمه أكثر من قول الصحابي .. هذا المثال واضح لما كنا بصدده، ولا في أحد له سؤال أو استشكال قبل أن ننتقل على مثال ثاني .. نعم
السائل: بالنسبة لمقدار الأخذ، يقتصر على ما زاد عن القبضة؟
الشيخ: نعم إذا قبض على لحيته، فما زاد تحت القبضة شعرات هذه ممكن يقصها.
السائل: من العرضين؟
الشيخ: من العرضين إذا كانوا أكثرمن قبضه، ممكن أيضاً في أحد له سؤال.
السائل: روى غير ابن عمر، ما حددوا القبضة أو غيرها، فهل يجوز أن نأخذ مما دون القبضة أو نقتصر على فعل ابن عمر؟
الشيخ: لا، نقف عند ما فعل ابن عمر، لأن له مزية هو كونه راوي الحديث.
السائل: هذا ضابط قوي شيخنا.
الشيخ: أي نعم، أنا أضرب مثالاً يُوَضِّح القضية بصورة أوضح، فكثيراً ما أقول في هذه المناسبة: إذا دخل جماعة المسجد في وقت الظهر أو العصر، وأرادوا يصلوا السنة القبلية، وكما يقع اليوم وهذا هو الصواب، كل واحد ينتحي ناحية ويصلي السنة وحده، فلو بدا للإنسان فكرة، ولما دخلوا هالجماعه ورآهم بيصلي أيش وحدانًا، تعالوا ياجماعه ليش احنا بنتفرق في الصلاة والرسول قال:«يَدُ الله على الجماعة» وقال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد
…
إلى أخره» وقال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة اثنين» وهكذا، تعالوا نصلي جماعة، ترى هل هذه الجماعة مشروعة والا لا؟ كلكم وبصوت واحد بتقولوا: لا مو مشروعة، طيب، في نهي عن هذه الصلاة؟ كمان ما في نهي، ما في نهي، ما قال الرسول: لا تصلوا السنن الرواتب جماعة.
لكن أنا بقول أنا بقول بطريقتي الخاصة: نهى الرسول، لكن هذا النهي لا يشترك في فهمه عامة الناس، بل حتى لا يشترك في فهمه كل خاصة الناس، إنما بعض دون بعض.
ومن هنا جاء الخلاف في مسألة البدعة الحسنة والبدعة السيئة، لأن الذين يقولون: إن هناك بدعة حسنة ما فهموا قول الرسول عليه السلام: «كُلُّ بدعةٍ ضلالة وكل ضلاله في النار» إلا أنها مُقَيّدة، أي ليست كل بدعة ضلالة.
يعني: هذا من أعجب الخلافات التي وقعت في الأمة، فنحن الذين وَفّقنا الله عز وجل بفضله ورحمته أن نفهم هذه القاعدة العظيمة التي قَعَّدها الرسول صلى الله عليه وسلم في المجتمعات العامة، في خطبه يوم الجمعة وغيرها، فيقول:«وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» فهمناها على إطلاقها وشمولها.
حينما يأتينا إنسان بهذه الصورة التي صورتها لكم -آنفاً- تعال نصلي جماعة،