الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صدقة الفطر
الحديث الأول
(1)
171 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الفِطْرِ -أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ- عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنثى، وَالحُرِّ وَالمَمْلُوكِ: صاعًا مِنْ تمرٍ (2)، أو صاعًا مِنْ شَعِيرٍ، قَالَ: فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صاعٍ مِنْ بُر عَلَى الصَّغِيرِ والْكَبِيرِ (3).
(1) قوله "الحديث الأول" ليس في "ت".
(2)
قوله: "صاعًا من تمر أو" ليس في "خ".
(3)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1440)، كتاب: صدقة الفطر، باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك، واللفظ له، ومسلم (984/ 14)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، وأبو داود (1615)، كتاب: الزكاة، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر؟ والنسائي (2500)، كتاب: الزكاة، باب: فرض زكاة رمضان، و (2501)، باب: فرض زكاة رمضان على المملوك، والترمذي (675)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر، من طريق أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، به.
وَفي لَفْظٍ: أَنْ تُؤَدَّى قَبلَ خُروجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ (1).
(1) رواه البخاري (1432)، كتاب: صدقة الفطر، باب: فرض صدقة الفطر، و (1438)، باب: الصدقة قبل العيد، ومسلم (986/ 22، 23)، كتاب: الزكاة، باب: الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، وأبو داود (1610)، كتاب: الزكاة، باب: متى تؤدي؟ (1612)، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر؟ والنسائي (2504)، كتاب: الزكاة، باب: فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين، و (2521)، باب: الوقت الذي يستحب أن تؤدى صدقة الفطر فيه، من طريق عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر، به. ومن طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، به.
ورواه البخاري (1433)، كتاب: صدقة الفطر، باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين، و (1436)، باب: صدقة الفطر صاعًا من تمر، و (1441)، باب: صدقة الفطر على الصغير والكبير، ومسلم (984/ 12، 13، 15، 16)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، وأبو داود (1611، 1613، 1614)، كتاب: الزكاة، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر؟ والنسائي (2502)، كتاب: الزكاة، باب: فرض زكاة رمضان على الصغير، و (2503)، باب: فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين، و (2505)، باب: كم فرض؟ والترمذي (676)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر، وابن ماجه (1825، 1826)، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر، من طرق وألفاظ مختلفة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (2/ 48)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 264)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 178)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 476)، و"المفهم" للقرطبي (3/ 19)، =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: يقال: صدقة الفطر، وزكاة الفطر، ويقال للمُخْرَج: فِطْرة -بكسر الفاء لا غير-، وهي لفظة مولَّدة، لا عربية، ولا مُعَرَّبة، بل اصطلاحية للفقهاء، ونعني بالمعرَّبة: أن تكون الكلمة عجمية، فتتفوَّهُ بها العرب على منهاجها، وكأنها من الفِطْرة التي هي الخِلْقة؛ أي: زكاة الخِلْقة، واللَّه أعلم (1).
الثاني: اختُلف في قوله: "فرض" هل هو بمعنى التقدير، أو بمعنى الإيجاب والإلزام؟
فمن قال: هو بمعنى التقدير، قال: صدقة الفطر سُنَّة.
ومن قال بالثاني، قال: هي واجبةٌ فرضٌ.
والقولان لمالك رحمه اللَّه تعالى، والمشهور منهما: وجوبُها، وإن كان بعض شيوخنا رحمه الله كان يعتقد أن المشهور أنها سُنة.
وبالوجوب قال الجمهور من الفقهاء.
= و"شرح مسلم" للنووي (7/ 57)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 197)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 829)، و"التوضيح" لابن الملقن (10/ 621)، و"طرح التثريب" للعراقي (4/ 43)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 368)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 108)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 85)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 460)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 137)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 249).
(1)
انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (6/ 85).
وقال أبو حنيفة: هي واجبة لا فرض، على أصله في الفرق بينهما.
ونقل ع عن بعضهم: أنها منسوخة بالزكاة المفروضة (1). والصحيح: أنها ثابتة غير منسوخة، وغلط القائل بالنسخ.
ثم اختلفوا: هل وجبت بالقرآن، أو بالسنة:
فمن أوجبها بالقرآن، أدخلها تحت عموم قوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقد قيل: إن الإشارة بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]؛ أي: زكاة الفطر، وبقوله:{وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]؛ أي: صلاة العيد.
وعن قيس بن سعد، قال: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة، لم يأمرنا، ولم يَنْهَنا، ونحن نفعلُها، وكنا نصوم عاشوراءَ، فلما فُرض شهرُ رمضان، لم نؤمر، ولم نُنْه (2).
قال العلماء: شرع رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم صدقةَ الفطر لحكمتين:
الأولى: أن تكون طُهرة لرَفَثِ الصوم، وقد قيل: إن الصيام يبقى موقوفًا لا يرتفع إلى اللَّه عز وجل -على معنى الرضا والقبول- (3)
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 476).
(2)
رواه النسائي (2507)، كتاب: الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة، وابن ماجه (1828)، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر، وغيرهما. وإسناده ضعيف. انظر:"الفتح" لابن حجر (3/ 368).
(3)
تقدم أن هذا على تأويل مذهب المتكلمين المتأخرين.
إلا بعد إخراجها.
الثانية: إغناءُ الفقراء عن سؤال يومِ العيد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"أَغْنُوهُمْ عنْ سُؤَالِ هَذَا اليَوْمِ"(1).
وقد اختلف العلماء متى تجب؟
وفي مذهب مالك أربعة أقوال:
فقيل (2): تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان.
وقيل: بطلوع فجر يوم الفطر.
وقيل: بطلوع شمسه.
وقيل: إنها تجب وجوبًا موسَّعًا، من غروب الشمس آخرَ يوم من رمضان، إلى غروب الشمس يومَ الفطر.
والمشهورُ منها الأولُ، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام أمر أن تُؤَدَّى قبلَ خروج الناس إلى المصلى، وهو المعمولُ عليه عندنا.
وتظهر فائدةُ هذا الخلاف فيمن وُلد، أو أسلم، أو مات، أو بِيع من العبيد، فيما بين هذه الأزمان.
واتفقوا على استحباب إخراجها بعد الفجر، قبل الغدوِّ إلى
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(2/ 152)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف. انظر:"التلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 183).
(2)
"وفي مذهب مالك أربعة أقوال: فقيل" ليس في "ت".
المصلَّى؛ ليتفرغ قلبُ الفقير في ذلك الوقت لما هو بصدده من الصلاة وغيرِها من العبادات، وهو سرُّ قوله صلى الله عليه وسلم:"أَغْنُوهُمْ عَنْ سُؤَالِ هَذَا اليَوْمِ"، واللَّه أعلم.
وهل يجوزُ تقديمها بيوم، أو يومين، أو ثلاثة؟ في ذلك عندنا قولان:
قال بعض متأخري أصحابنا: وأجمعت الأمة على أنه يؤمر بها الحر المسلم، العاقل، المالك للنصاب، الذي ليس من أهل العمود.
قلت: ولا يشترط في إخراجها ملكُ النصاب؛ خلافًا لأبي حنيفة.
وقال سفيان: مَنْ له خمسون درهمًا، فهو غني، ويتوجه عليه الأمرُ بهذه الزكاة، فإن كان له أقلُّ من خمسين، لم تجب عليه.
وقال قوم من العلماء: لا يؤمر بها إلا غني، وهو من له أربعون درهمًا.
قلت: ومشهورُ مذهبنا: وجوبُها على مَنْ عنده قوتُ يومه معَها.
وقيل: إنما تجبَ على مَنْ لا يُجْحِفُ (1) به إخراجُها.
وقيل: إنما تجب على مَنْ لا يحل له أخذُها (2).
(1) في "ت": "تجحف".
(2)
"أخذها" ليس في "ت".
وقيل: إنما تجبُ على مَنْ لا يحل له أخذُ (1) الزكاة.
ويجب عليه (2) إخراجها عمَّن تلزمُه نفقتُه من قريب، أو رقيق؛ كالأولاد، والآباء، والعبيد.
وقد تقدم ذكرُ أحكام العبيد، وبيانُ مَنْ يلزمه إخراجُها عنه على التفصيل، مستوعبًا في حديث:"لَيْسَ عَلَى المُسْلِمِ في عَبْده وَفَرَسِهِ صَدَقَةٌ".
فرع: لو كان لعبيده عبيدٌ، فهل يلزمُه إخراجُها عنهم؟
قال ابن بزيزة: اختلف الفقهاء في ذلك، والصحيحُ: لزومُ الإخراج عنهم؛ لأن الجميع ملكه.
قلت: انظر: (3)"البيان والتقريب"؛ فإن فيه (4) غيرَ هذا؛ فإنه لم يذكر خلافًا في عدم لزوم إخراجِه عن عبيد عبيده، وهو مذهبُ الكتاب.
واختُلف في وجوبها عليه عن زوجته، والمشهورُ: وجوبها عليه عنها، وعن خادمها أيضًا، و (5) إن كانت الزوجة مَليَّة، وكذلك زوجة أبيه الفقير، وخادمه.
(1)"وقيل إنما تجب على من لا يحل له أخذ" ليس في "ت".
(2)
"عليه" ليس في "ت".
(3)
في "ت" زيادة: "إلى صاحب".
(4)
في "ت": "في".
(5)
الواو ليست في "ت".
وأما عبدُه الغائب، فمذهبنا: وجوبها على سيده إن كانت الغيبة قريبةً مرجُوَّة.
وقال الشافعي: لا تؤدَّى عنه مطلقًا؛ لما يتطرق إليه من الإغرار، واحتمال الحياة والموت، وهو أصلُه في منع بيع الغائب على الصفة.
وقال قوم: يؤدي (1) عن عبده الغائب مطلقًا؛ لأن أصل المِلْك ثابت (2).
فرع: قال ابن بزيزة: جمهورُ العلماء أوجبَ زكاة الفطر على الصغير.
وهل يجبُ إخراجها عن الجنين في بطن أمه، أم لا؟ اختلف السلف في ذلك، فالجمهور: على أنها غيرُ واجبة عليه، ومن شواذِّ الأقوال أنها تُخرج عن الجنين، قال: وروينا عن عثمان بن عفان، وسليمان بن يسار: أنهما كانا يخرجانها عن الصغير، والكبير، والجنين. وقال قوم من سلف العلماء: إذا أكمل الجنينُ في البطن مئة وعشرين يومًا قبلَ انصداع الفجر، وجب إخراجُ زكاة الفطر عنه، وإنما خص المئة والعشرين؛ اعتمادًا على حديث عبد اللَّه بن مسعود، قال: حدثنا الصادقُ المصدوق: "أنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ في
(1) في "ت": "لا يؤدي".
(2)
وانظر: "الذخيرة" للقرافي (3/ 154) وما بعدها.
بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا"، الحديث (1).
الثالث: قوله: "على الذكرِ والأنثى، والحرِّ والمملوك": ظاهره: وجوبها على هؤلاء المذكورين دونَ مَنْ تلزمه (2) عنهم، ولم أر في مذهبنا نقلًا صريحًا في ذلك، وإن كان صاحب "البيان والتقريب" قد قال: إن مقتضى المذهب: أن أصل وجوبها على السيد، وإنما رأيته في كتب الشافعية، وهو أن الفقهاء اختلفوا في أن الذين تُخْرَج عنهم هذه الزكاةُ، هل باشروا الوجوب أولًا، ثم انتقل عنهم إلى المخرِج عنهم بطريق التحمُّل، أم الوجوبُ يلاقي المخرجَ أولًا؟
قالوا: وفائدة هذا الخلاف تظهر فيما لو تطوع المؤدَّى عنه وأخرج بغير إذن المؤدِّي، فقال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": إن قلنا: إنها تجب على المؤدِّي (3) ابتداءً، لم تُجزه؛ كما لو أخرج زكاةَ مالِه عنه بغير إذنه، وإن قلنا: بتحمل (4)، جاز، لأنه؛ أخرج (5) ما وجبَ
(1) رواه البخاري (1354)، كتاب: الأنبياء، باب: قول اللَّه تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، ومسلم (2643)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه.
(2)
في "ت": "يلزمه".
(3)
"عنه، وأخرج بغير إذن المؤدي، فقال الشيخ أبو إسحاق في "المهذب": إن قلنا: إنها تجب على المؤدي" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "يتحمل".
(5)
في "ت": "خرج".
عليه، واللَّه أعلم (1).
الرابع: قوله: "صاعًا": قد تقدم أن الصاع خمسةُ أرطال وثُلُثٌ بالبغدادي، وأنه أربعةُ أمداد بمدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقد قال صاحب "الشامل" من الشافعية، وغيره: الأصلُ فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارًا.
ح: قد يستشكل ضبطُ الصاعِ بالأرطالِ؛ فإنَّ الصاعَ المخرَج به في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكيال معروف، ويختلف قدرُه وَزنًا باختلافِ ما يوضع فيه؛ كالذرة، والحِمِّصِ، وغيرهما؛ فإن أوزان هذه مختلفة، وقد تكلم جماعات من العلماء في هذه المسألة، وأحسنُهم فيها كلامًا الإمام أبو الفرج الدارمي من أصحابنا، فإنه صنف فيها مسألة مستقلة، وكان كثيرَ الاعتناء بتحقيق أمثالِ هذا. قال: ومختصر كلامه: أن الصواب: أن الاعتمادَ في ذلك على الكيل دون الوزن، وأن الواجب إخراجُ صاعٍ مُعَايَرًا بالصاع الذي كان يُخْرَج به في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذلك الصاعُ موجود، ومن لم يجده، وجبَ عليه الاستظهار؛ بأن يخرج ما يتيقَّن أنه لا ينتقص عنه، وعلى هذا، فالتقدير بخمسة أرطال وثلثٍ تقريبٌ، هذا كلام الدارمي، وذكر البندنيجيُّ (2) نحوه.
(1) انظر: "المهذب" للشيرازي (1/ 164).
(2)
في "ت": "البنديجي".
وقال جماعة من العلماء: الصاعُ أربعُ حَفَنات بكفي رجلٍ معتدل الكفين.
ونقل الحافظ عبد الحق في كتابه "الأحكام" عن ابن حزم: أنه قال: وجدنا أهلَ المدينة لا يختلف منهم اثنان في أن مُدَّ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، الذي تؤدَّى به الصدقات، ليس أكثرَ من رِطْل ونصف، ولا دونَ رطلٍ وربع، وقال بعضهم: هو رطل وثلث، قال: وليس هذا اختلافًا، ولكنه على حسب رزانة المكيل من البُرِّ والتمر والشعير، قال: وصاع ابن أبي ذؤيب خمسةُ أرطال وثلثٌ، وهو صاع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1).
قلت: وقد اجتمع عندي أربعةُ مكاييل، يدَّعي كلُّ واحد من أصحابها أنه حرره على مُدِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا تحريرَ بعده، فوجدت الأربعةَ متباينة جدًا، فلم يبق سوى التقريب والاستظهار دون التحقيق، واللَّه أعلم.
وقد خالف أبو حنيفة في ذلك، فقال: الصاعُ ثمانية أرطال.
واستدل مالك رحمه الله بنقل الخلف عن السلف بالمدينة.
ق: وهذا استدلالٌ صحيح قوي في مثل هذا، ولما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد في هذه المسألة، رجع أبو يوسف إلى قوله لما استدل
(1) انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (6/ 107).
بما ذكرناه (1).
الخامس: قوله: "صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير": (مِنْ) فيه لبيان الجنس للمخْرَج.
ع: اختُلف في النوع المخرَج، فأجمعوا على أنه يجوز البُرُّ، والزبيبُ، والتمرُ، والشعيرُ، إلَّا خلافًا في البُرِّ لمن لا يُعتد به، وخلافا في الزبيب (2) لبعض المتأخرين، وكلاهما مسبوق بالإجماع، ومردودٌ قولُه به، وأما الأَقِطُ، فأجازهُ مالكٌ، والجمهورُ، ومنعه الحسنُ، واختلفَ فيه قولُ الشافعي.
وقال أشهب: لا يخرج إلا هذه الخمسة، وقاس مالكٌ على الخمسة كلَّ ما هو عيشُ أهلِ كلِّ بلدٍ من القطاني وغيرِها.
وعن مالكٍ قول آخر: إنه لا يجزىء غيرُ المنصوص في الحديث، وما في معناه.
ولم يُجِزْ عامةُ العلماء إخراجَ القيمة، وأجازها أبو حنيفة (3).
السادس: قوله: "فعدل الناسُ به نصفَ صاع، إلى آخره": هو مذهب أبي حنيفة في البُرِّ، وأنه يخرج نصفَ صاع.
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 198).
(2)
في "ت": "للزبيب".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 481).
وقيل: إن الذي عدل إلى ذلك معاويةُ بنُ أبي سفيان، وسيأتي الكلام على ذلك في الحديث الآتي بعدَ هذا، واللَّه أعلم.
* * *