الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى رأيت المؤلف -عفا الله عنا وعنه- عمم ولم يحص، أو أطلق ولم يقيد، بل صرح بأنهم والمسلمين سواء «إلا ما هو من شئون الدين والعقيدة، فإن الإسلام يتركهم وما يدينون» .
ومنشأ هذا الوهم في هذا الحديث الباطل، أنه ورد في حق أهل الكتاب إذا أسلموا، ففصل الحديث عن مناسبته، ثم استعمل على إطلاقه، فكان سبباً لمثل هذا الوهم، فالله المستعان.
وقد فصلت القول في ذلك في «الأحاديث الضعيفة» رقم «1103» .
(غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام)(ص 212 - 213)
الشهادة الحقيقية والحكمية، وحكم قولهم: فلان شهيد
مداخلة: [من مات في حادث سيارة هل يكون شهيداً]؟
الشيخ: الشهيد عند العلماء قسمان:
شهيد حقيقةً، وشهيد حكماً، الشهيد حقيقةً وهو الذي خرج في سبيل الله فقتل في ساحة المعركة فهو الذي تجري عليه أحكام الشهيد فيدفن في ثيابه ودمائه، ويجوز أن لا يصلى عليه، ما أحببت أن أقول: لا يصلى عليه لكي لا يحكم أنه لا تجوز الصلاة عليه وإنما قلت: يجوز أن لا يصلى عليه لأشعر السامع [بالجواز، فمثلاً] لا تسمح ظروف هذه المعارك الشديدة للصلاة على الشهيد فضلاً عن الشهداء، فيجوز دفنهم كما هم دون الصلاة عليهم، لكن إذا كان ضرر المعركة قد وضعت أوزارها ووجد بعض المسلمين أو قائد الجيش وقتاً لإقامة صلاة الجنازة على الشهيد هو جائز وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من الأمرين صلى وترك، فهذا هو الشهيد حقيقةً.
أما من جرح في المعركة ثم أخذ مثلاً كما يفعل اليوم إلى المستشفى الثابت أو المتنقل فمات هناك هذا ليس حكمه حكم الشهيد، فهو يغسل ويكفن كسائر
المسلمين.
ثم يلحق بهذا الثاني أنواع ذكره الرسول عليه السلام في بعض الأحاديث منها: أن الغرق شهيد، والذي يموت من بطنه شهيد، وبالحج شهيد، وبالسل .. مرض السل شهيد، والمرأة النفساء تموت بسبب ولادتها ولدها شهيدة أيضاً، هذه الأنواع من الشهادة هي شهادة حكمية وليست شهادةً حقيقية، أي: يترتب على هذه الأنواع من الشهداء ما سبق ذكره آنفاً مما ذكرناه حول شهيد المعركة.
على هذا يأتي سؤال الأخ آنفاً بالنسبة لمن مات بسبب السيارة دعساً .. صدماً إلى آخره، لا نستطيع أن نقول أنه في حكم من مات تحت الهدم؛ لأن الأمور الغيبية وليست أحكاماً عملية فقهية من أصعب الأمور إدخال الرأي والاجتهاد والقياس فيها، ويكون الجواب في مثل ذاك السؤال: الله أعلم.
وبخاصة [إذا نظرنا] إلى الأحكام المتعلقة لمن مات خارج ساحة المعركة فلا بد من الصلاة عليه وغسله ودفنه إلى آخره، أما النقطة هي ما حكمه عند الله؟ هل هو في منزلة من مات تحت الهدم أو مات غرقاً مثلاً؟ نقول: الله أعلم، لأن الله عز وجل هو الذي سيتولى جزاءه أو مكافئته إن كان يستحق المكافأة التي هي من مجموع هذه الشهادات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.
أما من حيث الأحكام الفقهية فهي تجري على هذا النوع لمن مات بسبب السيارة كما تجري على الشهداء الآخرين الذين هم شهداء حكماً وليسوا شهداء حقيقةً، هذا هو الجواب عن هذا السؤال.
مداخلة: بالنسبة يا شيخ! هل يجوز أن نلقي الشهادة أو نقول: فلان شهيد بعينه إذا مات في المعركة .. ؟
الشيخ: الحقيقة أن الناس في هذا الزمن تسامحوا وتوسعوا كثيراً في إطلاق لفظة الشهادة حتى على من مات غدراً مثلاً، وهذا في بلادنا السورية كان ظاهر علينا جداً، يعني: في ليلة كما يقال لا قمر فيها، يدفن الإنسان فحينما يشيعون جنازته
يقولون: الشهيد حبيب الله والقاتل عدو الله، فجعلوا هذا الذي قتل شهيد، وربما يكون من أفسق الفساق، ولذلك فإطلاق الشهادة على جنس من الأجناس هو أمر توقيفي، يعني: نقف عند الشرع ولا نزيد عليه كما ضربنا مثالاً آنفاً بالنسبة لمن قتل في حادث سيارة.
أما بالنسبة للسؤال هذا الأخير: فالحقيقة أن الحكم بالشهادة لإنسان مات في ساحة المعركة أو مات بمرض من تلك الأمراض التي سبق ذكرها فنحن نرجو أن يكون شهيداً ولا نقطع بذلك على الله تبارك وتعالى؛ لأن الشهادة كما لا يخفاكم جميعاً يشترط فيها أن يكون جهادهم في سبيل الله تبارك وتعالى، وكما جاء في بعض الأحاديث لكن فيه ضعف؛ لأنه من رواية عبد الله بن لهيعة المصري رواه بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم:«رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته» هذا الحديث وإن كان في سنده ذاك الضعف لكن معناه صحيح.
وقد وقع في عهد الرسول عليه السلام أن أحد الصحابة شوهد في بعض المعارك والغزوات يقاتل المشركين قتالاً شديداً عجب منه أصحاب الرسول عليه السلام وكلهم شجعان وأبطال مع ذلك فيما رأوا من استبسال ذلك الرجل في مقاتلته للمشركين فدعاهم إلى أن يذكروا ذلك الاستبسال أمام الرسول عليه السلام فقالوا: يا رسول الله! فلان كذا وكذا، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم رهيباً جداً حيث قال:«هو في النار» ثم رأوه في المعركة الثانية لا يزداد إلا قتالاً واستبسالاً وذكروا أيضاً للرسول، فقال: هو في النار .. ثلاث مرات، هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أبو هريرة لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة هو في النار كدنا أن نشك! لأن خبر الرسول عليه السلام في الظاهر ينافي استبسال هذا الصحابي لكن والحمد لله ما كان لأصحابه أن يشكوا ولكنه قال: كدنا أن نشك، أي: ما شككنا لكن لقوة التنافر بين جهاد هذا الإنسان وبين شهادة الرسول له بالنار، قال: كدنا أن نشك، فما كان من أحد الصحابة إلا أن قال: أنا أتولى أمر هذا الرجل فكان كلما هجم هجمة على المشركين ظاهر الرجل
الثاني معه ليرى مصيره؛ لأنه متأكد من صدق النبي صلى الله عليه وسلم وشهادته عليه بأنه في النار؛ لأن الله عز وجل قال في حقه عليه الصلاة والسلام: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
فكان كما يقال: أتبع له من ظله، وما [يفارقه] إلى أن رآه ورأى مصيره ونهايته أن الجراحات تكاثرت عليه فلم يصبر عليها فوضع ذؤابة سيفه، أي: رأس السيف، في بطنه واتكأ عليه فخرج من ظهره فمات، فركض الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له: يا رسول الله! فلان الذي قلنا لك كذا وكذا وقلت أنت: هو في النار فعل كذا وكذا أي: قتل نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم:«الله أكبر صدق الله ورسوله إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة» ولذلك قال عليه السلام في بعض الأحاديث: «إنما الأعمال بالخواتيم» هذا الرجل [الخبر] الصادق فيه تنبيه المسلم أنه لا يجوز أن يجزم بأن فلان شهيد عند الله تبارك وتعالى؛ لأن لنا الظاهر والله يتولى السرائر، وإنما نقول: نرجو أن يكون مات شهيداً؛ لأن هذا هو الظاهر.
وهذا مثله كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «المدح هو الذبح، المدح هو الذبح، المدح هو الذبح» كررها ثلاثاً .. «إن كان أحدكم لا بد مادحاً أخاه فليقل: إني أحسبه كذا وكذا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً» وحينما يمدح المسلم أخاً له مسلماً فإنما يمدحه بناءً على ما ظهر منه من صلاحه كما يظهر من صلاح ذلك الرجل الذي يجاهد في سبيل الله ولكن ما ندري ماذا ينتظر هذا الإنسان .. فالضمائر والقلوب بيد الله لا سيما وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك» .
فإذاً: نرجو أن يكون فلان مات شهيداً إذا مات في ساحة المعركة أو مات بوصف من الأوصاف التي جاءت دليلاً على أنه شهيد حكماً في السنة كما ذكرنا آنفاً،