الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل صح عن أحد من العلماء أنه قال بأن حلق الشارب بدعة
؟
مداخلة: فضيلة الشيخ! هل صح عن أحد من العلماء أنه قال بأن حلق الشارب بدعة؟
الشيخ: نعم، ذلك قول إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رحمه الله، بل أنا أحفظ عنه أنه قال: حلق الشارب مُثلة، والحقيقة أن حلق الشارب أي استئصاله بالموسى أو بالماكينة الناعمة فيه خلاف للسنة، وهنا بحث لا بد لي من شرحه وإن كان قد تأخر الوقت بعض الشيء، ولكن من كان محباً لسماع العلم فليطل صدره معي:
سنة النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم كما تعلمون إلى قول وفعل وتقرير، وقوله عليه الصلاة والسلام في كثير من الأحيان يتحمل وجوه من المعاني، وفي هذه الحالة لا بد لطالب العلم من تتبع السنة العملية التي تحدد المراد من السنة القولية التي تحتمل أكثر من معنى واحد، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأخذ من الشارب بعض الألفاظ التي يمكن أن تفسر بعدة معاني، وذلك هو الذي وقع، كقوله عليه الصلاة والسلام:«حفو الشارب وأعفوا اللحى» في لفظ آخر: «جزوا» في لفظ ثالث: «أنهكوا» وكل هذه الألفاظ تعطينا المبالغة في الأخذ بالشارب أو من الشارب، فهل يا ترى المقصود بهذه الألفاظ هو الشارب كله أو بعضه، هنا وقع الخلاف بين العلماء، وهنا تتدخل السنة العملية التطبيقية لترجيح رأي على رأي، في الاحتمالات الممكنة من تلك الألفاظ وتحديد معنى من تلك المعاني.
سمعتم قوله عليه السلام: «حفوا الشارب» جزوا .. أنهكوا .. معنى ذلك استئصال الشارب كله؛ لأنه أطلق وقال: «حفوا الشارب» ما قال في هذا اللفظ وفي غيره بعض الشارب؛ ولذلك وجد من العلماء قديماً وحديثاً من يذهب إلى حلق الشارب تماماً وإعفاء اللحية، لكننا إذا نظرنا إلى شيئين اثنين:
أحدهما من قوله عليه السلام، والآخر فعله وهو الأهم.
أما قوله فقد بين أيضاً أن الحف والأخذ بأي نوع من الأنواع المذكورة في تلك الألفاظ الثلاثة ليس المقصود أخذ الشارب برمته وإنما المقصود ما يطول على الشفة، المقصود الأخذ من الحافة، فقوله في اللفظ الأول: حفوا، لا يعني الاستئصال وإنما يعني الأخذ من الحافة كما في القرآن الكريم:{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75] فحافة الشيء طرفه، فأكد هذا المعنى وترجح بأحد شيئين اثنين أشرت إليهما آنفاً، أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم:«من لم يأخذ من شاربه فليس منا» لم يقل: من لم يأخذ شاربه وإنما قال: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا» إذاً: في هذا نص أن الأخذ لا يكون للشارب كله وإنما يكون أخذاً لبعضه، ما هو هذا البعض؟ ذلك بيانه في فعله عليه السلام فهنا بيت القصيد كما يقال.
لقد روى الإمام أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده عن المغيرة بن شعبة أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد طال شاربه، أي: طال وزاد على الشفة، فأمر عليه الصلاة والسلام بأن يؤتى له بسواك ومقراض فوضع السواك تحت ما طال من الشارب ثم قرضه، وهذا فعل يحدد المعنى المقصود من كل تلك الألفاظ أنه ليس المقصود استئصال الشارب كله وإنما استئصال ما زاد على الشفة وهو المراد بقوله:«حفوا الشارب وأعفوا عن اللحى» ففعله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قد رفع كل المعاني من المعاني التي ذكرناها آنفاً وعين أن المقصود بالأخذ ما زاد على الشفة وليس ما علا عليها؛ ولهذا فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأخذ شاربه ولا يأخذه من أصله، بل وكان يطيل سبالته وقد جاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله بالسند الصحيح أن من خلق عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب نفخ وفتل شاربه، وهذا يدل على أن الشارب لا يؤخذ كله وإنما يؤخذ ما زاد على الشفتين.
وهنا نكتة طبية بعد أن أثبتنا أن الحكم النبوي هو المحافظة على الشارب لكن استئصال ما زاد على الشفة، في ذلك فائدتان طبيتين:
الأولى: أن الرجل إذا تساهل بشاربه وطال على شفته
…
في ذلك نوع من