الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم الذهب المحلق للنساء
مداخلة: من الغريب العجيب: أن جماهير العلماء يحرمون أواني الذهب على النساء وهم يعلمون كما نعلم معهم قوله عليه السلام لما خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه ذهب وفي الآخر حرير وقال: «هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها» .
هم يعلمون هذا الحديث الذي يشمل كل ذهب، وأنه على الرجال حرام وعلى النساء حلال، مع ذلك لا يجيزون للمرأة استعماله في أواني الذهب والفضة، مع أنه لا يوجد نص خاص في تحريم أواني الذهب على النساء، وإنما هناك نص عام من حيث الأسلوب العربي يمكن أن يدخل فيه الإنسان ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«من أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم» .
فهم أخذوا تحريم هذه الأواني الذهبية على النساء مِن لفظه مَنْ؛ لأنها من صيغ الشمول والعموم، فدخل فيه الرجال والنساء، ولما جاءت أحاديث صريحة وصحيحة، وأكثر من هذا الحديث هذا حديث واحد لكنه صحيح تحرم هذه الأحاديث صراحة على النساء الذهب المحلق، قالوا: هذه الأحاديث منسوخة، ما الذي نسخها؟ حل لإناثها، هذا أولاً يتنافى مع القواعد الأصولية التي تعلمناها منهم؛ لأنه لا يجوز نسخ الخاص بالعام، وإنما العكس هو الصواب يستثنى الخاص من العام، ويبقى العام هو شبه منسوخ، لكن لا كلاً، وإنما جزءا، مثاله: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة: 3] الميتة عام أو مطلق يشمل كل ميتة من ذلك مثلاً: ميتة البحر وميتة الجراد، ميتة الحوت السمك والجراد، فإذا نحن اعتمدنا فقط على هذا النص القرآني حرمنا ميتة السمك والجراد، كذلك والدم يشمل الكبد والطحال لكن العلماء لما وجدوا الرسول عليه السلام قد قال:«أحلت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد، والكبد والطحال» ماذا فعلوا بالآية؟ قالوا: مخصصة بالحديث فإذا أردنا أن نوجز معنى الآية قلنا: حرمت عليكم الميتة إلا ميتة
الحوت والجراد والدم إلا دم الكبد والطحال، فهذا النص القرآني عام ما نسخ الجزءان المخالفان لعموم النص، وإنما على العكس من ذلك استثني من النص العام ما خصص ذكره بالحل في النص الخاص، ولذلك قلنا: حرمت عليكم الميتة إلا كذا، وما قلنا حرمت كل ميتة والحديث منسوخ؛ لأنه معارض للنص العام لا يقول العلماء: أن الخاص يعارض العام، وهذا الشيء منه كثير وكثير جداً، مثلاً: لما ذكر الله عز وجل المحرمات من النساء قال: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] لما ذكر المحرمات من الرضاع كلها، قال:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] أختك في الرضاع
تحل، وهكذا لكن جاء الحديث الصحيح يقول:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فماذا فعلوا في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]؟ خصصوا هذا النص القرآني بالحديث النبوي، وهكذا في كثير جداً من النصوص العامة في القرآن تأتي مقيدة بالسنة في موضوعنا هذا: ليس عندنا إلا حديث: «حل لإناثها» كما جاء حديث تحريم أواني الذهب بلفظة: «من شرب أو أكل» قالوا: النساء لا يجوز لهن استعمال هذه الأواني وإن كان الذهب مشروع عام يباح لهن، فينبغي أن يقال حين ذاك: من باب أولى لا يجوز لهن التحلي بالذهب المحلق؛ لأن ذلك جاء منصوصاً بخصوص النساء وليس بالنص العام كما هو الشأن في أواني الشرب من الذهب، مثلاً: قال عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه بحلقة من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه بسوار من نار فليسوره بسوار من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبه بطوق من نار فليطوقه بطوق من ذهب، وأما الفضة فالعبوا بها، العبوا بها العبوا بها» .
عندنا الحديث الثاني - وهو أصرح دلالة - لأن هنا لا يخفاكم أن كثير من الناس لا يعلمون أن صيغة فعيل تطلق على الأنثى والذكر معاً، فقد يشكل عليهم فيقول: حبيبه يعني: الذكر فيقال مثلاً: رجل قتيل وامرأة قتيل.
مداخلة: وجريح ونحو ذلك.
الشيخ: وهذا من هذا القبيل فيشكل عليهم [يقولون] لا هنا ليس مقصود الإناث إنما الذكران، يأتي على هذا الفهم المنحرف قوله: وأما الفضة فالعبوا بها، فالعبوا بها كيف شئتم، هذا نص وهذا ما لا يقولون بإباحته للرجال، وثانياً: وهذا أيضاً واضح لكن قد يجادل البعض: من الذي يتسور؟ لا نقول من الذي يتحلق يتسور هم النساء، من الذي يطوق عنقه؟ هم النساء الشاهد لكن الحديث الذي أشرت إليه وعزمت على ذكره صريح جداً، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذات يوم على امرأة فتخاً من الذهب، الفتخ: هو الخاتم الضخم.
وخرج، فما كان منها رضي الله عنها إلا أن أخذت هذه السلسلة وباعتها، واشترت بثمنها عبداً فأعتقته لله، فلما بلغ خبرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الحمد الله الذي نجى فاطمة من النار» .
هذا نص صريح، والحكمة التي أشرت إليها آنفاً، كأن ربنا قدر ترجع تلك المرأة إلى بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، لتفهم أن الحكم واحد، وأن هذا ليس خاص بك أنت؛ لأنك لست بنتي، هذه بنتي، ورأيت ما فعلت بها، فعذمها عذماً شديداً، وقال لها كما سمعتم:«أيتحدث الناس بأن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم في عنقها طوق من نار» .
فإذاً: القواعد العلمية الأصولية من جهة ومعاملتهم لحديث الشرب من آنية الذهب من جهة أخرى، يوجب على كل العلماء أن يستثنوا الذهب المحلق من الإباحة العامة، فيقال الذهب مباح للنساء إلا ما كان محلقاً، وهو ثلاثة أشياء: الخاتم، والسوار، والطوق، لكن أكثر العلماء على خلاف هذا، أكثر العلماء يبيحون
للنساء الذهب مطلقاً، فإذا قيل لهم: هل يجوز لها الشرب؟ قالوا: لا، ما الدليل؟ دليل عام، فأعملوا الدليل العام، وهجروا الدليل الخاص، وهذا ليس صواباً لا من حيث علم أصول الفقه الذي هم وضعوه، وقالوا مثلاً: أن الخاص يخصص العام، وبعض السلف كان يسمي النص العام منسوخاً، والنص الخاص ناسخاً، وهذا المعنى فيه دقة؛ لأنه فعلاً النص الخاص ينسخ النص العام، لكن ليس كله، ينسخ منه هذه الجزئية، فهم لاحظوا هذا المعنى وقالوا كلمات أشكلت علينا نحن المتأخرين، مثلاً: الإمام السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» يذكر أن هناك نحو ستين آية أو أكثر والله نسيت الآن، منسوخة، ويأتي الخلف ويقولون: يا غيرة الله! ستين آية في القرآن منسوخة، هذا مبالغة، لكن هو الذي يستغرب هذا ويجعله مبالغة، هو لا يعرف اصطلاح السلف، لأن السيوطي وظيفته جمع الأقوال في الآيات، فجمع، فلان قال الآية الفلانية منسوخة، وفلان قال الآية الفلانية منسوخة .. إلى آخره، فظن أن النسخ هنا بالمعنى الأصولي المتأخر، يعني إلغاء الحكم من أصله، مثلاً: قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ} [البقرة: 256].
إذاً: لا يجوز مقاتلة الكفار، لكن قال عليه السلام:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها، فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .
الآية إذاً مخصصة وليست منسوخة، مخصصة لأنه في إكراه لمن أبى أن يدفع الجزية وأبى الإسلام، فحينئذ لا بد من القتال، وهذا معروف في سنة الرسول عليه السلام لما كان يجهز السرايا ويأمر عليها الأمراء، يقول للأمير: إذا لقيتم المشركين، فادعوهم إلى إحدى ثلاث: إلى الإسلام، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالقتال.
الذي يدفع الجزية، {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، ولا يسلم.
بقي الشيء الثالث الذي لا يسلم ولا يدفع الجزية، فهو يكره على الإسلام؛ لأنه