المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادي عشر - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الْجَنَائِز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كِتْابُ الزَّكَاة

- ‌ باب:

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الصِّيِامِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ الْحَجِّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله

الفصل: ‌الحديث الحادي عشر

‌الحديث الحادي عشر

161 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالتْ: لَمَّا اشْتكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَ بَعْضُ نِسائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، يُقالُ لَها: مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبة أَتَتَا أَرْضَ الحَبَشَةِ (1)، فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِها وَتَصَاوِيرَ فِيهَا، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ:"أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورةَ، أُولئَكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ"(2). (3)

(1) في "خ" و"ت": "أتتا من الحبشة".

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (417)، كتاب: المساجد، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد؟ و (424)، باب: الصلاة في البيعة، و (1276)، كتاب: الجنائز، باب: بناء المسجد على القبور، واللفظ له، و (3660)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: هجرة الحبشة، ومسلم (528/ 16 - 18)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، والنسائي (704)، كتاب: المساجد، باب: النهي عن اتخاذ القبور مساجد.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 450)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 127)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 11)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 171)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 783)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 404، 438)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 532)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 173)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 370)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 153).

(3)

في "ق": زيادة: "وعنها: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: =

ص: 250

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: اشتكى: افْتَعَلَ من الشَّكوى، ومعناه: مَرِضَ، وهو لفظٌ يستعمل في المرض على اختلاف أنواعه، يقال: اشتكى عينَه، واشتكى رأسَه، واشتكى بطنَه، ومنه الحديث الآتي:"إِنَّ ابنتي اشتكَتْ عينَها، أفنكحلُها؟ "، روي -بضم النون- من عينها، وفتحها.

وهذا المرض -واللَّه أعلم- مرضُه الذي مات فيه عليه الصلاة والسلام، والرواية الأخرى تفسِّره؛ وهو قولها:"في مرضِه الذي لم يَقُمْ منهُ".

الثاني: الكَنيسة -بفتح الكاف وكسر النون-: مُتَعَبَّدُ النصارى، وجمعُها كَنائِس؛ كصَحِيفة وصَحائِف.

واختُلف في البِيَعِ، فقيل: كنائسُ النصارى أيضًا، وقيل: كنائسُ اليهود، واحدتها بِيعَةٌ -بكسر الباء-.

وأما الصَّوامِعُ: فهي مواضعُ العبادة كانت قبلَ الإِسلام مختصةً برهبان النصارى، وبعبادِ الصابئين، قاله قتادة، ثم استُعمل في مئذنة المسلمين.

وأما الصلوات: فقيل: إنها مشتركة لكل ملَّة، قاله ابن عطية.

وذهبت طائفة إلى أن الصلوات اسمٌ لشرائع اليهود، وأن اللفظةَ

= "لعنَ اللَّه اليهودَ والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائِهم مساجدَ". قال: ولولا ذلك، لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا". قلت: وهو الحديث الثامن عشر الآتي بعد هذا.

ص: 251

عُربت: صلاة.

وقال أبو العالية: الصلوات: مساجدُ الصابئين، والمساجدُ للمسلمين (1).

قال ابنُ عطية: وهذه الأسماء تشترك الأمم (2) في مُسمياتها، إلا البيعةَ؛ فإنها مختصة بالنصارى في عرفِ لغة العرب، والمساجد للمسلمين (3).

وقد تقدم أنه يقال: مسجِد، ومسجَد -بكسر الجيم وفتحها-، ومَسْيِد أيضًا.

الثالث: فيه: تحريمُ تصوير الحيوان الآدمي، وأما تحريمُ تصوير (4) غير الآدمي من الحيوانات، فيؤخذ من أحاديث أخر، كما جاء أنه يقال لهم:"أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ"(5)، ونحو ذلك.

ق: ولقد أبعدَ غايةَ الإبعاد من قال: إن ذلك محمولٌ على الكراهة، وإن هذا التشديدَ كان في ذلك الزمان لقربِ عهدِ الناس بعبادة (6) الأوثان،

(1)"للمسلمين": ليس في "ت" و"خ".

(2)

في "ق" و"ت": "يشترك الاسم"، وفي "خ":"تشرك الاسم"، والتصويب من المطبوع من "المحرر والوجيز".

(3)

انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 125).

(4)

في "ق": "تصوير تحريم".

(5)

رواه البخاري (1999)، كتاب: البيوع، باب: التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء، ومسلم (2107)، (3/ 1669)، كتاب: اللباس والآنية، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(6)

في "ت": "لعبادة".

ص: 252

وهذا الزمانُ؛ حيث انتشرَ الإِسلام، وتمهدت قواعدُه لا يُساويه في هذا المعنى، فلا يساويه في التشديد، هذا أو معناه.

قال: وهذا القولُ عندنا باطلٌ قطعًا؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبارُ عن أمر الآخرة بعذاب المصوِّرين، وأنه يقال لهم:"أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".

وهذه علة (1) مخالفةٌ لما قاله هذا القائل، وقد صرح بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام:"المُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّه"(2)، وهذه علة عامة مستقلة مناسبة، لا تخص زمنًّا (3) دون زمن، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة (4) المتظافرة، بمعنى خيالي يمكن أن لا يكون هو المراد، مع اقتضاء اللفط للتعليل بغيره، وهو التشبيهُ بخلق اللَّه (5).

قلت: وهذا ردُّ صحيح لا ينازِعُ فيه منصِف، وقد يؤخذ من قوله عليه الصلاة والسلام:"المُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ (6) اللَّهِ" تحريمُ (7) تصويرِ

(1) في "ق": "غاية".

(2)

رواه البخاري (5610)، كتاب: اللباس، باب: ما وطىء من التصاوير، ومسلم (2107)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم تصوير صورة الحيوان، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

في "ت": "على تخصص زمن" بدل "لا تخص زمنًا".

(4)

"المتظاهرة" ليس في "ق".

(5)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 171).

(6)

في "خ" و"ق": "الخلق".

(7)

في "ت": "تحرير".

ص: 253

غيرِ الحيوان مطلَقًا؛ إذ الكلُّ خلقُ اللَّه عز وجل.

ولنبينِ (1) الحكمَ في مسألة التصوير عندنا، فنقول:

الصورُ إن كانت تماثيلَ على صفة الإنسان، أو غيره من الحيوان، فلا يحلُّ فعلُها، ولا استعمالها في شيء أصلًا، وإن كانت رسما في حائط، أو رَقْمًا في سِتْر يُنشر ويُبسط، أو وسائدَ يُرتفق بها للاتكاء عليها، فهي مكروهة، وقيل: حرام (2).

قال القاضي أبو بكر: وقد قيل: إن الذي يُمتهن من الصور يجوز، وما لا يُمتهن مما يُعلَّق، فيُمنع؛ لأن الجاهلية كانت تعظِّم الصور، فما يبقى فيه جزءٌ من التعظيم والارتفاع يُمنع، وما كان يُمتهن فهو مباح؛ لأنه ليس مما كانوا فيه، واللَّه أعلم.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "بنوا على قبره مسجدًا" إشارةٌ إلى المنع من ذلك، وقد صرح به في الحديث الآخر:"لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، "اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ"(3)، وقد استجاب اللَّه -تعالى- دعاءه صلى الله عليه وسلم، فله الحمد والمنة.

(1) في "ت": "والمبين".

(2)

انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 566).

(3)

رواه الإِمام مالك في "الموطأ"(1/ 172)، عن زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار مرسلًا. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 41): لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث على ما رواه يحيى سواء، وهو حديث غريب، ولا يكاد يوجد. وزعم أبو بكر البزار: أن مالكًا لم يتابعه أحد =

ص: 254

فصل: اتُّفق على كراهة تجصيص القبور، إلا ما يروى عن أبي حنيفة من إباحة البناء، وتجصيصِها، والأصلُ فيه: ما رواه أحمدُ بنُ حنبل، عن عبد الرزاق، عن ابن (1) جُريج، عن ابن الزبير، عن جابر: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يُقْعَدَ على القبر، وأَنْ يُقَصَّص، ويُبْنى عليه. ورواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ومسلم، فيه: أَوْ يُزَادَ عليه، وعند النسائي، وأبي داود: أو يُكتب عليه (2)، والقَصَّةُ تشبه الجِصَّ، قاله الخطابي (3)؛ لأن ذلك من زينة الأحياء.

قيل لمحمدِ بنِ عبدِ الحكم في الرجل يوصي أن يُبنى على قبره، فقال: لا، ولا كرامةَ.

قال ابن القاسم في "العتبية": كره مالك أن يُرَصَّص على القبر

= على هذا الحديث إلا عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم. قال: وليس بمحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه من الوجوه إلا من هذا الوجه، لا إسناد له غيره. إلا أن عمر بن محمد أسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وعمر بن محمد ثقة، روى عنه الثوري وجماعة.

(1)

في "ق": "أبي".

(2)

رواه الإِمام أحمد في "المسند"(3/ 295)، ومسلم (970)، كتاب: الجنائز، باب: النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه، وأبو داود (3226)، كتاب: الجنائز، باب: في البناء على القبر، والنسائي (2027)، كتاب: الجنائز، باب: الزيادة على القبر، والترمذي (1052)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها.

(3)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 319).

ص: 255

بالحجارة والطين، وأن يبنى عليها بطوب (1)، أو أحجار (2).

قال: وكره المساجدَ المتخذةَ على القبور، وأما مقبرةٌ داثرةٌ يبنى فيها مسجدٌ يصلَّى فيه، فلم أر به بأسًا.

وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، عن أبي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا، وَلَا تتَّخِذُوا عَلَيْهَا المَسَاجِدَ"(3).

وكره ابنُ القاسم أن يجعل على القبر بلاطة، ويُكتب فيها، ولم ير بالحجر والعود بأسًا يَعرف به الرجلُ قبرَ وليه، ما لم يكتب فيه.

ولا خلاف في وضع الصخرة والعلامة، ما كانت عند رأس القبر، والأصلُ في ذلك: ما رواه أبو داود عن المطلب: أنه لما مات عثمانُ ابنُ مظعون، ودفن: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حملَه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فَحَسَر عن ذراعيه، ثم حمله، فوضعَه عند رأسه، وقال:"أَتَعَلم (4) قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إِلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي"(5).

(1) في "ق": "طوب".

(2)

في "ت": "حجارة".

(3)

رواه مسلم (972)، كتاب: الجنائز، باب: النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه، وأبو داود (3229)، كتاب: الجنائز، باب: في كراهية القعود على القبر، والترمذي (1050)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في كراهية المشي على القبور، والجلوس عليها، والصلاة إليها.

(4)

في "ق": "أعلم".

(5)

رواه أبو داود (3206)، كتاب: الجنائز، باب: في جمع الموتى في قبر، =

ص: 256

وإنما كرهت الكتابة؛ لحديث جابر، وهو قولُ الشافعي، وغيرِه.

فصل: وأما ضربُ الفُسطاط على القبر، فقال ابن حبيب: ضربُه على قبر المرأة أفضلُ من ضربه على قبر الرجل، لما يستر منها عند إقبارها، وقد ضربه عمرُ على قبر زينبَ بنتِ جحش، وكره ابنُ عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدريُّ، وابنُ المسيب، ضربَه على قبر الرجل، وضربَتْه عائشةُ على قبر أخيها عبدِ الرحمن، وضربَه محمدُ بنُ الحنفية على قبر ابنِ عباس، ورُوي أنه بات على قبره شهرًا.

وروى البخاري: أنه لما مات الحسنُ بنُ الحسنِ (1) بنِ علي؛ ضربت امرأته القبةَ على قبره سنةً، ثم رجعت، فسمعوا صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه آخر: بل يئسوا، فانقلبوا (2).

قال ابن حبيب: وأراه واسعًا اليومين والثلاثة، وإنما كرهه مَنْ كرهه لمن ضربه على وجه السمعة والمباهاة، وأما حوزُ (3) القبر ببيت، ويبني عليه، أو فيه، فجوزه بعضُ أصحاب الشافعي، إلا أن ذلك

= والقبر يعلم، من حديث المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب. وليس صحابيًا. وإسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب وهو صدوق، وقد بين المطلب أن مخبرًا أخبره به، ولم يسمه، ولا يضر إبهام الصحابي. انظر:"التلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 133).

(1)

في "ت": "الحسين".

(2)

ذكره البخاري في "صحيحه"(1/ 446) معلقًا. ورواه ابن أبي الدنيا في "الهواتف"(ص: 92) موصولًا. وانظر: "تغليق التعليق" لابن حجر (2/ 482).

(3)

في "ت": "جواز".

ص: 257

في غير المقبرة المسبَّلة؛ لأنه فيها تضييق (1) على الناس، وقد قال الشافعي رحمه الله: رأيت من الولاة مَنْ يهدم بمكة ما بُني بها، ولم أر الفقهاء يَعيبون عليه ذلك (2). قيل: وهذا يشبه ما كرهه مالك رحمه الله من البنيان المحدَثِ بعرفةَ وبمنى، وبنيان مسجدِ عرفة.

قال: وما كان بعرفةَ مسجدٌ منذ كانت، وإنما أُحدث مسجدُها بعدَ بني هاشم بعشرين سنة، واللَّه أعلم (3).

فصل: وأما ما حدث في زماننا هذا، وقبلَه بقليل؛ من أمر قَرافة مصر، وما ابتدعَ فيها الخاصُّ والعامُّ من الأبنية المَشِيدَة، والسقوف المعقَّدة، والزخارف المدونة، والبساتين المفننة، فيجب هدمُه شرعًا؛ لكونها من المقابر المحبَّسة على المسلمين، المُسَبَّلة لدفنهم خاصة، بنقل الإثبات، والأئمةِ الثقات، ومما يؤكد كونهَا مسبلةً لدفن المسلمين خاصة: ما أخبرني به الشيخُ الفقيه الإِمام علامة وقته نجمُ الدِّينِ بنُ الرفعة رحمه اللَّه تعالى، [عن شيخه القاضي الفقيه ظهير الدين الترمنتي رحمه اللَّه تعالى] (4): أنه دخل (5) إلى صورة مسجد بناه بعضُ الناس بقَرافة مصر الصُّغرى، فجلس فيه من غير أن يصلي التحية (6)، فقال له الباني: لم لا صليت

(1) في "ق": "بضيق".

(2)

انظر: "الأم" للإمام الشافعي (1/ 277).

(3)

وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 242) وما بعدها.

(4)

ما بين معكوفتين زيادة من "ق".

(5)

"تعالى: أنه دخل": بياض في "ت".

(6)

في "ق": "له تحية المسجد".

ص: 258

التحية؟ قال (1): لأنه غيرُ مسجد؛ فإن المسجد هو الأرض، والأرضُ مسبَّلَةٌ لدفن المسلمين، أو كما قال.

وأخبرني -أيضا المذكور- عن شيخه المذكور: أن الشيخ بهاءَ الدين بنَ الجميزي رحمه اللَّه تعالى قال: جهدتُ مع الملك الصالح في هدم ما أُحدث بقَرافة مصرَ من البناء، فقال: أمرٌ فعلَه والدي لا أُزيله (2)، وإذا كان هذا قولَ هذا الإِمام وغيره في ذلك الزمان، قبلَ أن يبالغوا في البناء والتفنن فيه، ونبش القبور لذلك، وتصويب المراحيض على أموات المسلمين، من الأشراف، والعلماء، والصالحين، وغيرهم، فكيف في هذا الزمان، وقد تضاعَفَ ذلك جدًا، حتى كأنهم لم يجدوا من البناء فيها بُدًّا، وجاؤوا في ذلك شيئًا إِدًّا؟!

فيجب على وليِّ الأمرِ -أرشده اللَّه- الأمرُ (3) بتهديمها وتخريبها حتى يعودَ طولُها عرضًا (4)، وسماؤها أرضًا، هذا مع ما يُضاف (5) إلى ذلك من هَتْك الحريم، واختلاطِ البريء بالسقيم؛ فإنهم استباحوا التكشُّف فيها، واتخذوه عادةً وديدَنًا (6) لا يستَحْيون من اللَّه تعالى، ولا من الناس، وخالفوا في ذلك الكتابَ والسنةَ، والإجماعَ والقياس،

(1) في "ت" و"خ" زيادة: "لا".

(2)

"والدي لا أزيله": بياض في "ت".

(3)

"الأمر": ليس في "ت".

(4)

في "ت": "أرضًا".

(5)

في "ت" و"ق": "ينضاف".

(6)

في "ق": "دنيا".

ص: 259

وربما أضافوا إلى ذلك آلاتِ الباطل من الدفوف، والجنوك، والشبَّابات، واقتحموا في ليالي الجمع والأعياد وغيرها تعاطيَ هذه المحرمات، واستهانوا بحرمة القبور، وارتكبوا بين ظَهْرانَيْها الفجور، وربما أكلوا الحشيش، وشربوا الخمور، هذا مع أنها مواطن الاعتبار، وتذكرِ الموت وخوفِ عقوبة الجبار، فناهيك بها معصيةً ما أفظعها، وشناعة ما أبشعها! ولم أر، ولم أسمع باتفاق ذلك في بلد من بلاد المسلمين ولا غيرهم، فيجب على كل من قَدَر على إزالة ذلك، أو بعضِه القيامُ للَّه تعالى، فإن فعل البعضُ، سقط عن الباقين، وإلا أثموا كلُّهم، وأعجبُ من هذا: أن أهل هذين البلدين أو غالبهم متواطئون على ذلك، وكأنه (1) عندهم أمر مشروع، وحكم متبوع، لا تجد واحدًا منهم -في الغالب- يتوجع لذلك، أو يعدُّه من المهالك، بل استقرت نفوسُهم عليه، وسكنت طباعُهم إليه، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، بدأ الإِسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، ولقد أحسن أبو عمرو بنُ العلاء رحمه اللَّه تعالى حيث يقول: لا يزالُ الناس بخير ما تُعُجِّبَ من العَجَب (2)، فسبحانَ الحليمِ الذي لا يعجل، والجوادِ الذي لا يبخل، الذي يُمْهِل ولا يُهْمِل، اللهمَّ وإذا أردت بالناس فتنة، فاقبِضْنا إليك غير مفتونين، وحسبُنا اللَّه ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه على محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين.

(1) في "ت": "فكأنه".

(2)

انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: 112).

ص: 260