الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يجوز قتله
216 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ، كلُّهُنَّ فَاسِقٌ، يُقْتَلْنَ فِي الحَرَمِ: الغُرَابُ، وَالحِدَأة، وَالعَقْرَبُ، وَالفَأْرَةُ، وَالكَلْبُ العَقُورُ"(1).
وَلِمُسْلِم: "يُقْتَلُ خَمْسٌ فَوَاسِقُ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ"(2).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1732)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: ما يقتل المحرم من الدواب، واللفظ له، و (3136)، كتاب: بدء الخلق، باب: خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم، ومسلم (1198/ 68 - 71)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، والنسائي (2829)، كتاب: الحج، باب: قتل الحية، و (2888)، باب: قتل الفأرة في الحرم، و (2891)، باب: قتل الغراب في الحرم، والترمذي (837)، كتاب: الحج، باب: ما يقتل المحرم من الدواب.
(2)
رواه مسلم (1198/ 67)، كتاب: الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم، بلفظ:"خمس فواسق يقتلن"، والنسائي (2881)، كتاب: الحج، باب: ما يقتل في الحرم من الدواب، و (2882)، باب: قتل الحية في الحرم، و (2887)، باب: قتل العقرب، =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الدَّوَابُّ: جمعُ دَابّه، وأصلُها دَابِبَة؛ كقائِمة، فأُدغمت الباء الأولى في الثانية، وكلُّ ماشٍ على الأرض دابَّةٌ (1).
والفسق في اللغة: الخروجُ؛ من قولهم: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ: إذا خرجَتْ من قشرها، فقالوا:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]: إذا (2) خرجَ عنه، يَفْسِق ويَفْسُق -بالكسر والضم-، وكأن الضم أكثرُ، فِسْقًا وفُسُوقًا.
= و (2890)، باب: قتل الحدأة في الحرم، وابن ماجه (3087)، كتاب: المناسك، باب: ما يقتل المحرم.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 184)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (4/ 150)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 62)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 204)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 284)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 113)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 32)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 982)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 206)، و"التوضيح" لابن الملقن (12/ 366)، و"طرح التثريب" للعراقي (5/ 55)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 36)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 182)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 302)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 202)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 194)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 95).
(1)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 124)، (مادة: دبب).
(2)
"إذا" زيادة من "ت".
قال ابن الأعرابي: لم يُسمع قَطُّ في كلام الجاهلية، ولا في شعرِهم، فاسِقٌ، قال: وهذا عجيبٌ (1)، وهو كلام (2) عربيٌّ، والفسيق: الدائمُ الفِسْق (3).
والغراب: معروفٌ، وجمعُه في القِلَّة: أَغْرِبَةٌ، وفي الكَثْرة: غِرْبانٌ (4).
والحِدَأة: -بكسر الحاء وفتح الدال- مقصورٌ (5) مهموزٌ، وجمعها حِدَأٌ؛ كعِنَبَةٍ وعِنَبٍ (6).
والعَقْرَبُ: أنثى العَقارب، ويقال -أيضًا-: عَقْرَبَةٌ، وعَقْرَباءُ -بالمدِّ غيرَ مصروف-، والذَّكر (7) عُقْرُبان، بالضم (8).
والفأرة: مهموزةٌ، وفارة المسك: النافِجَةُ.
وأما الكلب العقور: فاختُلف فيه، فقيل: هو الإنسيُّ المتخذُ، وقيل: كلُّ ما يعدو؛ كالأسد والنَّمِر، واستدلَّ لهذا: بأن الرسول
(1) في "ت": "عجب".
(2)
"كلام" ليس في "ت".
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1543)، (مادة: فسق).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 153)، (مادة: غرب).
(5)
في "ت" زيادة: "و".
(6)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 43)، (مادة: حدأ).
(7)
في "خ": "والمذكر".
(8)
المرجع السابق (1/ 187)، (مادة: عقرب).
-عليه الصلاة والسلام لما دعا على عُتبةَ بن أبي لهبٍ بأن يُسلط عليه كلبًا من كلابه، افترسَهُ (1) الأسدُ (2)، فدلَّ على تسميته بالكلب، وهذا هو المشهور من مذهبنا، فيدخل فيه السَّبُعُ، والكلبُ، والفَهْد، والنمر، وأشباهها مما يعدو.
وترجح (3) القولُ الأولُ، أو رُجِّحَ (4) بان إطلاق اسم الكلب على غير الإنسي المتخذ خلافُ العرف، واللفظة إذا نقلها أهل العرف إلى معنى، كان حملُها عليه أَوْلى من حملها على المعنى اللغوي.
وفائدةُ هذا الخلاف: ما تقدم من التعدية إلى غير الكلب الإنسي المتخذ، وكلِّ ما يعدو، وعدمِها.
كما اختُلف أيضًا في الأربع البواقي، هل يقتصر عليها، أو تُعَدَّى (5) إلى ما هو أكثرُ منها بالمعنى؟ فقيل بالاقتصار عليها، وهو المذكور في كتب الحنفية.
ق: ونقل غيرُ واحد من المصنفين المخالفين لأبي حنيفة: أن
(1) في "ت": "وافترسه".
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3984)، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن أبيه. وحسنه الحافظ في "الفتح"(4/ 39).
(3)
في "ت": "ويترجح".
(4)
"أو رُجِّحَ" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "يتعدى".
أبا حنيفة ألحقَ الذئبَ بها، وعدُّوا ذلك من مناقضاته (1).
قال الخطابي: وقاس الشافعيُّ على هذه الخمس كلَّ سَبُعٍ ضارٍ، وكلَّ شيء من الحيوان الذي لا يؤكل لحمُه (2).
قلت: واعتبر مالك رحمه الله في ذلك الأذى، فكلُّ مؤذٍ يجوز عنده (3) للمحرِم قتلُه بغير معنى الصيد.
قال القاضي عبد الوهاب: وليس من ذلك الصقرُ والبازي، ولا القردُ والخنزيرُ، إلا أن يبتدىء بشيء من ذلك بالضرر.
قال: وقَتْلُ: صغارِ ما يجوز قتلُ كبيره من الصيد؛ كالسباع والطير، مكروهٌ، ولا جزاء فيه، فأما صغارُ الحيات والعقارب والزنابير، فغير مكروه.
قال ابن شاس: والمشهورُ: أن الغرابَ والحدأة يُقتلان، وإن لم يبتدئا بالأذى.
وروى أشهب المنعَ من ذلك.
وقال ابنُ القاسم (4): إلا أن يؤذي، فيُقتل (5)، إلا أنه إن قتلهما (6)
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 33).
(2)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 184).
(3)
"عنده" ليس في "ت".
(4)
في "خ": "وقاله ابن القاسم، قال".
(5)
في "ت": "تؤذي فتقتل".
(6)
في "ت": "قتلها".
من غير أذى، فلا شيء عليه.
وقال أشهب: إن قتلهما من غير ضرورة، وَدَاهُما (1).
واختُلف -أيضًا- في قتل صغارهما، وفي وجوب الجزاء بقتلهما (2).
وأما غيرُهما من الطير، فإن لم يؤذ، فلا يُقتل، فإن قتل، ففيه الجزاء.
وإن آذى، فهل يقتل، أم لا؟ قولان.
وكذلك (3) إذا قلنا: لا يقتل، فقتل، قولان أيضًا، المشهورُ: نفيُ وجوب (4) الجزاء.
وقال أشهب: عليه في الطير الفديةُ، وإن ابتدأتْ بالضرر.
وقال أصبغ: من عدا عليه شيءٌ من سباع الطير، فقتلَه، وَداه بشاة.
قال ابن حبيب: وهذا من أصبغ غلطٌ.
وحمل بعضُ المتأخرين قولَ أصبغَ هذا على أنه كان قادرًا على الدفع بغير القتل، فأما لو تعين القتلُ في الدفع، فلا يختلف فيه.
وأما العقرب والحية والفارة، فيقتلن، حتى الصغير، وما لم يؤذ
(1) في "ت": "إن قتلها من غير ضرورة، وداها".
(2)
في "ت": "بقتلها".
(3)
في "خ": "ولذلك".
(4)
"وجوب" ليس في "ت".
منها؛ لأنه لا يؤمَنُ منها، إلا أن تكون من الصغر بحيث لا يمكن منها الأذى، فيختلف في حكمها.
وهل يلحق صغارُ غيرها من الحيوان المباحِ القتلِ لأذيته بكبارها في جواز القتل ابتداءً؟ فيه خلاف.
قلت (1): وأما الأسدُ والنمرُ والفهدُ، وما في معناها، فالمشهورُ: جوازُ قتلِ صغيرِها (2)، وما لم يؤذِ من كبيرها (3)(4).
ونقل الخطابي عن النخعي: أنه قال: لا يقتل المحرمُ الفأرةَ، قال: وأراه قال: فإن قتلها، فعليه الفديةُ، وقال: هذا مخالف للنص، خارجٌ عن أقاويل العلماء (5).
ع: وروي عن عليٍّ ومجاهدٍ: لا يُقتل الغراب، ولكن يُرمى، ولا يصحُّ عن علي ذلك (6).
وقالت طائفة أخرى: لا يقتل من الغربان (7) إلا الأبقعُ، وهو
(1) من هنا تبدأ ما وجد من أوراق النسخة الخطية الأزهرية، والمرموز لها بحرف "ز".
(2)
في "ز": "صغارها".
(3)
في "ز": "كبارها".
(4)
انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 207 - 208).
(5)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 185).
(6)
"ذلك" زيادة من "ت" و"ز".
(7)
في "خ": "الغراب".
الذي في بطنه وظهره (1) بياضٌ -على ما جاء في حديث سعيد عن (2) عائشة.
ع: وحكى الخطابي عن (3) مالك: أنه (4) لا يُقتل الغرابُ الصغير، وتُؤُوِّل أنه نوع من الغربان يأكل الحبَّ، وعندي أنه تحريف عن مالك (5)، انتهى (6).
ق: واستُدل بالحديث على أنه يُقتل في الحرم (7) من لجأ إليه بعدَ قتلِه لغيرِه مثلًا، على ما هو مذهبُ الشافعي، وعلل ذلك: بأن إباحة قتل هذه الأشياء في الحرم مُعلَّلٌ بفسق العُدْوان، فيعمُّ الحكمُ لعموم العلَّة، والقاتِلُ عدوانًا فاسقٌ بعدوانه، فتوجد العلَّة في قتله، فيُقتل، وبل أولى؛ لأنه مكلَّفٌ، وهذه الفواسقُ فسقُها طبعيٌّ (8)، ولا تكليف عليها، والمكلَّفُ إذا ارتكب الفسقَ هاتكٌ لحرمةِ نفسه، فهو أولى
(1) في "ز": "وفي ظهره".
(2)
في "خ": "و" بدل "عن".
(3)
في "ز" زيادة: "الإمام".
(4)
"أنه" ليس في "ز".
(5)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 205).
(6)
"انتهى" ليس في "ز" و"ت".
(7)
في "خ": "في الحل والحرم"، وفي "ت":"بالحرم".
(8)
في "ز" و"ت": "طبيعي".
بإقامة مقتضى الفسقِ (1) عليه.
قال: وهذا عندي ليس بالهيِّن (2)، وفيه (3) عوزٌ (4)، فليتنبه له (5).
فائدة: قال العبدي: وجملةُ ما يجوز للمحرم قتلُه، وفي الحرم (6) أيضًا، ثلاثةَ عشرَ شيئًا (7)؛ ستة تُذبح للأكل، وسبعة تُقتل للضررِ ودفعِ أذاها.
فأما ما يذبح للأكل: فبهيمةُ الأنعامِ الثلاثُ: الإبل، والبقر، والغنم، وثلاثٌ من الطير، وهي (8): البَطُّ، والإوَزُّ، والدجاجُ.
وأما لدفع الضرر، فثلاثةٌ هوائيةٌ، وهي: الغراب، والحِدأة، والزُّنبور، على خلاف في الزُّنبور، وثلاثةٌ ترابيةٌ: الحية، والعقرب (9)، والفأرة، وواحدٌ من الوحش، وهو الكلب العقور، واللَّه أعلم.
(1) في "ز" زيادة: "و".
(2)
في "خ": "بالبيِّن".
(3)
في "ت" زيادة: "عندي".
(4)
في المطبوع من "شرح العمدة": "غورٌ".
(5)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 36).
(6)
في "ت": "المحرم".
(7)
"شيئًا" ليس في (ز).
(8)
"وهي" ليس في "ت" و"ز".
(9)
في "ت": "العقرب والحية".