الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
210 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا، فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1744)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين، واللفظ له، و (1746)، باب: إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل، و (5467)، كتاب: اللباس، باب: السراويل، و (5515)، باب: النعال السبتية وغيرها، ومسلم (1178)، كتاب: الحج، باب: ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وأبو داود (1829)، كتاب: المناسك، باب: ما يلبس المحرم، والنسائي (2671، 2672)، كتاب: الحج، باب: الرخصة في لبس السراويل لمن لا يجد نعلين، و (5325)، كتاب: الزينة، باب: لبس السراويل والخفين للمحرم إذا لم يجد الإزار والنعلين، وابن ماجه (2931)، كتاب: المناسك، باب: السراويل والخفين للمحرم إذا لم يجد إزارًا أو نعلين.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 177)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 53)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 162)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 258)، و"شرح مسلم" للنووي =
قوله: "بعرفات": قال الجوهري: عَرَفاتٌ موضعٌ بمنى، وهو اسمٌ في لفظ الجمع، فلا يُجمع، وهو مُنَوَّنٌ، وإن كان فيه العلميةُ والتأنيث؛ لأن التنوينَ فيه تنوينُ مقابلةٍ لجمع المذكر السالم، لا تنوينُ صرف؛ للعلَّتين المذكورتين. قال الفراء: ولا واحدَ له بصحة، وقول الناس: نزلنا عَرَفَةَ شبيهُ بمولِّدٍ، فليس بعربي، وهو معرفةٌ وإن كان جمعًا؛ لأن الأماكن لا تزول، فصار كالشيء الواحد، فخالف (1) الزَّيْدِين، ومثله أَذرِعات، وعانات، وعريتنات (2).
وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ لَمْ يَجدْ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ": ظاهرُه: لبسُهما تامَّين، ولكن الحديث الذي قبلَه يفسِّرُه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ"، فيُرَدُّ المطلَق فيهما (3) إلى المقيَّد.
قال ابنُ الجلاب: وإذا وجدَ النعلين غاليين، فله لبسُ الخفين
= (8/ 75)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 14)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 952)، وفتح الباري "لابن حجر"(4/ 57)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 203)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 314)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 162).
(1)
في "ت": "مخالف".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1401)، (مادة: عرف).
(3)
في "ت": "منهما".
المقطوعَيْن (1). فجعل غلاءَهما كعدمهما.
قلت: وهذا كما إذا وجدَ الماءَ غاليًا غلاءً فاحشًا، فإنه يجوز له التيممُ والحالةُ هذه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "وَمَنْ لَمْ يَجدْ إِزَارًا" إلى آخره، الإزارُ: معروف، وهو يذكَّر ويؤنَّث، ويُقَالُ -أيضًا-: إِزارة؛ كالوِساد والوِسادة، أنشد الجوهريُّ للأعشى:
كتَمَيُّلِ النَّشْوَانِ يَرْ
…
فُلُ في البَقِيرِ وَفي الإِزَارَهْ
وجمعُ القلة آزِرَة، والكثرة أُزُر؛ مثل: حمار وأَحْمِرَة وحُمُر.
وقد يعبر عن المرأة بالإزار، قال الشاعر:
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا حَفْصٍ رَسُولًا
…
فِدًى لَكَ مِنْ أَخِي ثِقَةٍ زَارِي
قال أبو عمر الجرمي: يريد بالإزار هاهنا: المرأةَ، والمِئْزَرُ: الإزارُ، وهو كقولهم: لحاف ومِلْحَفٌ، وقِرَامٌ ومِقْرَمٌ (2)، والإِزْرَة -بالكسر-: هيئةُ الاتِّزار؛ كالجِلْسة، والرِّكْبَة (3).
وأما السَّراويل، فيُذَكَّرُ -أيضًا- ويؤنث، والجمعُ سَراويلات.
قال الجوهري: قال سيبويه: سراويلُ واحدة، وهي أعجمية
(1) انظر: "التفريع" لابن الجلاب (1/ 323).
(2)
في "ت": "قدَام وَمقدم" بدل "قرام ومقرم".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 578)، (مادة: أزر).
عُرِّبت، وأشبهَتْ من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، كما أشبه بِقُم الفعلَ، ولم يكن له نظير في الأسماء، فإن خص بها (1) اسمُ رجل، لم تصرفْها؛ كما لا يصرف (2) عَناقِ اسمُ رجل، انتهى كلام سيبويه رحمه الله.
ومن النحويين من لا يصرفه -أيضًا- في النكرة، ويزعم أنه جمع سِرْوال وسِرْوالة، وينشد:
عليه من اللؤم سِرْوالة
ويَحتج في ترك صرفه بقول ابنِ مُقْبِل:
فَتًى فَارِسِيٌّ في سَرَاوِيلَ رَامِحُ
والعمل على القول الأول، والثاني أقوى عند بعضهم (3)، واللَّه أعلم.
ولتعلمْ (4): أن ظاهر الحديث: أنه إذا لم يجد إزارًا، جاز له لبسُ السراويل، ولا فديةَ عليه، وإلى هذا ذهب عطاءٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وحُكي ذلك عن الثوري.
وقال مالك: ليس له أن يلبس السراويل؛ يعني: مع عدم المئزر.
(1) في "ت": "ذكرها".
(2)
في "ت": "لا تصرف".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1729)، (مادة: سرل).
(4)
في "ت": "ولنعلم".
وقال ابن الجلاب: فإن فعل ذلك، فعليه الكفارةُ (1).
وهو خلاف ظاهر الحديث؛ أعني: قول مالك رحمه الله.
قال الإمام المازري: وإنما لم يأخذ مالك بهذا الحديث؛ لسقوطه من رواية ابن عمر (2).
ع: وقد ذكره مسلم أيضًا من رواية جابر.
وقال مالك في "الموطأ": لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحرمُ السراويل، واحتجَّ بأن النبي صلى الله عليه وسلم منعَ لبسَه، ولم يستثنِ فيه كما استثنى في الخفين (3).
وظاهر الكلام يدلُّ على أن هذه الزيادة لم تبلغ مالكًا، أو لم يبلغه لبسُها على حالها، وكذلك قولُه: ولا أرى أن يلبسها المحرم إلا على الوجه المعتاد دون تغيير؛ كما قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، أو (4) لا يلبسها دون فدية (5).
وبالجملة: فهذا الحديث مجمَل، وقد فُسِّر بغيره من الأحاديث في هذا الباب، وإن الزيادة التي (6) حفظ ابنُ عمر رضي الله عنهما من ذلك تحكُم على حديث ابن عباس، وجابر، فلا دليل فيه لمن يرى لبسَ السراويلِ
(1) انظر: "التفريع" لابن الجلاب (1/ 323).
(2)
انظر: "المعلم" للمازري (2/ 68).
(3)
انظر: "الموطأ"(1/ 325).
(4)
في "ت": "وألا" بدل "أو".
(5)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 163).
(6)
في "ت" زيادة: "لعله رواها".
والخفين من غير قطع جمودًا على ظاهر هذا الحديث، واللَّه أعلم.
* * *