الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخذ من اللحية
مداخلة: حديث ابن عمر رضي الله عنه عندما كان يأخذ ما بعد القبضة، هل يعتبر قوله حجة؟
الشيخ: نعم؟
مداخلة: هل يعتبر فعله حجة؟
الشيخ: نعم هو فعل، وفعله عندي هنا حجة، لماذا؟ وهذا له علاقة بقاعدة يجب نحن أن نكون على تفقه فيها، أنا أقول مقتنعًا بما أقول: بأن أي نص عام يشمل أجزاء عديدة لم يجر العمل .. عمل السلف على جزء من أجزائه فالعمل بهذا الجزء ليس شرعًا، مفهوم هذا الكلام أو يريد توضيح؟
الحقيقة هو بحاجة إلى توضيح: أنا أقرب هذا بمثل لم يقع وأرجو ألا يقع، وإن كان بعضه وقع: أما المثل الذي لم يقع: جماعة يدخلون المسجد بعد الأذان لصلاة السنة القبلية كالظهر، فأحدهم يقول للجماعة: تعالوا يا إخوان نصلي جماعة .. بديل أن نصلي فرادى نصلي جماعة، ويحتجوا بحديثين صحيحين:
الحديث الأول: «يد الله على الجماعة» .
الحديث الثاني أوضح: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين» إذًا: تعالوا نصلي جماعة، [لو سألت] أهل العلم أو طلاب العلم هل هذا الداعي محسن أم مسيء؟ كلهم يجمعون على أنه مسيء، لماذا وقد احتج بحديثين اثنين؟ الجواب بدهي عندهم، قالوا: لأن هذه الجماعة لم تشرع، جماعة النافلة هذه لم تشرع.
هنا الآن يحتاج الأمر إلى شيء من البصيرة: هل عندنا نص أنهم ما كانوا يصلون هذه السنن القبلية أو السنن البعدية .. ما كانوا يصلونها جماعة .. هل عندنا نص
بذلك؟ لا نص عندنا، إذًا: كيف نقول؟ أنا أقول: ما صلى، فعلًا وغير يقول هكذا، من أين أخذوا والنص مفقود؟ .. لو كان هذا وقع لنقل، فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع، بمثل هذه المقدمات نصل إلى تلك النتيجة، أي: ما كان السلف يصلون هذه السنن جماعة، إلى هنا أظن واضح الموضوع .. هذا الذي لم يقع وأرجو أن لا يقع، وأما الذي قلته آنفًا: بعضه وقع، فأنتم ترون الناس في المساجد جماعة بعد جماعة .. جماعة بعد جماعة! لكن ما هي؟ الفريضة، يعني: يدخل جماعة يجدون الإمام قد صلى فيتقدمهم واحد وهذا وقع كثيرًا ويرفع صوته ويقف في منتصف المسجد لا يصلي إلى سترة؛ لأنه جاهل لا يعرف أحكام الشرع، فيرفع صوته ويشوش على الناس، هل يذكر رب العالمين بعد الفريضة، أو يشرع بالنافلة هذه السنة فيشوش عليهم، ما حجة هؤلاء؟ هل حجتهم أنهم كانوا أعني السلف الصالح كانوا يصلون جماعة ثانية وثالثة؟ وهكذا دواليك صلاة العصر يضلون في بعض البلاد السورية إلى أذان المغرب جماعة بعد جماعة .. جماعة بعد جماعة إلى آخره.
لا شيء من ذلك، لكن من أين أخذوا؟ من مثل ما أخذنا نحن آنفًا: جماعة السنة، استدل المثال السابق بقوله عليه السلام:«صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده» هؤلاء جماعة دخلوا المسجد وقد انتهت صلاة الجماعة، إذًا: تعالوا نصلي جماعة: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده» وهناك الحديث الأشهر والأصح، قوله عليه السلام:«صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة» إذًا: أحسن ما نصلي فرادى نصلي جماعة، هذا واقع أم ليس بواقع؟ الدليل هو نفس دليل القضية السابقة، لكن الفرق: أن هذا لم يقع وذاك وقع، والدليل واحد، والدليل كله مرفوض، ولذلك جاء الوعيد الشديد في الحديث الصحيح:«لقد هممت أن آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم آمر رجالًا فيحطبوا حطبًا ثم أخالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم» إلى آخر الحديث، لماذا هم الرسول عليه السلام بتحريق المتخلفين عن صلاة الجماعة؟ لأنه لا جماعة بعدها.
إذًا: الاستدلال بالنص العام الذي لم يجر العمل على مقتضى بعض أجزاءه أو فروعه فلا يجوز العمل به، واضح الآن؟
نعود الآن: «وأعفوا اللحى» نص عام، أي: يشمل ما فعله ابن عمر، يعني: القبضة، ويشمل الزيادة ويشمل ويشمل، على حسب ما ربنا يبارك في طول اللحية أو قصرها، ترى! هل هذا كله داخل في عموم النص أو لا؟ هنا الآن الموضوع: ابن عمر أولًا: أحد رواة الحديث: «وأعفوا اللحى» هو ابن عمر من رواة هذا الحديث.
ثانيًا: هو يشاهد الرسول عليه السلام ويعرف أن لحيته كانت جليلة وكانت عظيمة.
ثالثًا وأخيرًا: ابن عمر تميز عن كل الصحابة بماذا أقول؟ بمبالغته في تتبعه بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وأن يفعل كفعله، حتى في بعض الأمور التي قد تستهجن من غيره وبخاصة من أبيه الفاروق، فأنتم تعلمون مثلًا أنه رئي ذات يوم يبول عند شجرة، لماذا؟ قال: رأيت رسول الله يبول عندها .. يأخذ مقود الناقة فيطوف بها في مكان، لماذا؟ قال: رأيت رسول الله يفعل ذلك .. يفك زر القميص، لماذا؟ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك .. إنسان هذه همته في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أمور العقل العادي لا يقبلها،
…
الرسول حاجته جاءت هناك فقضاها، لازم هو يفعل كما فعل الرسول عليه السلام، ترى! لو كان الرسول عليه السلام ترك لحيته على سجيتها أترون
يخالفه، وهو قد وافقه في أمور أهون بكثير من هذه القضية؟ هذه القضية فيها نص عام:«أعفوا اللحى» والنص العام لو الرسول طبقه حاشا لابن عمر أن يخالفه في ذلك؛ لأنه ما خالفه في أمثال تلك الأجزاء، هذا أولًا.
ثانيًا: لم يتفرد ابن عمر بالأخذ من لحيته، بل قد جاء ذلك عن أبي هريرة وعن بعض السلف، كما في تفسير ابن جرير الطبري، وروى البيهقي في شعب الإيمان بإسناد صحيح عن إبراهيم بن يزيد النخعي قال: كانوا يأخذون من لحيتهم.
فإذًا: هنا نقول بكل جرأة علمية: أن إعفاء اللحية لم يجر عليه عمل السلف على
إطلاق الإعفاء، لم يجر عمل السلف، فهذه نصوص تدل على أن السلف كانوا يأخذون، فمن يقول: نحن نأخذ بعموم النص ونخالف فعل ابن عمر فهو فعل أبي هريرة أو غيره من الصحابة الذين أشير إليهم في بعض الروايات التي ذكرتها آنفًا، هذا يقدم فهمه بالنص على فهم ابن عمر وغيره من السلف.
هنا يقال خاصة من ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه: المغني، في كثير من الأحيان يروي رواية عن بعض الصحابة ويقول: لا نعرف له مخالفًا، فيكون إجماعًا أو فعله إجماع، ونحن نقول هنا: ابن عمر لا نعرف له مخالفًا بل نعرف له موافقًا، ولا نعرف لهؤلاء مخالفًا، فحينئذٍ أقول: إن إعفاء اللحية إنما هو في حدود ما ثبت عن راوي الحديث وهو ابن عمر.
وهنا تأتي قاعدة فقهية، هناك قاعدتان أرجو ألا يلتبس إحداهما بالأخرى: القاعدة التي ترد هنا: هي أن الراوي أدرى بمرويه من غيره، وهذا هنا يصدق ابن عمر أدرى بقول نبيه وقد سمعه من فمه ووجده مطبقًا في لحيته:«أعفوا اللحى» هو يفهم إن كان هذا الإعفاء مطلق فلا يجوز الأخذ منه، أو يجوز الأخذ منه أكثر منا نحن الخلف، فالراوي أدرى بمرويه من غيره، هذه قاعدة.
هناك قاعدة أخرى يقول بها الحنفية فقط خلافًا للجمهور، وقول الجمهور هو الصواب، ذلك قولهم أعني الحنفية: أنه إذا خالف رأي الراوي روايته فهل العبرة بروايته أم برأيه؟ قال الأحناف: العبرة برأيه لا بروايته، قال الجمهور: لا، العبرة بروايته وليس برأيه، هذه قاعدة غير تلك القاعدة، تلك القاعدة تقول: الراوي أدرى بمرويه من غيره، أما هنا، فتقول قاعدة الحنفية: رأي الراوي المخالف لروايته يقدم على روايته، وضربوا على ذلك مثالًا، والمثال يوضح لكم الفرق بين القاعدتين:
تعلمون جميعًا قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب» جاء عن أبي هريرة: أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل ثلاثًا فقط، فأخذ الأحناف برأي أبي هريرة، مع أنه هو روى حديث