المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثاني عشر - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٣

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب العيدين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌كِتْابُ الْجَنَائِز

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌كِتْابُ الزَّكَاة

- ‌ باب:

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كِتْابُ الصِّيِامِ

- ‌الحديث الأول

- ‌ باب:

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌باب الصوم في السفر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌باب أفضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌كِتْابُ الْحَجِّ

- ‌باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يلبس المحرم من الثياب

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الفدية

- ‌باب حرمة مكة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب ما يجوز قتله

الفصل: ‌الحديث الثاني عشر

‌الحديث الثاني عشر

162 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ (1): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد"، قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ، أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا (2).

(1)"قالت": ليس في "ق".

(2)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (425)، كتاب: المساجد، باب: الصلاة في البيعة، و (1265)، كتاب: الجنائز، باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، و (1324)، باب: ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، و (3267)، كتاب: الأنبياء باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، و (4177 - 4179)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، و (5478)، كتاب: اللباس، باب: الأكسية والخمائص، ومسلم (529)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، واللفظ له، والنسائي (703)، كتاب: المساجد، باب: النهي عن اتخاذ القبور مساجد، و (2046)، كتاب: الجنائز، باب: اتخاذ القبور مساجد.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 451)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 128)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 12)، =

ص: 261

* الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: اللعن: هو الطرد والإبعاد، فاللعنةُ (1) من العباد: الطردُ، ومن اللَّه: العذابُ والإبعاد من الرحمة.

الثاني: في الحديث: جوازُ لعن اليهود والنصارى غيرِ المعينين، ولا خلاف فيه، والجمهور على منع لعن المعينين منهم.

قال ابن العربي: قال لي كثير من أشياخي: إن الكافر المعين لا يجوز لعنه؛ لأن حاله عند الوفاة لا تُعلم (2)، وقد شرط اللَّه في ذلك الوفاةَ (3) على الكفر، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ} [البقرة: 161] وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن قومًا بأعيانهم من الكفار، إنما كان ذلك لعلمِه بمآلهم.

قال ابن العربي: والصحيحُ عندي: جوازُ لعنه لظاهرِ حاله، ولجواز قتله وقتاله.

قال (4): وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه (5) قال: "اللَّهُمَّ إِنَّ عَمْرَو بْنَ

= و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 173)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 787)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 440)، و"التوضيح" لابن الملقن (10/ 16)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 532)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 193)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 375).

(1)

في "ت": "واللعنة".

(2)

في "ت": "لا يعلم".

(3)

في "ت": "الموافاة".

(4)

"قال": ليس في "ق".

(5)

"أنه": ليس في "ت".

ص: 262

العَاصِي هَجَانِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ، فَالْعَنْهُ، وَاهْجُهُ عَدَدَ مَا هَجَانِي" (1)، فلعنه، وإن كان الإيمانُ والدينُ والإِسلامُ مآلَهُ، وانتصفَ بقوله: "عَدَدَ مَا هَجَاني"، ولم يزد؛ ليُعَلِّم العدل والإنصاف، وأضاف الهجو إلى اللَّه -تعالى- في باب الجزاء دون الابتداء بالوصف بذلك؛ كما يضاف إليه المكر والاستهزاء، والخديعة، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا (2).

قلت: ولا فرق في غير المعينين بين أن يكون (3) لهم ذمة، أو لا، بل ذلك مباح (4) على الإطلاق؛ لجحدهم (5) الحقَّ، وعداوتهم للدين.

قالوا: وكذلك كلُّ مَنْ جاهر بالمعاصي؛ كَشُرَّاب الخمر، وأَكَلَة الربا، والظَّلَمة، والسُّرَّاق، والمصوِّرين، والزُّناة، ومَنْ تشبه من النساء بالرجال، ومن الرجال بالنساء، إلى غير ذلك مما ورد في الحديث لعنُه.

قال بعض المتأخرين من أصحابنا: وليس لعنُ الكافر بطريق الزجر له عن الكفر، بل هو جزاءٌ على الكفر، وإظهارُ قبحِ كفره، كان الكافر ميتًا، أو مجنونًا.

(1) رواه الروياني في "مسنده"(382)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(8/ 385)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما.

(2)

انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 75).

(3)

في "ت": "تكون".

(4)

في "ت": "مبلغ".

(5)

في "ت": "بجحدهم".

ص: 263

وقال قوم من السلف: لا فائدة في لعن من جُنَّ أو مات منهم، لا بطريق الجزاء، ولا بطريق الزجر؛ فإنه لا يتأثر به.

وأما لعنُ العاصي المعين، فقال ابن العربي: لا يجوز لعنُه اتفاقًا (1)؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أُتي بشارب خمر مرارًا، فقال بعضُ مَنْ حضر: لعنه اللَّه، ما أكثرَ ما يؤتى به! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ"، فجعل له حرمةَ الأُخوة، وهذا يوجب الشفقة، وهذا حديث صحيح (2)، خرجه البخاري، ومسلم (3).

قال القرطبي في "جامعه": وقد ذكر بعض العلماء خلافًا في لعن العاصي المعين، قال: وإنما قال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ"، في حق النُّعيمان بعدَ إقامة الحدِّ عليه، ومن أُقيم عليه حدُّ اللَّه، فلا ينبغي لعنُه، ومن لم يُقَمْ عليه الحد، فلعنُه جائز، سواء سُمِّي، أو عُيِّن، أم لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا مَنْ تجب عليه اللعنة، ما دام على تلك الحالة الموجبة للعنة، فإذا تاب منها، وأقلع، وطهره الحدُّ، فلا لعنةَ تتوجَّه عليه، وبينَ هذا قولُه عليه الصلاة والسلام:"إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ، فَلْيَجْلِدْهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ"(4)، فدل هذا الحديث -مع صحته-، على أن التثريب

(1) في "ق": "اتباعا".

(2)

المرجع السابق، الموضع نفسه.

(3)

رواه البخاري (6399)، كتاب: الحدود، باب: ما يكره من لعن شارب الخمر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قلت: ولم يخرجه مسلم في "صحيحه" كما عزاه المؤلف رحمه الله.

(4)

رواه البخاري (2045)، كتاب: البيوع، باب: بيع العبد الزاني، ومسلم =

ص: 264

واللعنَ إنما يكون قبل أخذ الحدِّ، وقبل التوبة، واللَّه أعلم (1).

قال ابن العربي: وأما لعنُ العاصي مطلقًا، فيجوز إجماعًا؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ"(2).

قلت: قوله: مطلقًا، يريد به: غيرَ المعين، واللَّه أعلم.

فائدة: حكى أبو جعفر النحاس عن بعض العلماء: أنه قال: إذا لعن الإنسانُ مَنْ لا يستحقُّ اللعنَ، فليبادر بقوله: إلا أن يكونَ لا يستحقُّ (3).

الثالث: اليهود: أصله: اليهوديون، ولكنهم حذفوا ياء الإضافة؛ كما قالوا: زَنْجِيٌّ وزَنْج.

قال الجوهري: وإنما عُرِّبَ على هذا الحدِّ، فجُمع على قياس شعيرة وشعير، ثم عُرف الجمعُ بالألف واللام، ولولا ذلك، لم يجز دخولُ الألف واللام؛ لأنه معرفة مؤنث، فجرى في كلامهم مجرى القبيلة، ولم يُجعل كالحيِّ، وأنشد عليُّ بنُ سليمان النَّحْوِيُّ:

= (1703)، كتاب: الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(1)

انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 189).

(2)

رواه البخاري (6401)، كتاب: الحدود، باب: لعن السارق إذا لم يسم، ومسلم (1687)، كتاب: الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر:"أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 75)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (2/ 190).

(3)

وانظر: "الأذكار" للنووي (ص: 281).

ص: 265

فَرَّتْ يَهُودُ وَأَسْلَمَتْ جِيرَانَهَا

صَمِّي لِمَا فَعَلَتْ يَهُودُ صَمَام (1)

وأما النصارى: فجمع نَصْرانٍ، ونَصْرانة، مثل النَّدامى، جمع نَدْمان ونَدْمانة، قال الشاعر:

فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأْسُهَا

كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ

و (2) لكن لم يستعمل نصرانٌ إلا بياء النسب؛ لأنهم قالوا: رجلٌ نَصْرانِيٌّ، وامرأة نَصْرانِيَّةٌ (3)، واللَّه أعلم.

الرابع: اتخذ: افْتَعَلَ من تَخِذَ، قال الشاعر:[الطويل]

وَقَدْ تَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْبِ غَرْزِهَا

سَنِيفًا (4) كَأُفْحُوصِ القَطَاةِ المُطَرِّقِ

وهو تارة يتعدَّى إلى مفعول واحد؛ كقولك (5): اتخذتُ دارًا، وتارة يتعدَّى إلى مفعولين؛ كما هو في الحديث، ومنه قوله تعالى:{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].

الخامس: فيه: تحريمُ اتخاذِ قبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم مسجدًا، فلا يجوز أن يُصَلَّى على قبره، وقد استدل بعضهم بعدم الصلاة على قبره صلى الله عليه وسلم

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 557)، (مادة: هود).

(2)

الواو ليست في "ت".

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 829)، (مادة: نصر).

(4)

في "ت": "تسقى". والصواب "نسيفًا" وليس "سنيفًا". وهو أثر الركض في جنب الحمار أو البعير، وانظر:"الأصمعيات"(ص: 165).

(5)

في "ق": "كقوله".

ص: 266

على عدم الصلاة على القبر مطلقًا كما تقدم، وعورض باختصاصه قبره صلى الله عليه وسلم، بذلك؛ لما فهم من هذا الحديث، وبعض الناس أجاز الصلاةَ على قبرِه صلى الله عليه وسلم (1)؛ لجوازها (2) على قبرِ غيره.

السادس: قولها: "ولولا ذلك أُبرز قبرُه"؛ أي: ولولا تحذيرُه (3) من اتخاذ القبور مساجدَ، لأُبرز قبره، أي: أُظهر (4) للناس، ولكن تركوا ذلك خشيةَ ما ذُكر، لا سيما مع تقادم الأزمان، وتغير الأحوال.

فصل: وقد زِيدَ في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أكثر الناس، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوتُ أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن فيها، حتى (5) حجرة عائشة رضي الله عنها فيها (6) مدفنُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه رضي الله عنهما، وبنوا على القبر الشريف حوائطَ مرتفعةً مستديرةً حولَه؛ لئلا يظهر قبرُه في المسجد، فيصلَّى إليه، فيؤدِّي (7) إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، حرفوهما حتى التقيا؛ بحيث لا يتمكَّن أحد من استقبال القبر الشريف.

والحجرةُ الشريفةُ المكرمة المعظمة التي حول القبر هي حجرةُ عائشة أم المؤمنين، وبيتُها المختَصُّ بها رضي الله عنها، وقد كانت

(1)"صلى الله عليه وسلم": ليس في "ت".

(2)

في "ت": "كجوازها".

(3)

في "ت": "تحليله".

(4)

في "ت": "ظَهر".

(5)

"حتى": ليس في "ت".

(6)

"فيها": ليس في "ق".

(7)

"فيؤدي": ليس في "ت".

ص: 267

فيه بعد موته صلى الله عليه وسلم، وبعد دفنه ودفنِ أبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلما طُعن عمرُ رضي الله عنه، أرسل إليها ابنَه عبدَ اللَّه يستأذنها في أن يُدفن عند صاحبيه، فأذنتْ له، فدُفن فيه، فلم تدخل عائشةُ رضي الله عنها بعد دفن عمر رضي الله عنه إلا محتجبةً، معاملةً له ميتًا معاملَتَه حيًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما مات في هذه البقعة الشريفة، حُوِّلَ فِراشهُ، وحُفر له مكانه، ودُفن فيه بعدَ غسله وتكفينه والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

و (1) روى محمدُ بنُ سعدٍ بسنده عن هشام بن عروةَ، عن أبيه، قال: لما قُبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، جعل أصحابه (2) يتشاورون: أين يدفنونه (3)؟ فقال أبو بكر: ادفنوه حيث قبضه اللَّه عز وجل، فرُفع الفِراش، فدُفن تحته (4).

وروي -أيضًا- عن معن بن عيسى، عن مالك: أنه بلغه: أن رسولَ اللَّه-صلى الله عليه وسلم لما تُوفي، قال ناسٌ: عند المنبر، وقال آخرون: بالبقيع، فجاء أبو بكر، فقال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا دُفِنَ نبِيٌّ إِلَّا في مَكَانِهِ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ نَفْسَهُ فِيهِ"(5)، فَأُخِّرَ (6) رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المكان

(1) الواو ليست في "ق".

(2)

في "ت": "الصحابة".

(3)

في "ت": "يدفنوه".

(4)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 292).

(5)

رواه الإِمام مالك في "الموطأ"(1/ 231)، ومن طريقه: ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 293).

قال ابن عبد البر في "التمهيد"(24/ 394): هذا الحديث لا أعلمه يروى على هذا النسق بوجه من الوجوه غير بلاغ مالك هذا، ولكنه صحيح من وجوه مختلفة وأحاديث شتى.

(6)

في "ت": "فأخبر" وفي "ق": "فأخذ".

ص: 268

الذي تُوفي فيه، فحُفر له، وأُلحد له، وجُعل على لحده بعد وضعه فيه تسعُ (1) لَبِنات، وفُرش له قَطيفة تحته كان يتغطى بها.

ع: وروي أن الذي ألقاها في القبر شُقْرانُ مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان يلبسها، ويفترشها، فقال شقران: واللَّهِ لا يلبسكِ (2) أحدٌ بعدَه أبدًا.

ولا خلافَ أنه صلى الله عليه وسلم غُسِّل.

واختُلف في الصلاة عليه، فقيل: لم يُصَلَّ عليه جملةً، وإنما كان الناسُ (3) يدخلون أرسالًا أرسالًا، فيدعون، وينصرفون.

ع: واختُلف في تعليل ذلك، فقيل: لفضله، وأنه غيرُ محتاج لذلك؛ كالشهيد، وهذا ينكسر بغسلِه.

وقيل: بل لأنه لم يكن ثمَّ إمامٌ، وهذا خطأ؛ فإن إمامة الفرائض لم تتعطل، ولأن البَيْعة تمت لأبي بكر قبلَ دفنه، وهو إمامُ الناس.

وقيل: بل صُلِّي عليه أفذاذًا، فوجٌ بعدَ فوج؛ ليأخذ كلُّ واحد منهم نصيبه من بركة الصلاة.

وقد جاء في بعض الآثار في وفاته: أنه صُلِّي عليه (4) بصلاة جبريل، وهذه العلة المذكورة في عموم بركته هي إحدى العلل في تأخير دفنه من يوم وفاته (5).

وقد تقدم تعليل تأخير دفنه صلى الله عليه وسلم، وشرف وكرم.

(1) في "ت": "سبع".

(2)

في "ت": "يَليكِ" بدل "يلبسك".

(3)

في "ت": "كانوا" بدل "كان الناس".

(4)

في "ت": "صلى الله عليه وسلم" بدل "صُلِّي عليه".

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 436).

ص: 269