المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان

- ‌فصلفي هديه في(1)الاحتماء من التُّخم والزِّيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشُّرب

- ‌ذكر القسم الأوَّل وهو العلاج بالأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه في الطَّاعون وعلاجه والاحتراز منه

- ‌فصلفي هديه في داء الاستسقاء وعلاجه

- ‌فصلفي هديه في علاج الجُرْح

- ‌فصلفي هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكيِّ

- ‌فصلفي هديه في أوقات الحجامة

- ‌ من شرط انتفاع العليل بالدَّواء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الحِمْية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرَّمَد بالسُّكون والدَّعة، وترك الحركة، والحمية ممَّا يهيج الرَّمد

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخَدَران(1)الكلِّيِّ الذي يخمد(2)معه البدن

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطَّعام الذي يقع فيه الذُّباب، وإرشاده إلى دفع مضرَّات السُّموم بأضدادها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البَثْرة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السَّمِّ الذي أصابه بخيبر من اليهود

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاستفراغ بالقيء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطَّبيبين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين مَن طبَّ النَّاس وهو جاهلٌ بالطِّبِّ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في التَّحرُّز من الأدواء المُعْدية بطبعها، وإرشاده الأصحَّاءَ إلى مجانبة أهلها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التَّداوي بالمحرَّمات

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج القَمْل الذي في الرَّأس وإزالته

- ‌فصولُ هديه(1)صلى الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الرُّوحانيَّة الإلهيَّةالمفردة، والمركَّبة منها ومن الأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العامِّ لكلِّ شكوى بالرُّقية الإلهيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللَّديغ بالفاتحة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية النَّملة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القُرحة والجُرح

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الوجع بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حرِّ المصيبة وحزنها

- ‌فصلفي بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق المانع من النَّوم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج داء الحريق وإطفائه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصّحَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل

- ‌فصلفي تدبيره لأمر الملبس

- ‌فصلفي تدبيره لأمر المسكن

- ‌فصلفي تدبيره لأمر النَّوم واليقظة

- ‌ حرف «إلى» ساقط من د

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصِّحَّة بالطِّيب

- ‌فصلفي ذكر شيءٍ من الأدوية والأغذية المفردة الَّتي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلممرتَّبةً على حروف المعجم

- ‌حرف الهمزة

- ‌إثمِد

- ‌أُتْرُجٌّ

- ‌أرُزٌّ

- ‌أرزَّ

- ‌إذْخِر

- ‌حرف الباء

- ‌بطِّيخ

- ‌بَلَح

- ‌بُسْر

- ‌بَيض

- ‌بصَل

- ‌باذنجان

- ‌حرف التَّاء

- ‌تمر

- ‌تين

- ‌تلبينة:

- ‌حرف الثَّاء

- ‌ثلج:

- ‌ثوم

- ‌ثريد:

- ‌حرف الجيم

- ‌جُمَّار

- ‌جُبْن:

- ‌حرف الحاء

- ‌حنَّاء:

- ‌حبَّة السَّوداء

- ‌حرير:

- ‌حُرْف

- ‌حُلْبة

- ‌حرف الخاء

- ‌خبز:

- ‌ خل

- ‌خِلال:

- ‌حرف الدَّال

- ‌دُهْن

- ‌حرف الذَّال

- ‌ذَريرة:

- ‌ذُباب:

- ‌ذهب

- ‌حرف الرَّاء

- ‌رُطَب:

- ‌ريحان

- ‌رُمَّان

- ‌حرف الزَّاي

- ‌زيت

- ‌زُبْد

- ‌زبيب

- ‌زنجبيل

- ‌حرف السِّين

- ‌سنا:

- ‌سنُّوتٌ:

- ‌سَفَرْجَل

- ‌سِواك

- ‌سَمْن

- ‌سمك

- ‌سِلْق

- ‌حرف الشِّين

- ‌شُونيز:

- ‌شُّبْرُم

- ‌شعير

- ‌شِواء:

- ‌شحم:

- ‌حرف الصَّاد

- ‌صلاة:

- ‌صَبْر:

- ‌صَّبر

- ‌صوم:

- ‌حرف الضَّاد

- ‌ضبٌّ

- ‌ضِفْدع

- ‌حرف الطَّاء

- ‌طِيبٌ:

- ‌طين:

- ‌طَلْح:

- ‌طَلْع

- ‌حرف العين

- ‌عنب

- ‌عسل:

- ‌عَجْوة

- ‌عَنْبَر:

- ‌عود

- ‌عدس

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غَيث

- ‌حرف الفاء

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌فاغية

- ‌فضَّة:

- ‌حرف القاف

- ‌قرآن:

- ‌قِثَّاء

- ‌قُسْط وكُسْت

- ‌قصَب السُّكَّر:

- ‌حرف الكاف

- ‌كتابٌ للحمَّى:

- ‌كتابٌ للرُّعاف:

- ‌كتابٌ آخر للحمَّى المثلَّثة

- ‌كتابٌ(4)لعرق النَّسا

- ‌كتاب للعِرق الضارب

- ‌كتاب لوجع الضِّرس

- ‌كتاب للخُراج

- ‌كمأة

- ‌كَبَاث

- ‌كَتَم

- ‌كَرْم

- ‌كَرَفْس

- ‌كُرَّاث

- ‌حرف اللام

- ‌لحمٌ:

- ‌لحم الضَّأن

- ‌ لحم المعز

- ‌لحم الجدي

- ‌لحم البقر

- ‌لحم الفرس:

- ‌لحم الجمل:

- ‌لحم الضَّبِّ:

- ‌لحم الغزال

- ‌لحم الظَّبي

- ‌لحم الأرنب

- ‌لحم حمار الوحش

- ‌لحوم الأجنَّة:

- ‌لحم القديد

- ‌فصلفي لحوم الطير

- ‌ لحم الدَّجاج

- ‌لحم الدُّرَّاج

- ‌لحم الحَجَل والقَبَج

- ‌لحم الإوزِّ

- ‌لحم البطِّ

- ‌لحم الحبارى

- ‌لحم الكُرْكيِّ

- ‌لحم العصافير والقنابر

- ‌لحم الحمام

- ‌لحم القطا

- ‌لحم السُّمانى

- ‌الجراد

- ‌لبن الضَّأن

- ‌لبن المعز

- ‌لبن البقر

- ‌لبن الإبل:

- ‌لُّبان

- ‌حرف الميم

- ‌ماء

- ‌ماء الثلج والبرَد:

- ‌ماء الآبار والقُنِيِّ

- ‌ماء زمزم:

- ‌ماء النِّيل:

- ‌ماء البحر:

- ‌مِسْك:

- ‌مَرْزَنْجُوش

- ‌مِلْح

- ‌حرف النُّون

- ‌نخل:

- ‌نرجس

- ‌نُورة

- ‌نَبِق

- ‌حرف الهاء

- ‌هندباء

- ‌حرف الواو

- ‌وَرْس

- ‌وَسْمة:

- ‌حرف الياء

- ‌يقطين:

الفصل: ‌ذكر القسم الأول وهو العلاج بالأدوية الطبيعية

‌ذكر القسم الأوَّل وهو العلاج بالأدوية الطَّبيعيَّة

فصل

في هديه في علاج الحمَّى

ثبت في «الصَّحيحين»

(1)

عن نافع عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّما الحمَّى ــ أو: شدَّة الحمَّى ــ من فَيْحِ جهنَّم، فأَبرِدُوها بالماء» .

وقد أشكل هذا الحديث على كثيرٍ من جهلة الأطبَّاء

(2)

، ورأوه منافيًا لدواء الحمَّى وعلاجها. ونحن نبيِّن بحول الله

(3)

وجهَه وفقهَه، فنقول: خطاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نوعان: عامٌّ لأهل الأرض، وخاصٌّ ببعضهم

(4)

. فالأوَّل كعامَّة خطابه. والثَّاني كقوله: «لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بولٍ ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا»

(5)

، فهذا ليس بخطابٍ لأهل المشرق ولا المغرب ولا العراق، ولكن لأهل المدينة وما على سَمْتِها كالشَّام وغيرها. وكذلك قوله:«ما بين المشرق والمغرب قبلةٌ»

(6)

.

(1)

البخاري (3264) ومسلم (2209).

(2)

وانظر: «المفهم» للقرطبي (5/ 599 - 601).

(3)

بعده في ن: «وقوته» ، وكذا في النسخ المطبوعة.

(4)

س، ث، ل:«لبعضهم» .

(5)

أخرجه البخاري (394) ومسلم (264) من حديث أبي أيوب الأنصاري.

(6)

أخرجه التِّرمذي (344)، وابن ماجه (1011)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد تكلَّم فيه أحمد، وأنكره النَّسائي (4/ 171)، وقوَّاه البخاري، وقال التِّرمذي:«هذا حديث حسن صحيح» ، وصحَّحه عبد الحقِّ في «الأحكام الصُّغرى» (1/ 224). ورُوي عن ابن عمر مرفوعًا، وعن أبي قلابة مُرسلًا، وعن عمر وعليٍّ وابن عبَّاس موقوفًا.

ص: 30

وإذا عُرِف هذا، فخطابه في هذا الحديث خاصٌّ بأهل الحجاز وما والاهم، إذ كان أكثر الحُمَّيَات الَّتي تعرض لهم من نوع الحمَّى اليوميَّة العرضيَّة الحادثة عن شدَّة حرارة الشَّمس، وهذه ينفعها الماء البارد شربًا واغتسالًا، فإنَّ الحمَّى حرارةٌ غريبةٌ تشتعل في القلب، وتنبثُّ

(1)

منه بتوسُّط الرُّوح والدَّم في الشَّرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالًا يضرُّ بالأفعال الطَّبيعيَّة

(2)

.

وهي تنقسم إلى قسمين: عَرَضيَّة: وهي الحادثة إمَّا عن الورم أو الحركة أو إصابة حرارة الشَّمس أو الغيظ

(3)

الشَّديد ونحو ذلك.

ومَرَضيَّةٌ: وهي ثلاثة أنواعٍ، وهي لا تكون إلا في مادَّةٍ أولى ثمَّ منها يسخُن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلُّقها بالرُّوح سمِّيت «حمَّى يومٍ» ، لأنَّها في الغالب تزول في يومٍ، ونهايتها ثلاثة أيَّامٍ. وإن كان مبدأ تعلُّقها بالأخلاط سمِّيت «عَفَنيَّةً» وهي أربعة أصنافٍ: صفراويَّةٌ وسوداويَّةٌ وبلغميَّةٌ ودمويَّةٌ. وإن كان مبدأ تعلُّقها بالأعضاء الصُّلبة الأصليَّة سمِّيت «حمَّى دِقٍّ» . وتحت هذه الأنواع أصنافٌ كثيرةٌ.

(1)

تصحفت الكلمة فيما عدا ف، ث، ن إلى «تثبت» أو «تنبت» ، وأهملت في بعضها.

(2)

تعريف الحمى بهذا اللفظ لابن سينا في «القانون» (3/ 5) ولكن المؤلف صادر عن «الأحكام النبوية» للحموي (ص 65).

(3)

كذا في جميع النسخ والطبعة الهندية. وطبعة عبد اللطيف وما بعدها: «القيظ» ، وكذا أثبت الشيخ عبد الغني عبد الخالق في «الطب النبوي». وقد ذكر ابن سينا وغيره أن الفرح والغضب والهم من أسباب الحمى. انظر:«القانون» (3/ 14).

ص: 31

وقد ينتفع البدن بالحمَّى انتفاعًا عظيمًا لا يبلغه الدَّواء، وكثيرًا ما تكون حمَّى يومٍ وحمَّى العَفَن سببًا لإنضاج موادَّ غليظةٍ لم تكن تنضَج بدونها، وسببًا لتفتُّح سُدَدٍ لم تكن تصل إليها الأدوية المفتِّحة.

وأمَّا الرَّمَد الحديث والمتقادم، فإنَّها تُبرئ أكثر أنواعه برءًا عجيبًا سريعًا. وتنفع من الفالج واللَّقوة والتَّشنُّج الامتلائيِّ وكثيرٍ من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة

(1)

.

وقال لي بعض فضلاء الأطبَّاء: إنَّ كثيرًا من الأمراض نستبشر فيها بالحمَّى، كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحمَّى فيه أنفعَ من شُرب الدَّواء بكثيرٍ، فإنَّها تُنضِج من الأخلاط والموادِّ الفاسدة ما يضرُّ بالبدن، فإذا أنضجتها صادفها الدَّواء متهيِّئةً للخروج بنِضاجها، فأخرَجَها، فكانت سببًا للشِّفاء.

وإذا عُرِف هذا فيجوز أن يكون مراد الحديث من أقسام الحمَّيات: «العرَضيَّة» ، فإنَّها تسكن على المكان بالانغماس في الماء البارد وسقي الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاجٍ آخر، فإنَّها مجرَّد كيفيَّةٍ حارَّةٍ متعلِّقةٍ بالرُّوح، فيكفي في زوالها مجرَّدُ وصولِ كيفيَّةٍ باردةٍ تسكِّنها وتُخْمِد لهبَها، من غير حاجةٍ إلى استفراغ مادَّةٍ أو انتظار نُضْجٍ

(2)

.

ويجوز أن يراد به جميع أنواع الحمَّيات، وقد اعترف فاضل الأطبَّاء جالينوس بأنَّ الماء البارد ينفع فيها. قال في المقالة العاشرة من كتاب «حيلة

(1)

من قوله: «خاصٌّ بأهل الحجاز» إلى هنا مأخوذ من كتاب الحموي (64 - 66).

(2)

كتاب الحموي (ص 68).

ص: 32

البُرْء»

(1)

: ولو أنَّ رجلًا شابَّا خَشِنَ

(2)

اللَّحم خِصْبَ البدن، في وقت القيظ، في وقت

(3)

منتهى من الحمَّى

(4)

، وليس في أحشائه ورمٌ= استحمَّ بماءٍ باردٍ أو سبَح فيه لانتفع بذلك. قال: ونحن نأمر بذلك بلا توقُّف.

وقال الرازي في كتابه «الكبير»

(5)

: إذا كانت القوَّة قويَّةً، والحمَّى حادَّة جدًّا، والنُّضجُ بيِّنٌ، ولا ورم في الجوف ولا فَتْق= ينفع الماء البارد شُربًا. وإن كان العليلُ خِصْبَ البدن، والزَّمانُ حارٌّ، وكان معتادًا لاستعمال الماء البارد من خارجٍ= فليؤذَن فيه.

وقوله: «الحمَّى من فَيح جهنَّم» هو شدَّة لهبها وانتشارها. ونظيره قوله: «شدَّة الحرِّ من فَيح جهنَّم» . وفيه وجهان:

أحدهما: أنَّ ذلك أنموذجٌ ورَقيقةٌ

(6)

اشتقَّت من جهنَّم ليستدلَّ بها العباد

(1)

ث، ل، حط:«حلية البرء» ، تصحيف. والنقل عن كتاب الحموي (ص 69).

(2)

هكذا في جميع النسخ بالشين المعجمة. وفي النسخ المطبوعة: «حسن» ، وكذا في كتاب الحموي و «فتح الباري» (10/ 177) ــ وقد نقل من كتابنا ــ وهو تصحيف. انظر:«الحاوي» للرازي (2/ 395).

(3)

لفظ «وقت» ساقط من س، ث، ل.

(4)

في طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «منتهى الحمى» .

(5)

يعني: «الحاوي» (4/ 261) والنص منقول من كتاب الحموي (ص 298).

(6)

أي قطعة يسيرة. انظر ما علَّقته على قوله في «طريق الهجرتين» (1/ 69): «رقيقة من نعيم أهل الجنة» . ومنه قوله في «المدارج» (1/ 220): «رقيقة من العجب» . ومنه قول أبي العباس البُوني (ت 622 هـ): «ربِّ أوقِفْني مواقف العزِّ حتى لا أجد فيَّ ذرَّةً ولا رقيقةً ولا دقيقةً إلا قد غشَّاها من عزِّ عزِّتك ما يمنعها من الذلِّ لغيرك» . انظر كتابه «اللمعة النورانية» خ جامعة الملك سعود (ق 8/أ). وكأن الكلمة بهذا المعنى من ألفاظ المتصوفة.

ص: 33

عليها، ويعتبروا بها. ثمَّ إنَّ الله سبحانه قدَّر ظهورها بأسبابٍ تقتضيها، كما أنَّ الرُّوح والفرح والسُّرور واللَّذَّة من نعيم الجنَّة، أظهرها الله في هذه الدَّار عبرةً ودلالةً، وقدَّر ظهورها بأسبابٍ توجبها.

والثَّاني: أن يكون المراد التَّشبيه، فشبَّه شدَّة الحمَّى ولهبها

(1)

بفَوح جهنَّم

(2)

، وشبَّه شدَّة الحرِّ به أيضًا، تنبيهًا للنُّفوس على شدَّة عذاب النَّار وأنَّ هذه الحرارة العظيمة مشبَّهةٌ بفَيحها، وهو ما يصيب مَن قرُبَ منها من حرِّها.

وقوله: «فأَبرِدُوها» روي بوجهين: بقطع الهمزة وفتحها، رباعيٌّ من أبرد الشَّيءَ إذا صيَّره باردًا، مثل: أسخنه

(3)

: صيَّره سُخْنًا

(4)

. والثَّاني: بهمزة الوصل مضمومةً من برَد الشَّيءَ يبرُده، وهو أفصح لغةً واستعمالًا. والرُّباعيُّ لغةٌ رديَّة عندهم

(5)

. قال الحماسي

(6)

:

(1)

د: «ولهيبها» .

(2)

حط: «بفيح جهنم» والمثبت رواية أخرى جاءت في «صحيح البخاري» (5726).

(3)

في حط، ن بعده زيادة:«إذا» . وكذا في النسخ المطبوعة. وقد أضيفت في س فوق السطر.

(4)

ل: «ساخنًا» .

(5)

هذا قول الجوهري في «الصحاح» (2/ 445).

(6)

كذا في جميع النسخ الخطية والطبعات القديمة. ولم أجد الشعر في «حماسة أبي تمام» ، وقد أنشده المؤلف في «روضة المحبين» (ص 73) دون عزو، وفيه (ص 256) لعروة بن أذينة في قصة مشهورة. وكأنه تابع في كل موضع المصدر الذي نقل منه. وقد حذفت طبعة الرسالة لفظ «الحماسي».والبيتان لعروة في «الشعر والشعراء» (2/ 580) و «الأغاني» (18/ 246 - الثقافة) وغيرهما. وانظر:«شعر عروة» بتحقيق الجبوري (315 - 317).

ص: 34

إذا وجدتُ لهيبَ الحبِّ في كبدي

أقبلتُ نحو سِقاء القوم أَبترِدُ

هَبْني بردتُ ببرد الماء ظاهره

فمَن لنارٍ على الأحشاء تتَّقدُ

وقوله: «بالماء» فيه قولان. أحدهما: أنَّه كلُّ ماءٍ، وهو الصَّحيح. والثَّاني: أنَّه ماء زمزم. واحتجَّ أصحاب هذا القول بما رواه البخاريُّ في «صحيحه»

(1)

عن أبي جَمْرة

(2)

نصر بن عمران الضُّبَعي قال: كنت أجالس ابن عبَّاسٍ بمكَّة، فأخذتني الحمَّى، فقال: أَبْرِدْها عنك بماء زمزم، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ

(3)

الحمَّى من فيح جهنَّم، فأبرِدوها بالماء» أو قال:«بماء زمزم» . وراوي هذا قد شكَّ فيه. ولو جزم به لكان أمرًا لأهل مكَّة بماء زمزم إذ هو متيسِّرٌ عندهم، ولغيرهم بما عندهم من الماء.

ثمَّ اختلف من قال إنَّه على عمومه: هل المراد به الصَّدقة بالماء أو استعماله؟ على قولين، والصَّحيح أنَّه استعماله. وأظنُّ الذي حمل من قال: المراد الصَّدقة به

(4)

: أنَّه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمَّى ولم يفهم وجهَه، مع أنَّ لقوله وجهًا حسنًا، وهو أنَّ الجزاء من جنس العمل، فكما أخمد لهيبَ العطش عن الظَّمآن بالماء البارد، أخمد الله لهيبَ الحمَّى عنه جزاءً وفاقًا. ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته، وأمَّا المراد به فاستعماله.

(1)

برقم (3261).

(2)

ما عدا س، ن:«حمزة» ، تصحيف.

(3)

لم ترد «إنَّ» في س.

(4)

«به» ساقط من ز، ث، ل. وفي ث، ل، حط، ن:«المراد به» . وفي س، ث:«إن المراد» . والقول بأن المراد الصدقة قول ابن الأنباري. انظر: «أعلام الحديث» (3/ 2126).

ص: 35

وقد ذكر أبو نعيم

(1)

وغيره من حديث أنس يرفعه: «إذا حُمَّ أحدُكم فليرُشَّ

(2)

عليه الماء البارد ثلاث ليالٍ من السَّحر».

وفي «سنن ابن ماجه»

(3)

عن أبي هريرة يرفعه: «الحمَّى من كِير جهنَّم، فنحُّوها عنكم بالماء البارد» .

وفي «المسند»

(4)

وغيره من حديث الحسن عن سَمُرة يرفعه: «الحمَّى قطعةٌ من النَّار، فأبردوها عنكم

(5)

بالماء البارد». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حُمَّ

(1)

«الطِّب النَّبوي» (601). وأخرجه أيضًا النَّسائيُّ في «الكبرى» (7612)، وأبو يعلى (3794)، والطَّحاوي في «مشكل الآثار» (1860)، وغيرهم. ورجَّح بعض الأئمَّة إرسالَه، وصحَّحه الحاكم (4/ 200، 403)، وعبد الحقِّ في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 835)، والضِّياء في «المختارة» (2043 - 2045)، وحسَّنه ابن حجر في «الفتح» (10/ 177)، وهو في «السلسلة الصحيحة» (1310).

(2)

اللفظ الوارد في الحديث: «فليَشُنَّ» ، والشنُّ: الصبّ المتقطع، وهو الرَّشّ رشًّا متفرقًا. وبلفظ:«فليرش» نقله الحموي (ص 299).

(3)

برقم (3475) من طريق الحسن البصري عن أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أيضًا ابن أبي الدُّنيا في «المرض والكفَّارات» (120). وصحَّح إسناده البوصيريُّ في «المصباح» (4/ 61). وفي سماع الحسن من أبي هريرة خلاف مشهور، وأكثر الأئمَّة على أنَّه لم يسمع منه، وللحديث شواهد كثيرة في الصَّحيحين وغيرهما.

(4)

ليس هو في «مسند أحمد» ، وإنَّما في «مسند البزَّار» (4599). وأخرجه أيضًا الطَّحاوي في «مشكل الآثار» (1857)، والطَّبراني في «الكبير» (7/ 275)، والحاكم (4/ 403 - 404) وصحَّحه، وقد تفرَّد به إسماعيل بن مسلم، وهو المكِّي أبو إسحاق البصري ضعيفُ الحديث، وبه ضعَّفه البزَّار، والعقيلي في «الضُّعفاء» (1/ 92)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 177)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (4184).

(5)

«من حديث الحسن

عنكم» ساقط من د.

ص: 36

دعا بقِربةٍ من ماءٍ، فأفرغها على رأسه، فاغتسل.

وفي «السُّنن»

(1)

: من حديث أبي هريرة قال: ذُكرت الحمَّى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبَّها رجلٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تسُبَّها، فإنَّها تنفي الذُّنوبَ كما تنفي النَّارُ خبَثَ الحديد» .

لما

(2)

كانت الحمَّى يتبعها حِمْيةٌ

(3)

عن الأغذية الرَّديَّة، وتناولُ الأغذية والأدوية النَّافعة، وفي ذلك إعانةٌ على تنقية البدن ونفيِ أخباثه وفضوله، وتصفيتهِ من موادِّه الرَّديَّة، وتفعل فيه كما تفعل النَّارُ في الحديد في نفي خَبَثه وتصفية جوهره= كانت أشبهَ الأشياء بنار الكِير الَّتي تصفِّي جوهرَ الحديد. وهذا القدر هو المعلوم عند

(4)

أطبَّاء الأبدان. وأمَّا تصفيتها القلبَ من وسَخه ودرَنه، وإخراجُها خبائثه، فأمرٌ يعلمه أطبَّاء القلوب، ويجدونه كما أخبرهم به نبيُّهم

(5)

. ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسًا من برئه

(6)

لم ينفع

(1)

«سنن ابن ماجه» (3469). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (10915)، والبزَّار (8202)، والطَّبراني في «الأوسط» (6248). وفي إسناده موسى بن عُبَيدة، وهو الرَّبَذي ضَعيف، وبه ضعَّفه البوصيري في «المصباح» (4/ 60). وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عند مسلم (2575).

(2)

س: «ولما» . وكذا في كتاب الحموي (ص 66)، والفقرة إلى قوله:«جوهر الحديد» منقولة منه.

(3)

د: «الحمية» . وفي س، ث:«حمية من» .

(4)

حط، ن:«عن» .

(5)

في طبعة الرسالة بعده: «رسول الله صلى الله عليه وسلم» . والزيادة من طبعة عبد اللطيف.

(6)

رسمها في النسخ ما عدا س: «بروه» بالواو، ومن ثم أثبت ناسخ حط:«برده» بالدال.

ص: 37

فيه هذا العلاج. فالحمَّى تنفع البدن والقلب، وما كان بهذه المثابة فسبُّه ظلمٌ وعدوانٌ.

وذكرتُ مرَّةً وأنا محمومٌ قولَ بعض الشُّعراء

(1)

يسُبُّها:

زارت مكفِّرةُ الذُّنوب وودَّعَتْ

تبًّا لها من زائرٍ ومودِّعِ

قالت وقد عزمَت على تَرحالها

ماذا تريد؟ فقلت: أن لا ترجعي

فقلت: تبًّا له إذ سبَّ ما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن سبِّه! ولو قال:

زارت مكفِّرةُ الذُّنوب لصبِّها

أهلًا بها من زائرٍ ومودِّع

قالت وقد عزمَتْ على ترحالها

ماذا تريد؟ فقلت: أن لا تُقلعي

لكان أولى به، ولأقلعَتْ عنه. فأقلعت عنِّي سريعًا

(2)

.

وقد روي في أثرٍ لا أعرف حاله: «حمَّى يومٍ كفَّارةُ سنةٍ»

(3)

. وفيه قولان

(4)

، أحدهما: أنَّ الحمَّى تدخل في كلِّ الأعضاء والمفاصل، وعدَّتُها

(1)

نسب البيتان مع ثالث في «شذرات الذهب» (7/ 202) إلى الملك المعظم شرف الدين الأيوبي (576 - 624).

(2)

أنشد شمس الدين ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 241) بيتي الملك المعظم ثم بيتي المؤلف دون تسميته وقال: «لم يُصِب من قال:

ولا من قال:

لأن الأول ارتكب النهي عن سبِّها، والثاني ترك الأمرَ بسؤال العفو والعافية وأراد بقاء المرض».

(3)

لعلَّه يقصِد بالأثر ما أخرجه ابن أبي الدُّنيا في «المرض والكفَّارات» (49)، ومن طريقه البيهقي في «الشُّعب» (9403)، عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال:«حمَّى ليلةٍ كفَّارةُ سنَةٍ» ، وإسناده ضعيف. ورُوي مرفوعًا من حديث ابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهما، وهما حديثان واهيان، ينظر:«السلسلة الضعيفة» (3532، 6143).

(4)

انظر القولين في «قوت القلوب» (2/ 39).

ص: 38

ثلاثمائةٍ وستُّون مفصلًا، فتكفِّر عنه بكلِّ مفصلٍ

(1)

ذنوبَ يومٍ.

والثَّاني: أنَّها تؤثِّر في البدن تأثيرًا لا يزول بالكلِّيَّة إلى سنةٍ، كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم:«من شرب الخمر لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يومًا»

(2)

: إنَّ أثر الخمر يبقى في جوف العبد وعروقه وأعضائه أربعين يومًا. والله أعلم.

قال أبو هريرة: ما من مرضٍ يصيبني أحبَّ إليَّ من الحمَّى لأنَّها تدخل في كلِّ عضوٍ منِّي، وإنَّ الله سبحانه يعطي كلَّ عضوٍ حظَّه من الأجر

(3)

.

وقد روى الترمذي في «جامعه»

(4)

من حديث رافع بن خَديجٍ

(5)

يرفعه:

(1)

حط، ن:«بعدد كل مفصل» ، وكذا كان في ف، ثم أصلح.

(2)

أخرجه التِّرمذي (1862)، وأحمد (4917)، وأبو يعلى (5686)، وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال التِّرمذي:«حديث حسن» ، وحسَّنه الذَّهبي في «تلخيص العلل المتناهية» (689). ويروى موقوفًا. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وابن عبَّاس وأبي ذرٍّ وعياض بن غنم وأنس وأبي الدَّرداء وأبي هريرة وعمر بن الخطَّاب والسَّائب بن يزيد وأسماء بنت يزيد رضي الله عنها.

(3)

أخرجه ابن سعد في «الطَّبقات» (5/ 253)، وابن أبي شيبة (10922)، والبخاري في «الأدب المفرد» (503)، وابن أبي الدُّنيا في «المرض والكفَّارات» (240)، والبيهقي في «الشُّعب» (9407، 9496)، وصحَّح إسناده ابن حجر في «الفتح» (10/ 110).

(4)

برقم (2084) من حديث ثوبان. وأخرجه أيضًا أحمد (22425)، وابن أبي الدُّنيا في «المرض والكفَّارات» (121)، والطَّبراني في «الكبير» (2/ 102)، وابن السُّنِّي في «عمل اليوم واللَّيلة» (568)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (603). قال التِّرمذي:«حديث غريب» ؛ وذلك لأنَّ في إسناده رجلًا مجهولًا، وقال ابن حجر في «الفتح» (10/ 176):«في سنده سعيد بن زرعة مختلفٌ فيه» ، وهو مخرَّج في «السِّلسلة الضعيفة» (2339).

(5)

كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. والحديث من رواية ثوبان، لا رافع بن خَديج كما سبق في تخريجه. ولعل الخطأ من الحموي مؤلف «الأحكام النبوية في الصناعة الطبية» نسخة راغب باشا (ق 84/ب)، ومنه نقل المؤلف هذا الحديث وما قبله. والغريب أن في مطبوعة كتاب الحموي (ص 300):«نافع بن جبير» ، وهو تحريف للغلط الواقع في أصله. وكذا «رافع بن خديج» في «الطب النبوي» لداود المتطبب (ص 249)، ويظهر أنه أيضًا اعتمد على كتاب الحموي.

ص: 39

«إذا أصابت أحدَكم الحمَّى، فإنَّما الحمَّى قطعةٌ من النَّار، فليطفئها بالماء البارد، ويستقبِلْ نهرًا جاريًا، فليستقبل جَرْيَة الماء بعد الفجر وقبل طلوع الشَّمس وليقل: بسم الله، اللَّهمَّ اشفِ عبدَك، وصدِّق رسولَك. وينغمس فيه ثلاث غمساتٍ ثلاثة أيَّامٍ. فإن برئ وإلَّا خمسًا، فإن لم يبرأ في خمسٍ فسبعٌ، فإن لم يبرأ في سبعٍ فإنَّها لا تكاد تجاوز التسعَ بإذن اللَّه» .

قلت

(1)

: وهو ينفع فعله في فصل الصَّيف في البلاد الحارَّة على الشَّرائط الَّتي تقدَّمت، فإنَّ الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشَّمس ووفور القوى في ذلك الوقت لما أفادها النَّوم والسُّكون وبرد الهواء، فتجتمع

(2)

قوَّة القوى وقوَّة الدَّواء ــ وهو الماء البارد ــ على حرارة الحمَّى العرَضيَّة أو الغبِّ الخالصة ــ أعني الَّتي لا ورم معها ولا شيء من الأعراض الرَّديَّة والموادِّ الفاسدة ــ فيطفئها بإذن اللَّه، لا سيِّما في أحد الأيَّام المذكورة في الحديث، وهي الأيَّام الَّتي يقع فيها بُحْرانُ

(3)

الأمراض الحادَّة كثيرًا، سيَّما

(1)

القائل ابن القيم، والمقول للحموي في كتابه المذكور (ص 301 - 302)!

(2)

بعده في طبعة الرسالة: «فيه» ، والزيادة من الفقي.

(3)

البحران عند الأطباء: تغير عظيم يحدث في المرض دفعةً إلى الصحة أو إلى العطَب، ويكون على ثمانية أصناف. انظر:«بحر الجواهر» للهروي (ص 46). والكلمة سريانية، وأصل معناها الاختبار. انظر:«القول الأصيل» للدكتور ف. عبد الرحيم (ص 46).

ص: 40

في البلاد المذكورة لرقَّة أخلاط سكَّانها وسرعة انفعالهم عن الدِّواء النَّافع.

فصل

في هديه في علاج استطلاق

(1)

البطن

في «الصَّحيحين»

(2)

: من حديث أبي المتوكل عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ أخي يشتكي بطنه، وفي روايةٍ: استطلق بطنه، فقال:«اسقِه عسَلًا» . فذهب، ثمَّ رجع فقال: قد سقيته، فلم يُغْنِ عنه شيئًا ــ وفي لفظٍ: فلم يزده إلا استطلاقًا ــ مرَّتين أو ثلاثًا، كلَّ ذلك يقول له:«اسقِه عسلًا» . فقال له في الثَّالثة أو الرَّابعة: «صدَق اللَّه، وكذَب بطنُ أخيك!» .

وفي «صحيح مسلم»

(3)

في لفظٍ له: «إنَّ أخي عَرِبَ بطنه» أي: فسد هضمُه واعتلَّت معدتُه. والاسم: العَرَب بفتح الرَّاء، والذَّرَب أيضًا

(4)

.

والعسل فيه منافع عظيمةٌ. فإنَّه جِلاءٌ للأوساخ الَّتي في العروق والأمعاء وغيرها، محلِّلٌ للرُّطوبات أكلًا وطِلاءً، نافعٌ للمشايخ وأصحاب البلغم ومن كان مزاجه باردًا رطبًا. وهو مغذٍّ، مليِّنٌ للطَّبيعة، حافظٌ لقوى المعاجين ولما

(1)

هذا الفصل برمَّته مأخوذ من كتاب الحموي (75 - 78) إلا قليلًا وبشيء من التقديم والتأخير. وانظر فصل العسل في «الطب النبوي» لداود (149 - 153)، فهو ملخَّص أيضًا من الكتاب المذكور مع زيادات.

(2)

البخاري (5684، 5716) ومسلم (2217).

(3)

بعد اللفظ السابق.

(4)

نقل الحموي تفسير «عرِب» إلى آخره عن القاضي عياض. انظر: «إكمال المعلم» للقاضي (7/ 129).

ص: 41

استُودع فيه، مُذْهِبٌ لكيفيَّات الأدوية الكريهة، منقٍّ للكبد والصَّدر، مدرٌّ للبول

(1)

، موافقٌ للسُّعال الكائن عن البلغم.

وإذا شُرِب

(2)

حارًّا بدهن الورد نفَع من نَهْشِ الهوامِّ وشُرْبِ الأفيون. وإن شُرِب وحده ممزوجًا بماءٍ نفَع من عضَّةِ الكَلْب الكَلِب، وأكلِ الفُطْر القتَّال. وإذا جُعِل فيه اللَّحم الطَّريُّ حفِظ طراوتَه ثلاثة أشهرٍ. وكذلك إن جُعِل فيه القثَّاء والخيار والقَرْع

(3)

والباذنجان. ويحفظ كثيرًا من الفاكهة ستَّة أشهرٍ. ويحفظ جثث الموتى، ويسمَّى «الحافظ الأمين» .

وإذا لُطِّخ به البدنُ المقمَلُ والشَّعرُ قتلَ قملَه وصِئْبانَه

(4)

، وطوَّل الشَّعر وحسَّنه ونعَّمه. وإن اكتُحِلَ به جلا ظلمةَ البصر. وإن استنَّ به بيَّض الأسنانَ وصقَلَها، وحفِظ صحَّتها وصحَّة اللَّثة. ويفتح أفواه العروق، ويُدِرُّ الطَّمْثَ. ولعقُه على الرِّيق يُذيبُ

(5)

البلغم، ويغسل خَمْلَ المعدة

(6)

، ويدفع الفضلات عنها، ويسخِّنها تسخينًا معتدلًا، ويفتح سُدَدَها، ويفعل ذلك بالكبد والكُلى والمثانة. وهو أقلُّ ضررًا لسُدَد الكبد والطِّحال من كلِّ حلوٍ.

(1)

د: «منق الكبد والصدر ومدر البول» .

(2)

د، ز، حط، ن:«شربه» . ورسمه في ف محتمل.

(3)

«القرع» ساقط من س.

(4)

الصِّئبانُ: جمع صؤابة، وهو بيضة القمل ونحوه.

(5)

في طبعة الرسالة: «يذهب» تبعًا للطبعات السابقة.

(6)

خمل المعدة: ألياف كأهداب القطيفة تغطِّي سطحها الباطن. «المعجم الوسيط» (خمل). وانظر: «محيط المحيط» (خمل).

ص: 42

وهو مع هذا كلِّه مأمون الغائلة، قليل المضارِّ، مضرٌّ بالعرَض للصَّفراويِّين ودفعُها بالخلِّ ونحوه، فيعود حينئذٍ نافعًا لهم جدًّا.

وهو غذاءٌ مع الأغذية، ودواءٌ مع الأدوية، وشرابٌ مع الأشربة، وحلوى مع الحلوى

(1)

، وطِلاءٌ مع الأطلية، ومفرِّحٌ مع المفرِّحات. فما خُلِق لنا شيءٌ في معناه أفضلَ منه، ولا مثلَه، ولا قريبًا

(2)

. ولم يكن معوَّل القدماء إلا عليه. وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسُّكَّر البتَّة، ولا يعرفونه فإنَّه حديث العهد حدَث قريبًا.

وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الرِّيق

(3)

. وفي ذلك سرٌّ بديعٌ في حفظ الصِّحَّة لا يدركه إلا الفطن الفاضل، وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه في حفظ الصِّحَّة.

وفي «سنن ابن ماجه»

(4)

مرفوعًا من حديث أبي هريرة: «من لعِق

(1)

يحتمل قراءة: «حلواء مع الحلواء» . وفي ل: «حلو مع الحلوى» . وفي س: «حلو مع الحلواء» . وفي ن: «حلو مع الحلو» .

(2)

بعده في النسخ المطبوعة زيادة: «منه» .

(3)

كذا ذكر الحموي في كتابه (ص 77)، وأصله في «الأربعين الطبية» للموفق البغدادي ولفظه:«وقد كان صلى الله عليه وسلم يشرب كل يوم قدح عسل ممزوجًا على الريق» . ونقله عنه ابن الملقن في «التوضيح» (27/ 351) والفيروزابادي في «ترقيق الأمل» (ص 115)، وسكت عنه ابن حجر في «الفتح» (9/ 557)، ولا يُعرف له إسناد.

(4)

«سنن ابن ماجه» (3450). وأخرجه أيضًا أبو يعلى (6415)، والطَّبراني في «الأوسط» (408)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (162، 563)، والبيهقيُّ في «الشُّعب» (5530). وقد تتابع الأئمَّةُ والعلماءُ على تضعيف هذا الحديث، فضعَّفه البخاريُّ في «التَّاريخ الكبير» (6/ 55)، والعقيليُّ في «الضُّعفاء» (3/ 40)، وابن حبَّان في «المجروحين» (1/ 313)، وابن عديٍّ في «الكامل» (4/ 191، 7/ 6)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 140)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (762). وبالغ ابن الجوزيِّ فذكره في «الموضوعات» (3/ 215).

ص: 43

[العسلَ]

(1)

ثلاثَ غَدَواتٍ كلَّ شهرٍ لم يصبه عظيمٌ من البلاء». وفي أثرٍ آخر: «عليكم بالشِّفاءين: العسل والقرآن»

(2)

. فجمع بين الطِّبِّ البشريِّ والإلهيِّ، وبين طبِّ الأبدان وطبِّ الأرواح، وبين الدَّواء الأرضيِّ والدَّواء السَّمائيِّ

(3)

.

إذا عُرِف هذا، فهذا الذي وصَف له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العسلَ كان استطلاقُ بطنه عن تُخَمةٍ أصابته عن امتلاءٍ، فأمره بشرب

(4)

العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، فإنَّ العسل فيه جِلاءٌ ودفعٌ للفضول. وكان قد أصاب المعدة أخلاطٌ لَزِجةٌ تمنع استقرار الغذاء فيها للزُوجتها، فإنَّ المعدة لها خَمْلٌ كخَمْل المِنشفة

(5)

، فإذا علِقت بها الأخلاط اللَّزجة أفسدتها وأفسدت

(1)

ما بين الحاصرتين زيادة من «السنن» . وقد زاده بعضهم في س فوق السطر.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (24157، 30642)، والطَّبراني في «الأوسط» (9076)، والحاكم (4/ 200)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (689، 690)، من قول ابن مسعود رضي الله عنه. ويُروى عنه مرفوعًا عند ابن ماجه (3452)، والحاكم (4/ 200، 403) وصحَّحه، قال الدَّارقطني في «العلل» (5/ 322) والبيهقي في «الشُّعب» (4/ 171) وفي «الكبرى» (9/ 579):«الصَّحيح وَقفُه» ، وقال ابنُ كثير في «تفسيره» بعدما حسَّن إسنادَ المرفوع:«الموقوف أشبَهُ» . وتنظر: «السِّلسلة الضَّعيفة» (1514).

(3)

ز، س، ث:«السماوي» .

(4)

س: «أن يشرب» .

(5)

في طبعة الرسالة: «القطيفة» تبعًا للفقي.

ص: 44

الغذاءَ. فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط، والعسل جلاءٌ. والعسلُ من أحسن ما عولج به هذا الدَّاء لا سيَّما إن مُزج بالماء الحارِّ.

وفي تكرار سقيه العسل معنًى طبِّيٌّ بديعٌ، وهو أنَّ الدَّواء يجب أن يكون له مقدارٌ وكمِّيَّةٌ بحسب حال الدَّاء، إن قصر عنه لم يُزِلْه بالكلِّيَّة، وإن جاوزه أوهى القوى، فأحدث ضررًا آخر. فلمَّا أمرَه أن يسقيه العسل سقاه مقدارًا لا يفي بمقاومة الدَّاء ولا يبلغ الغرض، فلمَّا أخبره علِمَ أنَّ الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة. فلمَّا تكرَّر تردادُه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أكَّد عليه المعاودةَ، ليصل إلى المقدار المقاوِم للدَّاء. فلمَّا تكرَّرت الشَّربات بحسب مادَّة الدَّاء برَأ بإذن اللَّه. واعتبارُ مقادير الأدوية وكيفيَّاتها ومقدار قوَّة المرض والمريض من أكبر قواعد الطِّبِّ.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «صدَق اللهُ وكذَب بطنُ أخيك» إشارةٌ إلى تحقيق نفع هذا الدَّواء، وأنَّ بقاء الدَّاء ليس لقصور الدَّواء في نفسه، ولكن لكذبِ البطن وكثرة المادَّة الفاسدة فيه؛ فأمرَه بتكرار الدَّواء لكثرة المادَّة.

وليس طبُّه صلى الله عليه وسلم كطبِّ الأطبَّاء، فإنَّ طبَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم متيقَّنٌ قطعيٌّ إلهيٌّ صادرٌ عن الوحي ومشكاة النُّبوَّة وكمال العقل، وطبُّ غيره أكثرُه حدسٌ وظنونٌ وتجارب. ولا يُنكَر عدمُ انتفاع كثيرٍ من المرضى بطبِّ النُّبوَّة، فإنَّه إنَّما ينتفع به من تلقَّاه بالقبول واعتقادِ الشِّفاء به، وكمالُ التَّلقِّي له بالإيمان والإذعان. فهذا القرآن الذي هو شفاءٌ لما في الصُّدور، إن لم يُتلقَّ هذا التَّلقِّي لم يحصل به شفاءُ الصُّدور من أدوائها

(1)

، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسًا

(1)

ما عدا حط: «أدوائه» ، ولعله سهو كان في الأصل، ذهب الخاطر إلى المريض.

ص: 45

إلى رجسهم ومرضًا إلى مرضهم. وأين يقع طبُّ الأبدان منه؟ فطبُّ النُّبوَّة لا يناسب إلا الأبدان الطَّيِّبة، كما أنَّ شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطَّيِّبة والقلوب الحيَّة. فإعراضُ النَّاس عن طبِّ النُّبوَّة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشِّفاء النَّافع. وليس ذلك لقصورٍ في الدَّواء، ولكن لخبث الطَّبيعة وفساد المحلِّ وعدم قبوله. والله الموفِّق

(1)

.

فصل

وقد اختلف النَّاس في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]: هل الضَّمير في

(2)

{فِيهِ} راجعٌ إلى الشَّراب أو راجعٌ إلى القرآن؟ على قولين. والصَّحيح رجوعه إلى الشَّراب، وهو قول ابن مسعودٍ

(3)

وابن عبَّاسٍ

(4)

والحسن

(5)

وقتادة

(6)

والأكثرين، فإنَّه هو المذكور، والكلام سيق لأجله، ولا ذكر للقرآن في الآية. وهذا الحديث الصَّحيح ــ وهو قوله:«صدق الله» ــ كالصَّريح فيه. والله أعلم.

(1)

ز: «وبالله التوفيق» .

(2)

«في» ساقط من ث، حط، ل، د.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (30643)، وابن جرير في «تفسيره» (14/ 290).

(4)

أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (14/ 291).

(5)

ذكر القرطبيُّ في «تفسيره» (10/ 136) عن الحسن أنَّ الضَّمير للقرآن، فالله أعلم.

(6)

أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (14/ 290).

ص: 46