الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
212 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لامْراةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا حُرْمَةٌ"(1).
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: " [لا] تُسَافِر مَسِيرَة يَوْمٍ، إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1038)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة؟ واللفظ له، ومسلم (1339/ 419 - 421)، كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، وأبو داود (1723 - 1725)، كتاب: المناسك، باب: في المرأة تحج بغير محرم، والترمذي (1170)، كتاب: الرضاع، باب: ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها، وابن ماجه (2899)، كتاب: المناسك، باب: المرأة تحج بغير ولي.
(2)
لم أره في "صحيح البخاري" بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد رواه مسلم (1339/ 420) -كما تقدم- بهذا اللفظ.
قلت: والعجب من الزركشي رحمه الله كيف عقّب على هذا الحديث في "النكت"(ص: 200) بقوله: يوهم انفراد البخاري به، وليس كذلك، =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الجملة التي هي: "تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ" في موضعِ خفضٍ، صِفَة لامرأة، قال: وسُمي يومُ القيامة اليومَ الآخِر (1)؛ لأنه لا ليلَ بعدَه، ولا يقال يومٌ إلا لما تقدمه ليلٌ (2).
ولا يتوهم منه عدمُ خطاب الكفار بالفروع؛ لأن مثل هذا يأتي في كلام الشارع على معنى: أن (3) المؤمن هو الذي ينقاد لأحكامنا، وينزجر عن مُحَرَّمات شرعنا، ويستثمر (4) أحكامه، ويكون ذلك من
= فقد أخرجه مسلم أيضًا، انتهى. وتبعه على ذلك ابن الملقن في "الإعلام"(6/ 73)، وزاد عليه: فلو حذف العزو، واقتصر على قوله: وفي لفظ، كان أولى. والعصمة من اللَّه وحده.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 531)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (5/ 117)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 448)، و"شرح مسلم" للنووي (9/ 102)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 18)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 956)، و"الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" لابن الملقن (6/ 72)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 568)، و"عمدة القاري" للعيني (7/ 127)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (7/ 127)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 143)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 15).
(1)
في "ت": "الأخير".
(2)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (1/ 90).
(3)
في "ت": "فمن" بدل "أن".
(4)
في "ت": "ويشتهر".
باب التهييج والإلهاب، وأن مقتضاه: أن استحلال هذا المنهيِّ عنه لا يليق بمن يؤمن باللَّه واليوم الآخر، بل ينافيه (1)، حتى لو قيل: لا يحلُّ لأحد مطلقًا، لم يحصل هذا المعنى، وخطابُ التهييج معلومٌ عند علماء البيان، ومنه قوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، وتقول العرب: أَطِعْني إِنْ كنتَ ابني.
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: "مسيرةَ يوم وليلة" جاء أيضًا: "فَوْقَ ثَلَاثٍ"(2)، وروي:"ثَلَاثَ لَيالٍ"(3)، وروي:"لا تُسَافِرُ المَرْأَةُ يَوْمَيْنِ"(4)، وروي:"مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ"(5)، وروي:"مَسِيرَةَ يَوْمٍ"(6)، وروي:"يَومًا وَلَيْلَة"(7)، وروي:"بَرِيدًا"(8)، وحُمل هذا الاختلافُ على حسب اختلافِ السائلين، واختلافِ المواطن، وأن ذلك معلَّق
(1) في "ت": "به لعنة".
(2)
رواه أبو داود (1726)، كتاب: المناسك، باب: المرأة تحج بغير محرم، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (1339/ 421).
(4)
رواه مسلم (1338/ 416)، كتاب: الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
(5)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (419/ 1339).
(6)
هو لفظ حديث الباب.
(7)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (1724).
(8)
تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (1725).
بأقلِّ ما يقع عليه اسمُ السفر، واللَّه أعلم (1).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "إلا مع ذي محرم": اختلف العلماء هل من شرط وجوب الحجِّ عليها الزوجُ، أو ذو المحرم يُطاوعها، أم لا؟
فقال مالكٌ، والشافعيُّ: ليس ذلك بشرط في الوجوب، ولها أن تخرجَ إِذا وَجَدَتْ رُفْقَةً مأمونةً.
قال ابن بزيزة: وقد وقع لمالكٍ: أنها إن لم تجد سبيلًا إلا في البحر، فلا يلزمها جملةً من غير تفصيل، قال: لأنها عورة.
وقال ابن القاسم: إذا لم تجد ما تركبه، وقدَرَتْ على المشي لم (2) يلزمها الحجُّ، إلا أن يكون الموضع قريبًا جدًا؛ كأهل مكة، ومَنْ في عملِهم.
وقد قيل: إن الحج لازمٌ لها إذا قدرتْ على المشي، أو على ركوب البحر، مع أمانٍ غالبٍ.
وقال طاوسٌ، والنخعيُّ، والشعبيُّ، والحسنُ البصريُّ، والحسنُ ابنُ حُيَيٍّ، وأبو حنيفةَ، وأحمدَ: وجودُ ذي المحرم ومطاوعتُه شرطٌ في وجوب الحج عليها، ورأوا أنها لا تحجُّ إلا مع زوج، أو ذي محرم.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 19 - 20).
(2)
"لم" زيادة في "ت".
وقال كثير من أهل العلم: إن كان لها زوجٌ، ففرضٌ عليه أن يحجَّ معها، فإن لم يفعل، فهو عاصٍ، وعليها الحجُّ دونه، وليس له منعُها من حجة الفريضة، وله منعُها من التطوع، وأما من لا زوجَ لها، ولا ذو محرم، فالحجُّ واجب عليها.
وقال سفيانُ: إن كانت من مكة على أقلَّ من ثلاث ليالٍ، فلها أن تحجَّ مع غير ذي محرم أو زوجٍ، وإن كانت على ثلاث ليال فصاعدًا، فليس لها أن تحج إلا مع زوج أو ذي محرم.
قال: والذي عليه الجمهور من أهل العلم: أن الرُّفْقَة المأمونة من المسلمين (1) تتنزل (2) منزلةَ الزوج أو ذي المحرم، وذُكر عن عائشة رضي الله عنها: أن المرأة لا تسافر إلا مع ذي محرم، وقالت عائشة رضي الله عنها: ليس كل النساء تجد محرمًا (3).
تحصيل: أجمع العلماء على أن الحج لازم للمرأة مع ذي المحرم أو الزوج، واختلفوا إذا لم يكن لها ولي، وفي مذهب مالك فيه ثلاثة أقوال:
قيل: إنها تسافر مع الرفقة المأمونة؛ تقديمًا لفريضة الحج.
(1)"من المسلمين" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "تنزل".
(3)
رواه أبن أبي شيبة في "المصنف"(15176). وانظر: "المحلى" لابن حزم (7/ 47).
وقيل: لا تسافر إلا مع ذي وليٍّ.
والقول الثالث: أنها تسافر لحجة الفريضة مع غير ولي، ولا تسافر للتطوُّع إلا مع الوليِّ (1).
وفرق سفيانُ بين المسافة القريبة والبعيدة، فلا تسافر في المسافة البعيدة إلا مع الولي، أو ذي المحرم، وتخرج بالمسافة (2) القريبة مع المأمون من الرفاق، وإن لم يكن وليٌّ.
قال: والصحيح عندنا: أن فريضة اللَّه في الحج لازمةٌ، والمؤمنون إخوة، وطاعةُ اللَّه -سبحانه- واجبة، وقد قال عليه الصلاة والسلام "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ"(3)، والمسجدُ الحرام أجلُّ المساجد، فكان داخلًا تحت مقتضى هذا الخبر، واللَّه أعلم.
ق: وهذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا، وكان كلُّ واحد منهما عامًا من وجه، خاصًا من وجه.
بيانه: أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] يدخل تحته الرجال والنساء، فيقتصي ذلك أنها إذا وجدَتِ الاستطاعةَ المتفقَ عليها، أن يجب عليها الحج، وقوله عليه الصلاة والسلام:"لَا يَحِلُّ لامْرَأةٍ" الحديث، خاصٌّ بالنساء،
(1) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 522).
(2)
في "ت": "في المسافة".
(3)
تقدم تخريجه.
عامٌّ في الأسفار، فإذا قيل به، وأخرج عنه سفر الحج، لقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، قال المخالف: بل يُعمل بقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97]، فتدخل المرأةُ فيه، ويخرجُ (1) سفرُ الحجِّ عن النهي، فيقوم في كل واحد من النصين عمومٌ وخصوص، ويحتاج إلى الترجيح من خارج، وذكر عن بعض الظاهرية: أنه ذهب إلى دليل من خارج، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ"(2)، ولا يتجه ذلك؛ فإنه عام في المساجد، فيمكن أن يخرج عنه المسجدُ الذي يُحْتَاجُ إلى السفرِ في الخروجِ إليه بحديث النهي (3).
الرابع: لفظُ المرأة عامٌّ في الشابَّة والمتجالَّة، وخصَّهُ بعضُ أصحابنا بالشَّابَةِ، وقال في المتُجَالَّة التي لا تُشتهى: تسافر كيف شاءَت في الحجِّ وغيره، كان معها محرم، أم لا، وهو من باب تخصيصُ العمومِ بالمعنى (4).
ولِقائلٍ أن يقولَ له: إن المرأة مَظِنَّة الطمعِ والشَّهوةِ، وإن كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطةٍ لاقِطَةٌ، فلا فرق إذًا بين الشابة والمتجالَّة، وإن كانت النفسُ إلى الشابة أميلَ غالبًا.
(1) من قوله: "وأخرج عنه سفر الحج. . . " إلى هنا ليس في "ت".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 19).
(4)
وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 525).
الخامس: لا فرقَ بين المَحْرَم من النسب؛ كالابن والأخ، أو مَحْرَم الرضاع، أو مَحْرَم الصِّهر؛ كأبي الزوج وابنه.
ق (1): واستثنى بعضُهم ابنَ زوجها، فقال: يُكره سفرُها معه؛ لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيرًا من الناس لا يُنزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلةَ محارم النسب، والمرأةُ فتنة، إلا فيما جبل اللَّه عليه النفوسَ من النفرة عن محارم النسب، والحديث عامٌّ، فإن (2) كانت هذه الكراهة للتحريم مع محرمية ابن الزوج، فهو مخالفٌ لظاهرِ الحديثِ، وإن كانت كراهيةَ تنزيهٍ للمعنى المذكور، وهو أقرب تشوفًا إلى المعنى، وقد فعلوا ذلك في غير هذا الموضع، ومما يقويه هاهنا: أن قوله: "لا يَحِلُّ" استُثني منه السفرُ مع المحرم، فيصير التقدير: إلَّا مع ذي محرم، فيحلُّ.
ويبقى النظر في قولنا: (يحلُّ) هل يتناولُ المكروهَ أو (3) لا؟ بناء على أن لفظة (يحلُّ) تقتضي (4) الإباحةَ المتساويةَ الطرفين، فإن قلنا: لا يتناول المكروهَ، فالأمر قريبٌ فيما قاله، إلا أنه تخصيصٌ يحتاج إلى دليل شرعيٍّ عليه، وإن قلنا: يتناول، فهو أقربُ؛ لأن ما قاله لا يكون حينئذ منافيًا لما دل عليه اللفظ.
(1)"ق" ليس في "ت".
(2)
في "ت": "وإن".
(3)
في "ت": "أم".
(4)
في "ت": "يقتضي".
قلت: وهذا تفصيلٌ حسن لا نزاعَ فيه، وتحريرٌ لا شكَّ أن القواعد تقتضيه.
وقد ذكر الشافعية ضابطًا للمحْرَم، فقالوا: المحرَمُ الذي يجوز معه السفرُ والخلوةُ: كُلُّ مَنْ حَرُم نكاحُ المرأةِ عليه، لحرمتها على التأبيد بسبب مباح.
فقولهم: على التأبيد، احترازًا من أخت الزوجة، وعمتها، وخالتها.
وقولهم: بسبب مباح، احترازًا من أم الموطوءة بشُبْهَة، فإنها ليست محرمًا، فإن وطءَ الشُّبهة لا يوصف بالإباحة.
وقولهم: لحرمتها، احترازًا من الملَاعَنة؛ فإن تحريمها ليس لحرمتها، بل تغليظًا.
قلت: ولا أعلم ما يخالف ذلك عندنا، واللَّه أعلم.
تنبيه: قد تقدم أن الزوج يتنزلُ منزلةَ المحرَم عند الفقهاء في جوازِ السفرِ معه، وليس مذكورًا في هاتين الروايتين، وهو مذكور في رواية أخرى، فيُحتمل أن يكون مستندهم في إِلحاقه بالمحرم تلك الرواية، ويجوز أن تُستعمل لفظةُ الحرمة في إحدى الروايتين في غير معنى المَحْرمية استعمالًا لغويًا فيما يقتضي الاحترام، فيدخل فيه الزوج لفظًا، ويكون ذلك وجهَ العدول في إحدى الروايتين عن قوله:"ذِي مَحْرَمٍ" إلى قوله: "وَمَعَهَا حُرْمَةٌ"؛ لعموم هذه، وخصوص تلك، واللَّه الموفق (1).
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 20).