الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه نجس، أما إذا كان الأمر كما ذكرنا آنفاً، أن المادة النجسة التي وقعت فيه لم تؤثر في تغيير أحد أوصافه الثلاثة، فيجوز استعمال هذا السمن أو ذاك الزيت بعد إخراج العين التي يمكن أنها بقيت في هذا السائل مع الزمن تتفسخ، وينتن هذا المتفسخ ذاك السائل، فيتنجس ولا يجوز أكله، ولا بيعه ولا شراؤه.
هذا ما يتعلق بذاك السؤال.
(الهدى والنور/9/ 28: .. : .. )
حكم الأجبان التي قد تستخدم فيها مادة نجسة
الشيخ: إن الجبنة الهولندية كما أخبرنا صاحبنا هذا أنه ليس فيها إلا المنفحة التي تستخرج من حيوان قتيل غير ذبيح من البقر الهولندي المشهور بضخامته وبلحمه، فأنا قلت له: إذا كانت الجبنة الهولندية ليس فيها إلا هذه المنفحة التي تعتبر نجسة لأنها من ميتة وليست من ذبيحة، مع ذلك يكون هذا الجبن أكله وبيعه وشراؤه حلال، أعني أن هذه المنفحة التي تلقى كمية قليلة جداً منها في مئات الكيلوات من الحليب حتى يتحول إلى جبنة هذه النجاسة شأنها شأن النجاسة القليلة التي تقع في الماء الكثير الطاهر المطهر، فكما أن وقوع هذه النجاسة في هذا الماء الطاهر المطهر لا يحوله نجساً لا يجوز استعماله لا شرباً ولا تطهراً كذلك هذه المنفحة التي تلقى في الكمية الكبيرة جداً من الحليب ليتخثر ولتجمد كما قلنا لا يجعل هذه الجبنة محرمة، لأن هذه النجاسة القليلة اضمحلت في الكثرة الكاثرة من السائل الذي هو الحليب.
فهذه المسألة الفقهية التي يتبناها بعض المذاهب الإسلامية حول الماء تحل بها مشاكل كثيرة في العصر الحاضر منها: ما يتعلق بالجبنة الهولندية، مذهب الإمام مالك رحمه الله وأظنه مذهب الإمام أحمد أو رواية عنه أن الماء الكثير كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«الماء طهور لا ينجسه شيء» جاء في رواية إسنادها ضعيف، ومعناها صحيح متفق على صحة معناها، وهي:«ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه» وهذا المعنى المجمع عليه يمكن أن يتنبه له بشيء من الدقة إلى
صحته نظراً في قوله عليه الصلاة والسلام: «الماء طهور لا ينجسه شيء» أي: ما بقي ماء، فإذا رأيت ماء قد تغير لونه بسبب نجاسة أنت لا تمسه ماء مطلقاً، لا تقل: هذا ماء، هذا على أقل تقول عنه: ماء أسن ماء متغير طعمه بنجاسة .. إلخ، فما دام أن الماء لا يزال محافظاً على خصائصه الطبيعية كما لو كان أنزل من السماء آنفاً، فهو الماء الطهور الذي امتن الله عز وجل به على عباده المؤمنين {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] فلما جاءت هذه الزيادة بسند ضعيف وأجمع عليها علماء المسلمين صح يقيناً أن نفهم الحديث بهذا الشرح والبيان، الماء طهور لا ينجسه شيء بشرط ألا يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، ولكن هذا الشرط لابد من تقييده ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة، أما إذا كان هذا التغير في وصف من هذه الأوصاف الثلاثة بغير نجاسة فليس معنى ذلك أن الماء تنجس، كل ما يمكن أن يطرأ عليه من تحول أن يخرج من كونه مطهراً، فيبقى ماء طاهراً، أي: لا يمكن أن تتوضأ به لأنه ليس مطهراً لكن يمكنك أن تغسل به ثيابك، يمكنك أن تترطب به، يمكنك .. إلخ لأنه طاهر، ويمكن أن تشربه، هذا السائل مثلاً هذا الشراب هذا ماء، لكن طعمه متغير ولونه متغير، فهل هو نجس؟
الجواب: لا، لأن هذا تغير ليس أثر نجاسة وإنما أثر طاهر، فهو طاهر يجوز شربه، لكن لا يجوز لك أن تتوضأ به لأنه ليس مطهراً، فإذا عرفنا هذا الحكم الشرعي المتعلق بالماء الذي أنزله الله عز وجل من السماء يمكن نقله إلى قضايا أخرى، مثلاً: الزيت والسمن إذا وقعت فيهما نجاسة وكان كل منهما سائلاً، فهل يتنجس؟ خذ الميزان: إذا تغير أحد أوصافه الثلاثة بهذه النجاسة التي وقعت في هذا الزيت السائل أو السمن السائل فلا يجوز بيعه ولا شراؤه، وإنما يجب إراقته.
أما إذا لم يتغير الزيت أو السمن بمغيرات من هذه الأوصاف الثلاثة فيظل طاهراً جائزاً أكله وبيعه وشراؤه، هذا إذا كان سائلاً، أما إذا كان جامداً فالأمر أسهل، فقد جاء في الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«إذا وقعت الفأرة في سمن أحدكم فألقوها وما حولها وكلوه» وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة بناء على اختلاف الرواة في هذا الحديث رواية، الرواية الصحيحة هو ما
سمعتموه آنفاً، مطلقة:«إذا وقعت الفأرة في سمن أحدكم فألقوها وما حولها وكلوه» هذه رواية صحيح البخاري وغيره، ومن طرق تدور على الإمام الجليل الإمام الزهري، لكن في رواية أخرى خارج الصحيح تفرد بروايتها معمر عن الزهري، فأدخل في الحديث تفصيلاً كان هذا التفصيل منشأ خلاف بين الفقهاء، حيث قال:«فإن كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فأريقوه» رواية معمر هذه رواية شاذة في تعبير علماء الحديث لأن معمراً هذا ثقة ولكن له بعض المخالفات، فإذا خالف من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً منه كما هو واقع هذا الحديث كانت روايته شاذة، والحديث الشاذ قسم من أقسام الحديث الضعيف عند علماء الحديث، فمن تبينت له هذه الحقيقة الحديثية وأن الحديث الصحيح مطلق وليس فيه هذا التفصيل الذي تفرد به معمر حينئذٍ لم يجز له من الناحية الفقهية أن يخصص الحديث بالرواية الشاذة أو بالرأي كما يقول بعضهم، هذه الفأرة حينما تقع في السمن الجامد يمكن حينما نرى السمن جامداً وهو محيط بالفأرة يمكن أن تكون حينما وقعت وقعت في السمن أو في الزيت وهو مائع، فإذاً: تكون السمنة أو الزيت قد اضطربت فيها الفأرة واختلطت نجاستها بهذا السائل من الزيت أو من السمن، فما يدرينا نحن أن هذه الفأرة وقعت في هذا السمن وهو جامد فقط أو زيت؟ هذا رأي لبعض الناقدين من الفقهاء ولكن نحن لا نرى لمثل هذا الرأي وزناً أو قيمة تذكر تجاه عموم الحديث أو إطلاق الحديث الصحيح، «فألقوها وما حولها وكلوه» ويمكننا أن
نتصور أن الفأرة لما وقعت في السمن أو الزيت المائعين فعلاً اضطربت فيها وضربت إلى تحت وطلعت إلى فوق .. إلخ، لكن ما آن لها أن تتفسخ وأن تذيع مفاسدها في عموم هذا الزيت أو هذا السمن، فإذاً: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «فألقوها وما حولها ثم كلوه» على هذا الميزان نخرج بالنتيجة السابقة أن الجبنة الهولندية وإن كان فيها شيء من نجاسة المنفحة فهذا لا يضر، لأن هذه النجاسة ضائعة في غمرة الأطنان أو على الأقل كليوات من الحليب.
(الهدى والنور/490/ 05: 27: 00)
(الهدى والنور/490/ 29: 45: 00)