الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
195 -
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَادِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الجُمُعَةِ؟ قَالَ: نعَمْ.
وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَرَبِّ الكَعْبَةِ (1)!.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1883)، كتاب: الصوم، باب: صوم يوم الجمعة، ومسلم (1143)، كتاب: الصيام، باب: كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، إلا أنه قال:"نعم، ورب هذا البيت! "، قال ابن الملقن في "الإعلام" (4/ 357): الذي في "مسلم": "ورب هذا البيت"، فكأنه -أي: المصنف- نقله بالمعنى. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 233): وعزاها -أي: زيادة مسلم- صاحبُ "العمدة" لمسلم، فوهم. ورواه أيضًا: ابن ماجه (1724)، كتاب: الصيام، باب: في صيام يوم الجمعة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 97)، و"شرح مسلم" للنووي (8/ 18)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 242)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 900)، و"التوضيح" لابن الملقن (13/ 490)، و"فتح الباري" لابن حجر (4/ 232)، و"عمدة القاري" للعيني (11/ 103)، و"إرشاد الساري" للقسطلاني (3/ 414)، =
* التعريف:
محمدُ بنُ عَبَّادِ بنِ جعفرٍ، المخزوميُّ، القرشيُّ، المكيُّ.
سمع جابرَ بنَ عبدِ اللَّه، وعبدَ اللَّه بنَ عباس، وعبدَ اللَّه بنَ عَمرو، وعبدَ اللَّه بنَ عُمرَ بنِ الخطاب.
روى عنه: ابنُ جُريج، وزيادُ بنُ سعدٍ، وعبدُ الحميد بنُ جبير.
تابعي، أخرج حديثه في "الصحيحين"(1).
* الشرح:
المراد بالنهي: إفرادُه بالصوم؛ كما سيأتي في الحديث الذي بعدَه مبيَّنًا.
وقد اختلف العلماء في علَّةِ ذلك، فقيل: إن يوم الجمعة يومُ دعاءٍ وذِكْرٍ وعبادة؛ من الغسل، والتبكير إلى الصلاة وانتظارها، واستماع الخطبة، وإكثار الذكر؛ لقول اللَّه تعالى:{فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الجمعة: 10]، وغير ذلك من العبادات، فاستحب الفطرُ فيه؛ ليكون أعونَ لها على هذه الوظائف، وأدائها
= و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 612)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (4/ 336).
(1)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (5/ 475)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 175)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/ 13)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 356)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 101)، و"تهذيب الكمال" للمزي (25/ 433)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 216).
بنشاط وانشراح لها، والتذاذٍ بها، من غير ملل ولا سآمة، وهو نظيرُ الحاجِّ يومَ عرفة؛ فإن السنَّةَ له الفطرُ، وهذا تعليل يتبادر إلى الذهن جودتُه، وإذا تُؤُمِّل، ضَعُفَ، لزوال الكراهةِ بصيامِ يومٍ قبلَه أو بعدَه.
فإن قلتَ: إنه يحصل له بفضيلة الصوم القبليِّ أو البعديِّ ما ينجبر به ما عساه أن يقع في وظائف يوم الجمعة من فتور وتقصير.
قلتُ: هذا ضعيف أيضًا، لأن الجابر لذلك أعمُّ من كونه صومًا، أو ذِكْرًا، أو صدقة، أو غير ذلك، فلِمَ حصرتَه في الصيام دونَ غيره؟
ثم نقول لهذا القائل: ما تقول لو أَعتق المكلَّفُ رقبةً، أو تصدَّق بمال كثير، ونحو ذلك، ثم أفردَ يومَ الجمعة بالصيام، هل تنتفي الكراهة والحالة هذه، ويكون ذلك جابرًا كما قلت؟ فإن قال بزوال الكراهة، فقد خرق الإجماعَ فيما علمت، وإن قال: انتقض التعليل، فليختر قائلُ هذا التعليل أَيَّ الأمرين شاء.
وقيل: سببُ النهي: خوفُ المبالغة في تعظيمه بحيث يُفتتن به؛ كما افْتُتِنَ بيوم السبت، واعترض (1) هذا -أيضًا- بصلاة الجمعة وغيرِها مما هو مشهورٌ من وظائفها وتعظيمه.
وقيل: سببُ النهي: خوفُ اعتقاد وجوبه، واعترض -أيضًا- بصوم يوم الاثنين؛ فإنه يُندب صومُه، كما في الصحيح، ولا يلتفت إلى هذا الاحتمال البعيد، واعترض -أيضًا- بيوم عرفة، ويوم عاشوراء.
(1) في "ت": "ويعترض".
وأما قول مالك في "موطئه": لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه، ومن يُقتدى به، ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامُه حسنٌ، وقد رأيت بعضَ أهل العلم يصومُه، وأراه كان يتحرَّاه (1).
فقد قال الداوودي من أصحابنا: لم يبلغ مالكًا هذا الحديثُ، ولو بلغه، لم يخالفه.
قلت: وفي هذا عندي بُعد؛ لشهرة الحديث وانتشاره.
وقال ع (2): أخذ بظاهر هذا الحديث الشافعيُّ، ولعل قول مالكٍ إليه يرجع؛ لأنه إنما قال: وصومُه حسنٌ، ومذهبُه معلومٌ في كراهة تخصيص يومٍ بالصوم، وهذا محتمل من معنى ما جاء في الحديث:"لَا تَخُصُّوهُ بِصِيَامٍ" عند بعضهم، وإنما حكى مالكٌ عَمَّن حكى صومَه، وظن أنه كان تحرَّاه، ولم يقل مالك: إني أرى هذا، و (3) لا أحبه -أعني: تحريه-، فيحتمل (4) أنه مذهبه.
قلت: وهذا أقربُ من التعسف، وظاهرُ قول مالك رحمه الله أو نصُّه وقوةُ سياقه، يقتضي عدمَ كراهة صومِه منفردًا بلا إشكال.
قال: وقد أشار الباجي إلى أن مذهب مالك هذا يحتمل قولة له أخرى في صيام يوم الجمعة، فوافق الحديث.
(1) انظر: "الموطأ"(1/ 311).
(2)
"ع" ليست في "ت".
(3)
في "ت": "أو".
(4)
في "خ": "ليحتمل".
قلت: وهذا ليس ببعيد.
وقال الداوودي في كتاب "النصيحة"(1) ما معناه: أن النهي إنما هو عن تحريه واختصاصه دونَ غيره، وأنه متى صامَ مع صومه يومًا غيرَه، فقد خرج عن النهي، كان ذلك الصوم قبلَه أو بعدَه، إذ لم يقل: اليوم الذي يليه، وقد يرجح (2) ما قاله قولُه في الحديث الآخر، في الأم (3):"لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ، وَلَا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي"(4).
وذكر الطحاويُّ فيه معنًى آخرَ جاء في أثر رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "يَوْمُ الجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدِكُمْ، فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ، إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ"(5)، انتهى (6).
* * *
(1) في "ت": "التضحية".
(2)
في "ت": "ترجح".
(3)
يعني: "صحيح مسلم".
(4)
رواه مسلم (1144)، كتاب: الصيام، باب: كراهة صيام يوم الجمعة منفردًا، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(2/ 79)، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 303) وابن خزيمة في "صحيحه"(2161)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (4/ 97).