الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفريق بين العادات والعبادات في اللبس وغيره
مداخلة: هناك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إطلاقه أزرار قميصه، هل المقصود الأزرار بكاملها [أم بعضها]؟
الشيخ: .. هذا الحديث في فهمي أنا ليس من الأمور التعبدية، وإذ الأمر كذلك فلا ينبغي الخوض فيه وفي معرفة تفاصيله، والظاهر أن فك الرسول عليه السلام لأزرار قميصه إنما كان من باب الترويح والشعور بشيء من حرارة الجو خاصة .. ففعل ذلك فليس من نوع العبادات وإنما هو من العاديات، وفي الأمور العادية المسلم مخير كل الخيرة أن يفعل ما شاء وأن يدع منها ما يشاء.
مثلاً: من الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره أكل لحم الضب وقصته مع خالد بن الوليد لما رآه يأكل بشراهة غريبة ونظر إليه متعجباً حتى ظن خالد رضي الله عنه أن في هذا الأكل شيء فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: «لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه» فالآن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم عافت أكل لحم الضب فهل يصبح حراماً؟ الجواب: لا، وعلى العكس من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب العسل، فإذا كان بعض الناس وأنا أعرف منهم من يكره أن يسمع اسم العسل فضلاً عن أن يلحسه وأن يأكله، في بلادنا السورية نبات أخضر يسمى الملوخية معروف عندكم هنا؟ هذه الملوخية بعض النساء يحسن طبخها وبعضهن لا، من هذا النوع الثاني إذا أخذت بعضاً من هذه الطبخة التي لم يحسن طبخها تصبح تمد كما لو كان لعاباً، هذا يضرب المثل لبعض الناس عندنا في سوريا يكره أن يسمع هذا الاسم ويتندر الناس معه أن يسمعوه هذا الاسم ليعرض بعيداً عنهم، وناس آخرون يأكلونه ويجدونه طعاماً وطبيخاً جيداً، بعضهم في العسل هذا شأنهم، والملوخية إلى آخره، هل نقول هذا الذي لا يحب العسل خالف السنة؟ لا، هذه أمور جبلية لا تتعلق بالشريعة الإسلامية، من أحب العسل فهو مباح ومن لم يحب فما ترك مستحباً.
كذلك فيما يتعلق ببعض الألبسة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفك أزرار قميصه وكان له نعلان لهما قبالان فإذا لبس اللابس اليوم بعض الأحذية المعروفة والتي قد تستر مقدمة القدم كله وليس هناك سيرين، ما نقول: هذا خالف السنة؛ لأن هذا اللباس يتعلق بالعادة.
بل هناك ما هو أدق في المسألة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يربي شعره حتى يبلغ شحمتي الأذنين فإن طال فإلى رؤوس المنكبين ودخل مكة وله أربع غدائر وهذا ثابت في صحيح مسلم فلا يقول فقيه بأن إطالة الشعر سنة مستحبة يعني: عبادة، أو أن حلق الشعر هو عبادة إلا في الحج طبعاً وليس كلامنا هناك، بل قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القزع وقال:«احلقوه كله أو اتركوه كله» فإذاً: حلقه كله كتركه كله سواء إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل هذا، فما بالذي يربي شعره وينميه بأفضل من الذي يحلقه ويرميه كلاهما سواء .. كلاهما فعل أمراً مباحاً .. يستوي الطرفين، فمن حلق شعره مثلاً وادعى في ذلك أنه يتبع النبي صلى الله عليه وسلم فهو مغالٍ؛ لأن هذه من سنن العادة وليست من سنن العبادة، وعلى العكس تماماً من ربى شعره وادعى أن هذا أفضل فهو كالأول ادعى ما ليس له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«احلقوه كله أو اتركوه كله» .
كذلك من ربى شعره بحكم العادة وجعل منه ضفائر وغدائر وهذه عادة لا تزال موجودة في بعض البوادي في سوريا وفي غيرها، فمن ربى شعره واتخذ من الأربع غدائر ما يكون أيضاً من الذي سدل شعره ولم يتخذ منه غدائر كلاهما سواء وكلاهما يأتون بعادة لا يحمد عليها ولا يذم، إنما يأتي الذم فيما إذا قصد بالعادة ما لم يقصده رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
هنا يأتي التنبيه الواجب: وهو أنه إذا عرف المسلم عادة من عادات النبي صلى الله عليه وسلم فليس له أن يغالي فيها إما سلباً أو إيجاباً فيقول: يستحب فعله ما دام أن الرسول عليه السلام فعله، أو لا يستحب ولا يجوز فعله وإن كان الرسول فعله، كل منهما مغالٍ،
المغالاة بالنسبة لمن يدعي الاستحباب يأتي من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قصد الاستحباب ولا قصد التقرب إلى الله تبارك وتعالى، والذي يقول: لا يجوز الفعل يقول ويحرم ما فعله الرسول وهذا لا يجوز بداهة إلا أن يكون هناك دليل وهذا فيما يتعلق بالأمور العاديات أمر نادر جداً كمثل أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأكثر من أربع من النساء فلا يجوز للمسلم أن يقول هذا يجوز فعله؛ لأنها من خصوصيات الرسول عليه السلام، لكن يمكن أن يقول: أن الأفضل أن يثني وأن تزوج الثانية أو الثالثة أو الرابعة لما هناك من أدلة تنص على أن النبي صلى الله عليه وسلم حض المسلم أن يتزوج الولود الودود وعلل ذلك عليه السلام بقوله: «تزوجوا الودود الولود فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة» .
الشاهد: أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم قسمان:
قسم قصد به التقرب إلى الله فهي قربى.
وقسم فعله بحكم العادة أو الجبلة فهي ليست قربة، والتقرب إلى الله بهذا النوع يكون بدعة في الدين.
مثلاً: هناك ناس في بعض البلاد العربية يبالغون في الحض على اتخاذ العمامة ولا سيما العمامة التركية التي هي عبارة عن تكوير الثوب الأبيض الذي يسمى في بعض البلاد بالشاش كورات عديدة على القلنسوة فهذا عادة وليس بعبادة، والغترة هذه التي تستعملونها في هذه البلاد من حيث اللغة العربية هي العمامة؛ لأنها تعم الرأس وتغطي الرأس وهذه عادة وليست بعبادة فسواء كان الرجل يضع على رأسه العمامة مباشرة ليس تحتها قلنسوة أو وضعها على القلنسوة أو وضع القلنسوة دون عمامة كل ذلك من العاديات لا فرق بين هذه الصورة وهذه الصورة والصورة الأخرى، يعن: هناك ثلاث صور، هذه واحدة، والثانية ما تفعلونه، والثالثة العمامة على الرأس مباشرةً لا يقال في شيء من هذه الأشياء أن المستحب كذا، المستحب هو ما يصلح في هذا الإنسان في الحر والقر وقد يمشي حاسر الرأس أحيانا.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه خرج ذات يوم من بيته مسرعاً وليس
على رأسه شيء، فهذه كلها تدخل في دائرة العاديات وليس في قسم العباديات فيكون من الغلو في الدين أن نتقرب إلى الله بما لم يتقرب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يجب أن يكون منا على ذكر حتى ما نقع في مثل هذا الغلو الذي يقوله بعض العلماء كمثل الحديث الضعيف:«صلاة بعمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة» .
ومن آثار هذا الغلو في بعض البلاد كسوريا مثلاً قد غلب عليهم عادة الكفار أن يمشوا في الطرقات حسراً ليس على رؤوسهم شيء، فإذا دخل المسجد وصلى أخرج منديلاً من جيبه وأخذه على رأسه، هذه يعني: أشبه ما يكون بطقوس النصارى؛ لأنهم إذا دخلوا الكنيسة دخلوها بأزياء خاصة بهم زعموا، فالمسلم يصلي في نفس الثياب التي ينبغي أن يتزين بها وأن يخرج بها وليس له ثوب من أجل الصلاة وثوب من أجل خارج الصلاة، لكن الأحاديث تعمل عملها في صفوف الناس وتوحي إليهم بالإتيان بأعمال ليس لها أصل في السنة، فالعمامة عادة وليست عبادة سواء صلى بها أو صلى دونها؛ لأن الرسول عليه السلام يتعمم وتارةً لا يتعمم، لباس هذا.
وعلى ذلك فلا ينبغي التقرب إلى الله بإطالة الشعر، من رأى أن مصلحة جسده وإقليمه الذي يعيش فيه أن يحافظ على شعره [فيقي] رأسه شر الحر والقر فله ذلك، أما أن يفعل ذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فليس هذا من أمور العبادات حتى يقتدي به عليه الصلاة والسلام، هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
مداخلة: ذكرت حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وشعره أربع غدائر ..
الشيخ: وله أربع غدائر.
مداخلة: أين هذا الحديث في أي كتاب.
الشيخ: في صحيح مسلم.
(رحلة النور: 04 ب/00: 17: 49)