الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
126 - الحمد لله ثم سئلت: هل كان شعره الشريف مسبلاً دائمًا أو في وقت دون وقت، وهل كان ضفائر ظاهرة أو مستترة تحت عمامته الشريفة، وهل كان يلصقها بعمامته يمينًا وشمالاً أم لا؟ وكم حلق رأسه الشريفة مرة وهل كان يحلق في حجه أم يقصر
؟
فقلت: كان صلى الله عليه وسلم أولاً يسدل شعر رأسه أي يرخيه ويرسله على هيئته يعني إن لم يطل، أو من ورائه يعني إن طال ليستقيم الجمع بين التفسيرين، ثم صار صلى الله عليه وسلم يقسمه يمينًا وشمالاً كاشفًا له عن جبينه، وينتهي استرساله إما إلى مكنبيه أو إلى شحمه أذنيه على اختلاف الروايتين التي جمع بينهما بأن ما خلفه أو الطويل منه هو الذي يضرب المنكبين وما يلي أذنيه أو القصير منه هو الذي يبلغ الشحمة وهو الذي ينزل بين الأذن والعاتق، وذلك هو المسمى بالفرق ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله. وكان صلى الله عليه وسلم ربما طال شعره عن المنكبين حتى يصير ذؤابة ويتخذ منه عقائص وضفائر كما في حديث أم هانئ رضي الله عنها، ولكن هذا كما أفاده شيخنا رحمه الله محمول على الحالة التي يتعهد عهده بتعهد شعره فيها كالسفر ونحوه، لا أنه كان يلازم الضفائر، ويشير إلى هذا كون أم هانيء في حديثها المشار إليه قالت: إنها رأته كذلك حين قدم عليهم مكة ـ تعني في فتحها ـ وكذا يستأنس له بقوله صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر رضي الله عنه لما جز شعره حين فهم أمرالنبي صلى الله عليه وسلم له بذلك لما رآه طويلاً "لم أعنك". وهذا أحسن.
ولم يثبت لي في ملازمته صلى الله عليه وسلم لإبراز شعره ولا في عدمها شيء، ولكن الظاهر الأول لكثرة من نقل قدر طول شعره بالمشاهدة من الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يحفظ كما قال ابن القيم: أنه صلى الله عليه وسلم حلق رأسه إلا في نسك، انتهى، وإذا كان كذلك فحلقه صلى الله عليه وسلم لها أربع مرار، والمباشرون لذلك خراش بن أمية بن ربيعة الخزاعي ومعمر بن عبد الله بن نضلة، وأبو هند الحجام مولى بني بياضة، فمعمر في حجة الوداع، وخراش في الحديبية، وعمرة القضية، وأبو هند في الجعرانة.
وأمر بقسم شعره في بعض المرات بين الناس فكان يخص الواحد الشعرة فأكثر، وذلك مقتض لاستثناء شعره صلى الله عليه وسلم من استحباب دفن ما يزايل ابن آدم من الشعور ونحوها.
قال بعض العلماء: وفي مداومته صلى الله عليه وسلم على إبقاء شعره دليل لأنه أفضل من الحلق لأن ما صنعه في خاصة نفسه أفضل مما اقر الناس عليه ولم ينههم عنه فإنه في خاصة نفسه مواظب على أفضل الأمور وأكملها وأرفعها.
ومن ثم نقل عن غير واحد من الصحابة والتابعين أنه كانت لهم شعور، وقال الإمام أحمد: أحصيت ذلك عن ثلاثة عشر صحابيًا وذكر منهم أبا عبيدة بن الجراح، وعمار بن ياسر والحسن والحسين رضي الله عنهم وكذا كان لابن عمر رضي الله عنهما جمة مفروقة تضرب منكبيه ولابن الزبير رضي الله عنهما جمة مفروقة إلى العنق، ولكل من جابر وابن عباس رضي الله عنهما وللقاسم وابن الحنفية وغيرهما من التابعين كعبيد
بن عمير جمة، بل قال عطاء: كان لعبيد خصلتان. وقال هبيرة: كان لعبد الله شعر يضعه على أذنيه إلى غير ذلك مما يتعذر استقصاؤه.
وقال أبو عمر ابن عبد البر: ولكنه قد أضرب عنه في عصرنا أهل الصلاح والستر والعلم: وكاد أن يكون علامة للسفهاء يعني لما اقترن به من المقاصد المفاسدة كما بسطته في بعض الأجوبة حين أزال سلطان وقتنا أيده الله بالكتاب والسنة شعر بعض رعيته، وبالله التوفيق.