الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
187 - سئلت: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقه" هل هو عام أم لا؟ وعن قوله صلى الله عليه وسلم مما هو الاعتكاف: "من اعتكف فواق ناقة كان كمن أعتق رقبة مؤمنة" ما المراد بفواق ناقة
؟
فأجبت: أما الحديث الأول فلفظه "إنا معاشر الأنبياء" كذلك هو في السنن للنسائي منفردًا به عن سائر أصحاب الكتب الستة، وكذا أخرجه الحميدي والهيثم بن كليب في مسنديهما وآخرون. وفي لفظ الدارقطني في علله:"الأنبياء لا يورثون".
وأما ما وقع في السؤال من لفظ: "نحن"، فقد أنكر وروده في كتب الحديث غير واحد من الأئمة ولم نره كذلك إلا في كتب الأصول ونحوها وكأنهم أوردوه بالمعنى فلفظة:"إنا" و"نحن" مفادهما واحد وهو بكل منهما ظاهر في العموم في سائر الأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم ولا يعارض ذلك قوله تعالى: (وورث سليمان داود) وقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام: (فهب لي من لدنك وليًا يرثني) فقد حمل ذلك أكثر العلماء بالتأويل على العلم والحكمة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة
الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم .. الحديث" نعم أجراه بعضهم على ظاهره، وكذا حكى ابن عبد البر في المسألة قولاً آخر لكنه قال: إن الأكثر على "لا يورثون" وعلى القول المرجوح يكون المراد معظمهم ونحو ذلك على [أن] في قول عمر رضي الله عنه في رواية الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" يريد
صلى الله عليه وسلم نفسه ما يشهد لاختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك فإنه أشار إلى أن النون للمتكلم خاصة، لا للجميع ويجمع بينه وبين ما تقدم بإرادة الاختصاص عن الأمة خاصة وقوله صلى الله عليه وسلم:"نورث" الرواية فيه بفتح الراء ويجوز كسرها لصحة المعنى أيضًا.
وأما "صدقة" فهو بالرفع خبر "ما" أي المتروك عنا صدقة، وزعمت الشيعة أنه بالنصب على أن "ما" نافية، ورد عليهم ابن مالك النصب بما يوافق مذهب أهل السنة بتقدير محذوف تقديره: ما تركنا متروكًا صدقة ولكن لا حاجة إلى ذلك مع ثبوت كون الرواية بالرفع، إذا علم هذا فقد قيل في الحكمة في عدم توريثهم حسم المادة في تمني الوارث موت الموروث من أجل المال، وهل يكون النبي كالاب لأمته فيكون ميراثه للجميع، وهذا معنى الصدقة العامة. وقيل: لئلا يظن أنهم جمعوا لوارثهم.
أما الحديث الثاني، فلم أره إلا في الشرح الكبير للإمام أبي القاسم الرافعي ولكن لفظ "الفواق" جاء في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه الأربعة وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما عن
معاذ رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة فقد وجبت له الجنة" وعند العقيلي في الضعفاء بسند ضعيف عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رابط فواق ناقة حرم اله عليه النار".
وللبيهقي في الشعب من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العيادة فواق ناقة" انتهى. وهي بضم الفاء وفتحها وتخفيف الواو: قدر ما بين الحلبتين من اراحة إذا فتحت يدك. وقيل: إذا قبض الحالب على الضرع ثم أرسله عن الحلب.
تنبيه: عجيب لابن الملقن رحمه الله فإنه في تخريج الرافعي ذكر هذا الحديث وقال: أخرجه العقيلي وأشار إلى حديث عائشة الذي ذكرته، وهذا الصنيع يوهم أن أصل الحديث قد خرج، وليس كذلك بل الحديث ليس بموافق للتخريج أصلاًن لأن الرباط غير الاعتكاف وقد تبعه شيخنا رحمه الله في تلخيصه من غير تعقيب، ولو كان ابن الملقن اقتصر على الحديث الذي أشار إليه كما فعل ابن الزركشي وهو حديث "من اعتكف
يومًا ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق كل خندق أبعد ما بني الخافقين" لكنه متنه منكر. والله أعلم.