الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضرره. وبغضُ الطَّبيعة وكراهتُها للنَّافع قد يجلب لها منه ضررًا.
وبالجملة، فاللَّذيذ المشتهى تُقبل الطَّبيعة عليه بعنايةٍ، فتهضمه على أحمد الوجوه، سيَّما عند انبعاث النَّفس إليه بصدق الشَّهوة وصحَّة القوَّة. والله أعلم.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرَّمَد بالسُّكون والدَّعة، وترك الحركة، والحمية ممَّا يهيج الرَّمد
(1)
وقد تقدَّم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حمى صهيبًا من التَّمر، وأنكر عليه أكلَه وهو أرمد. وحمى عليًّا من الرُّطَب لمَّا أصابه الرَّمد.
وذكر أبو نعيم في كتاب «الطِّبّ النَّبوي»
(2)
أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا رمِدت عينُ امرأةٍ من نسائه لم يأتها حتَّى تبرأ عينها.
الرَّمَد ورمٌ حارٌّ يعرض في الطَّبقة الملتحمة من العين، وهو بياضها الظَّاهر. وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة، أو ريحٌ حارَّةٌ تكثر كمِّيَّتها في
(1)
الفصل كله منقول من كتاب الحموي (ص 310 - 313) إلا الفقرة الرابعة الطويلة ولعله نقلها من الكتاب الذي نقل منه أنواع الصداع من قبل.
(2)
برقم (277). وإسناده ضعيفٌ جدًّا؛ فيه حصين بن مخارق، قال الدَّارقطنيُّ في «الضُّعفاء» (179):«متروك» ، وكذا قال ابن حجر في «الدِّراية» (2/ 38)، وأمَّا في «الفتح» (11/ 227) فقال:«ضعيفٌ» . ونقل ابن الجوزيِّ في «الضُّعفاء» (926) والذَّهبيُّ في «الميزان» (2097) وغيرهما عن الدَّارقطنيِّ أنَّه قال: «يَضَع الحديثَ» ؛ وبناءً عليه حكم الألبانيُّ في «السِّلسلة الضَّعيفة» (5923) على الحديث بالوضع.
الرَّأس والبدن، فينبعث منها قسطٌ إلى جوهر العين؛ أو بضربةٍ
(1)
تصيب العينَ، فترسل الطَّبيعةُ إليها من الدَّم والرُّوح مقدارًا كثيرًا، تروم بذلك شفاءها ممَّا عرض لها، ولأجل ذلك يورَم
(2)
العضو المضروب، والقياس يوجب ضدَّه.
واعلم أنَّه كما يرتفع من الأرض إلى الجوِّ بخاران أحدهما: حارٌّ يابسٌ والآخر حارٌّ رطبٌ، فينعقدان سحابًا متراكمًا، ويمنعان أبصارنا من إدراك السَّماء؛ فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثلُ ذلك، فيمنعان النَّظر ويتولَّد عنهما عللٌ شتَّى. فإن قويت الطَّبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم أحدث الزُّكامَ. وإن دفعته إلى اللَّهاة والمَنْخِرَين أحدث الخُنَانَ
(3)
. وإن دفعته إلى الجنب أحدث الشَّوْصَة
(4)
. وإن دفعته إلى الصَّدر أحدث النَّزلة. وإن انحدر إلى القلب أحدث الخبطة. وإن دفعته إلى العين أحدث رمدًا. وإن انحدر إلى الجوف أحدث السَّيَلان. وإن دفعته إلى منازل الدِّماغ أحدث
(1)
يعني: أو يعرض بضربة. وفي مخطوطة كتاب الحموي: «لضربة» ، ومثله في ث. وفي النسخ المطبوعة:«ضربة» ، غيَّر بعضهم لإصلاح السياق.
(2)
كذا في جميع النسخ الخطية والطبعات القديمة. وضبط في حط بضم الياء وفي ن بضمها وفتح الراء، وتحته:«ط يرِم» . ولعل الوارد في النسخ: «يَوْرَم» على لغة العامّة. وهو القياس ولكن لم يسمع من العرب، والصواب: يَرِمُ، مثل ورِث يرِث كما في كتاب الحموي (ص 310).
(3)
كذا في جميع النسخ. وهو داء يأخذ في الأنف. وفي النسخ المطبوعة: «خُناق» . والخناق ورمٌ في عضلات الحنجرة والنُّغْنُغ. انظر: «بحر الجواهر» (ص 118، 119).
(4)
سبق تفسيرها.
النِّسيان. وإن ترطَّبت أوعية الدِّماغ منه وامتلأت به عروقه أحدث النَّوم الشَّديد، ولذلك كان النَّوم رطبًا والسَّهر يابسًا. وإن طلب البخارُ النُّفوذ من الرَّأس فلم يقدر عليه أعقبه الصُّداع والسَّهر. وإن مال البخار إلى أحد شقَّي الرَّأس أعقبه الشَّقيقة. وإن ملَك قمَّةَ
(1)
الرَّأس ووسط الهامة أعقبه داء البَيْضة
(2)
. وإن برَد منه حجابُ الدِّماغ أو سخَن أو ترطَّب وهاجت منه أرياحٌ أحدث العطاس. وإن أهاجَ الرُّطوبة البلغميَّة فيه حتَّى غلب الحارُّ الغريزيُّ أحدث الإغماء والسُّكات. وإن أهاج المِرَّة السَّوداء حتَّى أظلم هواء الدِّماغ
(3)
أحدث الوَسْواس. وإن فاض ذلك إلى مجاري العَصَب أحدث الصَّرَع الطَّبيعيَّ.
وإن ترطَّبت مجامعُ
(4)
عصَب الرَّأس وفاض ذلك في مجاريه أعقبه الفالِج. وإن كان البخار من مِرَّةٍ صفراء ملتهبةٍ مُحْمِيَةٍ للدِّماغ
(5)
أحدث البِرسَام
(6)
. فإن شرِكه الصَّدرُ في ذلك كان سِرْسامًا
(7)
. فافهم هذا الفصل.
(1)
د: «فم» ، تصحيف «قم» ، والقِمّ هو القمة.
(2)
من أنواع الصداع، وقد ذكر في فصل هدي النبي صلى الله عليه وسلم في علاج الصداع والشقيقة.
(3)
س، ث، ل، ن:«أظلم الدماغ» ، وفي بعضها استدرك القراء كلمة «الهواء» .
(4)
ث، ل:«مجاري مع» ، تحريف لانتقال النظر.
(5)
«مجاريه
…
للدماغ» ساقط من س، ث، ل.
(6)
ذكر المطرزي في «المغرب» (1/ 42) أنه في «التهذيب» بالفتح، ولكن في المطبوع منه (13/ 157) بالكسر ضبط قلم. وهو مركب في الفارسية من «بَرْ» أي الصدر و «سام» أي الورم. انظر:«برهان قاطع» (1/ 255).
(7)
«السرسام» أيضًا فارسي. و «سَرْ» هو الرأس. انظر: «التهذيب» (13/ 157) و «القانون» (2/ 76).
والمقصود أنَّ أخلاط البدن والرَّأس تكون متحرِّكةً هائجةً في حال الرَّمد، والجماعُ ممَّا يزيد حركتها وثورانها، فإنَّه حركةٌ كلِّيَّةٌ للبدن والرُّوح والطَّبيعة. فأمَّا البدن، فيسخُن بالحركة لا محالة، والنَّفسُ تشتدُّ حركتها طلبًا للَّذَّة واستكمالها. والرُّوح تتحرَّك تبعًا لحركة النَّفس والبدن، فإنَّ أوَّل تعلُّق الرُّوح من البدن بالقلب، ومنه ينشأ الرُّوح وتنبَثُّ في الأعضاء. وأمَّا حركة الطَّبيعة، فلأجل أن ترسل ما يجب إرساله من المنيِّ على المقدار الذي يجب إرساله.
وبالجملة: فالجماع حركةٌ كلِّيَّةٌ عامَّةٌ يتحرَّك فيها البدن وقواه وطبيعته وأخلاطه والرُّوح والنَّفس. وكلُّ حركةٍ فهي مثيرةٌ للأخلاط، مرقِّقةٌ لها، تُوجِب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضَّعيفة. والعينُ في حال رمدها أضعَفُ ما تكون، فأضرُّ ما عليها حركةُ الجماع. قال أبقراط في كتاب «الفصول»
(1)
: وقد يدلُّ ركوبُ السُّفُن أنَّ الحركة تثوِّر الأبدان.
هذا مع أنَّ في الرَّمد منافع كثيرةً. منها ما يستدعيه من الحِمْية والاستفراغ، وتنقية الرَّأس والبدن من فضلاتهما وعفوناتهما، والكفُّ عمَّا يؤذي النَّفس والبدن من الغضب، والهمِّ والحزن، والحركات العنيفة، والأعمال الشَّاقَّة. وفي أثرٍ سلفيٍّ
(2)
: لا تكرهوا الرَّمد، فإنَّه يقطع عروق
(1)
انظر: نسخة الحرم المكي منه (8/أ) و «شرح الفصول» لابن أبي صادق، مخطوطة الكونجرس (ل 102).
(2)
في مصدر النقل (ق 89/ب): «وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم» ، والحموي ينقل من كتاب «الطب النبوي» لأبي نعيم كما صرَّح في مواضع أخرى. فالمؤلف غيَّر عبارة الحموي إلى «أثر سلفي» ، وابن مفلح الصادر عن «زاد المعاد» عبَّر عنه في «الآداب الشرعية» (2/ 352) بقوله:«قال بعض السلف» .
العَمى
(1)
.
ومن أسباب علاجه: ملازمة السُّكون والرَّاحة، وتركُ مسِّ العين والاشتغال بها، فإنَّ أضداد ذلك توجِب انصباب الموادِّ إليها.
وقد قال بعض السَّلف
(2)
: مثَلُ أصحاب محمَّدٍ مثَلُ العين، ودواءُ العين تركُ مسِّها
(3)
.
وقد روي في حديثٍ مرفوعٍ الله أعلم به: «علاجُ الرَّمد تقطير الماء البارد
(1)
أخرجه ابن عديٍّ في «الكامل» (9/ 102)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (274، 307، 354)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا. قال البيهقيُّ في «الشُّعب» (11/ 426):«في إسناده ضعف» ، وقال (12/ 302):«إسناده غير قويٍّ» ، وأورده ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 204)، وقال الذَّهبيُّ في «الميزان» (4/ 376):«هذا باطل» ، وذلك لأنَّ فيه يحيى بن زهدم، له نسخة موضوعة عن أبيه عن جدِّه عن أنس، قال ابن حجر في «اللِّسان» (8/ 439) في ترجمة يحيى:«وكأنَّ الآفةَ من شيخه» ، يعني أباه زهدمًا.
(2)
ذكره الحموي (ص 312) معزوًّا إلى أبي سعيد الخدري، ولكن المؤلف أبهمه لعدم الثقة بالعزو.
(3)
أخرجه ابن سمعون في آخر المجلس الخامس من «الأمالي» (85)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (279) من قول أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه. وفي إسناده أبو العيناء ليس بقويٍّ في الحديث، وأبو هارون العبديُّ متروكٌ وكذَّبه بعضهم. وقد ضعَّف هذا الأثر السَّخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (725)، والفتَّنيُّ في «التَّذكرة» (ص 206)، وملَّا عليّ القاري في «الأسرار المرفوعة» (308). وأخرجه الدَّارقطنيُّ في «غرائب مالك» ــ كما في «اللِّسان» (7/ 446) ــ من قول عليِّ بن حسين، وفيه أبو العيناء أيضًا.
في العين»
(1)
. وهو من أكبر الأدوية للرَّمد الحارِّ فإنَّ الماء دواءٌ باردٌ يستعان به على طَفْيِ
(2)
حرارة الرَّمد إذا كان حارًّا. ولهذا قال عبد الله بن مسعودٍ لامرأته زينب وقد اشتكت عينها: لو فعلتِ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرًا لكِ، وأجدرَ أن تُشْفَيْ: تنضحين في عينكِ الماء، ثمَّ تقولين:«أَذْهِبِ الباسَ ربَّ النَّاس، واشفِ أنت الشَّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمًا»
(3)
.
(1)
لم أقف عليه. وقد ذكره ابنُ مفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 351)، ولكنه صادر عن كتابنا هذا. والظاهر أن اللفظ المذكور ليس بحديث، وإنما أوهم المؤلفَ سياقُ الكلام في كتاب الحموي (ص 312)، ونصُّه: «وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج الرمد مع ذلك بتقطير الماء البارد في العين، وهو من أكبر الأدوية له نفعًا، وأسهل وجودًا؛ إذ كان الرمد ورمًا حارًّا، والماء دواءً باردًا، لاسيما إن كان مثلوجًا. ويؤيد ذلك ما رُوي أن عبد الله قال لزينب: لو فعلتِ
…
» وساق الحديث الآتي إلى آخره. فالحمويُّ استنبط علاج التقطير من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «تنضحين في عينك الماء» وأشار بالحديث المرفوع في أول كلامه إلى حديث ابن مسعود هذا الذي ذكره في آخر كلامه، ولكن قوله:«ويؤيد هذا» موهِم. ثم تصرَّف المؤلف رحمه الله فجعل الحديث الفعلي ــ على فرض أنه حديث ــ حديثًا قوليًّا.
(2)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا طبعة الرسالة، فإنها غيَّرته إلى «إطفاء» ، ولم تتبع هنا نشرة الفقي ولا أصلها. والطفي أصله: طَفْءٌ مصدر طفئ بعد التسهيل. قال المؤلف في «نونيَّته» (1/ 106):
وإذا انتصرت لها فأنت كمن بغَى
…
طفيَ الدخان بموقد النيران
(3)
أخرجه بهذا اللَّفظ ابن ماجه (3530)، وأبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (281). وأخرجه أبو داود (3883)، وأحمد (3615)، وليس عندهما ذكر النَّضح. وقد اختُلِف في إسنادِه ومتنِه، وأعلَّه المنذريُّ في «التَّرغيب» (4/ 158) بجهالة ابن أخت زينب، وقيل: ابن أخي زينب. وأعلَّ الألبانيُّ ذكر النَّضح بالنَّكارة، ينظر:«السِّلسلة الصَّحيحة» (6/ 1163 - 1167). والدُّعاء المرفوع ثابتٌ في الصَّحيح من حديث عائشة وحديث أنس رضي الله عنهما -.