الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا شأن هذين الحديثين اللَّذين عورض بهما أحاديث النَّهي: أحدهما رجع أبو هريرة عن التَّحديث به، وأنكره
(1)
. والثَّاني لا يصحُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
وقد أشبعنا الكلام في هذه المسألة في كتاب «المفتاح» بأطول من هذا
(2)
، وباللَّه التَّوفيق.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التَّداوي بالمحرَّمات
(3)
روى أبو داود في «سننه»
(4)
من حديث أبي الدَّرداء قال: قال رسول الله
(1)
انظر الرد على القول بأن حديث أبي هريرة رضي الله عنه غير محفوظ في «مفتاح دار السعادة» (3/ 1575 - 1576).
(2)
الجملة «وقد أشبعنا
…
من هذا» لم ترد في د، فلا أدري أأسقطها الناسخ أم كانت في بعض أصول المؤلف دون بعض. وانظر الكتاب المذكور (3/ 1574 - 1591). وانظر:«فتح الباري» (10/ 160 - 162) ويظهر من كلامه أنه استفاد من كتابنا أيضًا.
(3)
كتاب الحموي (ص 157 - 164) وقد نقل المؤلف منه الأحاديث (إلا حديث الجعفي وقول ابن مسعود) وقول أبقراط وصاحب «الكامل» .
(4)
برقم (3874)، وسكَت عنه. وأخرجه أيضًا الدّولابيُّ في «الكنى» (2/ 760)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (26، 52)، وغيرهما. وفي إسناده إسماعيل بن عيَّاش، مختلَفٌ فيه، واختُلف عليه في إسناده؛ ولذا قال النَّوويُّ في «المجموع» (5/ 106) وفي «الخلاصة» (3267):«إسناده فيه ضعفٌ» ، وحسَّنه ابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 336)، وصحَّحه ابن الملقِّن في «تحفة المحتاج» (2/ 9)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (1633). وفي الباب عن جماعة من الصَّحابة رضي الله عنهم.
- صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أنزل الدَّاء والدَّواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوْا؛ ولا تداوَوْا بالمحرَّم
(1)
».
وذكر البخاريُّ في «صحيحه»
(2)
عن ابن مسعودٍ: «إنَّ الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم» .
وفي «السُّنن»
(3)
عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدَّواء الخبيث.
وفي «صحيح مسلم»
(4)
عن طارق بن سويد الجُعْفي أنَّه سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنَّما أصنعها للدَّواء، فقال: «إنَّه
(1)
لفظ أبي داود: «بحرام» .
(2)
في كتاب الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل، بصيغة الجزم. ووصله عبد الرَّزَّاق (17097، 17102)، وابن أبي شيبة (23958، 24304)، وأحمد في «الأشربة» (117، 130، 133)، والطَّحاويُّ في «معاني الآثار» (1/ 108)، والطَّبراني في «الكبير» (9/ 345)، والحاكم (4/ 218)، وغيرهم. وصحَّحه النَّوويُّ في «المجموع» (9/ 41)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 79). وفي الباب مرفوعًا عن أبي هريرة وأمِّ سلمة رضي الله عنهما -.
(3)
«سنن أبي داود» (3870)، «جامع التِّرمذيِّ» (2045)، «سنن ابن ماجه» (3459). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (23893)، وأحمد (8048، 9756، 10194)، والبزَّار (9358). وصحَّحه الحاكم (4/ 410)، والإشبيليُّ في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 838).
(4)
برقم (1984).
ليس بدواءٍ، ولكنَّه داءٌ».
وفي «السُّنن» أنَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدَّواء، فقال:«إنَّها داءٌ وليست بالدَّواء» . رواه أبو داود والتِّرمذيُّ
(1)
.
وفي «صحيح مسلم»
(2)
عن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت: يا رسول اللَّه: إنَّ بأرضنا أعنابًا نعتصرها، فنشرب منها. قال:«لا» . فراجعته، قلت: إنَّا نستشفي للمريض قال: «إنَّ ذاك
(3)
ليس بشفاءٍ ولكنَّه داءٌ».
وفي «سنن النَّسائيِّ»
(4)
: أنَّ طبيبًا ذكر ضِفْدَعًا في دواءٍ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن قتلها.
(1)
«سنن أبي داود» (3873)، «جامع التِّرمذيِّ» (2046) وقال:«هذا حديث حسن صحيح» ، ولفظه عنده: عن علقمة بن وائل، عن أبيه أنَّه شهد النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وسأله سويد بن طارق ــ أو: طارق بن سويد ــ عن الخمر، فنهاه عنه، فقال: إنَّنا نتداوى بها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّها ليست بدواء، ولكنَّها داء» . وهو حديث مسلم السَّابق نفسُه.
(2)
في كتاب الحموي (ص 162، 551) بعد الحديث: «رواه مسلم والترمذي» ، فاكتفى المؤلف بالإحالة على مسلم. والحديث بهذا اللفظ إنَّما ورد عند ابن ماجه (3500).
(3)
ز، ث، د:«ذلك» . وفي الأصل (ف) كما أثبت مع علامة صح.
(4)
برقم (4355) من حديث عبد الرَّحمن بن عثمان رضي الله عنه. وأخرجه أيضًا أبو داود (3871، 5269)، والطَّيالسيُّ (1279)، وابن أبي شيبة (24177)، وأحمد (15757، 16069)، وغيرهم. وصحَّحه الحاكم (4/ 411)، والإشبيليُّ في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 848)، وقال النَّوويُّ في «المجموع» (9/ 31):«رواه أبو داود بإسناد حسن، والنَّسائيُّ بإسناد صحيح» .
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «من تداوى بالخمر فلا شفاه اللَّه!»
(1)
.
المعالجة بالمحرَّمات قبيحةٌ عقلًا وشرعًا. أمَّا الشَّرع فما ذكرنا
(2)
من الأحاديث
(3)
وغيرها. وأمَّا العقل فهو أنَّ الله سبحانه إنَّما حرَّمه لخبثه، فإنَّه لم يحرِّم على هذه الأمَّة طيِّبًا عقوبةً لها، كما حرَّمه على بني إسرائيل بقوله:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]. وإنَّما حرَّم على هذه الأمَّة ما حرَّمه
(4)
لخبثه. وتحريمُه له حِمْيَة لهم وصيانة عن تناوله
(5)
، فلا يناسب أن يُطلَب به الشِّفاءُ من الأسقام والعلل، فإنَّه وإن أثَّر في إزالتها، لكنَّه يُعْقِب سقمًا أعظمَ منه في القلب بقوَّة الخبث الذي فيه؛ فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
وأيضًا فإنَّ تحريمه يقتضي تجنُّبه والبعد عنه بكلِّ طريقٍ، وفي اتِّخاذه دواءً حضٌّ على التَّرغيب فيه وملابستِه. وهذا ضدُّ مقصود الشَّارع.
(1)
كتاب الحموي (ص 161). ولم أقف عليه مرفوعًا بهذا اللَّفظ. وقد أخرجه ابن أبي شيبة (23964) عن معاوية بن هشام، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهريِّ، عن عائشة رضي الله عنها من قولها، وهذا إسناد منقطع. وأخرجه أبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (56) من طريق زيد بن الحباب، عن ابن أبي ذئب، عن الزُّهريِّ، عن عروة، عن عائشة. وأخرج أبو نعيم (53) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تداوى بحرام لم يجعلِ الله له فيه شفاءً» ، حسَّنه الألبانيُّ لشواهده في «السلسلة الصحيحة» (2881).
(2)
حط، ن:«ذكرناه» .
(3)
ما عدا ف، د:«هذه الأحاديث» بزيادة اسم الإشارة.
(4)
في طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «حرَّم» .
(5)
انظر: «أعلام الموقعين» (4/ 116) و «إغاثة اللهفان» (1/ 604).
وأيضًا فإنَّه داءٌ كما نصَّ عليه صاحب الشَّريعة، فلا يجوز أن يُتَّخذ دواءً.
وأيضًا فإنَّه يكسب الطَّبيعةَ والرُّوح صفةَ الخبث، لأنَّ الطَّبيعة تنفعل عن كيفيَّة الدَّواء انفعالًا بيِّنًا. فإذا كانت كيفيَّته خبيثةً اكتسبت الطَّبيعة منه خبثًا، فكيف إذا كان خبيثًا في ذاته! ولهذا حرَّم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة، لما تكسب النَّفسَ من هيئة الخبث وصفته.
وأيضًا فإنَّ في إباحة التَّداوي به ــ ولا سيَّما إذا كانت النَّفوس تميل إليه ــ ذريعةً إلى تناوله للشَّهوة واللَّذَّة، ولا سيَّما إذا عرفت النُّفوس أنَّه نافعٌ لها، مزيلٌ لأسقامها، جالبٌ لشفائها؛ فهذا أحبُّ شيءٍ إليها. والشَّارع سدَّ الذَّريعة إلى تناوله بكلِّ ممكنٍ، ولا ريب أنَّ بين سدِّ الذَّريعة إلى تناوله وفتحِ الذَّريعة إلى تناوله تناقضًا وتعارضًا.
وأيضًا فإنَّ في هذا الدَّواء المحرَّم من الأدواء ما يزيد على ما يُظَنُّ فيه من الشِّفاء. ولنفرض الكلام في أمِّ الخبائث الَّتي ما جعل الله لنا فيها شفاءً قطُّ، فإنَّها شديدة المضرَّة بالدِّماغ الذي هو مركز العقل عند الأطبَّاء وكثيرٍ من الفقهاء والمتكلِّمين
(1)
.
قال أبقراط
(2)
في أثناء كلامه في الأمراض الحادَّة: ضرر الخمر بالرَّأس شديدٌ، لأنَّه يُسرع الارتفاع إليه، ويرتفع بارتفاعه الأخلاط الَّتي تعلو في
(1)
انظر: كتاب الحموي (ص 159) و «مفتاح دار السعادة» (2/ 555 - 557) و «أيمان القرآن» (ص 612)، و «العُدَّة» لأبي يعلى (1/ 89) و «المسوَّدة» (ص 595).
(2)
في كتابه «الأمراض الحادَّة» كما ذكر صاحب «كامل الصناعة الطبية» ــ خ برنستون (ق 69/أ). والمصنف صادر عن كتاب الحموي (ص 159).
البدن. وهو لذلك
(1)
يضرُّ بالذِّهن.
وقال صاحب «الكامل»
(2)
: إنَّ خاصِّيَّة الشَّراب: الإضرارُ بالدِّماغ والعصَب.
وأمَّا غيره من الأدوية المحرَّمة فنوعان:
أحدهما: تعافه الأنفس ولا تنبعث لمساعدته الطَّبيعةَ على دفع المرض به كالسُّموم ولحوم الأفاعي وغيرها من المستقذَرات، فيبقى كلًّا على الطَّبيعة، مُثْقِلًا لها، فيصير حينئذٍ داءً لا دواءً.
الثَّاني
(3)
: ما لا تعافه النَّفس كالشَّراب الذي تستعمله الحوامل مثلًا، فهذا ضرره أكثر من نفعه، والعقل يقضي بتحريم
(4)
ذلك. فالعقل والفطرة مطابقٌ للشَّرع في ذلك.
وهاهنا سرٌّ لطيفٌ في كون المحرَّمات لا يستشفى بها، فإنَّ شرط الشِّفاء بالدَّواء تلقِّيه بالقبول واعتقادُ منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشِّفاء، فإنَّ النَّافع هو المبارك، وأنفعُ الأشياء أبركهُا، والمباركُ من النَّاس أينما
(5)
كان
(1)
«هو» ساقط من ل. وفيما عدا ف، ث، د:«كذلك» ، تصحيف.
(2)
هو علي بن العباس المجوسي، وكتابه «كامل الصناعة الطبية» المشهور بالملكي. انظر: نسخة برنستون منه (ق 69/أ) وقد استشهد على قوله بكلام أبقراط السابق. والمصنف صادر عن كتاب الحموي. وقال الرازي في «منافع الأغذية ودفع مضارِّها» (ص 19 - ط الخيرية): «الشراب في الجملة مُرْخٍ للعصب، مُوهِن للدماغ» .
(3)
ن: «والثاني» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(4)
س: «يقتضي تحريمَ» .
(5)
س: «إنما» .