الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
188 - سئلت: عن قول ابن حبان في حديث: "من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجران" الأجر يكون للمسلمين
.
والجواب: إن ذلك وقع في موضعين من صحيحه فلفظه في أحدهما: إذا أحيى الذمي أرضًا ميتة لا يكون له، لأن الصدقة إنما يكون لهم" وأقره على ذلك البدر الزركشي وابن الملقن في تخريجهما وأخرون، ويؤيده ظاهر قوله تعالى:(وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا) بل قال القاضي عياض: انعقد الإجماع على أن الكفار لا ينفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذابًا من بعض، وقد قال ابن المنير: اعتبار طاعة الكافر مع كفره محال، لأن شرط الطاعة أن يقع بقصد صحيح وهذا مفقود من الكافر لكن قد تعقب المحب الطبري ابن حبان بأن الكافر إذا تصدق يثاب عليه في الدنيا كما ورد به الحديث فيحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا، وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك انتهى.
ويستأنس له بما أخرجه الطبراني في معجمه الكبير بسند رجاله ثقات من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أبي كان يصل الرحم ويقري الضيف ويفي بالذمة
قال: "ولم يدرك الإسلام" قال: لا فلما وليت قال: "علي بالشيخ" قال: "يكون ذلك في عقبك فلن يذلوا أبدًا، ولن يفتروا"، وانتصر شيخنا لابن حبان رحمها الله في فتح الباري فإنه قال: وما قاله ـ يعني الطبري ـ محتمل، إلا أن الذي قاله ابن حبان اسعد بظاهر الحديث، ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي ونحوه قوله في تلخيص تخريج الرافعي من زياداته: وقول ابن حبان أقرب للصواب، وظاهر الحديث معه، والمتبادر إلى الفهم منه أن إطلاق الأجر إنما يراد به الأخروي.
قلت: وهو حسن، على أن في كلام البيهقي ما يقتضى تجويز عدم المنع من الأخروي أيضًا فإنه قال: وما ورد من بطلان الخير للكفار، معناه أنه لا يكون لهم التخلص من النار، ولا دخول الجنة ولا جيوز أن يخفف عنهم العذاب الذي يستوجبونه على ما ارتكبوه من الجرائم سوى الكفر بما عملوه من الخيرات انتهى. ويتايد ذلك بما ورد في عدة أحاديث.
منها ما رواه الديلمي والبزار في مسنديهما، وآخرون من حديق طارق بن شهاب عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله عز وجل" قيل:
يا رسول الله! ما إثاة الكافر؟ قال: "إن كان وصل رحمًا أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله المال والصحة وأشباه ذلك، وفي الآخرة عذابًا دون العذاب" وقرأ: (أخلوا آل فرعون أشد العذاب 9.
وفي لفظ عند الخرائطي: "إلا أثابه الله عز وجل في عاجل الدنيا أو ادخر له في الآخرة) قلنا: يا رسول الله! ما إثابة الكافر في الدنيا وذكره نحوه.
ومنها ما رواه الخرائطي من حديث أبي نوفل قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! أين عبد الله بن جدعان؟ قال: "في النار" قال: فجزعت عائشة واشتد عليها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال: "يا عائشة ما يشتد عليك من هذا؟ "قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كان يطعم الطعام، ويصل الرحم قال:"فإنه يهون عليه بما قلت".
ومنها: ما روي في حاتم الطائي، وقد سئل صلى الله عليه وسلم أينفعه جوده؟ فقال:"إنه يكون يوم القيامة في بيت من زجاج يقيه وهج النار" ونحو ذلك، حسبما أحرر لفظه بعد، لكن كلها ضعيفة والذي في صحيح مسلم من حديث عائشة ايضًا في الجواب عن ابن جدعان إذ قيل: فهل ينفعه ذلك يوم القيامة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم
الدين" وفي عدة أحاديث في الجواب عن حاتم الطائي أنه قال: "ذاك أراد أمرًا فأدركه" وفي لفظ: "كان يحب أن يذكر فذكر" ونحوه قوله في غيره ذلك: "ذاك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة".
وعلى تقدير ثبوتها واعتضاد بعضها ببعض فلا يدفع بأنه ليس أهلاً للنية، بل يقال كما قال ابن المنير: إقامة الكافر على بعض الأعمال تفضل من الله تعالى، وهذا لا يحيله العقل، يعني فلا يكون عمله قربة معتبرة ولكن يجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء، والمتبع في ذلك التوقيف، نفيًا وإثباتًا على أن بعضهم حملها على الحسنات التي لا تفتقر فيها لنية كصلة
الرحم، وفيه توقف.
وقصة أبي لهب قول العباس رضي الله عنه: أنه رآه في منامه بعد موته يجول في شرحال فقال له: ما لقيت بعدكم راحة إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين. وفي لفظ: غير أني سقيت في هذه أشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، وفي آخر: وأشار إلى النرة التي بين الإبهام، والتي تليها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الأثنين، وكانت ثويبة بشرت ابا لهب بمولده صلى الله عليه وسلم فأعتقها" من أدلة المسئلة، لكن قد أجيب عنه بأن الخبر مرسل، أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به، وعلى تقدير أن يكون موصولاً فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، وأيضًا فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك بدليل قصة أبي طالب عمه صلى الله عليه وسلم وكونه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح، إذ في بعض الأحاديث: "فأخرجه الله بمكانه مني، وإحسانه إلي، فجعله في ضحضاح" ولأجل ذلك قال