الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صرح به غير واحد من الأئمة. والله المستعان.
قلت: ومعين الدين المذكور باطنه، اسمه: عبد اللطيف، ويكني أبا اللطائف، ومولده سنة اثنتى عشرة وثمانمائة بالقاهرة، ونشأ بها فحفظ .. وسمع الكثير على ابن الجزري، واشتغل عنده، وبرع في صناعة الإنشاء، وناشر التوقيع السلطاني، وخدم عند تمراز القرمشي وقتًا: ثم ولي كتابة سر حلب مدة، وقدم القاهرة فباشر التوقيع على عادته، لما مات والده وكان له أخ اسمه محمد أخذ عن ابن الجزري أيضًا.
221 - الحمد لله سئلت عن حديث: "إنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي قبله
".
فقلت: هذا الحديث اختلف فيه على روايه سعيد بن أبي مريم، أحد الأثبات، فأخرجه البزار في مسنده عن عمر بن الخطاب السجستاني عنه فقال عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الله بن الأسود، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وفاطمة، فناجى فاطمة بشيء، فلما فرغ بكت، ثم ناجاها الثانية فضحكت، فقلت: ما رأيت ضحكًا أقرب من بكاء من هذا وسالتها، فقالت: ما كنت لأطلعك على سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي رسول الله سألتها، فقالت: قال لي: "ما بعث نبي إلا كان من العمر نصف عمر
الذي قبله، وقد بلغت نصف عمر الذي قبلي" فبكيت، ثم قال لي: "أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم ابنة عمران" فضحكت. وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن يحيى بن أيوب العلاف المصري عنه، فقال عن نافع بن يزيد، عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أن أمه فاطمة ابنة حسين حدثته أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه قال لفاظمة: "يا بنية أحني علي" فأحنت عليه فناجاها ساعة، ثم انكشفت وهي تبكي وعائشة حاضرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بساعة: "أحني علي يا بنية" فأحنت عليه فناجاها ساعة ثم انكشفت عنه فضحكت، قالت عائشة: فقلت: أي بنية أخبريني ماذا ناجاك به أبوك؟ فقالت فاطمة: ناجاني على حال سر، ظننت أني أخبر بسره وهي حي، فشق ذلك على عائشة أن يكون سرًا دونها، فلما قبضه الله قالت عائشة لفاطمة: يا بنية ألا تخبريني بذلك الخبر؟ قالت: أما الآن، فنعم، ناجاني في المرة الأولى فأخبرني أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة وأنه عارضه بالقرآن العام مرتين، وأخبرني أنه أخبره أنه لم يكن نبي كان بعده نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله، وأنه أخبرني أن عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبًا على رأس الستين فأبكاني ذلك، وقال: "يا بنية إنه ليس من نساء المسلمين امرأة أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى من امرأة صبرًا" وناجاني في المرة الأخيرة فأخبرني أنني أول أهله لحوقًا به، وقال: "إنك سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من البتول مريم ابنة عمران" فضحكت بذلك.
وهكذا رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه وابن وارة وغيرهما عن ابن أبي مريم، ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم في الإكليل، ورواية الجماعة أرجح مع جواز أن يكون عند سعيد بكل من الوجهين، ولكن في الوجه الأول ابن لهيعة، وليس هو بانفراد بحجة، وفي الثاني محمد بن عبدالله وهو الملقب بالديباج وفيه مقال، قال فيه البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه، وقال النسائي: إنه ليس بالقوي، وروي عن النسائي أيضًا أنه وثقه، وكذا وثقه ابن حبان والعجلي، وروايته مع ذلك معلولة بأن الصحيح كما قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أن عيسى عليه السلام لم يبلغ هذا العمر، قال: وإنما أراد مقامه في أمته، ويؤيده أن سيان بن عيينة روى عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة، قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها في مرضه فسارها فقال: "إن الله لم يبعث نبيًا إلا وقد عمر نصف عمر الذي قبله، وإن عيسى لبث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذه توفي لي عشرين".
وهي مع إرسالها مقوية لرواية ابن لهيعة، لا سيما وقد روى الأعمش
عن إبراهيم قال: مكث عيسى في قومه أربعين عامًا.
نعم يخدش في هذا قول الحسن البصري، كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعًا وثلاثين سنة.
ونحوه ما رواه عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: رفع عيسى عليه السلام ابن ثلاث وثلاثين سنة.
بل يروى في بعض طرق الحديث المرفوع في وصف أهل الجنة بأنهم أبناء ثلاث وثلاثين على ميلاد عيسى وحسن يوسف عليهما السلام.
وأما ما ورد من أن بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام أنبياء، ففيه مقال، وما في الصحيح من التصريح بقوله صلى الله عليه وسلم:"أنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي" أصح. وبالجلمة فقد ضعف الحديث من الوجهين شيخ شيوخنا الحافظ الزاهد أبو الحسن الهيثمي وقال العماد ابن كثير: إنه غريب جدًا.
222 -
الحمد لله سئلت عن النهي الوارد عن الجلوس بين
الظل والشمس.
فقلت: روى أبو داود من حديث محمد بن المنكدر حدثني من سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم في الشمس ـ وقال مخلد: يعني أحد شيخي أبي داود فيه ـ في الفيء فقلص عنه الظل وكان بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم".
وسنده ضعيف للجهالة بمن لم يسم لكن له شواهد، منها: ما أخرجه أبو داود ايضًا والبخاري في الأدب المفرد وأحمد في مسنده جميعًا من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم البجلي الأحمسي عن أبيه أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقام في الشمس فأمر فتحول إلى الظل. وهو عند الحاكم بلفظ: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد عند الشمس قال: "تحول إلى الظل فإنه مبارك". وقال: إنه صحيح الإسناد.
ولابن ماجه من حديث أبي المنيب عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد بين الظل والشمس.
وهو عند الحاكم من هذا الوجه بلفظ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مجلسين، وملبسين، فأما المجلسين، فجلوس بين الشمس والظل الحديث.
ولأبي نعيم في الطب النبوي من حديث حسين بن قيس عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس الرجل بين الظل والشمس.
وللديلمي في مسنده عن جابر مرفوعًا: "لا ينام أحدكم بعضه في الظل وبعضه في الشمس ولا على سطح ليس بمجوز".
وفي لفظ: ليس بمحجوز عليه. وهو عند البزار من حديث إسماعيل بن مسلم عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقعد أو يجلس الرجل بين الظل والشمس.
ولأحمد في مسنده عن بهز وعفان كلاهما عن همام عن قتادة عن كثير بن أبي كثير عن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل بين الضح والظل، وقال: هو مجلس الشيطان".
وهو عند الحاكم في صحيه من هذا الوجه لكن بدون قوله: وقال: هو إلى آخره، وسمى الصحابي أبا هريرة، وقال: إنه صحيح
الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرجه مسلم عن يحيى عن شعبة عن قتادة بتمامه، لكن أرسله بحذف الصحابي.
والضح بفتح الضاد المعجمة، والحاء المهملة: هو ضوء الشمس إذا استمكن من الأرض.
وقال ابن الأعرابي: يقولون: الشمس وهو بلفظ الشمس في الرواية المرسلة.
وعند مسدد عن ابن عمر موقوفًا: مجلس الشيطان بين الظل والشمس.
قال البيهقي: والنهي في ذلك محمول على من إرادة الخيرية حتى لا يتأذى بحرارة الشمس، وروي عن ابن المنكدر أنه حمله على قلص عنه الفيء دون من جلس كذلك ابتداء.
وروى أبو نعيم من حديث نافع قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لا تطيلوا الجلوس في الشمس، فإنه يغير اللون، ويقبض الجلد، ويبلي الثوب، ويبحث الداء الدفين.
ومن حديث مدرك بن حجرة قال: ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قائمًا في الشمس فقال: "قم إنها تغير اللون وتبلي الثوب".
وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو أبو إسرائيل الذي روي البخاري حديثه في صحيحه من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال:
بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم، ولا يقعد، ولا يستظل ـ زاد الخطيب: ويقوم في الشمس اتفقا، ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مره فليتكلم، وليستظل، وليقعد، وليتم صومه".
وأخرجه مسلم وغيره، وفيه: أن كل شيء يتأذى به الإنسان ولو مآلا مما لم يرد بمشروعيته كتاب أو سنة كالمشي حافيًا، والجلوس في الشمس، ليس هو من طاعة الله فلا ينعقد النذر به.
فإن قيل: ورد حديث أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونحن بآذربيجان مع تبة بن فرقد رضي الله عنه: أما بعد فذكره وفيه: "وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب".
وكذا اسند الديلمي من حديث النضر بن حميد عن من له صحبة