الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
183 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا، وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ:"مَا هَذَا؟ "، قَالُوا: صَائِمٌ، قالَ:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ في السَّفَرِ"(1).
وَلِمُسْلِمٍ: "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1844)، كتاب: الصوم، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظُلل عليه واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"، واللفظ له، ومسلم (1115/ 92)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير رمضان، وأبو داود (2407)، كتاب: الصوم، باب: اختيار الفطر، والنسائي (2257)، كتاب: الصيام، باب: العلة التي من أجلها قيل ذلك، و (2261)، باب: ذكر الاختلاف على علي بن المبارك، و (2262)، باب: ذكر اسم الرجل.
(2)
ذكره مسلم في "صحيحه"(1115)، (2/ 786). قال الإمام مسلم:"وحدثناه أحمد بن عثمان النوفلي، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة بهذا الإسناد، نحوه. وزاد: قال شعبة: وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير: أنه كان يزيد في هذا الحديث، وفي هذا الإسناد أنه قال: "عليكم برخصة اللَّه. . "، =
فيه: تفقُّد الإمام أحوالَ رعاياه، وعدمُ إهمالهم، وسؤالُه عن حقيقة الأمر، والسببِ المقتضي (1) لتغير الأحوال المعهودة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس من البر الصومُ في السفر": نزله العلماء على مَنْ أصابه بسبب الصوم جهدٌ ومشقة، أو أداه الصوم إلى ترك قُربة من القُرَب، وبذلك يقع الجمع بينه وبين ما تقدَّمَ من التخيير بين الصوم والإفطار في الأحاديث.
= قال: فلما سألته، لم يحفظه. وقد نبَّه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 186) أن كلام صاحب "العمدة" أوهمَ أن قوله صلى الله عليه وسلم:"عليكم برخصة اللَّه" مما أخرجه مسلم بشرطه، وليس كذلك، وإنما هو بقية في الحديث لم يوصل إسنادها -كما تقدم بيانه-، نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث - يحيى بن أبي كثير بسنده، وعند الطبراني من حديث كعب بن عاصم الأشعري، انتهى. وقد رواه النسائي (2258)، كتاب: الصيام، باب: العلة التي لأجلها قيل ذلك، و (2260)، باب: ذكر الاختلاف على علي بن المبارك.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 124)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 66)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 181)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 233)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 225)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 870)، و"التوضيح" لابن الملقن (13/ 337)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 183)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 47)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 385) و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 543).
(1)
في "ت": "المفضي".
وأما الظاهرية القائلون بعدم انعقاد الصوم في السفر، فيحتجون بأن اللفظ عامٌّ، والعبرةُ بعموم (1) اللفظ لا بخصوص (2) السبب، ولا دليلَ لهم في ذلك؛ فإنا نفرق بين دلالة السياق، والقرائنِ على (3) تخصيص العام، و (4) على مراد المتكلم، وبين مجردِ ورودِ العامِّ على سبب، ولا نُجريها مجرًى واحدًا؛ فإن مجردَ ورود العام على سبب (5) لا يقتضي التخصيص به؛ كنزول قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] بسبب سرقة رداء صفوانَ؛ فإنه لا يقتضي التخصيصَ بالضرورة والإجماع، وأما السياق والقرائن، فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه، وهي المرشدةُ إلى بيان المجمَلات، وتعيين المحتمَلات (6)، وهاهنا قد دلنا على تخصيصِ مثلِ هذا الصائم الذي لَحِقَه من الجهد والمشقة ما لحقه، بنفي البِرِّ عن صومه والحالة هذه ما شوهد من قرائن أحواله ولا بد، فلا يلزم منه أخذُ الحديث على عمومه؛ أعني قولَه عليه الصلاة والسلام:"ليسَ من البر الصومُ في السفر"، لا سيما في حق من لا يتأثر بالصيام، ولا يجد له أدنى مشقة، أو مَنْ يكون الصومُ له
(1) في "ت": "لعموم".
(2)
في "ت": "لخصوص".
(3)
في "ت": "عن".
(4)
الواو ليست في "ت".
(5)
"ولا نجريها مجرًى واحدًا، فإن مجرد ورود العام على سبب" ليس في "ت".
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 225).
وِجاءً، أو وازعًا عن الوقوع في منهيٍّ عنه، هذا مع ما تقدم من صومه عليه الصلاة والسلام في السفر، هو وعبدُ اللَّه بنُ رواحة، وغير ذلك من الصيام في السفر، وعلَامَ يحملونه؛ فإنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك عبثًا، وإنما فعله على وجه العبادة، وإبراء الذمة، وكيف تبرأ الذمة بصومٍ لا ينعقد على ما يزعمون؟
وقوله عليه الصلاة والسلام: "عليكم برخصة اللَّه" دليلٌ على استحباب الأخذ بالرخصة عندَ الاحتياج إليها، وتركِ التنطُّع والتعمُّق في الدين، وقد جاء:"هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ"(1)، وقال عليه الصلاة والسلام:"إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ؛ فَإِنَّ المُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى"(2)، وقال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ يُشَادَّ (3) هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ"(4)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، واللَّه تعالى الموفق.
* * *
(1) رواه مسلم (2670)، كتاب: العلم، باب: هلك المتنطعون، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص: 95)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(1147)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 18)، وغيرهم من حديث جابر رضي الله عنه، واختلف في رفعه وإرساله، وقد صحح بعضهم الإرسال.
(3)
في "ت": "يشدد".
(4)
رواه البخاري (39)، كتاب: الإيمان، باب: الدين يسر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.