الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الفدية
213 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الفِدْيَةِ، فَقَالَ: نزَلَتْ فِيَّ خاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً؛ حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ:"مَا كُنْتُ أُرَى الوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى"، أوْ:"مَا كُنْتُ أُرَى الجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى، أتجدُ شَاةً؟ "، فَقُلْتُ: لَا، قَالَ:"فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ"(1).
وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1721)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: الإطعام في الفدية نصف صاع، واللفظ له، و (4245)، كتاب: التفسير، باب:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196]، ومسلم (1201/ 85، 86)، كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، والترمذي (5/ 212) عَقِبَ حديث (2973)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة، وابن ماجه (3079)، كتاب: المناسك، باب: فدية المحصر، من طريق عبد اللَّه بن معقل، عن كعب بن عجرة، به.
يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (1).
(1) رواه البخاري (1722)، كتاب: الإحصار وجزاء الصيد، باب: النسك شاة، واللفظ له، و (1719)، باب: قول اللَّه تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196]، (3927)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية، و (3954، 3955)، باب: غزوة الحديبية، و (5341)، كتاب: المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول، و (5376)، كتاب: الطب، باب: الحلق من الأذى، و (6330)، في أول كتاب: كفارات الأيمان، ومسلم (1201/ 80 - 83)، كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، والنسائي (2851)، كتاب: الحج، باب: في المحرم يؤذيه القمل في رأسه، والترمذي (953)، كتاب: المناسك، باب: ما جاء في المحرم يحلق رأسه في إحرامه ما عليه؟ و (2973، 2974)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة، من طريق مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، به.
وقد رواه مسلم أيضًا (1201/ 84)، كتاب: الحج، باب: جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى، وأبو داود (1856)، كتاب: المناسك، باب: في الفدية، من طريق أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، به.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 187)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 212)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 287)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 118)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 21)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 962)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 201)، و"التوضيح" لابن الملقن =
* التعريف:
عبدُ اللَّهِ بنُ مَعْقِل: -بفتح الميم وإسكان العين المهملة وكسر القاف- بنِ مُقَرِّنٍ -بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة بعدها نون- المزنيُّ، الكوفيُّ.
كنيته: أبو الوليد، تابعيٌّ متفق عليه، وقال فيه أحمدُ بنُ عبد اللَّه: كوفي، تابعي، ثقةٌ من خيار التابعين.
سمع عَدِيَّ بنَ حاتمٍ، وكعبَ بنَ عُجْرَةَ عند البخاري ومسلم، وثابت بن الضحاك، وأبا (1) إسحاق الهمداني، وعبد اللَّه ابن السائب.
مات سنة اثنتين وخمسين بالمدينة، وله خمس وسبعون سنة (2)،
= (12/ 309)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 13)، و"عمدة القاري" للعيني (10/ 155)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 288)، و"كشف اللثام" للسفاريني (4/ 151)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 196)، "نيل الأوطار" للشوكاني (5/ 77).
(1)
في "خ" و"ت": "وعند" بدل "وأبا".
(2)
* تنبيه: قال ابن الملقن في "الإعلام"(6/ 88): وقع في "شرح الفاكهي" تخليط في ترجمة عبد اللَّه بنْ معقل بترجمة كعب بن عجرة؛ فإنه ذكر في آخرها: مات سنة ثلاث وخمسين بالمدينة عن خمس وسبعين سنة. كذا رأيته في نسختين منه. وهذا ليس تاريخ وفاة عبد اللَّه بن معقل، وإنما هو تاريخ وفاة كعب بن عجرة، كذا ذكره الشيخ تقي الدين في "شرحه"، لكنه =
متفق عليه (1).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الفِدْيَةُ والفِدَى والفِدَاءُ، كلُّه بمعنى واحد (2).
قلت: وكأنهما بمعنى البدل، أو المبادلة عمَّا نقصَ من المناسك (3).
الثاني: فيه: الجلوس للمذاكرة في العلم ومدارسته، ومن ذلك الاعتناءُ بسبب النزول، وما يترتب عليه من الحكم.
وقوله: "نزلت فيَّ" يعني: آيةَ الفدية، وهي قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} [البقرة: 184] الآية.
= قال: سنة "اثنتين وخمسين" بدل "ثلاث"، ولعل السبب الموقع له في ذلك: أن الشيخ تقي الدين لم يفرد ترجمة عبد اللَّه وحدها بعقد وترجمة كعب وحدها بآخر، بل ذكرهما في عقد واحد، فظنهما واحدًا، واللَّه أعلم.
(1)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 175)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (5/ 195)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (5/ 169)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 35)، و"تهذيب الكمال" للمزي (16/ 169)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (5/ 212).
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2453)، (مادة: فدى).
(3)
في "ت": "الناسك".
وقوله: "خاصَّةً"؛ أي: اختصاصٌ لسبب (1) النزول بى؛ فإن لفظ (2) الآية عام.
وقوله: "والقملُ يتناثر على وجهي": جملة حالية من التاء في (حُمِلْتُ).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "ما كنت أُرى الوجعَ بلغَ"، هو بضم الهمزة؛ أي: أظنُّ.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "بلغَ بك ما أَرى" -بفتح الهمزة-؛ يعني: أُشاهد، فهو من رؤية العين، وحُذف مفعولُه للدلالة عليه؛ أي: أراه.
والجهد -بفتح الجيم-: المشقة، وبضمها: الطاقة، ومعنى الحديث على الفتح لا غير؛ أي: المشقة اللاحقة بسبب الوجع (3).
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "أتجدُ شاةً؟ ": اعلمْ: أن هذه الشاة التي تجب عن إلقاء (4) التَّفَث، وإزالة الشَّعَث، وطلبِ الرفاهية بالرخصة في فعل ما يُمنع المحرِمُ منه يُعتبر فيها السنُّ والسلامةُ
(1) في "ت": "بسبب".
(2)
في "ت": "لفظة".
(3)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 161)، و"شرح مسلم" للنووي (2/ 199).
(4)
في "ت": "الفدا".
ما يُعتبر في الأضحية، وليست كهَدْيٍ، ولا يلزم إيقافُه (1) بعرفة، وله أن يذبحها حيثُ شاء من البلاد، إلا أن يشاء أن يجعلها هَدْيًا، فيوقفها موقِفَه، وينحرُها بمنحَرِه، فذلك له، لا عليه، وله أن يُقَلِّدها ويُشْعِرَها إن جعلها بَدَنَةً أو بقرةً، والشاةُ تقع على الضأن والمعز، والذكر والأنثى؛ كالبَدَنَة تقع على الإبل والبقر، والبعير والناقة.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "أو أطعمْ ستةَ مساكين": نص في مراد الآية من عدد المساكين المصروفة إليهم الصدقةُ فيها؛ خلافًا لمن قال من المتقدمين: يطعم عشرة مساكين؛ قياسًا منه على كفارة اليمين، ولعل الحديث لم يبلُغْه؛ إذ لو بلغه؛ لم يخالفه، واللَّه أعلم.
السادس: قوله: "لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاع": عامٌّ في الحنطة وغيرها، وبيانٌ لمقدارِ المُطْعَم.
وقال الثوريُّ: إذا تصدَّق بالبُرِّ، فنصفُ صاعٍ، وإن أطعم تمرًا أو زَبيبًا، أطعمَ صاعًا صاعًا.
قال الخطابي: قال أبو عثمان: هذا خلافُ السنَّة، وقد جاء في الحديث ذكرُ التمرِ مقدَّرًا بنصف صاعٍ؛ كما ترى، فلا معنى لخلافهِ، وقد جاءَ ذكرُ الزبيبِ أيضًا من غير هذا (2) الطريق بنحو هذا التقدير،
(1) في "ت": "اتفاقهما".
(2)
في "ت": "هذه".
وذكره أبو داود (1).
ق: وعن أحمد رواية: أنه لكل مسكين مُدُّ حنطة، أو نصفُ صاعٍ من غيرها (2).
السابع: الفَرَقُ: قال الخطابي: ستةَ عشرَ رِطلًا، وهو ثلاثةُ أَصْوُعٍ (3).
قلت: هو بفتح الراء، وقد تُسكَّن، وكلتا الروايتين دالة على كونه ثلاثةَ أَصْوُعٍ كما قيل، وهو بَيِّنٌ.
الثامن: قوله عليه الصلاة والسلام: "أو تُهديَ (4) شاة": بيانٌ للنُّسُكِ المجمَلِ في (5) الآيةِ، وقد تقدمَ أن حكمَها حكمُ الأضحية؛ سِنًّا وسلامةً.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "أو صُمْ ثلاثةَ أيامٍ" تعيينٌ وتبيينٌ لمقدارِ الصَّومِ المجملَ في الآية.
ق (6): وأبعدَ مَنْ قالَ من المتقدمين: إن الصومَ عشرةُ أيام؛ لمخالفة هذا الحديث، ولفظ الآية والحديث كلاهما يقتضي التخيير
(1) انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 187).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 22).
(3)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 188).
(4)
في "ت": "يهدي".
(5)
"في" ليس في "ت".
(6)
"ق" ليس من "ت".
بين هذه الخصال الثلاث -أعني: الصيام، والصدقة، والنسك-؛ لأن كلمة (أو) تقتضي التخيير (1).
قلت: حقُّه أن يقول: هنا، وإلا، فـ "أَوْ" لها معانٍ أُخر غير التخيير، وكلامُه يوهم حصرَها في التخيير.
التاسع: قوله -في إحدى الروايتين-: "أتجدُ شاة؟ " إلى آخره، ليس المراد به أن الصوم لا يجزىء إلَّا عندَ عدمِ الهَدْي، قيل (2): بل هو محمولٌ على أنه سألَ عن النسك، فإن وجده، أخبره بأنه مخيرٌ بين الصيام والإطعام.
العاشر: لا فرقَ عندنا، بين أن يحلِقَ رأسَه لِعُذرٍ، أو غيره، في تخييره بين الخصال الثلاث، وفرق الشافعيُّ وأبو حنيفةَ، فقالا: إنْ حَلَقَه لعذرٍ، كان مخيرًا بينها، وإن كان لغيرِ عذرٍ، فالدَّمُ ليس إلَّا، هكذا نقله عنهما أبو سليمان الخطابي في "شرح السنن" له (3)، واللَّه أعلم.
* * *
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (3/ 22).
(2)
في "ت": "وقيل".
(3)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (2/ 187).