المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كِتْابُ الجنائز   ‌ ‌الحديث الأول (1) 151 - عَنْ أَبي هُرَيْرَة رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الْجَنَائِز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كِتْابُ الزَّكَاة

- ‌ باب:

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الصِّيِامِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ الْحَجِّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله

الفصل: كِتْابُ الجنائز   ‌ ‌الحديث الأول (1) 151 - عَنْ أَبي هُرَيْرَة رضي الله

كِتْابُ الجنائز

‌الحديث الأول

(1)

151 -

عَنْ أَبي هُرَيْرَة رضي الله عنه، قَالَ: نَعَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّجَاشِيَّ في الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِم إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِم، وَكبَّرَ أَرْبَعًا (2).

(1) قوله: "الحديث الأول" ليس في "ت".

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1188)، كتاب: الجنائز، باب: الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه، و (1263)، باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد، و (1255)، باب: الصفوف على الجنازة، و (1268)، باب: التكبير على الجنازة أربعًا، و (3667، 3668)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: موت الصحابة، ومسلم (951/ 62، 63)، كتاب: الجنائز، باب: التكبير على الجنازة، وأبو داود (3204)، كتاب: الجنائز، باب: في الصلاة على المسلم يموت في بلاد الشرك، والنسائي (1879)، كتاب: الجنائز، باب: النعي، و (1970 - 1972)، باب: الصفوف على الجنازة، و (2041، 2042)، باب: الأمر بالاستغفار للمؤمنين، والترمذي (1022)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في التكبير على الجنازة، وابن ماجه (1534)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على النجاشي. =

ص: 167

الجنائز: جمع جِنَازة -بكسر الجيم، وفتحها- لغتان مشهورتان، وقيل: بالفتح: للميت، وبالكسر: للنَّعشِ وعليه الميت، وقيل: عكسُه، حكاه صاحب "مطالع الأنوار"، فإن لم يكن ميتٌ، فهو سرير، أو نعشٌ، وهي مشتقه من جَنَزَهُ؛ إذا سَتَرَهُ (1).

قال الأزهري: جُنِّزَ الميتُ تَجنيزًا: إذا هُيِّىءَ أمرُه، وجُهِّزَ، وشُدَّ على السرير (2).

إذا ثبت، هذا فينبغي أن نقدم بين يدي الحديث مقدمةً تليق بكتاب الجنائز، ثم نعود إلى تتبع ألفاظ الحديث (3) على عادتنا، وأول ذلك أن نقول:

كان الأصلُ وما يقتضيه الترتيب؛ أن يكون كتابُ الجنائز مع

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 310)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 25)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 412)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 610)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 21)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 158)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 761)، و"التوضيح" لابن الملقن (9/ 410)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 202)، و"عمدة القاري" للعيني (8/ 18)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 304)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 101)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 87).

(1)

انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 870)، (مادة: جنز).

(2)

انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: 125).

(3)

في "خ" و"ق": "الكتاب".

ص: 168

كتاب الوصية والمواريث في آخر كتب الفروع والحديث؛ فإن حاصلها راجعٌ إلى ما يُفعل بالإنسان، أو في ماله بعد وفاته، فيُبدأ بكتاب الوصايا، ثم الجنائز، ثم المواريث.

وقد أُجيب عن هذا: بأن العلماء رضي الله عنهم لما رأوا الأهمَّ من هذه الثلاثة ما يُفعل بالميت، فإنه مقدَّم على ما يُفعل في ماله، وإن أهمَّ ما يُفعل بالميت الصلاةُ عليه؛ لأن الذي يُفعل به بعد موته: غسلُه، وتكفينُه، والصلاةُ عليه، ودفنُه (1)، ولا إشكال (2) أن أهم هذه الأمور الأربعة الصلاةُ؛ إذ فائدتها أخروية، وهي الدعاء له، والشفاعة؛ ليتخلَّصَ من عذابِ القبرِ، وعذابِ النارِ، وفي الخلاص من ذلك السعادةُ التي لا شقاءَ بعدها، وأما غسلُه وتكفينُه ودفنُه، ففوائدُ دنيويةٌ؛ إذ فائدة الغسل النظافةُ، وفائدةُ التكفين سترُه، وحفظُ الجثة، وتغطيتُها عن عيون الناس، وفائدة الدفن حفظُ الجثة عن السباع، وسترُ جيفة الآدمي ورائحتِها، جعلوا هذا الكتاب تاليًا لكتاب الصلاة، وابتداؤُوه بذكر الصلاة على الميت، ثم بذكر الغسل والتكفين والدفن.

وبعدُ: فينحصر غرضُنا (3) من هذه المقدمة في ثلاثة (4) فصول:

(1)"ودفنه" ليس في "ت".

(2)

في "ت": "ولا شك".

(3)

في "ت": "فتنحصر مقدمتنا".

(4)

في "ق": "أربعة".

ص: 169

الفصل الأول: ما يفعله الْمُحْتَضَرُ:

قال العلماء: ينبغي لكل عاقل أن يكون شديدَ الخوف من عذاب ربه، وأن يُكثر (1) ذكرَ الموت في جميع أحواله، وأن يكون أجلُه بين عينيه، فيقصر أمله، ويبادر إلى التوبة، ويتحلل من مظالم الناس خوفًا من فجأة الموت؛ فإن اللَّه -تعالى- لم يجعل للموت وقتًا معينًا، ولا علامةً معلومة، حتى يَأْمَنَ من هجومه قبلها، فكم من صحيح فَجَأَه الموت، ومريضٍ طالَ مرضُه، ثم عوفي، وأنشد في ذلك:

تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلًا فَمَا تَدْرِي

إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الْفَجْرِ

فَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ

وَكَمْ مِنْ عَلِيلٍ عَاشَ حِينًا مِنَ الدَّهْرِ

وكيف يطمئن العاقل إلى الدنيا، ويطيل أملَه مع ما ذكرناه، وهو أمر مشاهَد لا ينكره مؤمن ولا كافر، وقد نبه اللَّه -تعالى- على ذلك بقوله:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34].

وقد روى الترمذي بإسناد حسن في كتاب: الزهد، عن ابن مسعود: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ"،

(1) في "ت" زيادة: "من".

ص: 170

قالوا: إنا نَسْتَحيي يا نبيَّ اللَّه! والحمدُ للَّه، قال (1):"لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ، فَلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَلْيَحْفَظِ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْيَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ"(2).

وروينا في كتاب "السنن" لابن ماجه في كتاب: الزهد من جامعه، بإسناد حسن (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصرَ جماعةً يحفِرون قبرًا، فبكى حتى بَلَّ الثَّرَى بدموعه، وقال:"إِخْوَانِي! لِمِثْلِ هذَا فَأَعِدُّوا"(4)؛ أي: تَأهَّبوا له (5)، واتخذوا له عُدَّةً، وهي ما يُعَدُّ (6) للحوادث.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ"(7)؛ يعني: الموتَ.

(1) في "ت": "فقال".

(2)

رواه الترمذي (2458)، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع، باب:(24)، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 387)، والحاكم في "المستدرك"(7915)، وغيرهم.

(3)

"حسن" ليس في "ت".

(4)

رواه ابن ماجه (4195)، كتاب: الزهد، باب: الحزن والبكاء.

(5)

"له" ليس في "ت".

(6)

في "ت": "يعود".

(7)

رواه النسائي (1824)، كتاب: الجنائز، باب: الدعاء بالموت، والترمذي (2307)، كتاب: الزهد، باب: ما جاء في ذكر الموت، وقال: حسن، وابن ماجه (4258)، كتاب: الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له.

ص: 171

قلت: "هاذِمُ"(1): -بالذال المعجمة-، ليس إلا، والهَذْم: القَطْعُ.

ويتأكد استحبابُ ذكر الموت حالةَ المرض؛ لأنه إذا ذكرَ الموتَ، رقَّ قلبُه وخاف، فرجع عن المظالم والمعاصي (2)، وأقبلَ على الطاعات، وبادرَ إلى الخيرات.

قال بعض العلماء: ويُستحب الإكثارُ (3) من ذكر حديث: "اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ".

وروينا في "صحيح البخاري": عن ابن عمر رضي الله عنه، قال (4): أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَنْكبي، فقال:"كُنْ في الدّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ" وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيتَ، فلا تنتظرِ الصباحَ، وإذا أصبحتَ، فلا تنتظرِ المساءَ، وخُذْ من صحتك لمرضِك، ومن حياتك لموتِك (5).

فإذا مرض إنسان، واشتد تألمه، فليصبرْ، ولا يُكثر الشكوى، ولا الجزعَ، ففي حسن الصبر جزيلُ الأجر، مع أن الشكوى والجزع لا يُفيدان شيئًا.

وقد روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه!

(1) في "ق" زيادة: "اللذات".

(2)

في "ت": "المعاصي والمظالم".

(3)

في "ت": "الاستكثار".

(4)

"قال" ليس في "ت".

(5)

رواه البخاري (6053)، كتاب: الرقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كن في الدنيا كأنك غريب".

ص: 172

ادعُ اللَّه أن يَشفيني، فقال:"إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّه فَشَفَاكَ، وَإِنْ شِئْتِ اصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ"، قالت: أصبرُ، ولا حسابَ عليَّ" رواه البغوي (1)، ومسلم بهذا اللفظ، من رواية أبي هريرة (2).

ورواه البخاري، ومسلم، من رواية ابن عباس: أن امرأة سوداءَ أتت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرعَ، وإني أَنكشف، فادعُ اللَّه لي، فقال:"إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّه أَنْ يُعَافِيَكِ"، فقالت (3): أصبرُ (4).

وليحذر من السخطا بقضاء اللَّه وقَدَره؛ فإنه معصية، وقد جاء:"من رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ"(5)، لا سيما وقد قال

(1) رواه البغوي في "تفسيره"(1/ 131).

(2)

قلت: كذا وقع في النسخ الثلاث: "ومسلم بهذا اللفظ من رواية أبي هريرة". وهو غريب؛ إذ لم يروه مسلم بهذا اللفظ عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصواب الكلام: "رواه البغوي بلفظه من رواية أبي هريرة"، كما في "المجموع" للنووي (5/ 96) وعنه نقل المؤلف رحمه الله هذا الفصل.

(3)

في "ت": "قالت".

(4)

رواه البخاري (5328)، كتاب: المرضى، باب: فضل من يصرع من الريح، ومسلم (2576)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك.

(5)

رواه الترمذي (2396)، كتاب: الزهد، باب: ما جاء في الصبر على البلاء، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4031)، كتاب: الفتن، باب: الصبر على البلاء، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 173

بعضُ العلماء: يُكره له الأَنينُ؛ يعني: إذا كان قادرًا على تركِه.

ويُستحبُّ عيادةُ المريض المسلم؛ لما روى البراءُ بنُ عازبٍ، قال: أمرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّباعِ الجنائزِ، وعيادةِ المرضى (1)، الحديث (2).

وما روى زيدُ بنُ أرقم، قال؛ عادني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من وجعٍ كان بعيني (3)، وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة.

فإن رَجَاه، دعا له، ويُستحب أن يقول (4): أَسال اللَّه العظيمَ ربَّ العرشِ العظيمِ أَنْ يَشْفيكَ (5)، سبع مرات؛ لما روي: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: قال: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّه العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ (6)، عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ المَرَضِ"(7).

وإن رآه منزولًا به، فالمستحبُّ أن يُلَقِّنه قولَ: لا إله إلا اللَّه؛ لما

(1) في "ت": "المريض".

(2)

سيأتي تخريجه.

(3)

رواه أبو داود (3102)، كتاب: الجنائز، باب: في العيادة من الرمد، والحاكم في "المستدرك"(1265)، وغيرهما.

(4)

في "ت": "يقال".

(5)

في "ت": "يعافيك ويشفيك".

(6)

في "ت": "يعافيك ويشفيك".

(7)

رواه أبو داود (3106)، كتاب: الجنائز، باب: الدعاء للمريض عند العيادة، والترمذي (2083)، كتاب: الطب، باب:(32)، وقال: حسن غريب، والنسائي في "السنن الكبرى"(10883).

ص: 174

روى أبو سعيد الخدري، قال: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه"(1)(2)، وقال:"مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ: لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ"(3)، وليرفقْ في ذلك، ولا يلحَّ عليهِ إلحاحًا يُضْجِرُهُ، لا سيما إن كانَ وارثَهُ، أو عدوَّه، ونحو ذلك.

ويُكره للمريض أن يتمنى الموتَ؛ لما روى البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، عن أنس (4)، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْعُوا بِالمَوْتِ، وَلَا تَتَمَنَّوْهُ، فَمَنْ كَانَ دَاعِيًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِني مَا دَامَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لَي"(5)، وغير ذلك من الأحاديث.

وينبغي للمريض أن يُحسن الظنَّ بربهِ، مع خوفِهِ منه؛ لما روى

(1) قوله: "لما روى أبو سعيد الخدري. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(2)

رواه مسلم (916)، كتاب: الجنائز، باب: تلقين الموتى: لا إله إلا اللَّه.

(3)

رواه أبو داود (3116)، كتاب: الجنائز، باب: في التلقين، من حديث معاذ رضي الله عنه.

(4)

في "ت" زيادة: "بن مالك".

(5)

رواه البخاري (5347)، كتاب: المرضى، باب: نهي تمني المريض الموت، ومسلم (2680)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: تمني كراهة الموت لضر نزل به، وأبو داود (3108)، كتاب: الجنائز، باب: في كراهية تمني الموت، والنسائي (1820)، كتاب: الجنائز، باب تمني الموت، والترمذي (971)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في النهي عن التمني للموت، وابن ماجه (4265)، كتاب: الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له.

ص: 175

الترمذي، عن أنس: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل على شابٍّ وهو بالموت، فقال:"كَيْفَ تَجِدُكَ؟ "، قال (1): أرجو اللَّه، يا رسول اللَّه! وأنا أخافُ من ذنوبي، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَا يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ مُؤْمِنٍ في هذَا المَوْطِنِ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَأَمَّنَهُ (2) مِمَّا يَخَافُ"(3).

ولما رواه مسلم، عن جابر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُم إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ (4) الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى"، قال ذلك قبل وفاته بثلاثة أيام (5).

ح: ومعنى "يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى"(6): أَنْ يظن أن اللَّه -تعالى- يرحمه، ويرجو ذلك ويتدبر الآيات والأحاديثَ الواردةَ في كرم اللَّه سبحانه وتعالى، وعفوِه، ورحمتِه، وما وعدَ به أهلَ التوحيد، وما ينشرُه (7) من الرحمة لهم يومَ القيامة؛ كما (8) قال سبحانه وتعالى في الحديث الصحيح: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ

(1) في "ق": "فقال".

(2)

في "ت": "منه".

(3)

رواه الترمذي (983)، كتاب: الجنائز، باب:(11)، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4261)، كتاب: الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له، والنسائي في "السنن الكبرى"(10901).

(4)

في "ت": "حَسَنُ".

(5)

رواه مسلم (2877)، كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: الأمر بحسن الظن باللَّه تعالى عند الموت.

(6)

في "ت": "تحسين الظن" بدل "يحسن الظن باللَّه تعالى".

(7)

في "ق": "وما يسره".

(8)

في "ت": "و" بدل "كما".

ص: 176

عَبْدِي بِي" (1)، هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء، وشذَّ الخطابي، فذكر معه تأويلًا آخر معناه: أحسنوا أعمالَكم حتى يحسنَ ظنُّكم بربِّكم (2)، فمن حَسُنَ عملُه، حسنَ ظنُّه بربه، ومن ساءَ عملُه، ساءَ ظنُّه (3).

قال: وهذا تأويلٌ باطل نبَّهت عليه؛ لئلا يُغتر به.

قلتُ: وما علمت لبطلانه وجهًا؛ إذ يحتمل أن يكون محمولًا على غير حالة الموت، وحضورِ أسبابه، ويكون المعنى: من حسن عمله حالَ صحته، حسن ظنه بربه عند حضور أسباب موته، هذا لا يمنعه عقل، ولا يرده شرع، ويكون من وادي قوله تعالى:{فَلَا تَمُوتُنَّ إلًا وَأنتم مُّسلِمُونَ} [البقرة: 132]، والإنسانُ ليس من مقدوره الموتُ على الإسلام، وإنما المعنى: تَعَرَّضوا لأسباب ذلك؛ باجتناب النواهي، وامتثال الأوامر، وقال صلى الله عليه وسلم في عكسه (4):"المَعَاصِي بَرِيدُ (5) الكُفْرِ"(6)؛

(1) رواه البخاري (6970)، كتاب: التوحيد، باب: قول اللَّه تعالى: {وَيُحَذرُكمُ اللَّهُ نَفسَهُ} [اَل عمران: 28]، ومسلم (2675)، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: الحث على ذكر اللَّه تعالى، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

"بربكم" ليس في "ت".

(3)

في "ت" زيادة: "باللَّه".

(4)

"عكسه" ليس في "ت".

(5)

في "ت": "تزيد".

(6)

قلت: ليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مأثور عن السلف، رواه أبو نعيم في "الحلية"(10/ 229)، عن أبي حفص النيسابوري.

ص: 177

أي: سببٌ مؤدٍّ إلى الكفر، وقال عليه الصلاة والسلام:"فَلَا يُذَادَنَّ (1) رِجَالُ عَنْ حَوْضي"(2)، الحديث -على إحدى الروايتين-؛ أعني: إثباتَ الألف بعد اللام في (فلا)(3)، أي: لا تتسببوا (4) في ذَوْدِكم عن حوضي، وهذا المعنى كثير، وقال تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14].

ثم قال: واتفق أصحابنا وغيرُهم على أنه يُستحب للمريض، ومَنْ حضرته (5) أسبابُ (6) الموت ومقامه: أن يكون حسنَ الظنِّ باللَّه -تعالى- بالمعنى الذي ذكرناه، راجيًا رحمته.

وأما في حال الصحة، ففيها وجهان لأصحابنا، حكاهما القاضي حسين، وصاحبه المتولي، وغيرهما.

أحدهما (7): أن يكون خوفُه ورجاؤه سواءً (8).

والثاني: (9) يكون خوفُه أرجحَ.

(1) في "ت": "فليذادن".

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 29)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بهذا اللفظ.

(3)

"في فلا" ليس في "ت".

(4)

في "ت": "أعني فلا تتسببوا" بدل "أي: لا تتسببوا"، وفي "ق":"لا تسببوا".

(5)

في "خ": "ومن حضره".

(6)

في "ت": "حالة".

(7)

"أحدهما" ليس في "ت".

(8)

في "ت": "بسواء".

(9)

في "ت" زيادة: "أن".

ص: 178

قال القاضي حسين: هذا الثاني هو الصحيحُ، هذا قول القاضي.

والأظهرُ: أن (1) الأول هو الأصحُّ، ودليلهُ: ظواهر القرآن العزيز؛ فإن الغالب فيه ذكرُ الترغيب والترهيب مقرونين، كقوله -تعالى- {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106]، {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]، {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة: 25]، ونظائره مشهورة، وقال تعالى:{فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]، وقال تعالى:{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

قال: وقد تتبعت الأحاديثَ الصحيحةَ الواردةَ في الخوف والرجاء، وجمعتُها (2) في كتاب "رياض الصالحين"، فوجدت أحاديثَ الرجاء أضعافَ أحاديثِ الخوف، مع ظهور الرجاء فيها، وباللَّه التوفيق، انتهى كلامه (3).

الفصل الثاني: فيما ينبغي أن يُفعل بالمحتضر: وذلك ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يُوَجَّه إلى القبلة، فيُضْجَع على جنبهِ الأيمنِ، وصدرُه إلى القبلة؛ كما يُجعل في لحده، فإن تعذر ذلك، فعلى

(1)"أن" ليست في "ت".

(2)

في "ت": "وجميعها".

(3)

انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (5/ 94) وما بعدها، وعنه نقل المؤلف رحمه الله هذا الفصل برمَّته.

ص: 179

ظهره، وأخمصاه (1) إلى القبلة.

وقيل: بل الأولى الصورةُ الثانية، والقولُ في ذلك كالقول في المريض إذا عجز عن الجلوس، ومن دعته الضرورة إلى (2) أن يصلي مضطجعًا، فهل (3) الأولى أن يكون على جنبه الأيمن، وصدرُه إلى القبلة، أو على ظهره؟ والمقصود من ذلك: أن يُجعل على الوجه الذي هو أقربُ إلى توجهه إلى القبلة.

واستحب ابن الصَّبَّاغ من الشافعية الصفةَ الأولى، واستدلَّ بقوله عليه الصلاة والسلام "إِذَا نَامَ أَحَدُكُم، فَلْيَتَوَسَّدْ يَمِينَهُ"(4).

وفي "المجموعة"، من رواية ابن القاسم في (5) التوجيه، قال: ما أعلمه إلا من الأمر القديم.

قال ابن حبيب: ولا أحبُّ (6) لأهل الميت (7) توجيهه حتى يُغلب،

(1) في "ق": "وأخماصه".

(2)

"إلى" ليس في "خ".

(3)

في "ق": "فهذا".

(4)

رواه النسائي في "السنن الكبرى"(6/ 196)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(6/ 191)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما. وانظر:"المجموع" للنووي (5/ 251)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 102).

(5)

"في" ليس في "ت".

(6)

في "ت": "ولا أرى".

(7)

في "ت": "البيت".

ص: 180

ويُعاين، ويوقن بالموت (1)، ومن علامة ذلك: إحدادُ نظره، وإشخاصُ بصره.

قال ابن حبيب: وقد سئل مالك عنه (2)، فقال: إنما أكره أن يفعل استنانًا.

الثاني: أن يُلَقَّنَ الشهادتين: لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه؛ لما روى مسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتَاكُم: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"(3)، ولا ينبغي أن يلحَّ عليه بالتلقين فيُضجره؛ كما تقدم، فإذا قالها مرة، كفاه، بل إن اعتقدَها، ولم ينطق، كفاه ذلك.

الثالث: قراءة: سورة (يس)، وقد اختلف في ذلك، فاستُحب، وكُره؛ خوفَ التحديد، ووجهُ الاستحباب: ما رواه أبو داود عن معقل بن يسار، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ، أَوِ المَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا"، وَقَالَ: فَاقْرَؤُوا، وَكَبِّرُوا؛ "فَإِنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلى

(1) في "ت": "بأمر الموت".

(2)

في "ت": "عنه مالك".

(3)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (916). ورواه أبو داود (3117)، كتاب: الجنائز، باب: في التلقين، والنسائي (1826)، كتاب: الجنائز، باب: تلقين الميت، والترمذي (976)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في تلقين المريض عند الموت والدعاء له عنده، وابن ماجه (1445)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في تلقين الميت: لا إله إلا اللَّه.

ص: 181

مَا تَقُولُونَ" (1)، وقد فسرت القراءة بـ (2)(يسَ).

الفصل الثالث: فيما يفعل بالميت إذا مات قبل أن يغسل: وذلك سبعة أشياء:

أحدها: تغميضه؛ لأن فتحَ عينيه يُقبح منظرَه، ولِما روى مسلم، وأبو داود، [عن أم سلمة] (3) قالت: دخل رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شُقَّ بصرُه، فأغمضَه، وقال:"إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ (4)، تَبِعَهُ البَصَرُ"، الحديث (5).

قال ابن حبيب: من السنة إغماضُ الميتِ حين (6) يموت.

قال ابن الصباغ: وينبغي (7) أن يتولى الإغماضَ أرفقُ أوليائه به

(1) قلت: هدا اللفظ رواه مسلم (919)، كتاب: الجنائز، باب، ما يقال عند المريض والميت، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وقد روى أبو داود (3121)، كتاب: الجنائز، باب: القراءة عند الميت، من حديث معقل ابن يسار رضي الله عنه بلفظ:"اقرؤوا يس على موتاكم". هدا الذي وقفت عليه في "سنن أبي داود" من رواية معقل بن يسار، واللَّه أعلم بحقيقة ما كان في الأصل الذي ينقل عنه المؤلف رحمه الله هذا الفصل.

(2)

"ب" ليست في "ت".

(3)

في النسخ الثلاث بياض بمقدار ما أثبت بين المعكوفتين، وهو المراد إن شاء اللَّه.

(4)

في "ت": "خرج".

(5)

رواه مسلم (920)، كتاب: الجنائز، باب: في إغماض الميت والدعاء له إذا حضر، وأبو داود (3118)، كتاب: الجنائز، باب: تغميض الميت.

(6)

في "ق": "حتى".

(7)

"وينبغي" ليس في "ت".

ص: 182

بأسهلِ ما يقدر عليه.

الثاني: أن يشد لَحْيه (1) الأسفل بعصابة عريضة، ويربطها من فوق رأسه؛ لئلا يسترخي (2) لَحياه، فينفتح فوه، ويدخل (3) الهوامُّ إلى جوفه، فيقبح بذلك منظرُه (4) أيضًا.

الثالث: استحب ابن الصباغ بعدَ الإغماض (5) وشدِّ اللَّحيين تليينَ مفاصله عقبَ موته؛ لأن (6) ذلك أبقى للينها (7)، فيردُّ ذراعيه إلى عضديه، ويمدُّهما، ويردُّ فخذيه إلى بطنه، ويردُّهما فيمدُّهما (8)، ورجليه إلى فخذيه، ثم يمدُّهما؛ فإن ذلك يعين الغاسلَ على تمديده وتكفينه.

الرابع: المبادرةُ إلى خلع ثيابه، لأن (9) الثياب تحمِّي الجسم، فيسرعُ إليه التغيير (10) والفساد.

(1) في "خ" و"ق": "لحييه".

(2)

في "ت": "يترخى".

(3)

في "ت": "فيدخل".

(4)

في "ت": "ويقبح منظره بذلك".

(5)

في "ت": "التغميض".

(6)

في "ت": "فإن".

(7)

في "ت": "لميتهما".

(8)

في "ق": "فيردها ويمدها"، وفي "ت":"ويمدهما" بدل "ويردهما فيمدهما".

(9)

في "ت": "بأن".

(10)

في "ت" و"ق": "التغير".

ص: 183

الخامس: أن يوضَع على سرير أو لوح؛ حتى لا تصيبه نداوة الأرض، فتغيره (1)، وتُسرع (2) إليه هوامُّ الأرض، فحفظهُ بذلك (3) برفعه عن الأرض أولى.

السادس: تثقيلُ بطنه لئلًا يعلوَ، فيُجعل عليه سيفٌ، أو حديدةٌ، فإذا (4) لم يكن، فطين مبلول؛ لما روي: أن مولًى لأنسٍ مات، فقال أنس رضي الله عنه: ضَعُوا على بطنه حديدة (5).

السابع: تسجيتُه بثوب، فإنه أسترُ؛ لما روت عائشة رضي الله عنها: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سُجِّيَ بثوبِ حِبَرة (6)، بإضافة الثوب إلى حبرة، والحِبرة -بكسر الحاء وفتح الموحدة-: نوع من البُرُد.

قال بعض متأخري أصحابنا: ولا ينبغي أن يُعجَّل بغسله (7) إلا بعد أن تتحقق وفاتُه، وذلك بعد أن تُرى (8) فيه علامات؛ منها: أن

(1) في "ت" زيادة: "ولئلا".

(2)

في "ق": "لئلا تسرع".

(3)

"بذلك" ليس في "ت".

(4)

في "ق": "فإن".

(5)

رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 385)، وفي "معرفة السنن والآثار"(3/ 123).

(6)

رواه البخاري (4187)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، ومسلم (942)، كتاب: الجنائز، باب: تسجية الميت.

(7)

في "ق": "تغسيله".

(8)

في "خ": "رئي".

ص: 184

تسترخي قدماه فلا تنتصبان (1)، ويميل أنفُه، وتنفرج زندا يديه.

و (2) قال الشافعي: ولا ينبغي أن يعجل بغسله؛ لأنه قد يُغْشى عليه، فيُخيل إليهم (3) أنه قد (4) مات، ولم يمت.

قال: وإن كان مصعوقًا، أحببت أن يتأنى به، حتى يخاف تغيره، وإن بلغ يومين أو ثلاثة. قال: لأنه بلغني أن الإنسان يُصعق، فيذهب عقله، ثم يُفيق بعد يومين، وكذلك إن كان فزعًا من حرب، أو سبع، أو مترديًا من جبل، أو غريقًا، أو حريقًا (5).

قال صاحب "البيان والتقريب": إنما ينبغي تأخيرُ الميت إذا وقع الشكُّ في موته، ونادر وقوعُ الشك فيه (6)، فإذا تحقق، فالأولى المبادرةُ بغسله وتجهيزه ودفنه.

قال ابن شعبان: لا يؤخَّر غسلُ الميت بعد خروج روحه -يريد: خوفَ انفجاره، أو (7) تغير رائحته-، ولا حجة للخصم في تأخير

(1) في "ت": "ينتصبان".

(2)

الواو ليست في "ت".

(3)

في "ت": "لهم".

(4)

"قد" ليست في "ت" و"خ"،.

(5)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 277).

(6)

"ونادر وقوع الشك فيه" ليس في "ق".

(7)

في "ت": "و".

ص: 185

غسل رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم للأمن من ذلك فيه، ولأن الصحابة رضي الله عنهم إنما أخروا غسلَه؛ لاشتغالهم بما هو أهمُّ عندهم من المبادرة بتجهيزه (1)، وهو أمرُ الخلافة، والنظرُ إلى من يقوم بالشريعة وحفظها، ومصالح الخلق بعده، وخوف أن يَسْبِقَ إلى (2) ذلك من لا يستحقه، ثم يَعْسُر خلعُه (3).

وقد روى البخاري، ومسلم، والنسائي، وأبو داود، عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قَرَّبْتُمُوها إِلَى الخَيْرِ، وَإِنْ كَانَتْ (4) غَيْرَ ذَلِكَ، كَانَتْ (5) شَرًّا تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكم"(6).

وروى أبو داود: أن طلحةَ بنَ البراء مرض، فأتاه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَرَى طَلْحَةَ حَدَثَ بِهِ (7) المَوْتُ،

(1) في "ت": "إلى تجهيزه".

(2)

في "ت": "يلي" بدل "يسبق إلى".

(3)

بياض في "ت" بمقدار قوله: "ثم يعسر خلعه".

(4)

"كانت" ليس في "ت".

(5)

في "ت": "كان".

(6)

رواه البخاري (1252)، كتاب: الجنائز، باب: السرعة بالجنازة، ومسلم (944)، كتاب: الجنائز، باب: الإسراع بالجنازة، وأبو داود (3181)، كتاب: الجنائز، باب: الإسراع بالجنازة، والنسائي (1910)، كتاب: الجنائز، باب: السرعة بالجنازة، والترمذي، (1015)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الإسراع بالجنازة، وابن ماجه (1477)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في شهود الجنائز.

(7)

في "ق": "فيه".

ص: 186

فَآذِنُوني بِهِ، وَعَجِّلُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تَجْلِسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ" (1).

وقد انتهى ما أردناه (2) من تأسيس هذه المقدمة، والحمد للَّه.

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: النعي: خبرُ الموت، يقال: نَعاه يَنْعاه، نَغيًا ونُعْيًا -بالفتح، والضم-، وكذلك النَّعِيُّ على فَعِيلٍ (3)، يقال: جاء نعيُ فلان، والنعي -أيضًا-: الناعي، وهو الذي يأتي بخبر الموت؛ قاله الجوهري.

وقال (4) الهروي (5): النَّعْيُ -بسكون العين-: الفعل، والنَّعِيُّ -يريد: بالكسر-: الميت، ويجوز أن يُجمع على نعايا (6)، مثل صَفِيٍّ وَصَفَايا، وبَرِيٍّ وبَرَايا (7).

قال الجوهري: قال الأصمعي: كانت العرب إذا مات منها ميت له قدرٌ، ركبَ راكبٌ فرسًا، وجعل يسير في الناس [ويقول]: نَعاءِ فلانًا؛

(1) رواه أبو داود (3159)، كتاب: الجنائز، باب: التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها.

(2)

في "ت": "أردنا".

(3)

في "ق": "فقيل".

(4)

في "ت": "وقاله".

(5)

في "خ": "الجوهري"، وهو خطأ.

(6)

في "ت": "نعيا".

(7)

انظر: "المعلم" للمازري (1/ 490)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 412).

ص: 187

أي: انْعَه وأظهرْ خبرَ وفاته، ونَعاءِ: مبنيةٌ على الكسر، مثل دَرَاكِ، وفي الحديث:"يا نَعَاءِ العَرَبَ"(1)؛ أي: انْعَهُم (2).

قال الإمام المازري: والنجاشي: ملك الحبشة، واسمه أَصْحَمة، تفسيره بالعربية: عَطِيَّة قاله ابن قتيبة، وغيرُه. وقال المطرز (3)، وابنُ خالويه، وغيرهما: النَّجاشي: اسمٌ لكل ملكٍ ملكَ الحبشة، وكسرى اسمٌ لملكِ الفرسِ، وهِرَقْلُ: اسمٌ لملكِ الرُّوْمِ، وقَيْصَرُ كذلك، وخاقانُ: اسمٌ لملكِ (4) الترك، وتُبَّعٌ: اسم لملك (5) اليمن، والقَيْل: اسمُ (6) ملكِ حِمْيَر، وجمعُه أَقْيال، وقيل: بل القَيْلُ أقلُّ درجةَ من المَلِك (7).

(1) قال الهثيمي في "مجمع الزوائد"(6/ 255): رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد اللَّه بن بديل ورقاء، وهو ثقة، انتهى. ورواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(4/ 213)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 122)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6824)، والضياء في "الأحاديث المختارة"(9/ 371)، وغيرهم من حديث عبد اللَّه ابن زيد رضي الله عنه بلفظ:"يا نعايا العرب، يا نعايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية".

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2512)، (مادة: ن ع ا).

(3)

في "ت": "المطرزي".

(4)

في "خ": "ملك".

(5)

في "ح": "ملك".

(6)

"اسم" ليس في "ق".

(7)

انظر: "المعلم" للمازري (1/ 490).

ص: 188

ع: و (1) ذكر مسلم اسمَ النجاشي أصحمةَ في الحديث، وهو المعروف -بهمزة أوله، ثم صاد مهملة ساكنة، بعدها حاء مفتوحة-، يعني: مهملة.

قال: وكذا ذكره البخاري، وقاله ابن إسحاق، وفي "مسند ابن أبي شيبة" في هذا الحديث (2): تسميته صَحْمَة على وزن رَكْوَة -بغير همز، وفتح الصاد، وسكون الحاء-، وقال: هكذا قال لنا يزيد، وإنما هو صَمحَة (3)، كذا ذكره بتقديم الميم بغير همز (4).

الثاني: قال أصحابنا: إنما نعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وصلَّى عليه وهو غائبٌ؛ لأنه ماتَ بأرضٍ لم تُقف فيها عليه (5) فريضةُ الصلاةِ، فتعينَ الإعلامُ بموته؛ ليقام فرضُ الصلاة عليه، وإن كان معه مَنْ تابعه (6) على الإسلام، إلا أنه لا يقدر على إظهاره؛ لأنهم لم يظهروا إيمانهم، أو أنهم يجهلون حكمَ هذه الصلاة، ولأن هذا خصوصٌ النجاشي؛ إذ لم يصلِّ على سائر مَنْ ماتَ غائبًا عنه من أصحابه عليه الصلاة والسلام، فليس فيه دليل للخصم في الصلاة على الغائب، مع ما قيل: إنه رُفع

(1) الواو ليست في "ت" و"ق".

(2)

قوله: "بعدها حاء مفتوحة. . . " إلى هنا ليس في "ت".

(3)

في "ت": "مصحمة".

(4)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 414).

(5)

في "ت": "عليه فيها".

(6)

في "خ" و"في": "بايعه".

ص: 189

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه، كما رُفع له بيتُ المقدس، فوصَفَه لمن سأل (1) عنه (2).

ع: احتج بذلك أئمتُنا في جواز الإعلام بموت الميت، وأن هذا ليس من النعي الذي نُهي عنه، خلف ما رُوي عن حذيفة: أن لا يؤذن به أحدٌ، وقال: أخافُ أن يكون نعيًا، ونحوه عن ابن المسيب، وقال [به] بعضُ سلف الكوفيين من أصحاب ابن مسعود، وحمل الأول (3) النهي عن النعي على عادة الجاهلية. وذكرَ نحوَ ما ذكره الأصمعي، وزاد: ويكون (4) مع النعي ضجيج وبكاء، وكره مالك الإنذارَ بذلك على أبواب المساجد، والأسواق، ورآهُ من النَّعْي (5).

الثالث: قوله: "وخرج بهم إلى المصلَّى": يحتج به، وبفعلِ النبي صلى الله عليه وسلم، في غير جنازة: على (6) أن سُنَّتها (7) الصلاةُ عليها في البقيع، وأن (8) لصلاة الجنازة موضعًا مخصوصًا (9).

(1) في "ت": "سأله".

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

في "ت" زيادة: "على".

(4)

في "ت": "تكون".

(5)

المرجع السابق، (3/ 412).

(6)

"على" ليس في "ت".

(7)

في "خ": "سببها".

(8)

في "ت": "فإن".

(9)

المرجع السابق، (3/ 415).

ص: 190

وأما ما نُقل من صلاته عليه الصلاة والسلام على سَهْيلِ بنِ بيضاء (1) في المسجد (2)، فيجوز أن يكون بيانًا للجواز، وأنه ليس بحرام، ويؤيد هذا الاحتمال: أن العمل على خلافه؛ بدليل قول عائشة رضي الله عنها: ما أسرعَ ما نَسِيَ الناسُ! فهذا صريح (3) في أن الناس كانوا لا يصلون على ميت في المسجد؛ إذ لو كان ذلك، لما (4) حسن قولها: ما أسرع ما نسي الناس! ويكون ذلك جمعًا بين الحديثين، واللَّه أعلم.

الرابع: قوله: "فصفَّ"(5) دليلٌ على أن صلاة الجنازة يلزم فيها من إقامة الصفوف، وتقديم ما يلزم في سائر الصلوات (6).

الخامس: قوله: "وكبر أربعًا" نصّ صريح، ودليلٌ ظاهر للجمهور، على أن تكبير صلاة الجنازة أربعُ تكبيرات، وقد اختلف الناسُ في ذلك على ستة أقوال، لا أعلم لها سابعًا:

الأول: وهو أصحُّها وأشهرها: أن التكبير أربع، وبه قال مالك،

(1) في "ت": "سهل بن أبي البيضاء".

(2)

رواه مسلم (973)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على الجنائز في المسجد، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

في "ق": "تصريح".

(4)

في "ت": "ما".

(5)

في "ت" زيادة: "فيه".

(6)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 416).

ص: 191

والثوري، والأوزاعي والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود، وأبو ثور، وجماعة من الصحابة والتابعين.

القول الثاني: أنه ثلاثُ تكبيرات، وبه قال ابن سيرين، وأبو الشعثاء جابرُ بنُ زيد (1)، وروي عن ابن عباس.

القول الثالث: أنه خمس تكبيرات، وبذلك قال زيدُ بنُ أرقم، وحُذيفة بن اليمان، وذهب إليه الفقهاء السبعة (2).

القول الرابع: ما حُكي عن ابن مسعود: أنه قال: كَبَّرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم تسعًا، وسبعًا، وخمسًا، وأربعًا، فكبروا ما كبر الإمام، فأشار إلى أن ذلك كلَّه جائز، وأن المصلِّي مخيرٌ في ذلك.

القول الخامس: يكبر ما كبر الإمام، ولا يزيد (3) على سبع، قاله إسحاق.

القول السادس: ما روي عن علي بن أبي طالب (4): أنه كان يكبر على أهل بدر ستًا، وعلى سائر الصحابة خمسًا، وعلى غيرهم أربعًا.

قال أبو عمر بنُ عبد البر: وانعقد الإجماع بعدُ على أربع، لا يُزاد

(1) في "ت": "يزيد".

(2)

قال ابن الملقن في "الإعلام"(4/ 398): وعزاه الفاكهي إلى الفقهاء السبعة، ولعله التبس عليه، انتهى. يعني: كان الصحيح أن يقول: "الفقهاء الشيعة" بدل "الفقهاء السبعة".

(3)

في "ت": "ولا يزاد".

(4)

في "ت" زيادة: "عليه السلام"، وفي "ق" زيادة:"رضي الله عنه".

ص: 192

عليها على ما جاء في الأحاديث الصحاح، وما سوى ذلك عندهم شذوذٌ لا يُلتفت إليه اليوم (1).

ولا نعلم أحدًا قال من (2) فقهاء الأمصار بخمس إلا ابن أبي ليلى.

قلت: ولم يذكر في الحديث السلامُ منها، وقد ذكره الدارقطني في "سننه"، وابن حبيب من أصحابنا (3).

واختلف العلماء فيه في مواضع:

الأول: حكمُه: والجمهورُ على أنه فرضٌ؛ كالسلام من الصلاة، ووقع في "العتبية": أنه مستحب، وقال به محمد بن أبي صفرة.

الثاني: عدده: والجمهورُ على أنه تسليمة واحدة، وهو قول مالك، والشافعي.

وذهب أبو حنيفة، والثوري (4)، وجماعة من السلف: إلى أنه تسليمتان، واختاره المزني، وهو أحد قولي الشافعي أيضًا.

الثالث: صفته: فقيل: إنه جهرٌ كسائر الصلوات، وهو قولُ أبي حنيفة، والمشهور من قول مالك.

وقيل: إنه سرٌّ، وهو قولُ الشافعي، والشاذُّ من قول مالك. ويُعلم

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 30).

(2)

"قال من" ليس في "ت".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 416).

(4)

"والثوري" ليس في "ت".

ص: 193

كمالُ الصلاة عند هؤلاء بالانصراف.

واختلف قولُ مالك في المأمومين، هل يردُّون على الإمام تسليمة أخرى، أم لا؟ وظاهر الأحاديث: أنه تسليمة واحدة.

وتحصيل المسألة: أن المصلِّين ثلاثة: إمام، ومأموم، ومنفرد.

فسلام الإمام من هذه الصلاة كسلامه من المكتوبة، يسلم واحدة قبالة وجهه يتيامن بها قليلًا، هذا هو المشهور.

وقال أشهب في "مدونته": يسلم تسليمتين، ولا يسلم مَنْ معه حتى يفرغَ منهما.

وأما المأموم، ففيه ثلاثة أقوال:

أشهرها: أنه يسلم واحدة، ولا يرد على إمامه، ولا غيره.

والثاني: أنه يسلم ثانية يردُّ بها على إمامه، قاله في "العتبية"، وقاله (1) أشهب. قال اللخمي: وهو أحسنُ؛ قياسًا على المكتوبة، فيرد المأمومُ على إمامه، وعلى مَنْ على يساره، بعد التسليمة التي يخرج (2) بها من الصلاة.

قال (3): لأن رد التحية فرض، (4) فالإمامُ قد سلَّم على مَنْ خلفه،

(1) في "ت": "وقال".

(2)

في "ت": "خرج".

(3)

"قال" ليس في "ق".

(4)

في "ت" زيادة: "قال".

ص: 194

فيردُّون عليه، وكلُّ واحد من المأمومين قد سلَّم على صاحبه بالتي خرج بها من الصلاة.

القول الثالث: قاله مالك في "الواضحة": لا يرد على الإمام إلا مَنْ سمعه (1)، وكذلك عنه في "العتبية"، وقد فَرَّقَ بينَ المكتوبة وهذه الصلاة -على القول المشهور فيها بالنسبة إلى المأموم، وأنه لا يسلم إلا واحدة-، بأن الغالب أن الإمام في هذه الصلاة ينصرف، ولا يثبت لرد المأموم عليه بعدَ انصرافه، فهو كمن سلم عليه رجل (2)، ثم ولَّى عنه، وتباعد، فلا معنى للردِّ عليه وهو لا يسمع (3)، إذ الأصلُ أن السلامَ وردَّه تأمين، فإذا بَعُد بحيث لا يسمع، ذهب معنى التأمين.

قال بعض المتأخرين: معنى (4) قولِ اللخمي: أن ردَّ (5) السلام فرض إن قيل به، فذلك (6) إنما هو في سلامٍ ليس المقصودُ منه إلا التحيةَ على الغير، وتأمينَه، وأما تسليمةُ (7) الإمام، والتسليمُ الأول من المأمومين، فإنما شُرعت (8) تحليلًا من الصلاة، وليس المهمُّ فيها التسليمَ على

(1) في "ق": "لا من معه".

(2)

في "ت": "واحد".

(3)

في "ت": "لا يسمعه".

(4)

في "ق": "ما معناه".

(5)

في "خ" و"ق": "يرد".

(6)

"إن قيل به فذلك" ليس في "ت".

(7)

في "ت": "تسليم".

(8)

في "ت": "شرع".

ص: 195

الناس، ألا ترى أن كلَّ مصلٍّ يأتي بها، وإن لم يكن ثَمَّ أحدٌ يسلِّم عليه؟ ويشهد لذلك من المذهب: أن مَنْ حلف أن لا يكلم زيدًا، لم يحنث بهذه التسليمة، والذي يؤكد ذلك -أيضًا-: أن هذه التسليمة لو كان المقصود بها السلامَ على الناس، لاكتفى بردِّ واحدٍ من الجماعة على الإمام، وأيضًا: فإن التسليمة الثانية غيرُ واجبة عندنا، وعند الشافعي، ولو كانت لقصد (1) الرد، لكان (2) على ما يقول فرضًا.

وأما الفَذُّ، فيسلِّم تسليمةً واحدة؛ كما في "المكتوبة" على المشهور (3)؛ إذ ليس معه مَنْ يردُّ عليه.

وأطلق أصحابُ الشافعي القولَ: بأن المصلي على الجنازة يسلِّم تسليمتين: عن يمينه، وعن (4) شماله، ولم يفرقوا بين فَذٍّ وغيرِه، وجعلوها كالمكتوبة.

وهل يجهر بالتسليم، أو لا؟ روايتان عن مالك:

وجهُ الجهر: أنها صلاةُ فرض في جماعة، فيُسن فيها للإمام الإعلانُ بالسلام كالمكتوبة، وليعلَمَ المأمومون بفراغ الإمام، فيسلمون.

ووجه الإسرار: أنها ذكرٌ منفرد عن الصلاة، فلا إعلانَ فيها؛ كسجود السهو بعد السلام، ولأن المأمومين يعلمون بفراغ الإمام بعد

(1) في "ت": "القصد"، وفي "ق":"بقصد".

(2)

في "ت": "لكانت".

(3)

"على المشهور" ليس في "ق".

(4)

"عن" ليست في "ق".

ص: 196

انصرافه، وقد جاء أن الصحابة كانوا يسلمون تسليمًا خفيفًا، ذكره ابن وهب في "المدونة"، والسنة أن يفعل من وراءَهُ مثله، واللَّه أعلم.

ولم يذكر -أيضًا- في الحديث رفعَ الأيدي مع التكبير، وقد اختلف فيه قولُ مالك على ثلاثة أقوال: الرفع في الأولى فقط، وهو المشهور، وفي الجميع، ولا يرفع (1) جملة، واللَّه أعلم (2).

* * *

(1) في "ت": "ولا رفع".

(2)

انظر: "المدونة"(1/ 189)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 50)، و"جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 141).

ص: 197