الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
211 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ تَلْبِتةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ".
قَالَ: وَكَانَ عَبْدَ اللَّهِ (1) بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالعَمَلُ (2).
(1)"عبد اللَّه" ليس في "ت".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1474)، كتاب: الحج، باب: التلبية، و (5571)، كتاب: اللباس، باب: التلبية، ومسلم (1184/ 19 - 21)، كتاب: الحج، باب: التلبية وصفتها ووقتها، واللفظ له، وأبو داود (1812، 1813)، كتاب: المناسك، باب: كيف التلبية؟ والنسائي (2747 - 2750)، كتاب: الحج، باب: كيف التلبية؟ والترمذي (825، 826)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في التلبية، وابن ماجه (2918)، كتاب: المناسك، باب: التلبية.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 173)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 43)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 41)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 176)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 266)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 88)، و"شرح عمدة =
التلبية: مصدر لَبَّى، ثُنِّي للتكثير والمبالغة، ومعناه: إجابةً بعدَ إجابة، ولزومًا لطاعتك؛ لأنه يقال: أَلَّبَ بالمكان: إذا لزمَه، وأقامَ به.
ع: فتثنيتُه للتأكيد، لا تثنيةُ حقيقة، بمنزلة قوله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]؛ أي: نعمتاه (1)، على تأويل اليد بالنعمة، ونعمُ اللَّه لا تُحصى.
قال يونس: إنها اسم مفرد، وإن ألِفَه إنما انقلبت ياء، لاتصالها بالضمير على حد يدي، ومذهب سيبويه أنه مثنى؛ بدليل قلبها ياء مع المظهر، قال الشاعر:
دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا
…
فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرُ
قال ابن الأنباري: ثنُّوا لَبَّيْكَ، كما ثَنَّوا حَنَانَيْكَ، أي: تَحَنُّنٌ بعدَ تَحَنُّنٍ، وأصلُ لَبَّيْكَ: لبببك، فاستثقلوا الجمعَ بين ثلاث باءات، فأبدلوا الثالثةَ ياء؛ كتَظَنَّيْت، وقَصَّيْت، والأصل: تَظَنَّنْت، وقَصَّصْت.
= الأحكام" لابن دقيق (3/ 15)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 925)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 198)، و"التوضيح" لابن الملقن (11/ 154)، و"طرح التثريب" للعراقي (5/ 88)، و"فتح الباري" لابن جر (3/ 409)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 172)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (1/ 114)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 129)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 52).
(1)
في "ت": "معناه".
ع: واختلفوا في معنى لَبَّيْكَ واشتقاقِها، كما اختلفوا في صيغتها، فقيل: معنى لبيك: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذٌ من قولهم: داري تلبُّ دارَك؛ أي: تواجهها.
وقيل: معناها: محبتي لك، مأخوذٌ من قولهم: امرأة لَبَّةٌ: إذا كانت محبةً لولدها، عاطفة عليه.
وقيل: معناه: إخلاصي لك، مأخوذ (1) من قولهم: حَسَبٌ (2) لُباب: إذا كان خالصًا مَحْضًا، ومن ذلك لُبُّ الطعام، ولُبابه.
وقيل: معناه: أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، مأخوذٌ من قولهم: قد لَبَّ الرجلُ بالمكان، وألَّبَ به (3): إذا أقام فيه، ولزمه.
قال ابن الأنباري: وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل، والأحمر.
وقال الحربي في معنى لبيك؛ أي: قربًا منك وطاعة، والإلباب: القرب.
وقيل: معناه: أنا مُلِبٌّ بين يديك؛ أي: مختضع، واللَّه أعلم.
وهذه الإجابة لقوله -تعالى- لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27](4).
(1)"مأخوذ": ليس في "ت".
(2)
في "ت": "حَبٌّ".
(3)
"به" زيادة من "ت".
(4)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 70)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 176).
روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أُمر بالأذان بالحج، قال: يا رب! وإذا ناديتُ فمن يسمعني؟! فقيل له: نادِ يا إبراهيم، فعليكَ النداءُ، وعلينا البلاغُ، فصعِد على أبي قُبيس، وقيل: على حَجَر المقام، وقال: يا أيها الناس! إن اللَّه قد أمركم بحجِّ هذا البيت، فحُجُّوا.
قال ابن عطية: اختلفت الروايات في ألفاظه عليه الصلاة والسلام، واللازم أن يكون فيها ذكرُ البيت والحجِّ. وروي: أنه يوم نادى، أسمعَ كلَّ مَنْ يحجُّ إلى يوم القيامة في أصلاب الرجال، وأجابه كلُّ شيء في ذلك الوقت من جماد وغيره: لبيك اللهمَّ لبيك، فَجَرَتِ التلبيةُ على ذلك، قاله: ابن عباس، وابن جبير (1).
وقوله: "إن الحمد والنعمة": يروى بكسر الهمزة من (إن)، وفتحها.
قال الخطابي: الفتحُ روايةُ العامَّة (2)، قال ثعلبٌ: الاختيارُ الكسرُ، وهو أجودُ معنى من الفتح، لأن الذي يكسِر يذهب إلى أن المعنى: إن الحمدَ والنعمة لك على كل حال، والذي يفتحها يذهب إلى معنى: لبيك لهذا (3) السبب.
قلت: يريد: فمن كسر، عَمَّ، ومن فتح، خَصَّ، وليس كذلك إذا أُعطي من التأمل حَقَّه.
(1) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 117).
(2)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 173).
(3)
في "ت": "بهذا".
ويجوز (والنعمةُ لك)[بالرفع] على الإبتداء (1)، والخبر محذوف تقديره: إن الحمدَ لك (2)، والنعمة لك.
قال ابن الأنباري: وإن شئتَ جعلتَ خبر (إن) محذوفًا.
وقوله: "وسَعْدَيْك" إعرابها وتثنيتها كما تقدَّم في (لبيك)، ومعناه: ساعدت طاعتك يا ربِّ! مساعدةً بعدَ مساعدةٍ.
وقوله: "والخير بيديك"؛ أي: الخيرُ كلُّه بيد اللَّه (3)، وهو في المعنى -واللَّه أعلم- كقوله تعالى:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64].
فائدة كلامية (4): قال ابن فورك في "كتاب المقدمات" له: اعلم أنا نقول: إن ما وصف اللَّه -تعالى- به نفسَه؛ من أن له يَدَين بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] هما صفتان له، طريقُ إثباتهما الخبرُ، ولا يجوزُ أن يُقَالَ: هما بَعْضان، أو عضْوان، أو غيران، كما يوصف بذلك غيرُهما من الأيدي، وليس هما بمعنى الملك والقدرة، ولا بمعنى النعمة والصلة، بل هما بمعنى الصفة، والدليلُ على ذلك
(1) في "خ" و"ت": "ويجوز" والنعمة لك "على الإبدال"، والصواب ما أثبت، كما في المطبوع من "إكمال المعلم".
(2)
"لك": ليس في "ت".
(3)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 71)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 177).
(4)
"كلامية": ليس في "ت".
قوله -تعالى- مخبرًا عن اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، فكذَّبهم، وقال:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، فأثبت اليدَ لنفسه، ونفى الغلَّ عنها؛ كما ادعته اليهود، وتواترت الأخبارُ عن الرسول عليه الصلاة والسلام: أنه قال: "كَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ شَجَرَةَ طُوْبَى بِيَدِهِ، وَخَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ"(1)، وقال -أيضًا-:"كِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يمَيِن"(2)، فوجب قبولُ ذلك، والتسليمُ له، ونفيُ التشبيه عنه.
فإن قيل: كيف يعقل يدٌ ليست بجارحةٍ ولا نعمةٍ، ولا قدرةٍ ولا ملكٍ؟ قيل: ليس المعوَّلُ (3) في إثباتِ الحقائقِ على معقولِ الشَّاهِدِ، ولو كان كذلك، لَبَطُلَ التوحيدُ من جهة أن الموجود إذا لم يكن جسمًا ولا عَرَضًا ولا جوهرًا غيرُ معقول في الشاهد، والحيّ إذا لم يكن حَسّاسًا وجائيًا يتحرك ويسكن غيرُ معقول في الشاهد، والمتكلِّم إذا لم يكن ذا لسان وشفتين، ولَهاة وأسنانٍ ومخارج غيرُ معقول، ومع ذلك، فلم يمنع إثبات موجود حيٍّ متكلِّمٍ (4) على خلاف معقول الشاهد؛ من جهة إيجاب الدليل لذلك، كذلك وردَ
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/ 207).
(2)
رواه الترمذي (3368)، كتاب: التفسير، باب:(94)، وابن حبان في "صحيحه"(6167)، والحاكم في "المستدرك"(214)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
في "ت": "المعنى".
(4)
في "ت": "ومتكلم" بدل "حي متكلم".
خبرُ الصادق الذي خبرُه حجَّةٌ، فوجب إثباتُ اليدين على الوجه الذي قلنا، واللَّه أعلم.
وقوله: والرغباء إليك": روي بضم الراء مع القصر، وبفتحها مع المد؛ كالنُّعْمى والنَّعْماء سواء.
وحكى أبو عليٍّ القالي في ذلك أيضًا: الفتحَ والقَصْرَ؛ مثل سَكْرَى، ومعناه: الطلبُ والمسألة؛ أي: الرغبةُ إلى مَنْ بيده الخيرُ، وهو المقصودُ بالعمل، الحقيقُ بالعبادة (1).
وانظر اختيارَ ابنِ عمرَ لهذه الزيادة على تلبيةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو من أتبع الصحابة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأرعاهم لما يصدُرُ عنه من قولٍ أو فعلٍ، حتى أدارَ راحلَتُهُ حيثُ أدارها النبي صلى الله عليه وسلم؛ اقتداءً به من غير تعليل؛ كما هو في الأثر المشهور عنه.
إذا ثبت هذا، فقد اختُلف في حكم التلبية، فقال أبو حنيفة: هي واجبة، وقال مالك، والشافعيُّ: هي سُنَّة.
واختُلف إذا لم يأت بها، فعند مالك: يلزمه دم، ولم يلزمه ذلك عند الشافعي.
فأما إن أتى بها -ولو مرة واحدة-، فلا دم عليه عند مالك أيضًا (2).
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 178).
(2)
انظر: "الإفصاح" لابن هبيرة (1/ 268).
فإن أهلَّ بما في معناها من التسبيح والتهليل، لم يكن عليه لذلك دم، بخلاف تارك ذلك كلِّه عندنا، وابنُ حبيب من أصحابنا ينزلها منزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة.
قال ابن شاس: فعلى حقيقة تشبيهه لو نوى وتوجَّه نحوَ البيت من غير تلبية، لم ينعقد إحرامه، أما لو تجرَّدَت النيةُ عنهما -يعني: التلبيةَ والتوجُّهَ-، فالمنصوص: أنه لا ينعقد.
قال: ورأى اللخميُّ إجراء الخلاف في هذه الصورة من الخلاف في مسألة انعقاد اليمين بمجرد النية، وأنكر الشيخ أبو الطاهر هذا الاستقراء، وقال: لم يختلف المذهب أن العبادات لا تلزم إلا بالقولِ، أو بالنيةِ، والدخولِ فيها، وهو الشروع.
قلت: والذي نقله ع عن المذهب يخالف هذا؛ فإنه قال: وعند مالك، والشافعي: أن الحج يصحُّ الدخولُ فيه بالنية خاصَّة، وأنه ينعقد بالقلب؛ كما ينعقد الصومُ، وعند أبي حنيفة: لا ينعقد إلا بمقارنة التلبية، أو سَوْقِ الهدي؛ إلى (1): عقد القلب (2).
فهذان النقلان متعارضان كما ترى، فانظر -إن أمكن- وجهَ الجمع بينهما.
(1) في "خ" و"ت": "أي" بدل "إلى"، والصواب ما أثبت.
(2)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 176). وانظر: "المعلم" للمازري (2/ 72)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله.
إشكال: قال الشيخ شهابُ الدين القرافي رحمه الله: كان الشيخ عزُّ الدين بنُ عبد السلام رحمه الله يستشكل معرفةَ حقيقة الإحرام بالحجِّ، فإذا قيل له: إنه النية، اعترض عليه بأن النية شرطُ في الحجِّ الذي الإحرامُ ركنُه، وشرطُ الشيء غيرُه، ويعترض على أنه التلبية: بأنها ليست بركن، والإحرامُ ركنٌ، وكان يحوم على تعيين فعلٍ تتعلق به النيةُ في الابتداء (1). والإشكال قوي جدًا، واللَّه أعلم (2).
* * *
(1) ونقله الإمام ابن دقيق في "شرح عمدة الأحكام"(3/ 12)، عن شيخه العز ابن عبد السلام رحمه الله.
(2)
"جدًا، واللَّه أعلم": ليس في "ت".