الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يضاف إلى ذلك ما أشرت إليه آنفًا من أنه لم ينفرد بالأخذ من اللحية، بل تابعه على ذلك أبو هريرة ومجاهد وذلك مروي في تفسير ابن جرير الطبري، أضف إلى ذلك أنه لم ينقل عن أحد من السلف فيما علمت ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لا قولًا ولا فعلًا أنه لا يجوز الأخذ من اللحية ولو ما أخذ منها عبد الله بن عمر الخطاب رضي الله عنه.
إذا عرفنا هذا البيان يأتي الجواب عن سؤال الأخ أن الرسول عليه السلام نهى عن قص اللحية
…
إذًا: كما نقول: الإعفاء في الحديث مطلق وليس مراد، والقص في الحديث مطلق وليس مراد، بل المراد في كل من الأمرين خلاف المطلق، المراد بالإعفاء هو إعفاء ما فوق القبضة أو ما تحت القبضة وليس ما دونها، والمقصود بالنهي عن القص والتشبه بالأعاجم إذا زاد أن يأخذ خلاف ما أخذ ابن عمر، أي: أخذ أكثر مما أخذ ابن عمر.
هذا ما عندي في هذه المسألة.
(لقاءات المدينة لعام 1408 هـ (3) /00: 25: 59)
حكم أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية
مداخلة: ما قول فضيلتكم في حديث ابن عمر: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته ما زاد عن القبضة» مع تعارضه مع قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة وسرد وقال: «وفروا اللحى» .. «حفوا اللحى» .. «أرخوا اللحى» ؟
الشيخ: في اعتقادي أن هذا النوع لا يصح أن نسميه تعارضاً؛ لأن النص العام قد لا يكون دائماً لا على عمومه وشموله، وآنفاً ذكرنا مثالاً واضحاً ألا وهو قوله عليه السلام:«صلاة الرجلين أزكى من صلاة الرجل وحده» وبينا أن هذا العموم لا يؤخذ به؛ لأنه لم يجر العمل عليه، فيا ترى! عموم قوله عليه السلام:«وأعفوا اللحى» .. «وأرخوا اللحى» .. «ووفروا اللحى» هل هذا العموم جرى عمل السلف
عليه؟ الحقيقة أن القاعدة التي ذكرتها آنفاً قاعدة هامة جداً يتفرع منها أن نستكشف أموراً يظنها كثير من الناس من العبادات وهي ليست من العبادة في شيء، فهذا العموم في:«وفروا اللحى» هل جرى عمل السلف على ذلك أم لا؟ إن كان جرى عمل السلف - جواب تحفظي احتياطي - إن كان جرى عمل السلف على ذلك فالعموم ماشي على طول، حتى لو إنسان ربنا بارك له في لحيته وجرها على الأرض جراً هكذا السلف، وهكذا نحن نفعل، أما إذا كان السلف لم يعمل بهذا العموم فهل يجوز العمل به؟ عرفنا الجواب آنفاً لا، أي عام لم يجر العمل به فمعنى فهماً للنص على العموم الذي أوجب علينا عملاً لم يفعله السلف فهذا دليل أن فهمنا خطأ.
والأمر في هذا الحديث هو من هذا القبيل تماماً، أي: إن السلف لم يجر عملهم على هذا الإطلاق والشمول: «أعفوا اللحى» بل جرى عملهم على خلاف ذلك، وفي مقدمتهم ابن عمر وهو أحد رواة هذا الحديث، وهنا تكمن فائدة مهمة جداً وهي التي يقول العلماء بمناسبتها: رأي الراوي أو فهم الراوي أدرى بمرويه من غيره، فنحن حينما نسمع هذا الحديث من بعد أربعة عشر قرناً:«وفروا اللحى» .. «اعفوا عن اللحى» يتبادر إلى ذهننا أن المقصود توفيراً مطلقاً بدون حدود، لكن إذا تذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الشاهد يرى ما لا يرى الغائب» وقوله في اللفظ الآخر: «ليس الخبر كالعيان» حينئذٍ نقول: نحن بعد أربعة عشر قرناً يمكننا أن نفهم هذا الحديث أكثر مما رأى المتكلم به .. المتكلم به هو رسول الله، والراوي له هو عبد الله بن عمر .. ما تحت القبضة كان ابن عمر يأخذه، فنحن والحالة هذه لو كان هو في هذا المجال وحده لا نستطيع أن نقول: خالف حديث الرسول؛ لأنه تكون المخالفة متجسدة لو قال مثلاً: لا تأخذوا من اللحية شيئاً، ثم أخذ فهذه مخالفة، أما «اعفوا عن اللحى» .. «ارخوا اللحى» فهذا نص عام يمكن أن يكون بهذا الإطلاق ويمكن أن يكون بذاك التحديد الذي فعله ابن عمر، قلت: هذا لو تفرد ابن عمر بهذا الأثر فكيف وقد ورد ذلك عن غيره من السلف منهم أبو هريرة، منهم مجاهد، منهم إبراهيم بن يزيد النخعي حيث قال: كانوا يأخذون من لحيتهم، إبراهيم بن يزيد
تابعي وهذا النخعي مشهور، كانوا يأخذون، يعني: الصحابة ولم يرد عن غير هؤلاء ما يخالف ما ذهبوا إليه، في مثل هذا يقول ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني: فثبت أنه لا خلاف فهو إجماع لا يعرف له مخالف، هذا يقول أحياناً رحمه الله في الصحابي الواحد: إذا قال قولاً أو فعل فعلاً ولم يعرف له مخالف فهو في منزلة الإجماع بمعنى: فهو حجة، فإذا لاحظنا هنا ما يأتي:
أولاً: ابن عمر هو راوي الحديث فهو أدرى بمرويه من غيره.
ثانياً: أن ابن عمر كان أحرص الصحابة إطلاقاً في اتباع الرسول عليه السلام في أفعاله، حتى الأفعال التي يسميها بعض العلماء بأنها غير تعبدية وإنما هي أفعال عادية، فكان من عادة الرسول عليه السلام أحياناً أن يفك أزرار قميصه، ففعل ابن عمر ذلك، فقيل له: لم؟ قال: رأيت رسول الله يفعل ذلك، ممكن الرسول كان في مثل هذا الجو الحار الآن في هذه الغرفة، فك زر أو زرين فهذه ليست قضية عبادة هذه قضية عادة، أو كان الجو العام في خارج البنيان كما هو الشأن في البلاد العربية خاصة في أيام الصيف حاراً فأراد عليه السلام الاسترواح والترطب ففك بعض الأزار ليس بهذا علاقة بالعبادة، مع ذلك فابن عمر كان يتبع الرسول عليه السلام حتى في هذه الأشياء، وله نماذج أخرى يذكرها الحافظ المنذري في أول كتابه: الترغيب في باب السنة، كتاب السنة، فإذا كان هذا شأن ابن عمر في الحرض على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور العادية كيف يخالف الرسول عليه السلام .. كيف يتصور أن يخالفه في الأمر التعبدي وأمر صادر من قوله:«فاعفوا اللحى» هذا أبعد ما يكون لو كان ابن عمر وحده في هذا المجال، فكيف وقد ذكرنا أن معه أناس آخرون من الصحابة والتابعين؟ ! فيكون الأمر المذكور في الحديث ليس على إطلاقه فلا يصح أن نقول: بأن ابن عمر خالف حديث الرسول.
مداخلة: فضيلة الشيخ! علمتنا على الدقة في جميع المسائل، النظر هنا يقول في حديث ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته وما نسبها إلى ابن عمر. نريد
أن تمثل في هذا مثل، تقول: كان رسول الله ..
الشيخ: لا، هذا ليس صحيحاً، لو صح انتهت القضية، هذا حديث فيه رجل شديد الضعف ولذلك خرجناه في سلسلة الأحاديث الضعيفة لفظ الحديث:«كان يأخذ من عرضها وطولها» هذا الحديث لو صح لانتهى القيل والقال في المسألة لكن الحديث لم يصح ولذلك رجعنا إلى ملاحظة فعل السلف، فقلنا: إن فعلهم يدل على أن هذا العام، أو هذا الأمر المطلق ليس على إطلاقه.
مداخلة: وهل كان فعل ابن عمر في الحج فقط؟
الشيخ: لا، في الحج والعمرة وفي غير ذلك، كذلك الروايات الأخرى التي جاءت عن بعض الصحابة ....
مداخلة: على هذا أقول: قد يروي الراوي صحابي الحديث فيخالفه
…
الشيخ: هذه مسألة غير التي ذكرتها، المسألة التي أنت تسأل عنها: إذا كان راوي الحديث خالف رأيه حديثه فهل العبرة بحديثه أم برأيه؟ الجواب عند الجماهير: أن العبرة بحديثه بروايته وليس برأيه خلافاً للحنفية فإنهم يقولون: العبرة برأيه لا بروايته، هذه مسألة غير التي كنا فيها، قلنا آنفاً: الراوي للحديث أدرى بروايته من غيره، وليس هذا من باب إذا تخالف رأيه مع روايته فهذا يقدم على روايته؟ لا، فالمثال في ذلك أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث المعروف في البخاري:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب» ثم جاء عن أبي هريرة أنه قال: يغسله ثلاثاً، هذا قوله وذاك روايته، روايته تقول: سبعاً، رأيه يقول: ثلاثاً، إذاً: على حسب الاختلاف السابق، من قال: روايته تقدم على رأيه قال يجب الغسل سبعاً وهذا هو الصحيح، ومن قال: رأيه مقدم على روايته يقول: يغسل الإناء ثلاثاً لا سبعاً، وهذا خلاف الحديث الصحيح، ويكفي في ضعف هذه القاعدة مخالفة الحديث الصحيح.
(رحلة النور: 23 أ/00: 40: 42)