الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتْابُ الزكاة
الزكاة تطلق بمعنى النماء، وبمعنى الطهارة:
فمن الأول: قولنا: زكا الزرعُ؛ أي: نما.
ومن الثاني: قوله تعالى: {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] و {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]؛ أي: طهرها من دنس المعاصي والمخالفات، دليله: قولُه تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10]؛ أي: أخملها بالمعاصي، والأصل دَسَّسَها، فأدغم.
وأورد على الأول: أن الزكاة إخراج من المال، ونقصٌ محسوس، فكيف يكون نماءً؟
وأجيب: بأنها، وإن كانت نقصًا في الحال (1)، فهي تَنْمي في المآل، وتزيدُ في إصلاح الأموال.
وقيل: يزكو عند اللَّه أجرُها، وينمي؛ كما جاء في الحديث الآخر:"حَتَّى تَكُونَ (2) كَالجَبَلِ العَظِيمِ"(3)، وجاء -أيضًا- في الصحيح:
(1) في "ت": "وإن كان نقصًا" بدل "بأنها وإن كانت نقصًا في الحال".
(2)
في "ت": "يكون".
(3)
رواه البخاري (1344)، كتاب: الزكاة،
باب:
لا يقبل اللَّه صدقة =
"مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ"(1).
قيل: ووجه الدليل من ذلك أن النقصان محسوسٌ بإخراج القَدْرِ الواجب منه، فلا يكون [غير ناقص إلا بزيادة](2) تبلغه إلى ما كان عليه، وقد أخبرني مَنْ أثق به: أنه كان عنده عشرون درهمًا، فتصدق منها بدرهم، ثم وزنها، فإذا هي [بوزن] ما كانت (3)، وقد وقع لي أنا -أيضًا- نحو ذلك.
وقيل: لأنها لا تؤخذ إلا من الأموال المعرَّضَة للنماء؛ أي: لمَّا كان متعلقها ينمي، سميت باسم متعلقها، واللَّه أعلم.
وأما معنى الطهارة فيها؛ فلأنها تطهر النفسَ من رذيلة البخل وغيره؛ كما تقدم، وقد قيل: من أَدَّى زكاةَ ماله، لم يُسَمَّ بخيلًا.
ع (4): وقيل: سميت زكاة؛ لأنها تزكي صاحبها، وتشهد بصحة
= من غلول، ولا يقبل إلا من كسب طيب، ومسلم (1014)، كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1)
رواه مسلم (2588)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: استحباب العفو والتواضع، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
ما بين معكوفتين زيادة من "ت".
(3)
في "ت": "فإذا هي عشرون كما كانت".
(4)
"ع": بياض في "ت".
إيمانه (1)؛ كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103].
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها طاعة وإخلاص.
وقيل في قوله تعالى: {لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 7]: لا يشهدون أَنْ لا إله إلا اللَّه، فعبر عن أحد المتلازمين بالآخر؛ من حيث إن الزكاة ملازمة للإيمان، ولأن مخرِجَها لا يخرجُها إلا من إخلاصه (2)، وصحة إيمانه؛ لما جُبِلت عليه النفوس من الشح بالمال، وحبه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:"الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"(3).
وقيل: لأنها تزكي المالَ وتطهره؛ إذ لو لم تخرج منه أَخْبَثَتْه، وأبقَتْ فيه أوساخه.
وأما تسميتُها صدقةً، فمن الصِّدْق؛ إذ هي دليل على صحة إيمانه، وصدق باطنه فيه مع ظاهره.
وقد تسمى بذلك؛ لتصديق صاحبِها أمرَ اللَّه (4) -تعالى- بإخراجها.
وسمَّاها الشرع -أيضًا-: حَقًّا، فقال: {وَآتُوا حَقَّهُ
(1) في "ت": "ويشهد بصحته" بدل "وتشهد بصحة إيمانه".
(2)
في "ت": "إخلاصها".
(3)
رواه مسلم (223)، كتاب: الطهارة، باب: فضل الوضوء، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.
(4)
في "ت": "لتصديق ما أمر اللَّه" بدل "لتصديق صاحبها أمر اللَّه".
يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] ، ونفقةً، بقوله:{وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]، وعفوًا، بقوله:{خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199].
وبَيْنَ السَّلَفِ وأهلِ التفسير اختلافٌ في مراده -تعالى- بهذه الكلمات (1).
قال الإِمام أبو عبد اللَّه: وقد أفهم الشرع أنها شُرعت للمواساة، وإن المواساة إنما تكون فيما له بالٌ من الأمور (2)، فلهذا حدَّ النُّصُبَ، وكأنه لم ير فيما دونها محملًا لذلك، ثم وضعها في الأموال النامية العين، والحَرْثِ، والماشية، فمن ذلك ما ينمي بنفسه، كالماشية، والحرث، ومنه ما ينمي (3) بتغير عينه وتقلُّبه، كالعين، والإجماع على تعلق الزكاة بأعيان هذه المسميات.
وأما تعلق الزكاة بما سواها من العُروض، ففيها للفقهاء ثلاثة أقوال: فأبو حنيفة يوجبها على الإطلاق، وداود يُسقِطها، ومالكٌ يوجبها على المدير على شروط معلومة من مذهبه.
قلت: وأما قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ، فبعمومه يحتج لأبي حنيفة، ومالكٌ حملَه على ما كان للتجارة دون القُنية (4). وسيأتي الكلامُ على شيء من هذا.
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 457).
(2)
في المطبوع من "المعلم": "الأموال" بدل "الأمور".
(3)
في "ت": "ينمو".
(4)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 5).