الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصوم في السفر
الحديث الأول
180 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَصُومُ (1) في السَّفرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيامِ، "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وإِنْ شِئْتَ فَاَفْطِرْ"(2).
(1) في "ت": "الصوم".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1841)، كتاب: الصوم، باب: الصوم في السفر والإفطار، واللفظ له، ومسلم (1121/ 103 - 106)، كتاب: الصيام، باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر، وأبو داود (2402)، كتاب: الصوم، باب: الصوم في السفر، والنسائي (2304 - 2308)، كتاب: الصيام، باب: ذكر الاختلاف على هشام بن عروة فيه، والترمذي (711)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في الرخصة في السفر، وابن ماجه (1662)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في الصوم في السفر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 123)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 299)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 232)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 73)، و"المفهم" للقرطبي =
* الشرح:
ظاهرُ هذا الحديث أن الصوم المسؤولَ عنه صومُ التطوُّع، لا رمضان.
وقوله: "وكان كثيرَ الصيام" يُشعر بذلك، ويقوي ذلك أيضًا: أن في الكتابين رواية أخرى مشتملة على زيادة بينت هذا الحديث، وهي أنه قال: يا رسول اللَّه! إني أَسْرُدُ الصومَ، فأصومُ (1) في السفر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:"إِنْ شِئْتَ فَصُمْ"، لكنه قد جاء في رواية أخرى في مسلم:"هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ"(2)، ومثلُ هذا لا يُقال في التطوُّع.
وأيضًا: فإن هذا الحديث أخرجه أبو داود، وقال فيه: يا رسولَ اللَّه! إني صاحبُ ظَهْر أُسافر عليه، وأركبُه في هذا الوجه، وإنه ربما صادفني هذا الشهرُ، -يعني: رمضان-، وأنا أجد القوةَ، وأنا شابٌّ، وأجدُني أن أصومَ أهونُ من أن أُؤخره، فيكون دَيْنًا عليَّ، أفأصومُ يا رسول اللَّه
= (3/ 178)، و"شرح مسلم" للنووي (7/ 237)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 223)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 861)، و"التوضيح" لابن الملقن (13/ 311)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 179)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 45)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 384)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 533) و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 303).
(1)
في "ت": "أفاصوم".
(2)
رواه مسلم (1121/ 107)، كتاب: الصيام، باب: التخيير في الصوم والفطر في السفر.
أعظم لأجري، أو أفطر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:"أَيَّ ذَلِكَ شِئْتَ يَا حَمْزَةُ"(1)، قال صاحب "المفهم": وهذا نصٌّ في التخيير (2).
قلت: وأَيًّا ما كان، ففيه التخيير (3)، وهذا يرد قولَ من قالَ بعدم انعقاد الصوم في السفر، من أهل الظاهر، وغيرهم، وإن كان متمسكهم قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، فقد تأوله الجمهور بأن هناك محذوفًا تقديره: فَأَفْطَرَ، ويستدل على صحته بصومه عليه الصلاة والسلام في السفر، وبتخييره بينَ الصوم والإفطار في غير ما حديثٍ صحيح، ولو كان الصوم في السفر لا ينعقد، لَمَا صامَ، ولا (4) أباحَ لغيره الصومَ فيه؛ فإن ذلك عبث، فدلَّ ذلك على أن المعنى ما قدره من الحذف، وأن القضاء إنما يلزم من أفطرَ، لا من صام، واللَّه أعلم.
ويقوي قولَ الجمهور أيضًا: قولُه عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الصحيح: "هِيَ رُخْصَة مِنَ اللَّهِ"، الحديث، وبيانُه: أن قوله عليه الصلاة والسلام: "هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ"، الحديث يعطي بوجه الخطاب بالصوم إلى كلِّ مكلف، حاضرًا كان أو مسافرًا، ثم
(1) رواه أبو داود (2403)، كتاب: الصوم، باب: الصوم في السفر، والحاكم في "المستدرك"(1581).
(2)
انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 178).
(3)
في "ت": "التأخير".
(4)
في "ت": "ولَمَا".
رخص لأهل الأعذار بسببها؛ لأن الرخصة حاصلُها راجعٌ إلى تخلف الحكم الحزم (1) مع تحقق سببه لأمر خارج عن ذلك السبب؛ كإباحة أكل الميتة عند الضرورة، فاعرفْه.
إذا ثبت هذا، فقد اختلفوا هل الصوم أفضل، أو الفطر أفضل، أو هما سيَّان؟
فقيل: الصوم أفضل؛ لما ورد من صومه عليه الصلاة والسلام هو وعبدُ اللَّه بنُ رواحة (2)، ولغير ذلك من الأحاديث، ولقوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] الآيةَ، فَعَمَّ، وإليه ذهب أنسُ ابنُ مالك، ومالكٌ في المشهور عنه.
قال صاحب "المفهم": والشافعي على أن الفطر من باب الرخص، وأن فعل الصوم مبادرةٌ إلى تخليص الذمم، ومسابقةٌ إلى الخيرات، فقد أمر اللَّه بذلك في قوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148](3).
وقيل: الفطرُ أفضلُ؟ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لَيْسَ البِرُّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ"، ورُوي:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ"(4)؟ و (5) لقوله عليه الصلاة والسلام: "هِيَ رُخْصَة مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَخَذَ بِهَا، فَحَسَنٌ، وَمَنْ
(1) في "ت": "الجزم".
(2)
سيأتي ذكره وتخريجه في الحديث الثالث من هذا الباب.
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 176).
(4)
سيأتي ذكره وتخريجه في الحديث الرابع من هذا الباب.
(5)
الواو زيادة من "ت".
أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ" فقد جعل الفطر حسنًا، والصوم لا جناح فيه، فهذه إشارة إلى تفضيل الفطر، وكان ابن عمر يقول: رخصةٌ ربي أحبُّ إليَّ (1)، مع أنه كان من أهل التشديد على نفسه، والأخذِ بالأشدِّ، وقال: أرأيتَ لو تصدَّقْتَ بصدقة، فردَّتْ عليكَ، ألا تغضب (2)؟
ونهى أبو هريرة، وابنُ الزبير، وغيرُهما عن الصوم في السفر.
وسئل ابن عباس رضي الله عنه، فقال: يُسْرٌ وعُسْرٌ، خذْ بيسر (3) اللَّه (4).
وإليه ذهب ابن عباس، وابن عمر، وغيرهما رضي الله عنهما.
وقيل: الفطرُ والصومُ سواءٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ"، وإليه ذهب جُلُّ أهل المذهب على ما ذكره القرطبي في "مفهمه"، قال: وعليه تدلُّ أحاديث مسلمٍ في هذا الباب (5).
قال الخطابي: وذهبت طائفة إلى أن الأفضلَ الأيسرُ عليه، والأسهلُ؛ لقوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] الآيةَ.
ع: وروي عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، ومجاهد (6).
ثم هل هذا في كل سفر؛ طاعةً كان أو معصيةً، طويلًا كان أو
(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (6/ 248).
(2)
المرجع السابق، (4/ 257).
(3)
في "خ": "يسر".
(4)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(8963).
(5)
انظر: "المفهم" للقرطبي (3/ 176).
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 70).
قصيرًا، أو مختصٌّ (1) بالسفر المباحِ أو الواجب؟
قال ابن بزيزة: والصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم (2) يخصَّ سفرًا من سفر، وهو ظاهر الآية.
قلت: والمذهبُ على أن العاصي بالسفر لا يترخص، والمذهب -أيضًا (3) - اشتراطُ سفر تُقْصَرُ فيه الصلاة؛ خلافًا لمن لم يشترطه.
قال الخطابي: وأظنه قولَ داود، وأهلِ الظاهر، فأما سائرُ الفقهاء، فإنهم لا يرون الإفطارَ إلا في سفر يجوز فيه القصرُ، وهو عند أهل العراق ثلاثةُ أيام، وعند أكثر أهل الحجاز ليلتان، أو نحوهما، وقد كان ابنُ عمرَ، وابنُ عباس، لا يريان القصرَ والإفطارَ في أقل من أربعة بُرُدٍ (4).
قلت: وهو مذهبنا، ومذهبُ الجمهور، واللَّه أعلم.
* * *
(1) في "ت": "يختص".
(2)
"لم" ليس في "ت".
(3)
"أيضًا" ليس في "ت".
(4)
انظر "معالم السنن" للخطابي (2/ 127).