الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
210 - الحمد لله وسئلت عن حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نفسه، وعن آل بيته، ثم عن أمته من شهد لله بالتوحيد وله البلاغ" هل هو صح أم لا؟ وعن توجيه معناه
؟
فالجواب: إنه قد ورد في صحيح مسلم والسنن لأبي داود من حديث يزيد بن قسيط عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتى به ليضحى به فقال لها:"يا عائشة هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها بحجر" ففعلت ثم أخذها، وأخذ الكبش فاضجعه ثم ذبحه، ثم قال:"بسم الله تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد" ثم ضحى به. وروى ابن ماجه في سننه من حديث عب الرازق عن الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين، سمينين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد لله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد آل محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا هو في مسند أحمد عن عبد الرازق، ورواه عبد الرازق أيضًا في جامعه عن الثوري باختصار:"أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين". ورواه
البيهقي في سننه بتمامه من حديث الحسين بن دينار أبي حازم، والفريابي، وفي المعرفة من حديث مؤمل بن إسماعيل، والطحاوي في شرح معاني الآثار من حديث ابن وهب، أربعتهم عن الثوري به. واختلف على مؤمل من بينهم، فرواه عنه محمد بن أبي بكر كما قدمناه، ورواه عنه محمد بن يونس فاقتصر على ابي هريرة ولم يقل أو عن عائشة، أخرجه البيهقي في المعرفة ورواه أحمد أيضًا عن وكيع عن الثوري لكنه لم يشك بل جعله عن عائشة وأبي هريرة معًا، ومن طريق أحمد كذلك أخرجه الحاكم في مستدركه، وقد خولف الثوري فيه فرواه حماد بن سلمة عن ابن عقيل فقال عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه إسحاق وأبو يعلي في مسنديهما والبيهقي والطحاوي. ورواه مبارك بن فضالة عن ابن عقيل فقال عن جابر بلا واسطة بينهما، أشار إليها الدارقنطي وابن أبي حاتم في علليهما ورواه زهير بن محمد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه
أحمد والحاكم في تفسير الحج من مستدركه، والبيهقي في السنن "والشعب" معًا، وفي آخره: قال أبو رافع: فمكثنا سنين قد كفى الله المؤنة والغريم برسول الله صلى الله عليه وسلم ليس أحد من بني هاشم يضحي.
وهو عند الطبراني في الكبير باختصار، وكذا رواه شريك عن ابن عقيل بمعناه. وأخرجه الطحاوي من حديث عبيد الله مع قول أبي رافع أيضًا، وممن رواه عن ابن عقيل هكذا أيضًا سعيد بن سلمة وقيس بن الربيع وهما عند الطبراني في الكبير فلفظ أولهما:"كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين، أقرنين، أملحين، حتى إذا خطب الناس وصلى أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: "هذا عن أمتي جميعًا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، ثم يؤتي بالآخر فيذبحه هو بنفسه ثم يقول: "الله هذا عن محمد وعن آل محمد" فيعطيهم جميعًا المساكين ويأكل هو وأهله منهما.
ولفظ ثنيهما نحوه، وفي آخره: فمكثنا سنين ليس من بني هاشم رجل يضحى، قد كفاه الله عزوجل المؤنة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عيينة: سمعت ابن عقيل يحدث به وأسنده فلم أحفظه عن من هو. حكاه الدارقطني. فهذا ما علمته الآن من الاضطراب في رواية ابن عقيل،
وجزم الدارقطني في العلل بأن ذلك منه.
وكذا قال أبو زرعة: هذا كله من ابن عقيل، فإنه لا يضبط حديثه يختلف عنه في الأسانيد، والذين رووا عنه هذا الحديث كلهم ثقات، لكن قال البخاري فيما حكاه البيهقي في السنن والمعرفة وغيره عنه: ولعله سمعه من هؤلاء. انتهى.
ولأجل هذا الاضطراب أشار الشاعي رحمه الله إلى هذا الحديث بقوله: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت منه: أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر الله: "اللهم عن محمد وآل محمد" وفي الآخر: "اللهم عن محمد وأمة محمد" وبين البيهقي أن الشافعي إنما أراد هذا الحديث.
وبالجملة فابن عقيل صدوق في نفسه لكنه سيء الحفظ، وإلى ذلك أشار الترمذي بقوله: وهو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وكذا قال الساجي: كان من أهل الصدق، ولم يكن بمقتن في الحديث، وكان ابن عيينة لا يحمد حفظه، وقال ابن خزيمة: لا أحتج
به لسوء حفظه، وقال الخطيب: كان سيء الحفظ. وقال العقيلي: كان في حفظه شيء. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ يحدث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره، وقال الحاكم: عُمر فساء حفظه فحدث على التخمين، وسبقه ابن عيينة فقال: رايته يحدث نفسه فحملته على أنه تغير.
قلت: وقد وقع ليس هذا الحديث من غير طريقه عن أبي هريرة، وجابر وأبي رافع أيضًا.
فأما حديث أبي هريرة، فرواه الطبراني في الأوسط من طريق عيسى بن عبد الرحمن عن ابن شهاب الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله بكبشين، أقرنين، أملحين، أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن من لم يضح من أمته. وقال: لم يروه عن الزهري إلا عيسى، ولا عنه إلا عبد الله بن عياش القتباني تفرد به ابن وهب انتهى. وعيسى ضعيف عندهم، بل قال أبو حاتم: إنه منكر الحديث، ضعيف الحديث شبيه المتروك، لا أعلمه روى ع الزهري حديثًا صحيحًا، وقال ابن عدي: يروي عن الزهري
مناكير.
وله طريق أخرى رواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن المبارك عن يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله بكبشين، أملحين، موجوءين، فقرب أحدهما فقال:"بسم الله اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن محمد وأهل بيته، ثم قرب الآخر ثم قال: "بسم الله، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن من وحدك من أمتي".
ويحيى هذا ضعيف، بل اتهمه الحاكم بالوضع، وقال: إن له عن أبيه عن أبي هريرة نسخة أكثرها مناكير، وقال مسلم: ساقط متروك الحديث، وأبوه فهو وإن وثقه ابن حبان فقد قال الشافعي: لا نعرفه، وكذا قال أحمد: لا يعرف، وتبعهما ابن القطان الفاسي فقال: إنه مجهول الحال. وقال الجوزجاني أيضًا: إنه لا يعرف.
وأما حديث جابر، فرواه أبو داود
والترمذي والدارمي والبيهقي في سننه وشعبه معًا من رواية ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عياش المعافري المصري عن جابر رضي الله عنه قال: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الذبح كبشين، أقرنين، أملحين، موجوءين، فلما وجههما قال:"إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر" ثم ذبح. وكذا أخرجه الحاكم في صحيحه ورواه أيضًا، وعنه البيهقي في الشعب من طريق أحمد في مسنده عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن خالد بن أبي عمران عن أبي عياش عن جابر. وكذا رواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث يعقوب، وأورده الضياء في "المختارة" من مسند أحمد، وأشار
إلى هذه الرواية البيهقي في السنن، وبها طرق الرواية الأولى احتمال أنها منقطعة، على أن شيخي رحمه الله قد جزم باقتضاء ذلك وعبارته في مختصر التهذيب: وقد أدخل إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق بين يزيد بن أبي حبيب وأبي عياش، خالدبن أبي عمران في هذا الحديث بعينه.
أخرجه أحمد بن خزيمة وغيرهما من طريق إبراهيم فاقتضى ذلك أو رواية يزيد عن أبي عياش منقطعة، وقد ذكه ابن يونس فقال: أبو عياش بن النعمان المعافري يروي عن علي وجابر وكعب، روى عنه خالد بن أبي عمران وبكر بن سوادة فصح ما قلته. انتهى.
وفيه نظر، وقد أثبت روايته عنهما معًا عبد الحق فقال: وأبو عياش رجل من أهل مصر، روى عنه خالد بن أبي عمران ويزيد بن أبي حبيب، ولم أسمع فيه بجرح ولا تعديل.
وبالجملة فقد قال الحاكم في حديث جابر هذا: إنه على شرط مسلم.
وله طريق أخرى رواه أحمد والترمذي والدارقطني من
حديث عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلي فلما قضى خطبته نزل عن منبره، فأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال:"بسم الله والله أكبر، هذا عني وعن من لم يضح من أمتي".
ومن طريق أحمد أورده الضياء في المختارة، وقال الترمذي: إنه غريب من هذا الوجه، والطلب يقال: إنه لم يسمع من جابر انتهى.
ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه الجزم بأنه لم يسمع منه وأنه لم يدرك أحدًا من الصحابة إلا سهل بن سعد، وقال أبو حاتم أيضًا: يشبه أن يكون قد أدرك جابرًا، وقد رواه الحاكم في مستدركه وكذا ابن المنذر في الأوسط والطحاوي من حديث عمرو فقالوا من المطلب بن عبد الله وعن رجل من بني سلمة أن جابرًا رضي الله عنه أخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يوم النحر فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال:"بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي".
وأما حديث أبي رافع، فرواه الطبراني في الأوسط من حديث سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية، حدثني المعتمر بن أبي رافع عن أبيه قال: ذبح رسول الله كبشًا ثم قال: "هذا عني وعن أمتي". وقال عقبه: لم يروه عن عمارة إلا يحيى، وكذا رواه في
معجمه الكبير بإسناده ومتنه سواء، لكنه زاد بعد أبيه عن جده وهي زيادة غير متجهة.
نعم يؤيدها أن الحاكم في المستدرك أخرجه من هذا الوجه فقال: عن عمارة بن غزية عن ابن أبي رافع عن أبيه عن جده قال: ذبح رسول الله أضحيته ثم قال: "هذا عني وعن أمتي".
والمعتمر ماعرفتهت، وكذا أبوه إن ثبت في أصل السند قوله عن جده، وكان لأبي رافع ابنه اسمه المغيرة، قد ذكره ابن حبان في ثقاته والله أعلم.
وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، وحذيفة بن أسيد، وابن عمر وعلي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، وأبي طلحة رضي الله عنهم.
فأما حديث أنس، فأخرجه أبو يعلي في مسنده والطبراني في الأوسط من حديث ابن لهيعة عن أبي معاوية بن الحجاج بن أرطاة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين، أقرنين، أملحين، قرب أحدهما فقال: "بسم الله منك ولك هذا عن محمد وأهل
بيته" ثم قرب الآخر فقال: "بسم الله منك ولك هذا عن من وحدك من أمتي".
وقال الطبراني: لم يروه عن الحجاج إلا أبو معاوية. انتهى.
والحجاج ثقة لكنه موصوف بالتدليس وقد عنعنه، وكذا رواه ابن أبي شيبة من حديث حجاج، وله طريق أخرى رواه الدارقطني في سننه من حديث أبي سحيم المبارك بن سحيم عن مولاه عبد العزيز بن صهيب عن أنس بنحوه، والمبارك، أجمعوا ـ كما قال ابن عبد البر ـعلى ضعفه، بل قال البزار: إنه لم يسمع من مولاه عبد العزيز شيئًا.
وأما حديث حذيفة بن أسيد، فأخرجه الطبراني في الكبير والحاكم في الفضائل مستدركه من حديث عبد الله بن شبرمة عن الشعبي عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب كبشين أملحين فيذبح أحدهما فيقول: "اللهم هذا عن محمد وآل محمد" وقرب الآخر فقال: "اللهم هذا عن أمتي لمن شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ" وهو
منقطع، فالشعبي لم يسمع من حذيفة، وقد أخرجه أبو الشيخ في الأضاحي بزيادة في أوله وهي: كنا ونحن مع رسول الله لا يتكلف سنة الضحايا كان يقرب وذكره.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه البيهقي في الشعب من جهة يحيى بن صالح عن أبي بكر العنسي عن أبي قبيل حي بن يومن عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حججت مع رسول الله حجة الوداع فلما كان يوم النحر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين، أملحين فذبح أحدهما فقال:"عني وعن أهل بيتي" وذبح الآخر وقال: "عني وعن أمتي" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذبح كبشًا أقرن فكأنما ذبح مائة بدنة ومن ذبح خصيًا فكأنما ذبح خمسين بدنة، ومن ذبح نعجة فكأنما ذبح بقرة ومن ذبح بقرة فكأنما ذبح عشر بدنات". وقال عقبه: أبو بكر هذا مجهول يروي المناكير. وسبقه لذلك ابن عدي. وقوله في السند: عن أبي قبيل حي بن يومن ليس بمستقيم، فأبو قبيل اسمه على الصحيح حيي، وقيل: حي وأبوه هانئ جزمًا.
وأما حي بن يومن، فليست كنيته أبا قبيل إنما هو أبو عشانة ولكن هما من طبقة واحدة، وقد ذكر المزي أبا قبيل في شيوخ العنسي من تهذيبه ولم يذكر ابا عشانة والله الموفق.
قال البيهقي: فإن صح ما في آخر الحديث فإنما أراد في تضعيف الله تعالى الأجر.
وأما حديث علي، فرواه أبو الشيخ في الأضاحي من حديث عمرو بن قيس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته.
وأما حديث أبي سعيد، فرواه أحمد والبزار في مسنديهما والطحاوي في معانيه، والحاكم في مستدركه وقال: إنه صحيح من حديث الدراوردي عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فقال: "هذا عني، وعن من لم يضح من أمتي".
ومن طريق أحمد أورده الضياء في المختارة، وأصله في
السنن بدون المقصود منه هنا.
وأما حديث أبي طلحة، فرواه أبو بكر بن أبي شيبة وعنه أبو يعلي في مسنديهما عن عبد الله بن بكر السهمي عن حميد عن ثابت عن إسحاق بن عبد اله بن أبي طلحة عن جده أبي طلحة رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين فقال عند ذبح الأول: "عن محمد وآل محمد" وقال عند الثاني: "عمن آمن بي وصدق بي من أمتي".
وكذا أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي بكر بن ابي شيبة، وأخرجه أبو يعلي أيضًا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن السهمي، وهو منقطع، فإسحاق لم يدرك جده.
وبهذه الأسانيد تمسك من ذهب إلى أن الأضحية سنة على الكفاية،
كالابتداء بالسلام، فإذا ضحى واحد من أهل البيت بالشاة الواحدة فأدى الشعار في السنة لجميعهم، قال الرافعي: وعلى ذلك حُمل قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم تقبل من محمد وآل محمد".
قلت: وقد فعله جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم عبد الله بن هشام، ففي آخر حديثه الذي أخرجه البخاري مما زاده الإسماعيلي، والبيهقي والطبراني في الكبير جميعًا: أنه كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. وهو عند الحاكم في المستدرك لكن بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله. وكذا جاء عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: كنا نضحي بالشاة الواحدة، فذبحهما الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه كان يضحي عن أهل بيته بشاة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يضحي بالشاة فيقول أهله: وعنا، فيقول: وعنكم. وفي لفظ عنه: لا باس بأن يضحي الرجل بالشاة عن أهل بيته. وعن الشعبي قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يضحي عن جميع
أهله بالشاة. وعن الشعبي أيضًا عن سريحة أو ابي سريحة وهو حذيفة بن اسيد رضي الله عنه قال: حملني أهلي على الجفاء، بعد ما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون بالشاة أو الشاتين فالآن يبخلنا جيراننا يعني أن اقتصرنا على ذلك.
وفي لفظ: كنا نضحي الأضحية الواحدة فزعموا أن ما يمنعنا إلا الشح فحملونا على ترك السنة بعدأن عرفناها.
وفي لفظ: فحملني أهلي على الجفاء بعد أن علمت من السنة حتى إني لأضحي عن كل وقال ابن المسيب: كان أهل البيت يضحون بالشاة فلما خالطوا أهل العراق ضحوا عن كل واحد شاة. وقد نص الإمام الشافعي رحمه الله على ذلك فقال كما نقله الساحي في كتابه اختلاف الفقهاء: عنه، وعن أهل بيته.
وكذا نص في البويطي على الإجزاء فقال: وإن نوى من يذبح أجزاء، ويقول الذابح: اللهم عن فلان وأهله، هذا لفظه. قال صالح بن الإمام أحمد: قلت لأبي نضجي الشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم. ونقله ابن المنذر في الأوسط أيضًا عن مالك والليث، والأوزاعي، وإسحاق، وأبيثور، وجنح إليه، وكذا نقله الترمذي في جامعه عن أحمد وإسحاق وأنهما احتجا بحيدث: أنه ضحى بكبش، فقال:"عن من لم يضح من أمتي" بعدأن ترجم: ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت.
وقال الحاكم في المستدرك: هذه الأحاديث دليل على الرخصة في الأضحية بالشاة الواحدة عن الجماعة الذين لا يحصى عددهم، خلاف من يتوهم أنها لا تجزئ إلا عن الواحد، وصرح الشيخ إبراهيم المروذي أن المراد بالحديث الاشتراك في الثواب لا في التضحية.
ومن صرح بذلك الغزالي، وكذا قال النووي في الكلام على أول هذه الأحاديث من شرح مسلم: واستدل بهذا الحديث من جوز تضحية الرجل عنه وعن أهل بيته وِإشراكه معهم في الثواب، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور، وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
قلت: وكذا ابن المبارك وغيره من أهل العلم كما حكاه الترمذي في
جامعه. قال النووي: وزعم الطحاوي أن هذا الحديث مخصوص، أو منسوخ، وغلطه العلماء في ذلك، فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. انتهى.
ولم ينفرد الطحاوي بدعوى التخصيص، فقد قال ابن أبي الدم حيث ازع في حمل الغزالي الحديث على الاشتراك في الثواب كما أسلفته، لاقتضائه جواز أن يضحي الرجل عن نفسه، ويشرك غيره في ثوابها مع كونه لم يملكها، ولا باشر ذبحها، والتضحية إنما وقعت عن المضحي فقط، وثوابها يكون لمباشرها ما نصه: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا عن محمد وأمه محمد" خصوصية له، لأنه الشارع فيجوز أن يخصه الله تعالى بإشراك أمته في ثواب ما يفعله هو، إذ أشركهم صلى الله عليه وسلم فيه قال: وهذا يجري في الصدقة أيضًا، إذا تصدق من مالهوأشرك غيره في ثوابه، لا يشاركه ذلك الغير على قاعدة المذهب كما قال تعالى:(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) انتهى.
ولم يذكر للخصوصية دليلاً، فيأتي ما قاله النووي، وأما ما أشار إليه من الاستدلال بالآية، فذاك هو الأصل أعني أن الإنسان لا ينتفع في آخرته إلا بأفعال الصالحة، دون فعل غيره، لكن استثني من ذلك أشياء وردت بها السنة مبينة في غير هذا المحل، على أن بعض الأئمة تكلم في أول الأحاديث، لما رأى الرافعي احتج به على تأدي الشعار عن أهل المذهب بتضحية أحدهم، وأنه ليس صريحًا في المراد، بل يمكن أن يكون معناه
تقبل السخاء منهم، أو تقبل الطاعات والقربات من هؤلاء، وأشار إلى أن غيره من الأحاديث ـ يعني التي ذكرناها ـ أوضح منه في الدلالة.
قلت: وإذا كان الأمر كذلك، ففي الاقتصار على أهل البيت الواحد نظر، ولهذا حكى الطحاوي رحمه الله أن فرقة من القائلين أن الشاة تجزيء عن الجماعة وإن كثروا قالت: إنها تجزيء سواء كان المضحي بها عنهم من أهل بيت واحد، أو من أبيات شتى، لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بالكبش الذي ضحى به عن جميع أمته وهم أهل أبيا شتى.
وكذا تمكس بعضهم بهذه الأحاديث لجواز تضحية المرء عن غيره بغير إذنه، والمعتمد كما جزم به في المحور وتبعه في المنهاج: عدم الجواز، ويمكن أن يقول المستدل به لأهل البيت خاصة أن التضحية إنما هي عننفسه ودخل أهله ومن في معناها بطريق التبعية له، نعم قال الماوردي: يجوز للإمام أن يضحي عن المسلمين ببدنة يذبحها في المصلى بعد فراغه من صلاته، وأقل ما ينحر شاة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا كما قال السبكي الكبير، فالإمام مستثنى من منع الأضحية عن الغير.
وكذا تمسك به الأصحاب في جواز التضحية بالخصي، قال الزركشي: وفيه نظر. فإن أهل اللغة نصوا على أن الوجاء هو رض عروق البيضتين حتى تنفضخ فيكون شبيهًا بالخصاء.
وهذه عبارة الجوهري، وذكر نحوه المطرزي في المغرب، ولقد