الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
114 - الحمد لله سئلت عن مصر والشام أيهما أفضل
؟
فقلت: قد أفرد الأئمة فضائل كل منهما بالتصنيف.
فأما مصر، فمن فضائلها أن الله عز وجل ذكرها في بضع وعشرين موضعًا من كتابه صريحًا وإيماءً وذلك فضل عظيم.
وكذا من فضائلها أمر أنبيائه عليهم السلام بسكناها كما في قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوَّءا لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين).
وكون ملكها أعظم ملك في الأرض وجميع أهل الأرض يحتاجون إليه، قال تعالى مخبرًا عن فرعون اللعين:(أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) وهي خزائن الأرض كلها، وسلطانها سلطان الأرض كلها، قال تعالى مخبرًا عن قول يوسف عليه السلام لملك مصر:(اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) وقال عز وجل: (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء) إلى غير ذلك من الفضائل كقوله تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صببروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) فإن المراد بالأرض المذكورة هنا أرض مصر جزمًا، وبالقوم بنو إسرائيل بدليل قوله تعالى: (إن فرعون
علا في الأرض وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نسائهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) فإنه قيد تنجز هذا الوعد بإهلاك آل فرعون بالغرق، وورث بنو إسرائيل ما كان لهم كما قال تعالى:(كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قومًا آخرين) فإن المراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل بدليل قوله في الآية الأخرى: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) وهذه الأية تدفع قول من قال: المراد بالأرض غير أرض مصر، لأن قوم فرعون ما تركوا إلا أرض مصر، ولا يمنع ذلك ما دلت عليه الآية من تدمير ما ترك آل فرعون، لأن المراد تدمير الأبنية والمنارة والمناظر، وأما نفس الأرض الموصوفة بالبركة، فإنها باقية على حالها وهو المراد، ولأجل وصفها بما ذكر قال كعب رحمه الله: من أراد أن ينظر إلى جنة عدن فلينظر إلى مصر إذا أزهرت.
وخطب عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال في خطبته: واعلموا أنكم في رباط إلى يوم القيامة لكثرة الأعداء حولكم ولإشراف قلوبهم
إليكم، وإلى داركم معدن الزرع والمال والخير الواسع والبكرة النامية.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا فتح الله عليكم بعدي مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا فذلك الجند خير أجناد الأرض" فقال أبو بكر رضي الله عنه: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: "لأنهم في رباط إلى يوم القيامة".
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: إنه لا تزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرض بركة.
ويروى عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "إنه ما كاد أهل مصر أحد إلا كفاهم الله مؤنته. وذكر ابن زولاق في كتابه "فضائل مصر": إن في التوراة كتابًا: مصر خزائن الأرض كلها فمن أرادها بسوء قصمه الله. ونقل عن أحمد بن المدبر أنه قال: كشفت أرض مصر فوجدت عامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل سيفتح عليكم مصر بعدي فاستوصوا
قبطها خيرًا، فإن لهم منكم صهرًا وذمة" يعني أن أم إسماعيل عليه السلام كانت منهم.
وفي حديث ضعيف جدًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن مصر ستفلتح بعدي فانتجعوا خيرها ولا تتخذوها دارًا، فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا" إلى غير ذلك مما يطول إيراده حتى قال أبو سعيد بن يونس: لو تتبعنا الآثار المروية في فضلها لطال بها الشرح جدًا، ولو لم يكن لها من الفضائل إلا كون النيل الذي ثت أنه من أنهار الجنة فيها، وكون قبر إمامنا الإمام الأعظم ناصر السنة الشافعي بها واختار الإقامة بها.
وأما الشام، فورد في فضلها:"أن الله قد تكفل لي بالشام وأهله"
و"عقر دار المؤمنين بالشام" و"إن الإيمان حين يقع الفتن بالشام" و"إذا
فسد أهل الشام فلا خير فيكم". و"إنه على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله عصابة يقاتلون لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة" و"الشام صفوة الله من بلاده ويجتبي إليها صفوته من عباده، فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها من غيرها فبرحمته" إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التي ليس هذا محل بسط الكلام عليها.
وبالجملة، فالأحاديث في فضل الشام أشهر، وفخرها أظهر وأكثر، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.