الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
125 - ثم وقع السؤال بعد مدة: عن رجل يريد فعل السنة بعدم حلق رأسه إلا في حج أو عمرة، أهل الأفضل في حقه إرسال الشعر أم الضفر، وإذا قلتم بالضفر فهل ينقضه حال الصلاة أم لا
؟
فكتبت: في الشعر طريقتان، سدل، وفرق، فأما السدل، فالمراد به فيما حكاه القاضي عياض عن العلماء إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة وهي شعر الصدغين، وخصه بعضهم بالسدل من ورائه، وبه جزم ابن القيم في "الهدى".
وأما الفرق: فهو أن يقسم شعر رأسه فرقتين يمينًا وشمالاً كل فرقة ذؤابة وأصله من الفرق بين الشيئين، وقد كان صلى الله عليه وسلم يسلك الطريقة الأولى، ثم فرق بعد، فصار الفرق سنة، لأنه الذي رجع صلى الله عليه وسلم إليه، ولذا ذهب بعضهم إلى نسخ السدل به وإن السدل غير جائز، ولكن الصحيح المختار جوازه.
ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم كانت له لمة فإذا انفرقت فرقها وإلا تركها، واتخاذ جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم اللمة ـ وهي: الشعر الذي يلم بالمنكبين ـ ولكن الفرق أفضلهما.
وقد قالت عائشة رضي الله عنها: كنت إذا أردت أن أفرق راس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يا فرخه وأرسل ناصيته. وكان شعره صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله إلى قرب منكبيه، وربما طال حين اشتغاله بالسفر ونحوه، وبعد عهده عن تعاهده حتى تصير ذؤابة، وهي: ما يتدلى من شعر الرأس ويتخذ منه صلى الله عليه وسلم أربع غدائر عبر عنها في بعض الروايات
بالضفائر التي هي العقائص. ولكن أكثر من يرخي شعره في وقتنا هذا.
ثم كتبت: ما أسلفته في الجواب قديمًا إلى انتهاء قول علي رضي الله عنه فمن ثم عاديت شعر رأسي ثلاثًا. ثم قلت: فإن انتشر شعره ولم يسبله فلينشره عند الصلاة، فقد ورد النهي عن كف الشعر فيها، واتفق العلماء على النهي عن الصلاة ورأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته.
ثم اختلفوا هل هو حرام أو مكروه؟ والصحيح كراهته كراهة تنزيه، وإنه لو صلى كذلك فقد اساء وصحت صلاته، وسواء يعمد فعل ذلك للصلاة، أم كان كذلك قبلها لمعنى آخر على الصحيح المختار، والحكمة في ذلك أنه إذا رفع شعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر، وقد رأى ابن عباس عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: مالك ورأسي قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف".
ومر أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن بن علي وهو يصلي قائمًا قد غرز ضفيرتيه في قفاه فحلهما أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبًا، فقال أبو رافع: أقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كفل الشيطان" يقول: مقعد الشيطان يعني مغرز ضفيرتيه. ودخل ابن
مسعود المسجد فرأى فيه رجلاً يصلي عاقصًا شعره فلما انصرف قال له: إذا صليت فلا تعقص شعرك فإن شعرك يسجد معك، ولك بكل شعرة أجر. فقال الرجل: إني أخاف أن يتترب، فقال: تتربه خير لك.
وقال ابن عمر لرجل رآه يصلي معقوصًا شعره: أرسله ليسجد معك. وقد أبدى شيخ شيوخنا الحافظ الزين العراقي رحمه الله لكون الشيطان يقعد على الشعر المضفور أو المكفوف وقت الصلاة حكمة وهي: أنه لما كان عصيانه بامتناعه من السجود أراد امتناع كل شيء من السجود ليكون مثله عاصيًا، فإذا عجز عن ترك المؤمن للسجود أو عن إكاله يسبب في تخلف شيء من بدنه عن السجود ولو شعرة حتى تكون المساجد كأنه كف بعض أجزائه عن السجود معه وهو حسن، ثم إن النهي عن عقص الشعر وكفه في الصلاة لا يشتمل النساء لأن شعورهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها، وأيضًا فقيه مشقة عليها في نقضه للصلاة وقد رخص لهن النبي صلى الله عليه وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعور، ولذا إن لم يصل الماء إليه إلا بالنقض لزم، فكان في ذلك دليل على اختصاص الرجال بهذا الحكم، والله الموفق.