الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
153 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَكَبَّرَ (1) عَلَيْهِ أَرْبَعًا (2).
(1) في "ت": "وكَبَّرَ".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (819)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وضوء الصبيان، و (1190)، كتاب: الجنائز، باب: الإذن بالجنازة، و (1256)، باب: الصفوف على الجنازة، و (1258)، باب: صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز، و (1259)، باب: سنة الصلاة على الجنائز، و (1262)، باب: صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، و (1271)، باب: الصلاة على القبر بعدما يدفن، و (1275)، باب: الدفن بالليل، ومسلم (954/ 68)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، واللفظ له، والنسائي (2023 - 2025)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، والترمذي (1037)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على القبر، وابن ماجة (1530)، كتاب الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة على القبر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (4/ 256)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 418)، و"المفهم" للقرطبي =
* الكلام على هذا الحديث من وجوه:
الأول: القبر: واحدُ القبور، والمقبَرة والمقبُرة -بفتح الباء وضمها (1) -، ويقال: قَبَرْتُ الميتَ أَقْبُره وأَقْبِرُه -بضم الباء وكسرها- قَبْرًا؛ أي: دفنته، وأَقْبَرْتُه (2): أمرتُ بأَن يُقبر، وقوله تعالى:{ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21]؛ أي: جعله ممن يُقبر، ولم يجعلْه يُلقى للكلاب (3)، وكان القبر مما أكرم اللَّه -تعالى- به (4) بني (5) آدم (6).
وقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 25، 26]؛ أي: أوعيةً، واحدُها كفتٌ، ويقال: كِفاتًا: مضَمًّا، تكفتُ أهلَها، أي: تضمُّهم أحياءً على ظهرها، وأمواتًا في بطنها، وكان يسمون بقيعَ الغَرْقَدِ: كَفْتَةَ؛ لأنه (7) مقبرةٌ يَضُمُّ الموتى.
= (2/ 616)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 161)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 766)، و"التوضيح" لابن الملقن (9/ 422)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 205)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 150)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 315).
(1)
"بفتح الباء وضمها" ليس في "ت".
(2)
"أقبرته" ليس في "خ".
(3)
"وقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] أي: جعله ممن يُقبر، ولم يجعله يُلقى للكلاب" ليس في "ت".
(4)
"به" ليس في "ق".
(5)
"بني" ليس في "ت".
(6)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 784)، (مادة: قبر).
(7)
في "ت" و"ق": "لأنها".
الثاني: قوله: "على قبر"؛ أي: على صاحبِ قبر، فحذفَ (1) المضافَ، وأقام المضاف إليه مقامه، وهو قياس في العربية.
وقوله: "بعدما دفن"؛ أي (2): بعدما دُفن صاحبُه، ففي (دُفن) ضمير يعود على المضاف المقدَّر؛ إذ لا يجوز أن يقدر ظاهرًا؛ لأن المفعول القائمَ مقامَ الفاعل؛ كالفاعل في أنه لا يحذف، فليتنبه لذلك.
الثالث: فيه: الصلاةُ على القبر بعدَ الدفن، وقد اختلف العلماء في ذلك، فأجازها (3) بعضهم، ومنعها بعضهم.
وجهُ المنع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلَّ على قبره.
ووجهُ الإجازة: صلاتُه صلى الله عليه وسلم على قبر السوداء التي كانت تَقُمُّ المسجدَ (4).
قال الإمام المازري: وانفصل (5) عن ذلك بوجوه:
أحدها: أنه إنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان وعدَها أن (6) يصلِّيَ عليها، فصار ذلك كالنذر عليه صلى الله عليه وسلم، وهذا ضعيف؛ لأن النذر إنما يوفى به إذا كان جائزًا، فلو لم تكن الصلاة على القبر جائزة، لما فعلها.
(1) في "ت": "محذوف".
(2)
في "ت": "وقوله" بدل "أي".
(3)
في "ت": "فأجازه".
(4)
رواه البخاري (466)، كتاب: المساجد، باب: كنس المسجد، ومسلم (956)، كتاب: الجنائز، باب: الصلاة على القبر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
في "ت": "والفصل".
(6)
في "ت": "أنه".
والوجه الثاني: أنه فعل ذلك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يُعْلِموه، وهو الإمامُ الذي إليه الصلاةُ، فلما صلَّوا دونَ علمِه، كان ذلك بمنزلة مَنْ دُفِنَ بغير صلاة، وهذا التأويل تبعده (1) القولةُ الشاذة التي لمالك فيمن دُفن بغير صلاة.
قال: ويحتمل عندي أن يكون وجهُ ذلك: أنه عليه الصلاة والسلام لما صلَّى على القبر، قال عند ذلك:"إِنَّ هَذ القُبُورَ (2) مَمْلُوءَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ظُلْمَةً، وَإِنَّ اللَّه (3) -تَعَالَى- يُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ"(4)، أو كما قال، وهذا كالإفهام بأن هذا هو علةُ (5) صلاته على القبور، وهذه علة تختص بصلاته عليه الصلاة والسلام؛ إذ لا يُقطع على وجود ذلك في غيره، وفي الكتاب: عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على القبر، ويحتمل أن يكون القبر الذي أرادَ ابنُ عباس، هو قبرُ السوداء المذكور (6)، انتهى كلامه (7).
ع (8): وتحصيلُ مذهب مالك وأصحابه، ومشهورُ أقوالِ أكثرهم،
(1)"تبعده" ليس في "ت"، وفي "ق":"تعضده"، وفي المطبوع من "الإكمال" (3/ 418):"تسعده".
(2)
"القبور" ليس في "ت".
(3)
في "ت": "واللَّه" بدل "إن اللَّه".
(4)
تقدم تخريجه قريبًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
"علة" ليس في "ت".
(6)
في "ت": "المذكورة".
(7)
انظر: "المعلم" للمازري (1/ 489).
(8)
"ع" بياض في "ت".
فيمن لم يُصَلَّ عليه حتى دُفن: أنه يُصَلَّى عليه في قبره، وعنه -أيضًا-، وهو قول سحنون، وأشهب: لا يصلى عليه.
ومشهور قوله، وقول أصحابه، فيمن صُلِّى عليه: ليس لمن فاتته الصلاةُ عليه إعادةُ الصلاة عليه، وهو قول الليث، والثوري، وأبى حنيفة، قال: إلا أن يكون وَلِيَّه، فله إعادةُ الصلاة (1).
وعن مالك أيضًا: جوازُ ذلك، وهو قول الشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم.
واختلف فيما يفيت الصلاة عليه، وإخراجَه إذا دُفن بغير صلاة، هل بإهالة التراب؟ وهو قول أشهب، أو بتسويته؟ وهو قول عيسى، وابن وهب، أو خوف التغير عليه؟ وهو قول ابن القاسم، وابن حبيب، وقاله سحنون -أيضًا-، أو الطول، وذلك فيمن لم يُصَلَّ عليه، ما زاد على ثلاثة أيام فأكثر عند أبي حنيفة.
وقال أحمد: فيمن صُلِّي عليه: تُعاد إلى شهر، وقاله إسحاقُ في الغائب، قال: وفي الحاضر ثلاثة أيام.
قال أبو عمر (2): وأجمعَ مَنْ قال بالصلاة على القبر: أنه لا يُصَلَّى عليه إلا بالقرب. وأكثر ما قيل في ذلك شهر (3).
(1) في "ت" زيادة: "عليه".
(2)
في "ت": "عمرو".
(3)
انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 33). وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 419).
قلت: قال الباجي: وجهُ قول أشهب: أَن وضعَ (1) اللَّبِن من بنيان داخل القبر، وأما إهالةُ التراب، فهو المشروعُ في الدَّفن والتغطية، وإنما يفوتُ بالدفن (2).
ووجهُ قولِ ابن وهب: أن الفراغَ من الدفن تسويةُ التراب.
ووجه قولِ ابنِ القاسم: أنه لا تأثير للتراب وتسويته؛ إذ لا مضرة على الميت في إزالته، ولا هتكَ في ذلك لحرمته ما لم يُخف التغيرُ عليه، فإذا خيف التغير، امتنع إخراجُه؛ لما في ذلك من هتك حرمته (3).
ونقل ابن الصباغ من الشافعية عن مذهبه وجها: بأنه يُصَلَّى على القبر أبدًا، وهو غريب، وقد انفرد البخاري عن عقبة بن عامر، قال: صلَّى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على قتلى أُحُدٍ بعد ثمان سنين (4)، واللَّه أعلم.
* * *
(1)"وضع" ليس في "ت".
(2)
"بالدفن" ليس في "ق".
(3)
انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 477).
(4)
رواه البخاري (3816)، كتاب: المغازي، باب: غزوة أحد، ومسلم (2296)، كتاب: الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم. ولم يقل مسلم: بعد ثمان سنين.
قال الحافظ في "الفتح"(3/ 210): وأما صلاته عليه الصلاة والسلام على قتلى أحد بعد ثمان سنين فكالمودع للأحياء والأموات، وكان قد صلى عليهم، فلذلك كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم، وأيضًا: قتلى أحد شهداء لا صلاة عليهم، والذي يظهر: أنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى عليهم؛ أي: دعا لهم وودعهم عند قرب أجله صلى الله عليه وسلم.