المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب المواقيت ‌ ‌الحديث الأول 207 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الْجَنَائِز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كِتْابُ الزَّكَاة

- ‌ باب:

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الصِّيِامِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ الْحَجِّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله

الفصل: ‌ ‌باب المواقيت ‌ ‌الحديث الأول 207 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي

‌باب المواقيت

‌الحديث الأول

207 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ المَدِينَةِ: ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأهْلِ الشَّامِ: الجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ: قَرْنَ المَنَازِلَ، وَلأَهْلِ اليَمَنِ: يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلمِنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ أَوِ العُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (1452)، كتاب: الحج، باب: مُهلّ أهل مكة للحج والعمرة، و (1454)، باب: مهل أهل الشام، و (1456)، باب: مهل من كان دون المواقيت، و (1457)، باب: مهل أهل اليمن، و (1748) كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ومسلم (1181/ 11، 12)، كتاب: الحج، باب: في المواقيت، والنسائي (2657، 2658)، كتاب: المناسك، باب: من كان أهله دون الميقات.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 147)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 169)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 262)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 81)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 2)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (3/ 3)، و"النكت على العمدة" =

ص: 537

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: الحج -بالفتح- المصدر، وبالكسر والفتح: الاسم، و-بالكسر خاصة-: الحجاج، أنشد الفارسيُّ في "تكملته" شاهدًا على ذلك:

وَكَأَنَّ عَافِيَةَ النُّسُورِ عَلَيْهِمُ

حُجٌّ بِأَسْفَلِ ذِي المَجَازِ نُزُولُ

هكذا ضبطناه عن الشيوخ، وهكذا هو في النسخ المعتمدة، وأنشده الجوهري بالضم.

جعلَه جمعَ حاجّ؛ كبازِل وبُزْل.

وأصله في اللغة: القصد (1).

وقال الخطابي: قصدٌ فيه تكرار، ومنه قول الشاعر:

يَحُجُّونَ بَيْتَ (2) الزِّبْرِقَانِ المُزَعْفَرَا

يريد: أنهم يقصدونه في أمورهم، ويختلفون إليه في حاجاتهم مرةً بعدَ أُخرى.

= للزركشي (ص: 195)، و"التوضيح" لابن الملقن (11/ 54)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 385)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 139)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 99)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 84)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 185)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 21).

(1)

انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 303)، (مادة: حجج).

(2)

كذا في "خ" و"ت"، وفي المطبوع من "المعالم":"سبَّ"، وهو الصواب.

ص: 538

وقد استدلوا بهذا المعنى على إيجاب العمرة، وقالوا: إذا كان الحج قصدًا فيه تكرارٌ، فإن معناه لا يتحقق إلا بوجوب العمرة؛ لأن القصد في الحج إنما هو مرة واحدة لا يتكرر (1).

قلت: وهذا ضعيف، أو غلط؛ فإن التكرار يمكن (2) في الحج، ولا يلزم أن يكون التكرار واجبًا، قال اللَّه تعالى:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]؛ أي: يرجعون إليه، ويتقربون في كل عام، ولأن الحاج يكون ورودُه على البيت عندَ القدوم، وعندَ الإفاضة، وعندَ الوداع، وذلك غيرُ ما يُتنفل به من الطواف، فالتكرارُ حاصلٌ بلا إشكال.

ع: والحجُّ -أيضًا-: العمل، وقيل: الإتيانُ مرةً بعد أخرى (3).

وهو في الشرع: عبارة عن أفعالٍ مخصوصة، في أماكنَ مخصوصة، في زمانٍ مخصوص.

إذا ثبت هذا، فقد وقع الإجماعُ على أن الحج أحدُ أركان الإسلام الخمسة، الذي من جحدَه كفرَ، وهو فرضٌ على كل مسلم، عاقلٍ، بالغٍ، صحيحٍ، مستطيعٍ، في العمر مرةً واحدة، ذكرًا كان أو أنثى، هذا مع الأمنِ على النفس والمال، وإن كانوا قد اختلفوا في صفة الاستطاعة (4).

(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 143).

(2)

في "ت": "ممكن".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 160).

(4)

انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 262).

ص: 539

واختُلف فيمن حجَّ حجةَ الإسلام، ثم ارتدَّ، ثم عاد إلى الإسلام، فقال أبو حنيفة، وأحمد: تجب (1) عليه حجة الإسلام، ولا يُعتد له بالماضية.

وقال الشافعي: لا تجب عليه حجةٌ أخرى.

وعن مالك روايتان كالمذهبين، والمشهورُ: وجوبُها أيضًا.

واختلفوا أيضًا: هل هو على الفور، أو على التراخي؟ واختلف فيه أصحاب مالك والشافعي، فالذي يحكيه العراقيون عن المذهب: أنه على الفور، وهو قولُ أبي يوسف، والمزني، وقال ابن خويزمنداد: تحصيلُ مذهبنا أنه على التراخي، وهو قول محمد بن الحسن (2).

قلت: وهو مذهب المغاربة.

الثاني: قوله: "وقَّتَ لأهل المدينة ذا الحُلَيفة"؛ أي: حَدَّدَ، ومعنى التحديد في هذه المواقيت: أن لا يُتعدَّى ولا يتجاوزَ إلا بإحرام، وإن لم يكن في لفظ وقَّتَ من حيث هو تصريحٌ بالوجوب.

وقد جاء في غير هذه الرواية: "يُهِلُّ أَهْلُ المَدِينَةِ"(3)، فهذه صيغةُ خبر، المرادُ بها الأمرُ.

وورد -أيضًا- في بعض الروايات: لفظُ الأمر.

(1) في "ت": "يجب".

(2)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 160).

(3)

سيأتي في تخريجه في الحديث الثاني من هذا الباب.

ص: 540

قال الخطابي: وقد أجمعوا على أنه لو أحرمَ دونها حتى وافى الميقاتَ محرمًا، أجزأه، وليس هذا كتحديد مواقيت الصلاة؛ فإنها إنما ضُربت حدًا لئلا تُقدَّمَ الصلاةُ عليها (1).

قلت: إلا أنه يُكره عندنا تقديمُ الإحرام على الميقات زمانًا أو مكانًا، ويلزم إن فعل.

وذو الحُلَيْفة: بضم الحاء المهملة وفتح اللام وبالفاء، وهي من مياه بني جُشم، وهي أبعدُ المواقيت من مكة، بينهما نحوٌ من عشرِ مراحلَ، أو تسعٍ، وهي قريبة من المدينة على نحوِ ستةِ أميال منها، وقيل: سبعة، وقيل: أربعة (2).

الثالث: قوله: "لأهل الشام الجحفة": قد تقدم أن الأفصح: الشَّأْم -بالهمز والقصر-، وأنه يذكر ويؤنث.

والجُحْفَة: -بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة-، وهي ميقاتٌ لهم ولأهل مصرَ والمغربِ، قيل: سُميت بذلك؛ لأن السيل اجْتَحَفَها (3) في وقتٍ، ويقال لها: مَهْيَعة -بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح المثناة تحت-، وحكى ع عن بعضهم: -كسر الهاء- (4). وهي على ثلاث مراحلَ ونحوِها من مكة على طريق المدينة، وعلى ثماني مراحل من المدينة.

(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 147).

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 81).

(3)

في "ت": "احتجفها".

(4)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 169).

ص: 541

تنبيه: وهذا عَلَمٌ من أعلام النبوة، أعني: توقيتَه عليه الصلاة والسلام لأهل الشام الجحفةَ قبل أن يُفتح (1) الشَّأْمُ، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بفتح الشأم، واليمن، والعراق، وكان كما قال صلى الله عليه وسلم.

الرابع: قوله: "ولأهل اليمن يَلَمْلَمَ": هو بفتح المثناة تحت واللامين، ويقال أيضًا: أَلَمْلَم -بهمزة بدل الياء-، وهو جبل من جبال تِهامة على مرحلتين من مكة (2).

الخامس: قوله: "ولأهل نجد قَرْنَ المنازل": هو بفتح القاف وسكون (3) الراء ليس إِلَّا، وهو تلقاء مكة على مرحلتين منها.

قالوا: وهو أقرب المواقيت إلى مكة، وغلط الجوهري رحمه الله في قوله: هو بفتح الراء، وزَعْمِه أُوَيْسًا القَرَنيَّ رحمه الله منسوبٌ إليه (4)، والصواب: إسكانُ الراء، وأن أُوَيْسًا منسوبٌ إلى قبيلةٍ معروفةٍ، يقال لهم: بنو قَرَن؛ وهم بطنٌ من مراد القبيلةِ المعروفة، ينسب إليها المرادي.

ع: قال القاضي (5): من قاله بالإسكان، أراد: الجبل المشرفَ

(1) في "ت": "تفتح".

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 2533)، (مادة: لمم).

(3)

في "خ" و"ت": "وكسر"، والصواب ما أثبت.

(4)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2181).

(5)

كذا في "خ" و"ت"، والصواب:"قال القابسي"، كما في المطبوع من "الإكمال".

ص: 542

على الموضع، ومن فتح: أراد: الطريق الذي يفترق منه، فإنه موضعٌ فيه طرق مختلفة (1).

ولتعلمْ: أن هذا التوقيت متفقٌ عليه لأرباب هذه الأماكن.

والجمهورُ على إيجابِ الدمِ على مجاوِزِها؛ خلافًا لعطاءٍ، والنخعيِّ؛ فإنهما قالا: لا شيء على تاركها، ودليلُهم على ذلك مأخوذ من غير هذا الحديث؛ إذ ليس في لفظه ما يشعر بإيجاب ذلك.

وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه: لا حجَّ لتاركها؛ أي: مَنْ جاوزَها دونَ إحرام (2).

السادس: قوله: "هُنَّ" يريد: المواقيت.

وقوله: "لهنَّ" يريد: الأماكن التي هي: المدينة، والشأم، ونجد، واليمن، وإن كان المراد أهلها، فهو من وادي قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، وكان الأصل أن يقال: هنَّ لهم؛ لأن المراد: الأهل، وقد جاء ذلك في بعض روايات "مسلم"، و"البخاري":"فَهُنَّ لَهُمْ"، وكذا رواه -أيضًا- أبو داود، وغيره، وهو الوجه، وكذا ذكره "مسلم" في رواية ابن أبي شيبة؛ لأنه ضميرُ أهلِ هذه المواضع المذكورة.

ولتعلمْ: أن قوله: "هُنَّ لَهُنَّ" أكثرُ ما يستعمل العرب هذه

(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 170).

(2)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 171).

ص: 543

الصيغةَ فيما دون العشرة، وما جاوز العشرة (1)، استعملته بالهاء والألف، قال اللَّه تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]؛ أي: بين (2) الاثني عشر. ثم قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]؛ أي: في هذه الأربعة، وقد قيل: في الاثني عشر (3)؛ وهو ضعيف شاذّ، فاعلمْ هذه القاعدةَ؛ فإنها من النفائس.

السابع: "ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ": قال الخطابي: معناه: أن المدني إذا جاء من الشام على طريق الجحفة، فإنه يُحرِم من الجحفة، ويصير كأنه شامي، وإذا أتى اليماني على ذي الحليفة، أحرمَ منه، وصارَ كأنه جاء من المدينة (4).

ح: وهذا لا خلاف فيه (5).

وقوله عليه الصلاة والسلام: "ممن أرادَ الحجَّ والعمرةَ": استنبط منه بعضهم: أن الحجَّ على التراخي، لقوله:"ممن أرادَ"، ورُدَّ بأنَّ الإرادة هنا معناها: النية، لا التخيير، وقد تأتي للوجوب.

وقوله: "ومَنْ كان دونَ ذلك، فمن حيثُ أَنشأَ": يريد: أن مَنْ

(1)"وما جاوز العشرة": ليس في "ت".

(2)

في "ت": "من".

(3)

المرجع السابق، (4/ 172 - 173).

(4)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 147).

(5)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 83).

ص: 544

كان منزلُه بعدَ الميقات، فميقاته منزلُه، ولا يلزمُه الرجوع إلى الميقات الأصلي.

وقوله: "حتى أهلُ مكةَ من مكةَ": يريد: أن أهل مكة يحرمون بالحج خاصةً من مكة، فإن أرادوا الإحرامَ بالعمرة، أو مَنْ كان بها من غير أهلها، لم يحرم بها، وخرجَ إلى أدنى الحِلِّ؛ كما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الرحمن بنَ أبي بكر أن يخرجَ بعائشةَ، فيُعْمِرها من التنعيم.

تنبيه: لم يُذكر في هذا الحديث ذاتُ عرق، وقد روت عائشة رضي الله عنها: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهل العراق ذاتَ عِرْقٍ (1)، وهو الصحيح عندَ بعضهم، ودليلُه حديث جابر.

ح: لكنه غيرُ ثابت؛ لعدم جزمِه برفعِه (2).

قلت: قد ضعَّفه الدارقطني، وقيل: هو من توقيت عمر رضي الله عنه؛ لأن العراق فُتح في زمانه، وفي "صحيح البخاري": أن عمر وَقَّته (3)، ورجَّحَه بعضُهم بما ذكرنا من فتحها في زمانه، وأنها كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دارَ كفرٍ، وهذا احتجاجٌ باطل؛ لأن الشأم -أيضًا- كانت دارَ كفر بإجماع النقلَة، على ما حكاه ابن بزيزة.

وإنَّما (4) وقَّت النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت على حسب ما علمَه

(1) رواه أبو داود (1739)، كتاب: المناسك، باب: في المواقيت، والنسائي (2653)، كتاب: الحج، باب: ميقات أهل مصر، وغيرهما.

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (8/ 81).

(3)

رواه البخاري (1458)، كتاب: الحج، باب: ذات عرق لأهل العراق.

(4)

في "خ": "وإما".

ص: 545

بالوحي من فتح المدائن والأقطار (1) لأمته، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"زُوِيتْ لِيَ الأَرْضُ، فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا"، الحديث (2)، وفي "الصحيح" عن سفيان بن أبي زهير، قال: سمعت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "تُفْتَحُ اليَمَنُ (3)، فَيَأْتِي قَوْمٌ يبَسُّونَ، فَيَحْتَمِلُونَ (4) بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" الحديث (5)، والبَسُّ: السَّوْقُ اللَّيِّنُ.

وأخبر عليه الصلاة والسلام بفتح مصرَ، فقال:"وَإنَّهُمْ سَيَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ"(6)، و"إِنَّ عِيسَى عليه الصلاة والسلام يَقُومُ عَلَى المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ"(7)،

(1) في "ت": "الأمصار".

(2)

رواه مسلم (2889)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، من حديث ثوبان رضي الله عنه.

(3)

"اليمن": ليس في "ت".

(4)

في "ت": "فيتحملون".

(5)

رواه البخاري (1776)، أبواب: فضائل المدينة، باب: من رغب عن المدينة، ومسلم (1388)، كتاب: الحج، باب: الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار.

(6)

رواه مسلم (2543)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(7)

رواه مسلم (2937)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.

ص: 546

وكلُّ ذلك في "الصحيح".

وفي "الصحيح" من هذه الأحاديثُ ما يطول (1) ذكرَه.

فثبت أَنْ لا دليلَ في ذلك، أعني: كونهَا في زمانه عليه الصلاة والسلام دارَ كفرٍ.

وبالجملة: فكل عراقي ومشرقي، أحرمَ من ذاتِ عرقٍ، فقد أجزأه عندَ (2) الجميع.

قال ابن عبد البر: والعَقيقُ أحوطُ، وأَوْلى عندَهم (3).

مسألة: قال بعضُ المتأخرين من أصحابنا: اختلف العلماء في الرجل يجاوزُ ميقاته إلى ميقات آخر أقربَ إلى مكة، فقيل: عليه دمٌ، وهو المنصوص عن مالك، ولأصحابه في ذلك قولان:

فقال بعضهم بإيجاب الدم عليه، وهو قول الشافعي.

وأسقطه بعضهم، وهو قول أبي حنيفة.

واختَلف المذهبُ في المريض يكون من أهل المدينة، هل له أن يؤخِّر إحرامَه إلى الجحفة؛ لأنها أقربُ إلى مكة، أم ليس له ذلك؟ والصحيح: الجوازُ مع الضرورة.

واختلفوا فيمن جاوز الميقات، وأحرمَ بعدَه، ثم رجع إلى

(1) في "خ": "أحاديث ما نطول".

(2)

في "ت": "عن".

(3)

انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 39).

ص: 547

الميقات، هل يسقط عنه الدم، أم لا؟

فقال مالك، وأبو حنيفة: لا ينفعُه رجوعُه، وعليه دمٌ.

وقال زُفَرُ: عليه دمٌ، رجعَ، أو لم يرجع.

وقال الشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف: إن رجع إلى الميقات، سقط عنه الدمُ، وإن تمادى ولم يرجع، فعليه الدم.

وقد تقدم أن سعيد بن جبير يقول ببطلان حجه.

وقال عطاءٌ: لا شيءَ عليه، لا من دم، ولا غيره.

واختلفوا -أيضًا- فيمن جاوزَ الميقاتَ لا يريد حجًا ولا عمرة، ثم بدا له، وعزمَ على أحدهما، هل يُحرم من موضعه ذلك، ولا دمَ عليه، أو يرجعُ إلى الميقات؟ وهو قول أحمد، وإسحاق.

والأولُ قولُ الفقهاء الثلاثة: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة.

واختلفوا -أيضًا- فيمن أفسدَ حجَّه، من أين يَقضيه، هل من حيثُ أفسدَه، أم من الميقات، أو هو بالخيار في ذلك؟

فبالأول قالَ الشافعي، وبالثاني قال الحسينُ بنُ حيي، والثوري، وبالثالث قال أبو حنيفةَ وأصحابُه (1)، واللَّه الموفق.

* * *

(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 40).

ص: 548