الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
168 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "العَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالبِئْرُ جُبَارٌ، وَالمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الخُمْسُ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1428)، كتاب: الزكاة، باب: في الركاز الخمس، و (2228)، كتاب: المساقاة، باب: من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى، و (6514)، كتاب: الديات، باب: المعدن جبار والبئر جبار، و (6515)، باب: العجماء جبار، ومسلم (1710/ 45، 46)، كتاب: الحدود، باب: جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، وأبو داود (4593)، كتاب: الديات، باب: العجماء والمعدن والبئر جبار، والنسائي (2495 - 2498)، كتاب: الزكاة، باب: المعدن، والترمذي (642)، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء أن العجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس، و (1377)، كتاب: الأحكام، باب: ما جاء في العجماء جرحها جبار، وابن ماجه (2673)، كتاب: الديات، باب: الجبار.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (4/ 39)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (3/ 147)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (6/ 145)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (5/ 552)، و"المفهم" للقرطبي (5/ 143)، و"شرح مسلم" للنووي (11/ 225)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 189)، و"العدة في شرح العمدة". =
الجُبَارُ: الهَدَرُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، وَالْعَجْمَاءُ: الدَّابَّةُ.
* * *
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: العجماء: البهيمة؛ كما قال المصنف.
قال الجوهري: وإنما سُميت عجماءَ؛ لأنها لا تتكلم، فكل من لا يقدر على الكلام أصلًا فهو أعجم، مستعجم، والأعجم -أيضًا-: الذي لا يُفصح ولا يُبين كلامه، وإن كان من العرب، والمرأة عجماء، ومنه زيادٌ الأعجمُ الشاعرُ، والأعجم: الذي في لسانه عُجْمة، وإن أفصحَ بالعجمية، ورجلانِ أَعْجَمان، ورجالٌ أَعْجَمون، وأَعَاجِمُ، قال اللَّه تعالى:{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} [الشعراء: 198](1).
والجُبَار: قد فسره المصنف.
ونصُّ الحديث يقتضي أن جرحَ العجماء جبار، وظاهره: اختصاصُه (2) بالأبدان دونَ الأموال، وهو أقربُ إلى حقيقة الجرح.
= لابن العطار (2/ 811)، و"التوضيح" لابن الملقن (10/ 602)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 365)، و"عمدة القاري" للعيني (9/ 101)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 82)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 422)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 136)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 210).
(1)
انظر: "الصحاح" للجوهري (5/ 1980)، (مادة: عجم).
(2)
في "ت": "اختصاص".
ع: أجمعوا على أن جناية البهائم بالنهار لا ضمان فيها، إذا لم يكن معها أحد، فإن كان معها راكب، أو سائق، أو قائد، فجمهورُ العلماء على ضمان ما أتلفت.
وقال داود، وأهل الظاهر بعدم الضمان مطلقًا، إلا أن يحملها الذي هو معها على ذلك، أو يقصده (1).
ق: وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: قول الجمهور الثاني (2).
البئر مؤنثة، والقليب: البئر قبل أن تطوى، يذكر ويؤنث (3).
وقال أبو عبيد: هي البئر العادية القديمة.
وجمعُ البئر في القلة: أَبْؤُر، وَأبْآر -بهمزة بعد الباء-، ومنهم من يقلب الهمزة، فيقول: آبار، وفي الكثرة: بِئَار (4).
وأما المعدِن: فبكسر الدال، سمي بذلك، لعدنِ الناس فيه، وهو إقامتُهم صيفًا وشتاءً، يقال: أعدنْتُ البلدَ: إذا توطنته، وعَدَنَتِ الإبلُ بمكانِ (5) كذا: لَزِمَتْه، فلم تبرحْ منه، ومنه قوله -تعالى- {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72]؛ أي: جنات إقامة، ومركز كل شيء معدِنُه، والعادِنُ:
(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 553).
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 189).
(3)
في "ت": "تذكر وتؤنث".
(4)
انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 583)، (مادة: بأر).
(5)
في "ت": "لمكان".
الناقة المقيمة في الرَّعْي (1).
ومعنى الحديث: أن يحفر الرجل بئرًا في مكان يسوغ له فيه الحفرُ، أو مَعْدِنًا، فيمر به مارٌّ، فيسقطُ فيه فيموتُ، أو يستأجرَ أجيرًا فيه، فيهلك بسبب العمل، أو يستأجر أجيرًا، فيحفر له بئرًا، أو معدنًا، فيقع عليه، فهذا كلُّه لا ضمان عليه فيه، ما لم يقصد الإهلاك، فيضمن، حتى لو حفر بئرًا لإهلاك لص، فهلك فيها، لَقُتِل (2)، أما لو فعل ذلك لا لقصدِ إهلاك، فإن كان فيما لا يجوز له، ضمنَ الديةَ، أو القيمة، وإن كان فيما يجوز، فإن قصد ضررًا، والسارق (3)، ضمن الديةَ دونَ القود؛ لأنه فعل في ملكه، وإلا، فلا ضمان عليه، وباللَّه التوفيق (4).
الثالث قوله عليه الصلاة والسلام: "وفي الركاز الخمس": الركاز: هو المركوز، كالكتاب بمعنى المكتوب، ومعناه في اللغة: الثبوت، ومنه: ركزَ رُمْحَه: إذا غَرَزَه، وأثبَتَه، ومركز الدائرة وسطُها، ومركزُ الرجل: موضعُه (5).
(1) المرجع السابق، (6/ 2162)، (مادة: عدن).
(2)
في "ت": "يقتل".
(3)
في "ت": "لسارقٍ".
(4)
انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 489).
(5)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 880)، (مادة: ركز).
وهو في الشرع: دفين الجاهلية، ويجب فيه الخمسُ، بلا خلاف عندنا.
قال ابن المنذر: وبه قال جميع العلماء، قال: ولا أعلم أحدًا خالفَ فيه إلا الحسنُ البصري، فقال: إن وجد في أرض الحرب، ففيه الخمس، وإن وجد في أرض العرب، ففيه الزكاة.
قلت: إذا ثبت هذا، فالنظرُ (1) في جنسه، وقدره، ومحله.
فأما جنسه، فروي تخصيصُه بالنقدين عن مالك، وبه قال ابن القاسم، وابن المواز، وروي عنه -أيضًا (2) - تعميمُ الحكم في جميع ما يوجد فيه من النحاس، والرصاص، واللؤلؤ، والطيب، وغير ذلك، واختاره -أيضًا (3) - ابن القاسم، وبه قال مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع.
وللشافعي -أيضًا- في ذلك قولان: جديدهما: اختصاصُه بالتقدير (4)، وظاهر الحديث يقتضي العموم.
وأما قدره، فقال في "الكتاب": في العين يخمس، وإن كان يسيرًا، وفي "كتاب ابن سحنون": لا خمس فيه، والمذهبُ الأولُ.
(1) في "ت": "فانظر".
(2)
"أيضًا" ليس في "ت".
(3)
"أيضًا" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "بالنقدين".
وأما محله: فله محالُّ أربعةٌ:
الأول: أرضُ الحرب، فما وجد فيه، فهو للجيش الذي وصل واجده إليه بهم.
الثاني: أرض العَنْوَة، فما وُجد فيها، فهو للجيش الذي افتتحوها، أو لورثتهم إن وُجدوا.
قال سحنون: وإن لم يوجدوا، و (1) انقطع نسلُهم، كان كاللُّقَطَة، ويفرق في المساكين.
وقال أشهب: إن عرف أنه لأهل العنوة، فهو لمن افتتح البلاد إن عُرفوا، وإلا، فهو لعامة المسلمين، وخمسُه في وجوه الخمس.
الثالث: أرضُ الصلح.
قال ابن القاسم، والمغيرة: ما وجد فيها، فهو لأهل الصلح دون واجده.
قال القاضي أبو الوليد: وهذا إذا كان واجده من غير أهل الصلح، فإن كان منهم، فقد قال ابن القاسم: هو له، وقال غيره: بل هو لجملة أهل الصلح.
وقال أشهب: إن علم أنه من أموال أهل الصلح، كان لهم، وكان حكمُه حكمَ اللقطة تُعَرَّف (2)؛ فمن ادعاها منهم، أقسم (3)
(1) في "ت": "أو".
(2)
في "ت": "يُعرف".
(3)
في "ت": "يقسم".
على ذلك في كنيسته، وسُلمت إليه اللقطة، وإن علم أنها ليست من أموالهم، ولا من أموال من ورثوه، فهو لمن وجده، يُخرج خمسه.
الرابع: فيافي المسلمين، وما وجد في فيافي العرب والصحارى التي لم تُفتح عنوة، ولا أسلمَ أهلُها عليها، فهو لمن وجده، ويخرج خمسه.
وقال مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وأصبغ: ما وجد من الركاز، فهو لواجده، وعليه فيه الخمسُ، كان في أرض العرب، أو أرض عنوة، أو أرض صلح.
فرع: لو وُجد الركازُ في موضع جُهل حكمهُ، فقال سحنون في "العتبية": هو لمن أصابه، يريد: ويُخمسه (1).
ولو وجده عبدٌ، أو ذمي، فقال المغيرة: في كل ما وجد من الركاز من العين وغيره الخمسُ، وجده حرٌّ، أو عبد، أو ذميٌّ، ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، وقاله ابن نافع، وكذلك قال الشيخ أبو إسحاق: قال أصحابنا: وما لَفَظَه (2) البحرُ، ولم يتقدم عليه مِلْكُ أَحدٍ، فهو لواجده، ولا خمسَ فيه، وإن تقدم عليه ملكٌ لمعصومٍ، فهل يكون لواجده (3)؛ لأنه في حكم المستهلك، أم
(1) انظر: "المنتقى" للباجي (3/ 149 - 151).
(2)
في "ت": "لقطه".
(3)
"ولا خمس فيه، وإن تقدم عليه ملك لمعصوم، فهل يكون لواجده" ليس في "ت".
لمالكه؟ فيه خلاف (1)، وكذا ما تُرك بمضيعة في البر أو البحر، وعجز عنه ربُّه، وصُوِّرَ تاركًا له.
وقال القاضي أبو بكر: إذا ترك الحيوانَ أهلُه بمضيعة، فقام عليه إنسانٌ حتى أحياه، ففيه روايتان.
إحداهما: أنه له، وهو الصحيح؛ لأنه لو تركه لغيره بقوله، فقبضه، كان له، وكذلك إذا تركه بفعله.
قال: أما لو كان بغير اختياره، كعطيب البحر، والسلب، فهو لصاحبه، وعليه لجالبه كِراءُ مُؤْنتِه.
تعميم (2): ومصرفُ الخمس إلى الإمام العدل، وإلا، أخرجه واجدُه لمستحقيه.
وأما المعدن، فيجب فيما تخرج منه الزكاة ما لم يكن نَدْرَة (3)، وهي التي لا يُتكلف فيها عمل، ففيها الخمس.
وروى ابن نافع عن مالك: أنها كغيرها.
وقيل: إن كانت يسيرة، فهي كغيرها، وإن كانت كثيرة، ففيها الخمس.
الرابع: الحديث يدل بظاهره على عدم اشتراط الحول في الركاز،
(1) في "ت": "خلافهُ".
(2)
في "ت": "تتميم".
(3)
في "ت": "بدره".
ولا أعلم فيه خلافًا، بل هو كالغنيمة، والمعشرات (1).
واختلف قول الشافعي في اعتبار الحول في المعادن، والفرق بينهما: وجودُ التعب، وكلفةُ العمل في المعادن، فأشبهت زكاةَ الأرباح التي لا تُنال إلا بذلك، بخلاف الركاز، فإنه لا كُلفة فيه البتةَ، فالنماءُ فيه متكامل، وما تكاملَ فيه النماء، لا يُعتبر فيه الحول، فان الحول مدة مضروبة لتحصيل النماء، والنماءُ في الركاز متكامل -كما تقدم- بخلاف المعادن، واللَّه أعلم (2).
* * *
(1) في "ت": "والعشرات".
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 190).