الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الفطرة" قال: هذا حديث عندنا حيث أخذ الله عليهم العهد في أصلاب آبائهم حيث قال: (ألست بربكم قالوا بلى) وقال أيضًا: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع أخبرك يوسف بن عمرو أخبرنا ابن وهب سمعت مالكًا وقيل له: إن أهل الأهواء يحتجون علينا بهذا الحديث، قال مالك: أحتج عليهم بآخره، قالوا: أرايت من يموت وهو صغير؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين".
178 - سئلت عن كيفية الطواف التي ذكرها العلماء في كتبهم
وهو أنه يحاذي جميعه جميع الحجر الاسود وأنه لا يصح طوافه حتى يمر بجميع يديه على جميع الحجر، وذلك بأن يستقبل البيت ويقف على جانب الحجر الذي إلى جهة جميع الركن اليماني بحيث يصير جميع الحجر عند يمينه ويصير منكبه الأيمن عند طرف الحجر ثم ينوي الطواف لله تعالى ثم يمشي مستقبل الحجر مارًا إلى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فإذا جاوزه انفتل فهل هذه الكيفية صحيحة أم لا؟ وهل ورد فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وهل تبعه أحد من الصحابة أم لا؟
فأجبت بما نصه: هذه الكيفية ذكرها كذلك قطب زمانه أبو زكريا النووي ـ أعاد الله علينا من بركتاه ـ وبقيتها عنده: فإذا جاوزه انفتل وجعل البيت عن يساره ويمينه خارجًا، ولو فعل هذا من الأول وترك استقبال الحجر جاز. انتهى كلامه.
فأفادت هذه الزيادة أن استقبال الحجر ليس بشرط في صحة الطواف بل يجوز تركه ولكن استقباله أفضل، فإذا انتهى إلى آخره انفتل وجعل
البيت عن يساره، وممن صرح باستحباب ذلك في الطوفة الأولى دون ما بعدها الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح نقلاً عن الشيخ أبي حامد، والقاضي أبي الطيب في طائفة من العراقيين يعني كالروياني وحينئذٍ فيكون هذا القدر في الطوافة خاصة مستثنى من اشتراط جعل البيت على اليسار في صحة الطواف.
وقد صرح النووي بذلك فإنه قال: وليس شيء من الطواف يجوز مع استقبال البيت إلا ما ذكرناه قال: وذلك مستحب في الطوفة الأولى خاصة دون ما بعدها ولو تركه في الأولى فمر بالحجر وهو على يساره وسوى بين الأولى وما بعدها جاز ولكن فوت هذا الاستقبال المستحب عند لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف فإن ذلك مستحب لا خلاف فيه، وسنة مستقلة. انتهى.
ولكن كلام ابن كج يقتضي اشتراطه فإنه قال: إذا ابتدأ الطواف فعليه أن يستقبل بوجهه الحجر وكذلك في الانتهاء فإن لم يفعله فيهما لا يجزئه، وصرح غيره بأن استقبال البيت شرط في ابتداء الطواف على أصح القولين لا في استدامته قولاً واحد.
وبما صححه جزم غيره، ومقتضى تعبير الإمام والغزالي عن
المراد بمحاذاة الحجر في ابتداء الطواف بجميع بدن الطائف بقولهم: المراد شق الطائف الأيسر لا نعني غيره وجوب محاذاة جميع الحجر يساره كبقية البيت.
قال الأذرعي: وظاهر كلام الروضة والمنهاج يوافقه، ونحوه قول غيره كما سيأتي، على أن بعض المتأخرين ممن أخذت عن بعض أصحابه قد صرح بمخالفة هذه الكيفية للسنة لأنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه ـ أي الحجر ـ الحديث" قال: ولم تنقل عنرسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله تعالى، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم مع توفر الدواعي على النقل، ولم يذكرها الشافعي رحمه الله، ولا الخراسانيون من الشافعية ولا الرافعي، واقتصروا على الكيفية الأخرى وهي: أن يجعل الحجر على يساره ابتداء قال: والصحيح عدم استحباب هذه الكيفية ـ أعني المسئول عنها ـ وكراتهتها لما قدمناه قال: ولأن ارتكابها قد يوقع في الأذى وأنا ممن تأذى بها، فإن بعض فقهاء الشافعية عمل بها، وأنا معه ف الطواف وكنت وراءه حين مشى مستقبل الحجر قبل أن يجاوزه ولم أدر به فانفتل عند مجاوزة الحجر فلم يرني فداس رجلي برجله، وآذاني بدوسته. انتهى.
وإلى ذلك أشار البدر الزركشي في "الخادم" بل زاد: أنه يلزم منه
بآخره بعد استلام الحجر إلى صوب الركن اليماني وشميه مستقبلاً حتى يقطع الحجر وانفتاله بعد مجاوزة الحجر، قال: وإذا كان أبو الطيب لم يسمح بتكبيرة لم يثبت كيف يسمح بهذا؟ قال: وظاهر كلام الأئمة أن ذلك لا يجوز لأن من بدأ بالطواف مستقبلاً الحجر إلى أن جاوزه ثم انفتل فقد مضى جزء من طوافه والبيت ليس على يساره، فالوجه امتناعه بل في صحيح مسلم وساق الحديث. انتهى.
والحاصل أنهم اختلفوا في هذه الكيفية مع إجماعهم على اشتراط جعل البيت عن يساره وقد أبدى بعض الأئمة في الحكمة في ذلك كون القلب في الجانب الأيسر فاعتمد ذلك ليكون القلب قريبًا من البيت. زاد بعضهم: أو لأن الطائف بالبيت مصل مؤتم بالكعبة، ومن شأن الإمام إذا ائتم به المنفرد أن يقف عن يمين الإمام وهويسار المأموم أو لأن يكون ابتداء حركة الطائف على يمين الإمام وهو يسار المأموم أو لأن يكون ابتداء حركة الطائف على يمين نفسه بخلاف ما لو جعله على يمينه فإنه يكون ابتداء حركته على يساره.
وأحسن من هذين قصد الابتداء بباب البيت للأمر بإتيان البيوت من ابوابها، فلو جعل البيت عن يمينه لم يكن بالباب ولا يرد على هذا أنه كان يكره أن يبدأ بالبا، لأن الحجر الأسود ركن الباب فابتديء باستلامه لأنه تحية القادم. وبالله التوفيق.