الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أفضل الصيام وغيره
الحديث الأول
192 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: واللَّهِ! لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قَالَ:"فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأفطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ فَإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ"، قُلْتُ: إِنِّي (1) أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ"، قُلتُ: إِنِّي أُطِيقُ أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"فَصُمْ يَوْمًا (2)، وَأفطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ"(3)، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، [فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا أَفْضَلَ
(1) في "ت": "فإني".
(2)
"وأفطر يومين"، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال:"فصم يومًا" ليس في "ت".
(3)
"فذلك صيام داود، وهو أفضل الصيام" ليس من "ت".
مِنْ ذَلِكَ"] (1).
وَفي رِوَايَةٍ: "لَا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ -شَطْرِ الدَّهْرِ- صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَومًا"(2).
(1) ما بين معكوفتين سقط من "خ" و"ت"، والاستدراك من "متن العمدة" للحافظ عبد الغني.
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1785)، كتاب: الصوم، باب: صوم الدهر، واللفظ له، و (1102)، أبواب التهجد، باب: ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، و (1878)، كتاب: الصوم، باب: صوم داود عليه السلام، و (1876)، باب: حق الأهل في الصوم، و (1877)، باب: صوم يوم وإفطار يوم، و (3236 - 3237)، كتاب: الأنبياء، باب: قول اللَّه تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]، و (4765)، كتاب: فضائل القرآن، باب: في كم يقرأ القرآن، و (4903)، كتاب: النكاح، باب: لزوجك عليك حق، و (5783)، كتاب: الأدب، باب: حق الضيف.
ورواه مسلم (1159/ 181 - 188، 192 - 193)، كتاب: الصوم، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوت به حقًا، وأبو داود (2427)، كتاب: الصوم، باب: في صوم الدهر تطوعًا، والنسائي (1630)، كتاب: قيام الليل، باب: ذكر صلاة نبي اللَّه داود عليه السلام بالليل، (2388 - 2393)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم وإفطار يوم، (2394 - 2396)، باب: ذكر الزيادة في الصوم والنقصان، و (2397 - 2401)، باب: صوم عشرة أيام من الشهر، و (2403)، باب: صيام أربعة أيام من الشهر، والترمذي (770)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في سرد الصوم، وابن ماجه (1712)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في صيام داود عليه السلام.
(2)
رواه البخاري (1879)، كتاب: الصوم، باب: صوم داود عليه السلام، و (5921)، =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: فيه: الإخبار (1) بمحاسن الأعمال، إذا لم يقصد بذلك التسميع، والمراءاة، فربما كان ذلك داعيةً لغيره إلى (2) العمل الصالح، والاقتداء به في ذلك (3).
وفيه: الحلفُ اختيارًا من غير استحلاف، وكون الحالف في اليمين على حنث (4)؛ فإن ذلك غير ممتنع شرعًا.
= كتاب: الاستئذان، باب: من ألقي له وسادة، ومسلم (1159/ 191)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوَّت به حقًا، والنسائي (2402)، كتاب: الصيام، باب: صيام خمسة أيام من الشهر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 129)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 297)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 123)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 224)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 40)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 236)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 890)، و"التوضيح" لابن الملقن (13/ 460)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 220)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 90)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 405)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 590)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 172)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 342).
(1)
في "ت": "إخبارٌ".
(2)
في "خ": "في".
(3)
في "ت" زيادة: "الوقت".
(4)
"حنث" زيادة من "ت".
الثاني: (ما) من قوله: "ما عشتُ" مصدرية ظرفية؛ أي: مدة حياتي.
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستطيع ذلك"(1)، عدمُ الاستطاعة تطلق (2) تارة على المتعذِّر أصلًا، وأُخرى على ما شَقَّ (3) فعلُه، وإن لم يكن متعذّرًا، وعليهما ذُكر الاحتمالُ في قوله تعالى:{وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286]، فحمله بعضُهم على المستحيل، حتى أخذَ منه جوازَ تكليف المحال، وحمله بعضُهم على ما يشقُّ، وهو الأقربُ.
ق: ويمكن أن يُحمل على الممتنع، إما على تقدير أن يبلغَ من العمر ما يتعذَّر معه ذلك، وعلمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بطريق [الرفق]، إذ (4) في ذلك التزام الأوقات تقتضي العادة أنه لابدَّ من وقوعها مع تعذر ذلك فيها، ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تستطيع ذلك"، مع القيام ببقية المصالح المرغَّبة شرعًا (5).
قلت: وهذا خلافُ قوله عليه الصلاة والسلام لحمزةَ بنِ عمرٍو المتقدم، وإقراره إياه على سَرْد الصوم، والظاهر: أنه -عليه الصلاة
(1) في "ت": "لا أستطيع".
(2)
في "ت": "يطلق".
(3)
في "ت": "يشق".
(4)
في "خ": "أو".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 238).
والسلام- عَلِمَ من حال أحدهما ما عَلِمَ من حال الآخر، وينشأ من ذلك عدمُ كراهة صيام الدهر؛ إذ كان عليه الصلاة والسلام لا يُقِرُّ على مكروه، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب جماعة إلى جوازه، منهم: مالك، والشافعي -رحمهما اللَّه-، ومنعه (1) أهلُ الظاهر؛ لأحاديثَ وردتْ فيه؛ كقوله عليه الصلاة والسلام:"لَا صَامَ مَنْ (2) صَامَ الأَبَدَ"(3)، وغير ذلك، وتأول ذلك مخالفوهم: بأن هذا محمولٌ على إدخال صيام الأعياد والتشريق.
ع: والأشبهُ عندنا في التأويل: أن يكون محمولًا على أنه يضر به ذلك، ألا تراه قال:"فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ، هَجَمَتْ لَهُ عَيْنُكَ، وَنَهِكَتْ نَفْسُكَ"(4).
قلت: معنى هَجَمَتْ: غارَتْ، ونهِكَتْ -بفتح النون، وفتح الهاء وكسرها، وإسكان التاء-؛ أي: ضَعُفَتْ.
ح: وضبطه بعضهم -بضم النون (5) وكسر الهاء وفتح التاء-؛
(1) في "ت": "ومنعهما".
(2)
في "ت": "لا صيام لمن".
(3)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (1876)، وعند مسلم برقم (1159)، (2/ 814).
(4)
هو لفظ مسلم المتقدم. وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 126).
(5)
"وفتح الهاء وكسرها، وإسكان التاء -؛ أي: ضَعُفَتْ. ح: وضبطه بعضهم- بضم النون" ليس في "ت".
أي: نُهِكْتَ أنتَ؛ أي: ضَنيت، قال: وهذا ظاهر كلام القاضي (1).
الرابع: فيه: استحبابُ صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وعلّتُه مذكورة في الحديث، واختُلف في تعيينها، وليس ذلك من غرضنا في هذا الحديث، وسيأتي الكلامُ على ذلك قريبًا في حديث أبي هريرة.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإن الحسنة بعشر أمثالها": كان المرادَ بالحسنة: الفعلة الحسنة شرعًا، فأقيمت الصفةُ مقامَ الموصوف.
فإن قلت: القاعدةُ في العربية إثباتُ التاء من الثلاثة إلى العشرة في عددِ المذكر، وحذفُها في المؤنث، والمثلُ مذكَّرٌ، فلم حُذفت التاء؟
قلت: هو مثلُ قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقد أجيب عنه من وجهين:
أحدهما: أن التقدير فله عشرُ حسناتٍ أمثالها، وحذفت التاء من عشرة؛ لأن الأمثال في المعنى مؤنثة؛ لأن مثل الحسنة حسنة.
والثاني: أنه أُنِّثَ، لإضافته إلى مؤنث، وهو الهاء والألف التي هي ضمير مؤنث، فكان (2) من باب: سقطتْ بعضُ أصابعه، و:
كَمَا نَهِلَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 126).
(2)
في "ت": "وكان".
وأشباهِ ذلك.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "وذلك مثلُ صيام الدهر"، قيل: إنه مؤوَّلٌ عندهم على أنه مثلُ أصلِ صيام الدهر من غير تضعيف؛ فإن التضعيف مرتَّبٌ على الفعل الحسي الواقع في الخارج.
ق: والحاملُ على هذا التأويل: أن القواعد تقتضي أن المقدَّرَ لا يكون كالمحقَّق، وأن الأُجور تتفاوت بحسب تفاوت المصالح، أو المشقَّة في الفعل، فكيف يُسَوَّى من فعلَ الشيءَ بمن قدر فعله [له]، فلأجل ذلك (1) قيل: إن المراد: أصلُ الفعل في التقدير، لا الفعلُ المرتَّبُ عليه التضعيفُ في التحقيق، وهذا البحث يأتي في مواضع، ولا يختص بهذا الفعل (2).
ومن هنا يمكن أن يجاب عن الاستدلال بهذا اللفظ وشبهه، على جواز صوم الدهر؛ من حيث إنه ذكر الترغيب في فعل هذا الصوم، ووجهُ الترغيب بأنه مثل صوم الدهر، ولا يجوز أن تكون (3) جهةُ الترغيب هي جهة النهي، وسبيل الجواب: أن (4) الذمَّ عند من قال به متعلقٌ بالفعل الحقيقي، وجهةُ الترغيب هاهنا حصولُ الثواب على الوجه التقديري،
(1) في "خ": "فلا يفعل ذلك" بدل "فلأجل ذلك".
(2)
"وهذا البحث يأتي في مواضع، ولا يختص بهذا الفعل" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "يكون".
(4)
في "ت": "بأن".
فاختلفت جهةُ الترغيب وجهةُ الذم، وإن كان هذا الاستنباط الذي ذُكِرَ لا بأسَ به، ولكن الدلائل الدالةَ على كراهة صوم الدهر أقوى منه دلالةً، والعملُ بأقوى الدليلين واجب، والذين أجازوا صوم الدهر حملوا النهي على ذي عجز أو مشقة، أو ما يقرب من ذلك من لزوم تعطيل مصالح راجحة على الصوم أو متعلقة بحق الغير؛ كالزوجة مثلًا (1).
* * *
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 238).