الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: أي نعم، نعم.
(الهدى والنور / 495/ 27: 57: 00)
(الهدى والنور / 496/ 38: 00: 00)
حكم الأخذ من اللحية
الملقي: في أمر نحب أن نتثبت منه، بلغنا عن بعض إخواننا أنك ذكرت في أمر اللحية وجوب الأخذ منها، يعني: وذكروا أنك احتججت، أو ذكرت الحجة في ذلك فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنه في أنه كان يأخذ من لحيته، وكونه هو راوي الحديث، فهو أدرى بمعنى ما يروي، فلا ندري ما صحة هذا القول، وما رأيك في هذا؟
الشيخ: نحن نقول: الحقيقة عندنا قاعدة مهمة جداً، وأرجو من إخواننا طلاب العلم أن يعوها وأن يفهموها جيداً؛ لأنه يترتب من ورائها مئات التفريعات الفقهية إن لم نقل ألوفها، وهي: لا يجوز العمل بالنصوص العامة التي بطبيعة عمومها تتضمن جزئيات عديدة، وقد ثبت أن جزءً من هذه الأجزاء لم يَجْر عمل السلف عليه.
حينئذ لا يجوز العمل بعموم هذا النص بخصوص هذه الجزئية، واضح هذا الكلام؟
لكن سيزداد وضوحاً بضرب مَثَل أو أكثر من مَثَل، أولاً: قبل أن نأتي بمثل جديد مبتكر.
نلفت النظر أن كل البدع الفاشية الآن بين المسلمين، لا يعدم المبتدعون لها أو المُحَسِّنون لها، لا يعدمون أبداً أن يجدوا نصاً في الكتاب أو في السنة، نصاً عاماً يؤيد هذه الجزئية البدعية التي هم يقولون بها.
خذو لها مثلاً: الأذان المحمدي يبدأ بـ «الله أكبر، الله أكبر» ، وينتهي بـ «لا إله إلا الله» ، كل المسلمين يعترفون بهذه الحقيقة، -وأرجو أن لا يوجد- أن أحداً مهما بلغ في الجهل وفي الضلال أن يقول بأن بلالاً وعمرو ابن أم مكتوم وأبا محذورة كانوا يقولون بعد لا إله إلا الله: الصلاة على الرسول عليه السلام، ما وقع هذا -وأرجو أن لا يقع-.
مع ذلك يحتجون علينا نحن الدعاة إلى السنة وإلى اتباع السلف والأئمة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، بيقولوا: هذا نص عام، وصدقوا، نص عام؛ لأنه ما قال: صلوا في مكان كذا، ولا قال: لا تصلوا في مكان كذا، وإنما صلوا مطلقاً، ما هو ردنا على هؤلاء؟ القاعدة السابقة.
الآن أضرب مثلاً خيالياً؛ لأنه الخيال أحياناً بيوسع آفاق المفكر، وإدراك الحقيقة التي هو يتحدث حولها.
فنحن نتحدث الآن أن العموم في جزئية ما لم يجر العمل عليها، لا يجوز العمل بها: لو أن رجلاً -نقول- دخل المسجد في وقت الصلاة، صلاة الظهر مثلاً، ودخل معه ناس، وكُلٌّ منهم انتحى ناحية من المسجد يريد أن يصلي ركعتي السنة أو أربع ركعات السنة القبلية، فقال أحدهم: تعالوا يا جماعة نصلي جماعة، ورأساً احتج بحديثين:«يد الله على الجماعة» ، و «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو سبع وعشرين درجة» ، هل هذا الاستدلال صحيح؟
طبعاً، ستقولون جميعاً، حتى ولو كان فيكم لا سمح الله مبتدع، سيقول: لا، ما يجوز، ولماذا؟ ليس عندنا جواب، إلا نفس الجواب عن الزيادة بعد الأذان وقبل الأذان، وزيادة بعد الصلاة، وأمثلة بالعشرات والمئات، بل بالألوف.
فجوابنا هو أن هذا لو كان خيراً لسبقونا إليه، لو كان خيراً الجماعة في النوافل في السنن الرواتب وقد قال الرسول: «صلاة الجماعة
…
»، هم أفهم منا أولاً، وأحرص منا على التقرب إلى الله ثانياً.
فإن لم يفعلوا فدليل أنهم لم يفهموا هذا الفهم الذي أنت تفهمه، أظن القاعدة الآن وضحت.
تطبيق المسألة على القاعدة: نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كثير من الأحاديث: «حفوا الشارب وأعفوا اللحى» ، و «خالفوا اليهود والنصارى» كما في بعض الأحاديث، نص مطلق، كما مَثَّلنا -آنفاً- بصلاة الجماعة، و «يد الله على الجماعة» ، وكما مثلنا قبل ذلك في آية:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، فلو أردنا أن نقف على هذا النص العام:«أعفوا اللحى» ، حينئذ ينبغي أن نقول: مهما طالت لحية الرجل، حتى لو وصلت إلى الأرض يجب تنفيذ هذا النص العام طبعاً، هذه مبالغة.
لكن أيّ شيء نحن ما اعتدنا عليه، لا تتصوروا أنه لا يمكن أن يوجد في الواقع، لأن العلماء يقولون: عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه.
ما سمعتم -مثلاً- بأنه رجل طالت لحيته حتى مسح الأرض بها، ما سمعتم بهذا، وربما ما سمعتم بأن رجلاً طالت لحيته حتى بلغت سُرّته، لكن هذا تحدث عنه الفقهاء، فقالوا بأن الرجل إذا كان عرياناً، وقام إلى الصلاة، ولم يجد ما يستر به عورته، فإذا كانت لحيته طويلة تستر عورته الكبرى الغليظة فيكفي، هذا قالوه، لكن أنا لا أستطيع أن أقول إنه وقع؛ لأنهم أحياناً يغرقون في ضرب الأمثلة الخيالية، عَوَّدونا على ذلك، ولهذا لا بد من مثل هذا الخبر أن يُذكر في التاريخ كحقيقةٍ واقعة، لكني أُقَرّب لكم إمكانية وقوع مثل هذا الشيء بقصة ذكرتها قريباً في مناسبة ما، قرأت في مجلة ورأيت فيها صورة ديك على جدار ارتفاعه أربعة أمتار، وذيله قد مس الأرض، وذكرت أنا هذا المثال لبعض المجادلين من الشباب المسلم، الذي تثقف ثقافة غربية مادية، وتأثر بإنكار المعجزات الإسلامية النبوية، أو -مثلاً- لا يعقل أن الرسول عليه السلام في ليلة واحدة يجاوز طبقات السماء الأولى والثانية، التي لا يعرفها العلم حتى اليوم، ويرجع في نفس الليلة، مش معقول هذا الشيء، فأنا
ناقشت هذا الشاب، فجبت له أدلة واقعية، إنه يا أخي كونك تجهل إمكانية هذا الشيء، خاصةً كمعجزة لسيد البشر عليه الصلاة والسلام، فهذا لا يعني أن هذا غير واقع، فعدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه، قلت له: ما رأيك، هل تعقل أن يكون قلب إنسان على الجهة اليمنى؟ قال: لا، قلت: لكن هذا وقع، بدليل أن كثيراً من الأطباء الذين يُشَرِّحون الجثث قد وجدوا قلب أحد المرضى في العراق قديماً، هذا قبل خمسين سنة في الجهة اليمنى، هل تعقل أن يكون لرجل قلبين يميناً ويساراً؟ قال: لا؛ أيضاً وجدوا.
هل تعقل أن ديكاً يكون حجمه هيك شبر شبرين وذيله أربعة أمتار نازل على الأرض النادر هذا شفنا صورته، فإذاً: من هذا القبيل يمكن أن يكون ربنا عز وجل الذي له خَلْق، حتى لا يقول الكفار هذه هي الطبيعية، فإن الله فعال لما يريد، وكما قال في القرآن الكريم:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68].
فإذاً: مهما طالت لحية الرجل إذا أردنا أن نعمل بعموم النص، يجب أن ندعه كما هو، لكن ماذا كان موقف السلف، وهنا يظهر لكم أهمية منهجنا السلفي حينما نقول: لا يكفي الكتاب والسنة، فلا بد من الرجوع إلى السلف الذي طبق هذه النصوص القولية من النبي صلى الله عليه وسلم، أول ذلك ما بلغك، من رواة حديث:«واعفوا اللحى» ، هو عبد الله بن عمر، وقد كان يأخذ ما دون قبضته للحيته، ما زاد منها يقصه، وليس هو انفرد بهذا، بل صح ذلك عن أبي هريرة، وصح ذلك عن جمع من الصحابة دون أن يذكر عن أحد منهم مخالفة، إطلاقاً، ونحن نعهد من بعض الفقهاء، كابن قدامة المقدسي وغيره من العلماء، حينما يأتون بفعل عن صحابي فيه بيان بيقولوا: ولا نعلم له مخالفاً، فهو إجماع، فما بالك إذا كانت المسألة منقولة ليس عن صحابي واحد، بل عن صحابة، ولا يذكر عن أحد منهم خلافها.
ثم شيء آخر -مهم جداً- في هذا الموضوع، الذي لم يعمل بعموم النص، هو أحرص بدون مبالغة، أحرص أصحاب الرسول على اتباع الرسول، هذا من حيث الواقع لا من حيث العلم، هذا الشيء الثاني، وهذه نقطة أبا فارس لازم تنتبه لها.
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا من حيث الواقع، أيوه، ما هو من الناحية العلمية، آه، أحرص الصحابة في اتباع الرسول عليه السلام في كل ما علم منه أنه فعله، من هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب، فلو أنه وقد عاشر الرسول عليه الصلاة والسلام سنين طويلة، لو أنه رآه يعفى عن لحيته مهما طالت، أترونه يتبعه، في مَثَل: رآه قميصه مفكك الأزرار؛ ليش هيك؟ قال: رأيت رسول الله هكذا، رآه يأتي إلى شجرة فيبول عندها، يقال له: لماذا؟ قال: رأيت رسول الله فعل ذلك.
هذا الصحابي الذي وصل اهتمامه إلى مثل هذه الأمثلة، يرى الرسول عليه الصلاة والسلام، نفترض أنه يرى الرسول عليه السلام قد أطلق لحيته وأعفاها بالمعنى المطلق الشامل، ويأتي هو بعد ذلك كلما طالت لحيته أخذ ما دون القبضة، هذا شبه مستحيل من هيك إنسان.
أما لو كان كذاك الأعرابي، أو كذاك النجدي هاللي سأله عما فرض الله عليه، قال له:«خمس صلوات في كل يوم وليلة» ، والحديث معروف لدى الجميع، قال: والله يا رسول الله لا أزيد عليهن ولا أنقص، قال:«أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق» ، هذا لو روى لنا حديث كهذا الحديث عن الرسول ثم خالفه فيمكن أن نقول: هذا مو مثل ابن عمر، الحريص على اتباعه في أقل شيء فعله الرسول عليه السلام، أما والراوي ابن عمر، والقاص للحيته دون القبضة هو ابن عمر، فهذا أبعد ما يكون أن يخالف الأمر النبوي، لو أنه كان على إطلاقه وعمومه وشموله، أضف إلى هذا رجلاً من السلف الصالح، من أئمة المسلمين الأربعة، «وقد امتاز على الأئمة الأربعة والأربعين والأربعمائة بشدة اتباعه للسنة» ، من هو؟ لعلكم عرفتموه؟
أحمد بن حنبل، الثابت في المحنة في الفتنة، فتنة القول بأن القرآن مخلوق، هذا -أيضاً- يقول بالأخذ ما دون القبضة، إذا رأينا أولَ إمام في السنة حريصاً على