الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
202 -
عَنْ أبَي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِي اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: "مَنِ اعْتكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَقَدْ أُرِيتُ (1) هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأيتُنِي أَسْجُدُ في مَاءٍ وَطِينٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ،
= الحديث أيضًا دون زيادة الوتر فيه: الترمذي (792)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في ليلة القدر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 6)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 143)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 250)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 918)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 189)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 260)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 134)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 433)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 33)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 371).
(1)
في "ت": "رأيت".
وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ"، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكانَ المَسْجدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجدُ، فَاَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبْهَتِهِ أثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صَبِيحَةِ إِحْدَى وَعِشِرينَ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1923)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف في العشر الأواخر، واللفظ له، و (638)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر، و (780)، كتاب: صفة الصلاة، باب: السجود على الأنف، والسجود على الطين، و (801)، باب: من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى، و (1912)، كتاب: صلاة التراويح، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر، و (1914)، باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، و (1931)، كتاب: الاعتكاف، باب: الاعتكاف، وخروج النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة عشرين، و (1935)، باب: من خرج من اعتكافه عند الصبح. ورواه مسلم (1167/ 213 - 217)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر، وأبو داود (1382، 1383)، كتاب: الصيام، باب: فيمن قال: ليلة إحدى وعشرين، والنسائي (1356)، كتاب: السهو، باب: ترك مسح الجبهة بعد التسليم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 404)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 143)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 240)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 60)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 250)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 918)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 190)، و"التوضيح" لابن الملقن (13/ 614)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 260)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 143)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 439)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 42)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 368).
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: يقال: العشر الأوسط، والوُسَط -بضم الواو-، وهكذا رأيته بخط ابن عصفور النَّحْوي رحمه الله، أعني: الوُسَط، ووجهُه: أن العشرَ اسمٌ لمجموع الليالي العشر، فهو كالأُخَر في جمع أخرى، ووجهُ الأوسط: إرادةُ انقسام الشهر إلى ثلاثةِ أعشار، والأولُ كأنه الأصل، واللَّه أعلم (1).
الثاني: قوله: "من رمضان" فيه: استعمال رمضان من غير ذكر الشهر، على ما تقدم استيعابهُ.
الثالث: قوله (2): "فاعتكفَ عامًا"، سُميت السنة عامًا؛ لأنه مصدرُ عامَ: إذا سبحَ، يعوم عَوْمًا وعامًا، فالإنسانُ يعومُ في دنياه على الأرض طولَ حياته حتى يأتيَه الموتُ، فيغرقُ فيها، وكأنَّ (3) استعمالَ العام أولى من السنة، فإن السنة عندَهم قد تكون عَلَمًا عندهم على الجُدُوبة والقحط، يقال: أَسْنَتَ القومُ: إذا أصابتهم الجدوبةُ، يقلبون الواو تاء، أو (4) ليس بقياس في مثل هذا، واللَّه أعلم.
الرابع: العريش: ما يُستظل به، وكأنه بناءٌ من خشب، والعريش
(1) وانظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 251).
(2)
"قوله" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "وإن كان" بدل "وكأن".
(4)
في "ت": "و".
-أيضًا-: عريشُ الكَرْم، والعريشُ: شبهُ الهودج، وليس به، يتخذ ذلك للمرأة تقعدُ فيه على بعيرها، والعريش -أيضًا-: خيمة من خشب وثُمام، والجمعُ عُرُشُ؛ مثل: قَليب وقُلُب.
قال الجوهري: ومنه قيل لبيوت مكة: العُرُش؛ لأنها عيدان تُنصب ويُظلل عليها، وفي الحديث:"تَمَتَّعْنا معَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وفلانٌ كافرٌ بالعُرُش"(1)، ومن قال: عُروش، واحدُها عَرْش؛ مثل فَلْس وفُلوس، ومنه الحديث: كان ابنُ عمر يقطع التلبيةَ إذا نظر إلى عُروش مكة (2)، وأما العُرش -بضم العين- فهو أحدُ عُرْشَي العنق، وهما لحمتان (3) مستطيلتان في ناحيتي العنق، أنشد الأصمعي:
وَعْبدُ يَغُوثَ يَحْجُلُ (4) الطَّيْرُ حَوْلَهُ
…
قَدِ اهْتَزَّ عُرْشَيهِ الحُسَامُ المُذَكَّرُ
ويروى: قَدِ اهْتَدَّ (5).
(1) رواه مسلم (1225)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2)
رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(2696).
(3)
في "ت": "نجمتان".
(4)
في "ت": "وعند يعرب تحجل".
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1010)، (مادة: عرش).
الخامس: الوُكوف: القَطْرُ، يقال: وَكَفَ يَكِفُ وَكْفًا و (1) وُكُوفًا: إذا قَطَرَ، ووَكَفَ الدمعُ وَكِيفًا ووَكفانًا ووَكْفًا؛ بمعنى: قَطَر (2).
السادس: سجودُه عليه الصلاة والسلام في الماء والطين، وعلوقُ الطين بجبهته عليه الصلاة والسلام، ولم يمنعْه ذلك من صحة السجود؛ دليلٌ لمذهب مالك رحمه الله في صحةِ صلاةِ منْ سجدَ على الطاق والطاقتين من عِمامته، وهو الكَور -بفتح الكاف-، وإن كان تعمُّدُ ذلك مكروهًا.
والشافعية يشترطون مباشرةَ الأرض بالجبهة، والحديثُ دليل عليهم، وبيانُه: إذا سجدَ في الماء والطين، ففي السجود الأول تعلقُ الطين بالجبهة، فإذا سجد ثانيًا، كان ما علق بالجبهة في السجود الأول حائلًا في السجود الثاني عن مباشرة الجبهة بالأرض، ويبعد أن يكون مسح جبهته عليه الصلاة والسلام من الأول، ثم سجد (3) بُعدًا شديدًا (4).
السابع: قوله: "وهي الليلة التي يخرجُ من صَبيحتها من اعتكافِه"، وقوله في آخر الحديث:"فرأيتُ أثرَ الماء والطين على جبهته من صُبْح إحدى وعشرين": نُقل عن بعض أهلِ الظاهر من المحدثين: أن
(1) الواو ليست في "ت".
(2)
المرجع السابق، (4/ 1441)، (مادة: وكف).
(3)
"ثُمَّ سجد" ليس في "ت".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 253).
ليلةَ اليوم هي الآتيةُ بعدَه، والصحيحُ المشهور: أنها السابقةُ قبلَه، فلهذا الخلاف تعلق بهذه المسألة (1).
فائدة: يقال: فعلنا الليلة كذا: من طلوع الفجر ما لم تَزُلِ الشمسُ، فإذا زالتْ، قيل: فعلنا البارِحَةَ، واللَّه أعلم.
* * *
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.