الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
120 - سئلت: عن حديث في [صحيح] ابن حبان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئًا" قال: واشار بالسبابة والتي تليها. ولا شك في عصمة الأنبياء، فما معنى ذلك
؟
فأجبت بما نصه: أما الحديث، فهو في موضعين من صحيح ابن حبان ولظفه في أحدهما:"لو يؤاخذني الله وابن مريم بما جنت هاتان ـ يعني الإبهام والتي تليها ـ لعذبنا ثم لم يظلمنا شيئًا".
ولفظه في الآخر: "لو أن الله يؤاخذني وعيسى بذنوبنا لعذبنا ولا يظلمنا شيئًا" قال: واشار بالسبابة والتي تليها.
وأخرجه بنحو اللفظ الأول أبونعيم في الحلية ورجاله ثقات، مخرج لهم في الصحيحين وهو وإن كان مداره على حسين بن علي
الجعفي كما جزم به أبو نعيم وقال: إنه غريب، فهو من الأفراد الصحيحة، ولذا صححه ابن حبان وهو من رواية حسين المذكور عن فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة.
قلت: ودعوى ابي نعيم أنه غريب ليست بجيدة، فقد رواه البيهقي في أوائل فصل ما في الأوجاع والأمراض والمصيبات من الكفارات من الشعب. من طريق محمد بن سهل بن عكسر عن الفريابي عن الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولظفه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يؤاخذني الله بما جئت هؤلاء ـ يعني يديه ـ لأوبقني" وقال: إنه غريب بهذا الإنساد تفرد به ابن عسكر. انتهى.
وأما عصمته صلى الله عليه وسلم، فهو وسائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصومون من الكبائر والصغائر قبل النبوة وبعدها، وما ورد عنهم من شدة الخوف من الله عز وجل فهو محمول على أنه خوف إعظام، وتعبد لله عز وجل، لأنهم قد آمنوا قطعًا، وكذا ما جاء عنهم من الاستغفار وشبهه فهو أيضًا على وجه ملازمة الخضوع والعبودية والاعتراف بالتقصير، شكرًا لله على نعمه وأيضًا فلتقتدي بهم الأمم وتستن بهم فلا يتكل أحد من الأمة ـ وإن عظم ـ على فعل الطاعات، وإن كان مجتهدًا في إتيانها، وفي الإشارة إلى الإصبعين إيماء إلى مزيد الاهتمام بالخوف، فإنه إذا كان هذا القدر اليسير يقتضي ذلك فكيف بما هو أعلى، ويساعد هذا إيراد الحافظ الزكي المنذري له في الترهيب من ارتكاب الصغائر وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله عز وجل إلى نبي من الأنبياء: قل لعبادي الصديقين: لا تغترو بي فإني إن أقم عليهم قسطي وعدلي أعذبهم غير ظالم لهم، وقل
لعبادي المذنبين: لا تيئسوا من رحمتي فإنه لا يكبر على ذنب أغفره لهم" وفي دق حديث آخر: "لو أن الله عذب أهل سماواته وأرضيه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم".ولا شك أن جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة فتبقى سائر نعمته مقتضية لشكرها وهو لم يقم بشركها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم، وإذا رحمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرًا من عمله إلى غير ذلك مما لا نطيل بإيراده، وفي التنزيل:(يرجعون رحمته ويخافون عذابه ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) إذا عُلم هذا فقد بوب ابن حبان لهذا الحديث في أحد الموضعين: ذكر الخبر الدال على أن على المرء الرجوع باللوم على نفسه فيما قصر في الطاعات وإن كان سعيه فيها كثيرًا، وقال في الموضع الآخر: الإخبار عن ترك الاتكال على الطاعات وإن كان المرء متجتهدًا في إتيانها.