الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
124 - مسألة: وقع الكلام الآن بين يدي السطلان، حفه الله بمزيد نصره، ورد كيد عدوه في نحره، فيمن ترك شعر رأسه بدون حلق حتى يطول ويسترخي من جانبي راسه هل يتعرض لإزالته، أو يترك على هيئته وحالته
؟
فقلت: أكثر من يفعل ذلك في وقتنا لا يقصد بذلك إلا إقبال الناس عليه وجر أموالهم وكراماتهم إليه، والنظر إليه بعين الإجلال، واحتقار من هو أعلى رتبة منه في الكمال، فضلاً عن الأمثال، والإيذان بأنه من الشيوخ المعتقدين والصلحاء البالغين الغاية في الورع والدين إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة، التي لظهورها لا يفتقر لإقامة البراهين والأدلة، مع اتصافهم بعدم التفقه في الديانات، وبعدهم عن أحوال أولي الزهد والكرامات، وإذا كان الأمر كما وصف وقُرر وعُرف، كان فعل ذلك حرامًا، كما صرح به منكان في السنة النبوية مقدمًا، إمامًا. لكن في مسألة إرخاء العذبة لما انضاف إلى صنيعه من الخلل وصحبه قياسًا على جر القميس ونحوه، حيث خص النهي عن الإسبال بكبره وزهوه، أما من كان بعيدًا من ذلك، واتق استرخاءه وهو مارٌّ سالك فلا يتناوله النهي على التحقيق كما وقع لسيدنا أبي بكر الصديق، إذ قال رضي الله نعنه: يا رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي قليلاً إلا أن أتعاهده فقال: "يا أبا بكر لست منهم" يعني ممن يفعله خيلاء.
فهذا وجه مقتض للأمر بإزالته، وكذا ظهر لي وجه آخر وهو أن اكثر المرخين شعورهم كما قدمت ممن لافقه عنده، فربما لا يحسن الاغتسال المجزيء في رفع الجنابة مع وجوده لكون تحت كل شعرة جنابة، وقد كان سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وناهيك به علمًا وعملاً وزهدًا واتباعًا ـ يجز شعره ويقول بعد أن يروي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من ترك موضع شعره من جنابة لم يغسلها فُعل به كذا وكذا من النار" ما نصه: فمن ثم عاديت شعر رأسي ثلاثًا.
وكل واحد من هذين الوجهين يكفي في الأمر بإزالته فضلاً عن اجتماعهما، وذلك لا ينافي أصلية سنيته.
وإذا تقرر هذا فبيان كونه سنة أنه قد ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان أولاً يسدل شعره ثم فرقه مخالفة لأهل الكتاب".
والفرق: هو أن يقسم شعر رأسه فرقتين يمينًا وشمالاً، كل فرقة ذؤابة فتظهر جمته من الناحيتين، وذلك لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله، قالت عائشة رضي الله عنها:"كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسل ناصيته".
وحينئذٍ فالفرق سنة كما صرح به الأئمة وهو أولى من السدل الذي هو جَعلُ ميع الشعر من ورائه، لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صفته صلى الله عليه وسلم ما اتفق عليه الشيخان: أنه كان له شعر يبلغ شحمة أذنيه.
لكن قد جاء عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ولي شعر طويل فلما رآني قال: "ذباب ذباب" قال: فرجعت فجززته ثم أتيته من الغد فقال: "إني لم أعنك وهذا أحسن". انتهى.
ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لخريم بن فاتك رضي الله عنه: "لولا أن فيك اثنتين كنت أنت" قال: إن واحدة تكفيني قال: "تسبل إزارك وتوفر شعرك" قال: لا جرم والله لا أفعل.
قلت: والوفرة شعر الرأس إذا وصل إلى شحمة الأذن، ولعل ذلك كان زائدًا في الطول، وأما الجُمّة: فهي من شعر الرأس ما سقط على المنكبين.
قال ابن القيم: لم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه حلق راسه إلا في نسك، ثم إنه يستحب لمن اتخذ ذلك تعاهده بالتسريح والتطييب ونحو ذلك فقد جاء في حديث حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من كان له شعر فليكرمه" وهو بالخيار فيه بين أن يرسل ما لم يضفره منه أو يستره قالت أم هانئ رضي الله عنها: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر تعني عقائص، والعقيصة: الشعر
المعقوص وهو نحو من المضفور.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "الذي يصلي ورأسه معقوص كالذي يصلي وهو مكتوف".
قال ابن الأثير: أراد أنه إذا كان شعره منشورًا سقط على الأرض عند السجود فيعطي صاحبه ثواب السجود به وإذا كان معقوصًا صار في معنى ما لم يسجد، وشبهه بالمكتوف وهو المشدود اليدين لأنهما لا يقعان على الأرض في السجود.
ونحوه حديث عمر رضي الله عنه: "من لبد أو عمقص فعليه الحلق" يعني في الحج. قال: وإنما يجعل عليه الحلق، لأن هذه الأشياء تقي الشعر من الشعث، فلما أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه بالكلية مبالغة في عقوبته.
فإن قيل: قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع وهو: أن يحلق رأس الصبي ويتخذ له ذؤابة ووردت
أحاديث ثابتة في الذؤابة فما الجمع بينهما؟
فالجواب: أنه كما قال شيخي رحمه الله: يمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما يفرد من الشعر فيرسل ويجمع ما عداها الضفر وغيره، والممتنعة أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع. والله المستعان.