الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو من أسقمِ النَّاس جسمًا، وأبعدِهم من الصِّحَّة والقوَّة. وما في تلك الفاكهة من الرُّطوبات، فحرارةُ الفصل والأرض وحرارةُ المعدة تُنضجها وتدفع شرَّها، إذا لم يسرف في تناولها، ولم يحمِّل منها الطَّبيعة فوق ما تحتمله، ولم يُفْسِد بها الغذاءَ قبل هضمه، ولا أفسدها بشرب الماء عليها، وتناولِ
(1)
الغذاء بعد التملِّي
(2)
منها؛ فإنَّ القولنج كثيرًا ما يحدث عند ذلك. فمن أكل منها ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي= كانت له دواءً نافعًا.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل
صحَّ عنه أنَّه قال: «لا آكل متَّكئًا»
(3)
. وقال: «إنَّما أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد»
(4)
.
(1)
ث، ل:«لتناول» .
(2)
يعني الامتلاء. وأصله التملُّؤ بالهمز. وفي ث، د:«التخلي» . وفي ل: «التحلي» ، وكذا في طبعة عبد اللطيف وما بعدها. وكلاهما تصحيف.
(3)
أخرجه البخاري (5398) من حديث أبي جحيفة.
(4)
أخرجه ابن سعد في «الطَّبقات» (1/ 381)، وأبو يعلى (4920)، وعنه أبو الشَّيخ في «أخلاق النَّبيِّ» (617)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وضعَّف إسناده ابن الملقِّن في «البدر المنير» (7/ 446)، والعراقيُّ في «المغني» (3/ 1419)؛ ففيه أبو معشر: نجيح السِّندي المدني، وهو ضعيف أسنَّ واختلط. ومع ذلك حسَّن إسناده الهيثميُّ في «المجمع» (9/ 19). وللحديث شواهد لا تخلو من ضَعفٍ، ويُروى من أوجه مُرسلًا، قال الذَّهبي في «السِّير» (2/ 194):«هذا حديث حسن غريب» ، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (544).
وروى ابن ماجه في «سننه»
(1)
أنَّه نهى أن يأكل الرَّجلُ وهو منبطحٌ على وجهه.
وقد فُسِّر الاتِّكاء بالتَّربُّع، وفُسِّر بالاتِّكاء على الشَّيء وهو الاعتماد عليه، وفُسِّر بالاتِّكاء على الجنب. والأنواع الثَّلاثة من الاتِّكاء، فنوعٌ منها يضرُّ بالآكل وهو الاتِّكاء على الجنب، فإنَّه يمنع مجرى الطَّعام الطَّبيعيِّ عن هيئته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة، ويضغط المعدة، فلا يستحكم فتحها للغذاء. وأيضًا فإنَّها تميل ولا تبقى منتصبةً، فلا يصل الغذاء إليها بسهولةٍ.
وأمَّا النَّوعان الآخران، فمن جلوسِ الجبابرة المنافي للعبوديَّة. ولهذا قال:«آكل كما يأكل العبد» ، وكان يأكل وهو مُقْعٍ
(2)
. ويذكر عنه أنَّه كان يجلس للأكل متورِّكًا على ركبتيه، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى
(3)
، تواضعًا لربِّه عز وجل، وأدبًا بين يديه، واحترامًا للطَّعام
(1)
برقم (3370) من طريق جعفر بن برقان، عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيه به. وأخرجه أيضًا أبو داود (3774)، والرُّويانيُّ (1392، 1407)، والعقيليُّ في «الضُّعفاء» (1/ 184). قال أبو داود:«هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزُّهريِّ، وهو منكرٌ» ، وقال أبو حاتم كما في «العلل» لابنه (3/ 716): «ليس هذا من صحيح حديث الزُّهريِّ
…
هو مفتعل، ليس من حديث الثِّقات»، وقال البيهقيُّ في «السُّنن الصَّغير» (3/ 87):«هذا المتن بهذا الإسناد ضعيف» . وأمَّا الحاكم فقد صحَّحه (4/ 129). وينظر: «الإرواء» (1982)، و «السِّلسلة الصَّحيحة» (2394).
(2)
أخرجه مسلم (2044) من حديث أنس.
(3)
كتاب الحموي (ص 183)، ومنه نقل هذا الكلام إلى آخر الفصل بشيء من التصرف. ولم أقف على الحديث بهذا اللفظ. وذكر الغزاليُّ في «الإحياء» (2/ 369) قال:«وكان كثيرًا إذا جلس يأكُلُ يجمَع بين ركبتَيه، وبين قدَميه، كما يجلس المصلِّي، إلَّا أنَّ الرُّكبةَ تكون فوق الرُّكبة، والقدم فوق القدَم» ، وذكره السُّبكيُّ في «طبقات الشَّافعيَّة» (6/ 325) ضمنَ الأحاديث الَّتي لم يجِد لها إسنادًا. وأخرج ابن ماجه (3263) عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال:«أهدِيت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شاةٌ، فجثا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ركبتَيه يأكل» الحديث. وصحَّح إسناده البوصيريُّ في «المصباح» (4/ 8)، وحسَّنه ابن حجر في «الفتح» (9/ 541)، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (7/ 27). وله شاهد عن أبيٍّ بن كعب رضي الله عنه.
وللمؤاكل. فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها، لأنَّ الأعضاء كلَّها تكون على وضعها الطَّبيعيِّ الذي خلقها الله سبحانه عليه، مع ما فيها من الهيئة الأدبيَّة، وأجودُ ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطَّبيعيِّ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبًا الانتصاب الطَّبيعيِّ.
وأردأ الجلسات للأكل الاتِّكاءُ على الجنب، لما تقدَّم من أنَّ المَريء وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة، والمعدة لا تبقى على وضعها الطَّبيعيِّ، لأنَّها تنعصر ممَّا يلي البطن بالأرض، وممَّا يلي الظَّهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التَّنفُّس
(1)
.
وإن كان المراد بالاتِّكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس، فيكون المعنى أنِّي إذا أكلتُ لم أقعد متِّكئًا على الأوطئة والوسائد كفعل الجبابرة ومن يريد الإكثار من الطَّعام، لكنِّي آكل بُلْغةً كما يأكل العبد
(2)
.
(1)
هذا الوضع يكون إذا أكل الإنسان وهو منبطح على وجهه. وقد ذكره الحموي (ص 185) في شرح حديث ابن عمر: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه» .
(2)
قال الحموي: «وإلى ذلك ذهب الخطابي» . يعني: في «معالم السنن» (4/ 243).
فصل
وكان يأكل بأصابعه الثَّلاث
(1)
. وهذا أنفع ما يكون من الأكلات، فإنَّ الأكل بإصبعٍ أو إصبعين لا يستلذُّ به الآكل، ولا يُمرئه، ولا يُشْبعه إلا بعد طولٍ، ولا تفرح آلات الطَّعام والمعدة بما ينالها في كلِّ أكلةٍ، فيأخذها على إغماضٍ، كما يأخذ الرَّجل حقَّه حبَّةً أو حبَّتين أو نحو ذلك، فلا يلتذُّ بأخذه، ولا يُسرُّ به. والأكلُ بالخمسة والرَّاحة يوجب ازدحام الطَّعام على آلاته وعلى المعدة ــ وربَّما استدَّت
(2)
الآلات، فمات ــ وتُغْصَب الآلاتُ على دفعه، والمعدةُ على احتماله؛ ولا يجد له لذَّةً ولا استمراءً. فأنفعُ الأكل أكلُه صلى الله عليه وسلم وأكلُ من اقتدى به بالأصابع الثَّلاث.
فصل
ومن تدبَّر أغذيته صلى الله عليه وسلم وما كان يأكله وجَدَه لم يجمع قطُّ بين لبنٍ وسمكٍ، ولا بين لبنٍ وحامضٍ، ولا بين غذاءين حارَّين، ولا باردين، ولا لَزِجين، ولا قابضين، ولا مُسْهلين، ولا غليظين، ولا مُرْخِيَين، ولا مستحيلين إلى خلطٍ واحدٍ، ولا بين مختلفين كقابضٍ ومسهلٍ، وسريع الهضم وبطيئه، ولا بين شويٍّ وطبيخٍ، ولا بين طريٍّ وقديدٍ، ولا بين لبنٍ وبيضٍ
(3)
، ولا بين لحمٍ ولبنٍ.
ولم يكن يأكل طعامًا في وقت شدَّة حرارته، ولا طبيخًا بائتًا يسخَّن له
(1)
أخرجه مسلم (2032) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(2)
غيَّره الفقي إلى «انسدَّت» ، وتابعته نشرة الرسالة.
(3)
في كتاب الحموي (ص 339): «والبيض والسمك» .
بالغد، ولا شيئًا من الأطعمة العَفِنة والمالحة كالكواميخ
(1)
والمخلَّلات والملوحات
(2)
. وكلُّ هذه الأنواع ضارٌّ مولِّدٌ لأنواعٍ من الخروج عن الصِّحَّة والاعتدال.
وكان يُصلح ضرر بعض الأغذية ببعضٍ إذا وجد إليه سبيلًا، فيكسر حرارةَ هذا ببرودة هذا، ويبوسةَ هذا برطوبة هذا، كما فعل في القثَّاء والرُّطب
(3)
، وكما كان يأكل التَّمر بالسَّمن وهو الحَيْس
(4)
، ويشرب نقيع التَّمر
(5)
يلطِّف به كَيْمُوسات
(6)
الأغذية الشَّديدة. وكان يأمر بالعشاء ولو بكفٍّ من تمرٍ، ويقول:«تركُ العشاء مَهْرَمةٌ» . ذكره الترمذي في «جامعه»
(7)
(1)
ز: «الكوامخ» . وهي من أنواع الأدم.
(2)
ث، ل:«المملوحات» .
(3)
هو في «الصَّحيحين» من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، وقد تقدَّم تخريجه.
(4)
أخرج مسلم (1154) عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومًا فقلنا: يا رسولَ الله، أُهدِي لنا حيسٌ، فقال:«أَرينِيه، فلقد أصبحت صائمًا» ، فأكَل.
(5)
أخرج البخاريُّ (4881)، ومسلم (2996)، عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد السَّاعديُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، وكانت امرأته يومئذٍ خادمَهم، وهي العروس، قال سهل: تدرون ما سَقت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقَعَت له تمراتٍ من اللَّيل، فلمَّا أكل سَقَته إيَّاه.
(6)
الكيموس: خلاصة الغذاء الذي يجري في العروق، وقد تقدَّم.
(7)
برقم (1856) من طريق عنبسة بن عبد الرَّحمن القرشيِّ، عن عبد الملك بن علَّاق، عن أنس رضي الله عنه بلفظ:«بكفٍّ مِن حشف» ، وأخرجه أيضًا أبو يعلى (4353)، وابن عديٍّ في «الكامل» (6/ 462). وفي إسناده اختلاف، وضعَّفه أبو زرعة كما في «العلل» لابن أبي حاتم (4/ 389)، وقال التِّرمذيُّ:«هذا حديث منكر، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وعنبسة يُضعَّف في الحديث، وعبد الملك مجهولٌ» ، وقال ابن حبَّان في «المجروحين» (2/ 174):«لا أصل له» ، وذكره ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» (3/ 36)، وضعَّف إسناده الزَّركشيُّ في «التَّذكرة» (ص 147)، والعراقيُّ في «المغني» (2/ 935)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (116) ..
وابن ماجه في «سننه»
(1)
.
وذكر أبو نعيم
(2)
عنه أنَّه كان ينهى عن النَّوم على الأكل، ويذكر أنَّه يقسِّي القلب. ولهذا في وصايا الأطبَّاء لمن أراد حفظ الصِّحَّة أن يمشي بعد العشاء خطواتٍ ولو مائة خطوةٍ، ولا ينام عقبَه فإنَّه مضرٌّ جدًّا. وقال
(1)
برقم (3355) عن جابر بلفظ: «لا تَدَعوا العشاءَ ولو بكفٍّ من تمر؛ فإنَّ تركَه يُهرم» . وفي إسناده إبراهيم بن عبد السَّلام ابن باباه وهو ضعيفٌ؛ ولذا ضعَّفه الزَّركشيُّ في «التَّذكرة» (ص 147)، وابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 361)، والعراقي في «تخريج الإحياء» (2/ 935)، والبوصيريُّ في «المصباح» (4/ 32)، والسَّخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (ص 258)، والألباني في «السِّلسلة الضَّعيفة» (1/ 236).
(2)
في «الطِّبّ النَّبويّ» (158) من حديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه:«أذيبوا طعامَكم بذكر الله وبالصَّلاة، ولا تناموا عليه فتَقسُو قلوبُكم» . وأخرجه أيضًا المروزيُّ في «قيام اللَّيل» (ص 59 - المختصر)، والعقيليُّ في «الضُّعفاء» (1/ 156)، والطَّبراني في «الأوسط» (4952)، وغيرهم. وأنكره أبو زرعة كما في «سؤالات البرذعيِّ» (2/ 708) وقال:«هو شبيهٌ بالموضوع» ، وفيه بزيع أبو الخليل، قال ابن حبَّان في «المجروحين» (1/ 199):«يأتي عن الثِّقات بأشياء موضوعة كأنَّه المتعمِّدُ لها» ، وقال ابن عديٍّ في «الكامل» (2/ 242):«أحاديثه كلُّها مناكير، لا يتابعه عليها أحد» ، وقال البيهقيُّ في «الشُّعب» (8/ 167):«هذا منكر؛ تفرَّد به بزيع، وكان ضعيفًا» ، وذكره ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» (3/ 69)، واقتصر العراقيُّ في «المغني» (2511) والهيثميُّ في «المجمع» (5/ 30) على تضعيفه، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (115). وفي الباب عن عليٍّ رضي الله عنه.
مسلموهم: أو يصلِّي عقيبه، ليستقرَّ الغذاء بقعر المعدة، فيسهل هضمُه، ويجود بذلك
(1)
.
ولم يكن من هديه أن يشرب على طعامه فيفسِدَه، ولا سيَّما إن كان الماء حارًّا أو باردًا، فإنَّه رديٌّ جدًّا. قال الشَّاعر
(2)
:
لا تكن عند أكلِ سُخْنٍ وبردٍ
(3)
…
ودخولِ الحمَّام تشرب ماءَ
فإذا ما اجتنبتَ ذلك حقًّا
…
لم تخَفْ ما حَيِيتَ في الجوف داءَ
ويُكرَه شربُ الماء عقيب الرِّياضة والتَّعب، وعقيب الجماع، وعقيب الطَّعام وقبله
(4)
، وعقيب أكل الفاكهة ــ وإن كان الشُّربُ عقيبَ بعضها أسهل من بعضٍ ــ وعقيبَ الحمَّام، وعند الانتباه من النَّوم= فهذا كلُّه منافٍ لحفظ الصِّحَّة. ولا اعتبار بالعوائد، فإنَّها طبائع ثوانٍ.
فصل
وأمَّا هديه في الشَّراب
(5)
فمن أكمل هديٍ تُحفَظ به الصِّحَّة، فإنَّه كان
(1)
كتاب الحموي (ص 343).
(2)
نقل صاحب العِقد (6/ 278) البيتين من كتاب فرح بن سلام القرطبي الأديب المتطبب، وهو الذي أدخل كتب الجاحظ الأندلسَ رواية عنه. ترجمته في «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي (1/ 451 - دار الغرب) ونقلهما ابن القيم من كتاب الحموي (ص 345 - 346) و «العقد» من مصادره.
(3)
في كتاب الحموي ومصدره كتاب «العقد» : «سُخْن وبُهْر» .
(4)
في س وقع «وعقيب الحمام» هنا. ثم لما كرَّره في موضعه فيما يأتي ضرب عليه.
(5)
س: «الشرب» .
يشرب العسل الممزوج بالماء البارد
(1)
. وفي هذا من حفظ الصِّحَّة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطبَّاء، فإنَّ شربَه ولعقَه على الرِّيق يذيب البلغمَ، ويغسل خَمْلَ
(2)
المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخِّنها باعتدالٍ ويفتح سُدَدها. ويفعل مثل ذلك بالكبد والكُلى والمثانة. وهو أنفع للمعدة من كلِّ حلوٍ دخلها. وإنَّما يضرُّ بالعرض لصاحب الصَّفراء لحدَّته وحدَّة الصَّفراء، فربَّما هيَّجها. ودفعُ مضرَّته لهم بالخلِّ، فيعود حينئذٍ لهم نافعًا جدًّا
(3)
.
وشربُه أنفع من كثيرٍ من الأشربة المتَّخذة من السُّكَّر أو أكثرها، ولا سيَّما لمن لم يعتَدْ هذه الأشربة ولا ألِفها طبعُه، فإنَّه إذا شربها لا تلائمه ملاءمة العسل ولا قريبًا منه. والمحكَّم في ذلك العادة، فإنَّها تهدم أصولًا وتبني أصولًا.
وأمَّا الشَّراب إذا جمع وَصْفَي الحلاوة والبرودة، فمن أنفع شيءٍ للبدن ومن أكبر أسباب حفظ الصِّحَّة. وللأرواح والقوى والكبد والقلب عشقٌ شديدٌ له واستمدادٌ منه. وإذا كان فيه الوصفان حصلت به التَّغذية، وتنفيذُ الطَّعام إلى الأعضاء وإيصاله إليها أتمَّ تنفيذٍ.
والماء البارد رطبٌ يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته الأصليَّة
(1)
هذا أحدُ معاني قول عائشة رضي الله عنها: «كان أحبّ الشَّراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد» . وسيأتي تخريجه قريبًا. وانظر ما سبق في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج استطلاق البطن.
(2)
خمل المعدة: أليافها التي تغطي سطحها الباطن، وقد تقدَّم.
(3)
كتاب الحموي (ص 76).
ويردُّ عليه بدل ما تحلَّل منها، ويرقِّق الغذاء، وينفذه في العروق
(1)
.
واختلف الأطبَّاء هل يغذِّي البدن؟ على قولين. فأثبتت طائفةٌ التَّغذية به بناءً على ما يشاهَد من النُّموِّ والزِّيادة والقوَّة في البدن به، ولا سيَّما عند شدَّة الحاجة إليه.
قالوا: وبين الحيوان والنَّبات قدرٌ مشتركٌ من وجوهٍ عديدةٍ، منها: النُّموُّ، والاغتذاء، والاعتدال. وفي النَّبات قوَّة حسٍّ وحركةٍ
(2)
تناسبه، ولهذا كان غذاء النَّبات بالماء. فما يُنكَر أن يكون للحيوان به نوع غذاءٍ، وأن يكون جزءًا من غذائه التَّامِّ؟
قالوا: ونحن لا ننكر أنَّ قوَّة الغذاء ومعظمه في الطَّعام، وإنَّما أنكرنا أن لا يكون للماء تغذيةٌ البتَّة.
قالوا: وأيضًا فالطَّعام إنَّما يغذِّي بما فيه من المائيَّة، ولولاها لما حصلت به التَّغذية.
قالوا: ولأنَّ الماء مادَّة حياة الحيوان والنَّبات، ولا ريب أنَّ ما كان أقرب إلى مادَّة الشَّيء حصلت به التَّغذية، فكيف إذا كان
(3)
مادَّته الأصليَّة! قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] فكيف ننكر حصول التَّغذية بما هو مادَّة الحياة على الإطلاق؟
قالوا: وقد رأينا العطشان إذا حصل له الرِّيُّ بالماء البارد تراجعت إليه
(1)
كتاب الحموي (ص 484).
(2)
«وحركة» ساقط من طبعة الرسالة.
(3)
يعني الماء. وفي الأصل وغيره: «كانت» ، ولعله سهو. والمثبت من س، ث، ل.
قواه ونشاطه وحركته، وصبَر عن الطَّعام، وانتفَع بالقدر اليسير منه. ورأينا العطشان لا ينتفع بالقدر الكثير
(1)
من الطَّعام، ولا يجد به القوَّة والاغتذاء. ونحن لا ننكر أنَّ الماء يُنفذ الغذاء إلى أجزاء البدن وإلى جميع الأعضاء، وأنَّه لا يتمُّ أمرُ الغذاء إلا به؛ وإنَّما ننكر على من سلَبَ قوَّة التَّغذية عنه البتَّة، ويكاد قوله عندنا يدخل في إنكار الأمور الوجدانيَّة.
وأنكرت طائفةٌ أخرى حصول التَّغذية به واحتجَّت بأمورٍ يرجع حاصلها إلى عدم الاكتفاء به، وأنَّه لا يقوم مقام الطَّعام، وأنَّه لا يزيد في نموِّ الأعضاء ولا يُخْلِف عليها بدلَ ما حلَّلته الحرارة، ونحو ذلك ممَّا لا ينكره أصحاب التَّغذية فإنَّهم يجعلون تغذيته بحسب جوهره ولطافته ورقَّته. وتغذيةُ كلِّ شيءٍ بحسَبه. وقد شوهد الهواءُ الرَّطبُ البارد اللَّيِّن
(2)
اللَّذيذ يغذِّي بحسبه، والرَّائحةُ الطَّيِّبةُ تغذِّي نوعًا من الغذاء، فتغذيةُ الماء أظهر وأظهر.
والمقصود: أنَّه إذا كان باردًا، وخالَطَه ما يحلِّيه كالعسل أو الزَّبيب
(3)
والتَّمر والسُّكَّر
(4)
، كان
(5)
من أنفع ما يدخل البدنَ، وحفِظَ عليه صحَّتَه. فلهذا كان أحبُّ الشَّراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباردَ الحلوَ
(6)
. والماء الفاتر ينفخ ويفعل ضدَّ هذه الأشياء.
(1)
س: «الكبير» .
(2)
ز، س، ث، ل:«الملين» .
(3)
حط، ن:«والزبيب» .
(4)
كذا في جميع النسخ. وفي طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «أو التمر أو السكر» .
(5)
في د بعده زيادة: «ذلك» .
(6)
سيأتي تخريجه.
ولمَّا كان الماء البائت أنفع من الذي يُشرَب وقت استقائه قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقد دخل إلى حائط أبي الهيثم بن التَّيِّهان: «هل من ماءٍ بات في شَنَّةٍ؟» . فأتاه به، فشرب منه. رواه البخاريُّ
(1)
ولفظه: «إن كان عندكم ماءٌ بات في شَنٍّ وإلَّا كرَعنا» .
والماء البائت بمنزلة العجين الخمير. والَّذي يُشرَب
(2)
لوقته بمنزلة الفطير. وأيضًا فإنَّ الأجزاء التُّرابيَّة والأرضيَّة تفارقه إذا بات.
وقد ذُكِر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُستعذب له الماءُ، ويختار البائت منه
(3)
.
وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُستقى له الماء العذب من بئر السُّقيا
(4)
.
والماء الذي في القِرَب والشِّنان ألذُّ من الذي يكون في آنية الفخَّار
(1)
برقم (5621) من حديث جابر ولفظه: «عندك» و «شنَّةٍ» ، وإنما اغترَّ المؤلف بسياق الحموي (ص 488) مع أنه لم ينصَّ على أن هذا لفظه.
(2)
س، حط، ن:«شرب» .
(3)
انظر: مخطوط كتاب الحموي (ق 152/أ) وقد حذف ناشره «له» . روي حديث عائشة الآتي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُستعذب له الماء من السقيا، عن أبي داود وابن سعد في الطبقات وغيرهما. وأما اختيار البائت فكما في حديث جابر الذي مرّ قبل قليل.
(4)
أخرجه أبو داود (3735)، وابن سعد في «الطَّبقات» (1/ 494، 506)، وأحمد (24693، 24770)، وأبو يعلى (4613)، وغيرهم. وصحَّحه ابن حبَّان (5332)، والحاكم (4/ 138)، والإشبيليُّ في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 798)، وجوَّد إسناده ابن حجر في «الفتح» (10/ 74). وأعلّه الإمام أحمد، كما في «مسائل أبي داود» (418).
والأحجار وغيرها، ولا سيَّما أسقية الأَدَم. ولهذا التمس النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ماءً بات في شنَّةٍ دون غيرها من الأواني. وفي الماء إذا وُضِع في الشِّنان وقِرَب الأَدَم خاصَّةٌ لطيفةٌ لما فيها من المسامِّ المنفتحة الَّتي يرشح منها الماء. ولهذا الماءُ
(1)
في الفخَّار الذي يرشح ألذُّ
(2)
منه وأبردُ في الذي لا يرشح. فصلاة الله وسلامه على أكمل الخلق، وأشرفِهم نفسًا، وأفضلِهم هديًا في كلِّ شيءٍ. لقد دلَّ أمَّته على أفضل الأمور وأنفعِها لهم في القلوب والأبدان والدُّنيا والآخرة.
قالت عائشة: كان أحبُّ الشَّراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلو البارد
(3)
. وهذا يحتمل أن تريد
(4)
به الماء العذب كمياه العيون والآبار الحلوة فإنَّه كان يُستعذَب له الماء. ويحتمل أن تريد به الماء الممزوج بالعسل
(5)
أو الذي نُقِعَ فيه التَّمر والزَّبيب. وقد يقال ــ وهو الأظهر ــ: يعمُّهما جميعًا.
(1)
في طبعة الرسالة: «كان الماء» تبعًا للفقي الذي زاد «كان» .
(2)
ث، ل:«من الفخار ألذُّ» ، تحريف وسقط.
(3)
أخرجه التِّرمذيُّ (1895)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (6815)، وأحمد (24100، 24129)، وأبو يعلى (4516)، وابن عديٍّ في «الكامل» (5/ 304)، وغيرهم. واختُلف في إسناده، فيُروى من مسند أبي هريرة رضي الله عنه، ورجَّح أبو زرعة إرساله كما في «العلل» لابن أبي حاتم (4/ 488)، وكذا التِّرمذي، والدَّارقطني في «العلل» (14/ 119)، والبيهقي في «الآداب» (ص 174)، ومع ذلك صحَّحه الحاكم (4/ 137)، وخرَّجه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (2134، 3006). وفي الباب عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما -.
(4)
لم ينقط حرف المضارع في الأصل هنا وفي الموضع الآتي، وكذا في ث. وفي ن في الموضعين:«تريد» ، وفي حط:«يريد» أي القائل. والأخرى مذبذبة بينهما.
(5)
أثبت ناسخ د «الماء الممزوج بالعسل» في السطر السابق بعد كلمة «العذب» .
وقوله في الحديث الصَّحيح: «إن كان عندك ماءٌ بات في شنٍّ وإلَّا كرَعنا» فيه دليلٌ على جواز الكَرْع، وهو الشُّرب بالفم من الحوض والمِقْراة
(1)
ونحوها. وهذه ــ والله أعلم ــ واقعةُ عينٍ دعت الحاجةُ فيها إلى الكرع بالفم، أو قاله مبيِّنًا لجوازه؛ فإنَّ من النَّاس من يكرهه. والأطبَّاء تكاد تحرِّمه، ويقولون: إنَّه يضرُّ بالمعدة. وقد روي في حديثٍ لا أدري ما حاله عن ابن عمر أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهانا أن نشرب على بطوننا، وهو الكرع، ونهانا أن نغترف باليد الواحدة. وقال:«لا يَلَغْ أحدكم كما يَلَغُ الكلب، ولا يشربْ باللَّيل من إناءٍ حتَّى يختبره إلا أن يكون مخمَّرًا»
(2)
.
وحديث البخاريِّ أصحُّ من هذا. وإن صحَّ فلا تعارض بينهما؛ إذ لعلَّ الشُّرب باليد لم يكن يمكن حينئذٍ، فقال:«وإلَّا كرعنا» . والشُّرب بالفم إنَّما يضرُّ إذا انكبَّ الشَّارب على وجهه وبطنه كالَّذي يشرب من النَّهر والغدير. فأمَّا إذا شرب منتصبًا بفمه من حوضٍ مرتفعٍ ونحوه، فلا فرق بين أن يشرب بيده أو بفمه.
(1)
المقراة: شبه حوض ضخم.
(2)
أخرجه ابن ماجه (3431)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2733)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما -. وإسناده ضعيف؛ فيه بقيَّة ــ وهو ابن الوليد ــ كثير التَّدليس عن الضُّعفاء وقد عنعن، عن مسلم بن عبد الله، عن زياد بن عبد الله، وهما مجهولان. قال الدَّميريُّ كما في «الحاشية على سنن ابن ماجه» للسِّنديِّ (2/ 338):«هذا حديث منكرٌ» ، وضعَّف إسناده البوصيريُّ في «المصباح» (4/ 47)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 77)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (2168).
فصل
وكان من هديه: الشُّرب قاعدًا. هذا كان هديه المعتاد، وصحَّ عنه أنَّه نهى عن الشُّرب قائمًا
(1)
، وصحَّ عنه أنَّه أمر الذي شرب قائمًا أن يستقيء
(2)
، وصحَّ عنه أنَّه شرب قائمًا
(3)
. فقالت طائفة
(4)
: هذا ناسخٌ للنَّهي. وقالت طائفة: بل مبيِّنٌ أنَّ النَّهي ليس للتَّحريم، بل للإرشاد وترك الأولى. وقالت طائفة: لا تعارض بينهما أصلًا، فإنَّه إنَّما شرب قائمًا للحاجة، فإنَّه جاء إلى زمزم وهم يستقُون منها، فاستسقَى
(5)
، فناولوه الدَّلوَ، فشرِب وهو قائمٌ، وهذا كان موضع حاجةٍ
(6)
.
وللشُّرب قائمًا آفاتٌ عديدةٌ، منها: أنَّه لا يحصل به الرِّيُّ التَّامُّ، ولا يستقرُّ في المعدة حتَّى تقسمه
(7)
الكبد على الأعضاء، وينزل بسرعةٍ وحدَّةٍ إلى المعدة، فيخشى منه أن يبرِّد حرارتها ويشوِّشها؛ ويسرع النُّفوذ إلى أسافل
(8)
البدن بغير تدريجٍ= وكلُّ هذا يضرُّ بالشَّارب. فأمَّا إذا فعله نادرًا أو
(1)
سبق تخريجه في المجلد الأول.
(2)
أخرجه مسلم (2026) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
سبق تخريجه في المجلد الأول.
(4)
في النسخ المطبوعة: «قالت» .
(5)
في النسخ المطبوعة: «فاستقى» .
(6)
انظر ما سبق في المجلد الأول في هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام والشراب.
(7)
في النسخ المطبوعة: «يقسمه» . والمثبت من س، حط، د، ن. وفي غيرها أهمل حرف المضارع.
(8)
ن: «أسفل» .
لحاجةٍ لم يضرَّه. ولا يعترض بالعوائد على هذا، فإنَّ العوائد طبائع ثوانٍ، ولها أحكامٌ أخرى، وهي بمنزلة الخارج عن القياس عند الفقهاء.
فصل
وفي «صحيح مسلم»
(1)
من حديث أنس بن مالكٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفَّس في الشَّراب ثلاثًا، ويقول:«إنَّه أروى، وأمرأ، وأبرأ» .
الشَّراب في لسان الشَّارع وحَمَلة الشَّرع هو: الماء، ومعنى تنفُّسه في الشَّراب: إبانتُه
(2)
القدحَ عن فيه، وتنفُّسُه خارجَه، ثمَّ يعود إلى الشَّراب، كما جاء مصرَّحًا به في الحديث الآخر:«إذا شرب أحدكم فلا يتنفَّس في القدَح، ولكن لِيُبِنِ الإناءَ عن فيه»
(3)
.
وفي هذا الشُّرب حِكَمٌ جمَّةٌ، وفوائد مهمَّةٌ. وقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على مجامعها بقوله:«إنَّه أروى، وأمرأ، وأبرأ» . فأروى: أشدُّ ريًّا وأبلغُه وأنفعُه. وأبرأ: أفعَل من البُرْء وهو الشِّفاء، أي يبرئ من شدَّة العطش ودائه، لتردُّده على المعدة الملتهبة دفعاتٍ، فتسكِّن الدُّفعةُ الثَّانيةُ ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثَّالثةُ ما عجزت الثَّانية عنه
(4)
.
(1)
برقم (2028).
(2)
س، ث، حط، ل:«إبانة» .
(3)
أخرجه ابن ماجه (3427)، وأبو يعلى (6677)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بمعناه. وصحَّح إسناده الحاكم (4/ 139)، والبوصيري في «المصباح» (4/ 47)، وحسَّنه الألباني في «السِّلسلة الصَّحيحة» (386). وفي الباب عن أبي قتادة وأبي سعيد وابن عبَّاس وسهل بن سعد رضي الله عنهم.
(4)
من «أي يبرئ» إلى هنا منقول من كتاب الحموي (ص 195).
وأيضًا فإنَّه أسلم لحرارة المعدة وأبقى عليها من أن يهجم عليها الباردُ وهلةً واحدةً ونهلةً واحدةً.
وأيضًا فإنَّه لا يُروي لمصادفته لحرارة العطش لحظةً ثمَّ يقلع عنها، ولمَّا يكسِر
(1)
سورتَها وحدَّتَها، وإن انكسرت لم تبطل بالكلِّيَّة؛ بخلاف كسرها على التَّمهُّل والتَّدريج.
وأيضًا فإنَّه أسلم عاقبةً وآمن غائلةً من تناول جميع ما يُروي دفعةً واحدةً فإنَّه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزيَّة بشدَّة برده وكثرة كمِّيَّته أو يُضْعِفها فيؤدِّي ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد وإلى أمراضٍ رديَّةٍ، خصوصًا في سكَّان البلاد الحارَّة كالحجاز واليمن ونحوهما، أو في الأزمنة الحارَّة كشدَّة الصَّيف، فإنَّ الشُّرب وهلةً واحدةً مخوفٌ عليهم جدًّا، فإنَّ الحارَّ الغريزيَّ ضعيفٌ في بواطن أهلها وفي تلك الأزمنة الحارَّة
(2)
.
وقوله: «وأمرأ» هو أفعَلُ من مرئ الطَّعامُ والشَّرابُ في بدنه، إذا دخله وخالطه بسهولةٍ ولذَّةٍ ونفعٍ. ومنه:{فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]: هنيئًا في عاقبته، مريئًا في مذاقه. وقيل: معناه
(3)
أنَّه أسرع انحدارًا عن المريء لسهولته وخفَّته عليه، بخلاف الكثير فإنَّه لا يسهل على المريء انحداره.
ومن آفات الشُّرب نهلةً واحدةً: أنَّه يخاف منه الشَّرَق بأن ينسدَّ مجرى الشَّراب لكثرة الوارد عليه، فيغصُّ به. فإذا تنفَّس رويدًا ثمَّ شرِبَ أمِنَ ذلك.
(1)
في النسخ المطبوعة: «تكسر» .
(2)
انظر هذه الفقرة بشيء من الزيادة في كتاب الحموي (ص 195).
(3)
يعني: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «وأمرأ» . وانظر هذا التفسير في كتاب الحموي (ص 196).
ومن فوائده: أنَّ الشَّارب إذا شرب أوَّل مرَّةٍ تصاعد البخار الدُّخانيُّ الحارُّ الذي كان على القلب والكبد لورود الماء البارد عليه، فأخرجته الطَّبيعة عنها. فإذا شرب مرَّةً واحدةً اتَّفق نزولُ الماء البارد وصعودُ البخار، فيتدافعان ويتعالجان. ومن ذلك يحدث الشَّرَق والغصَّة، ولا يتهنَّأ الشَّارب بالماء ولا يُمرئه، ولا يتمُّ ريُّه.
وقد روى عبد الله بن المبارك والبيهقي
(1)
وغيرهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إذا شرب أحدكم فليمُصَّ الماء مصًّا، ولا يعُبَّ عبًّا فإنَّه من الكُبَاد» .
والكُبَاد بضمِّ الكاف وتخفيف الباء هو وجع الكبد
(2)
. وقد عُلِم بالتَّجربة أنَّ ورود الماء جملةً واحدةً على الكبد يؤلمها ويُضعِف حرارتها. وسبب ذلك: المضادَّة الَّتي بين حرارتها وبين ما ورد عليها من كيفيَّة المُبَرِّد
(3)
وكمِّيَّته. ولو ورد بالتَّدريج شيئًا فشيئًا لم يضادَّ حرارتها ولم يُضْعِفها. وهذا مثاله: صبُّ الماء البارد على القِدْر وهي تفور، لا يضرُّها صبُّه قليلًا قليلًا.
(1)
أخرجه ابن المبارك ــ ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (373) ــ عن معمر، عن ابن أبي حسين به مُرسلًا، ولفظه في آخره:«فإنَّ الكُبادَ من العَبِّ» . وأخرجه البيهقيُّ في «الكبرى» (7/ 284) وفي «الشُّعب» (5611) من طريق عبد الرَّزَّاق عن معمر به، وهو في «الجامع» لمعمر (19594 - آخر «المصنَّف»). وفي الباب عن أنس وعليٍّ رضي الله عنهما -، وعن ابن شهاب وعطاء بن أبي رباح مرسلًا. وينظر:«السِّلسلة الضَّعيفة» (2571، 1428، 2323، 940).
(2)
«النهاية في غريب الحديث» (4/ 139).
(3)
في ن: «المبرود» ، تحريف. وكذا في النسخ المطبوعة.
وقد روى الترمذي في «جامعه»
(1)
عنه صلى الله عليه وسلم: «لا تشربوا نفَسًا واحدًا كشُرب البعير، لكن اشربوا مثنى وثلاث، وسمُّوا إذا أنتم شربتم، واحمدوا إذا أنتم فرغتم»
(2)
.
وللتِّسمية في أوَّل الطَّعام والشَّراب وحمد الله في آخره تأثيرٌ عجيبٌ في نفعه، واستمرائه، ودفع مضرَّته.
قال الإمام أحمد: إذا جمَع الطَّعامُ أربعًا فقد كمُل: إذا ذُكِر اسمُ الله في أوَّله، وحُمِد الله في آخره، وكثرت عليه الأيدي، وكان من حِلٍّ
(3)
.
فصل
وقد روى مسلم في «صحيحه»
(4)
: من حديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «غطُّوا الإناءَ، وأَوكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يمرُّ بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، وسقاءٍ ليس عليه وكاءٌ= إلا وقع فيه من ذلك الدَّاء» . وهذا ممَّا لا يناله علوم الأطبَّاء ومعارفهم، وقد عرفه من
(1)
برقم (1885) من حديث ابن عبَّاس رضي الله عنهما، وقال:«هذا حديث غريب» . وأخرجه أيضًا الطَّبراني في «الكبير» (11/ 166)، والبيهقيُّ في «الشُّعب» (5614)، وغيرهما. وضعَّف إسناده ابن القطَّان في «الوهم والإيهام» (3/ 222، 588)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 93). وفي الباب عن عكرمة وابن شهاب مرسلًا.
(2)
هذا لفظ الحديث في كتاب الحموي (ص 196).
(3)
أخرج ابن المبارك في «الزهد» (609) وابن أبي الدنيا في كتاب «الإخوان» (202) و «قرى الضيف» (50) وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/ 61) عن شهر بن حوشب قال: كان يقال: إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل كلُّ شيء من شأنه
…
إلخ.
(4)
برقم (2014)، والنقل من كتاب الحموي (ص 489).
عرفه من عقلاء النَّاس بالتَّجربة. قال اللَّيث بن سعدٍ أحد رواة الحديث: الأعاجم عندنا يتَّقون تلك اللَّيلة في السَّنة في كانون الأوَّل منها
(1)
.
وصحَّ عنه أنَّه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عودًا
(2)
. وفي عرض العود عليه من الحكمة أنَّه لا ينسى تخميره، بل يعتاده حتَّى بالعود. وفيه: أنَّه ربَّما أراد الدَّبيبُ
(3)
أن يسقط فيه، فيمرُّ على العود، فيكون العود جسرًا له يمنعه من السُّقوط فيه.
وصحَّ عنه: أنَّه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم اللَّه، فإنَّ ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشَّيطان، وإيكاؤه
(4)
يطرد عنه الهوامَّ، ولذلك أمر بذكر اسم الله
(5)
في هذين الموضعين لهذين المعنيين.
وروى البخاريُّ في «صحيحه»
(6)
من حديث ابن عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشُّرب مِن في السِّقاء.
وفي هذا آدابٌ
(7)
عديدةٌ:
(1)
قول الليث في «صحيح مسلم» عقيب الحديث.
(2)
أخرجه البخاري (5623) ومسلم (2012) من حديث جابر.
(3)
الدبيبُ هنا: كلُّ ما يدِبُّ. وجاء بهذا المعنى في كتاب «الفلاحة» لابن العوام (ص 602، 603 وغيرهما) أحال عليه دوزي (4/ 282). وانظر: «المعجم الوسيط» (دبب).
(4)
هكذا بالواو في جميع النسخ الخطية والمطبوعة، على أنه مبتدأ، لا معطوف على اسم أنَّ.
(5)
العبارة «عند تخمير
…
اسم الله» ساقطة من ث، ل؛ لانتقال النظر.
(6)
برقم (5629).
(7)
كذا قال، والمذكورة فيما يأتي حِكَمٌ كما قال في آخرها.
منها: أنَّ تردُّد أنفاس الشَّارب فيه يُكْسِبه زهومةً ورائحةً كريهةً يُعاف لأجلها.
ومنها: أنَّه ربَّما غلب الدَّاخل إلى جوفه من الماء، فتضرَّر به.
ومنها: أنَّه ربَّما كان فيه حيوانٌ لا يشعر به، فيؤذيه.
ومنها: أنَّ الماء ربَّما كان فيه قذاةٌ أو غيرها لا يراها عند الشُّرب، فتلِجُ جوفه.
ومنها: أنَّ الشُّرب كذلك يملأ البطن من الهواء، فيضيق عن أخذ حظِّه من الماء، أو يزاحمه أو يؤذيه. ولغير ذلك من الحِكَم.
فإن قيل: فما تصنعون بما
(1)
في «جامع الترمذي»
(2)
: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بإداوةٍ يوم أحدٍ، فقال:«اخنِثْ فمَ الإداوة» ، ثمَّ شرب منها مِن فمها؟
قلنا: نكتفي فيه بقول الترمذي: هذا حديثٌ ليس إسناده بصحيحٍ، وعبد الله بن عمر العُمَريُّ يضعَّف من قبل حفظه، ولا أدري سمع من عيسى
(1)
في س بعده زيادة: «جاء» .
(2)
برقم (1891) من طريق عبد الرَّزَّاق، عن عبد الله بن عمر، عن عيسى بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه رضي الله عنه قال:«رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قام إلى قربة معلَّقة، فخنثها، ثمَّ شرب من فيها» . واللَّفظ الَّذي ذكره المصنِّف هو لفظ أبي داود (3721) من طريق عبد الأعلى، عن عبيد الله بن عمر، عن عيسى بن عبد الله رجل من الأنصار، عن أبيه به. قال أبو داود كما في «تحفة الأشراف» (4/ 275):«هذا لا يُعرف عن عبيد الله بن عمر، والصَّحيح حديث عبد الرَّزَّاق، عن عبد الله بن عمر» . ومشى ابن مفلح على ظاهر إسناد أبي داود فقال في «الآداب الشَّرعيَّة» (3/ 180): «حديثٌ حسن، ورجاله ثقات» .
أم لا. انتهى. يريد عيسى بن عبد الله الذي رواه عنه عن رجلٍ من الأنصار.
فصل
وفي «سنن أبي داود»
(1)
من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشُّرب من ثُلْمة القدَح، وأن يُنفَخ في الشَّراب.
هذا
(2)
من الآداب الَّتي تتمُّ بها مصلحة الشَّارب، فإنَّ الشُّرب من ثُلمة القدَح فيه عدَّة مفاسد:
أحدها: أنَّ ما يكون على وجه الماء من قذًى أو غيره يجتمع إلى الثُّلمة بخلاف الجانب الصَّحيح.
الثَّاني: أنَّه ربَّما يشوِّش
(3)
على الشَّارب، ولم يتمكَّن
(4)
من حسن الشُّرب من الثُّلمة.
الثَّالث: أنَّ الوسخ والزُّهومة تجتمع في الثُّلمة، ولا يصل إليها الغسل كما يصل إلى الجانب الصَّحيح.
(1)
برقم (3722). وأخرجه أيضًا أحمد (11760)، والبيهقيُّ في «الشُّعب» (5618)، وغيرهما. وصحَّحه ابن حبَّان (5315)، وقال ابن مفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (3/ 180):«فيه قرَّة بن عبد الرحمن ضعَّفه الأكثر، وقال أحمد: منكر الحديث جدًّا» . ولكن للحديث شواهد قوَّاه بها الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (388).
(2)
في النسخ المطبوعة: «وهذا» .
(3)
غيِّر في طبعة عبد اللطيف إلى «شوَّش» لأجل الفعل الماضي بعده! وكذا في الطبعات الخالفة.
(4)
س: «ولا يتمكن» لأجل الفعل المضارع قبله، فيما يظهر!
الرَّابع: أنَّ الثُّلمة محلُّ العيب في القدح، وهي أردى
(1)
مكانٍ فيه، فينبغي تجنُّبه وقصدُ الجانب الصَّحيح؛ فإنَّ الرَّديَّ من كلِّ شيءٍ لا خير فيه. ورأى بعض السَّلف رجلًا يشتري حاجةً رديَّةً، فقال: لا تفعل. أمَا علمتَ أنَّ الله نزع البركة من كلِّ رديٍّ
(2)
؟
الخامس: أنَّه ربَّما كان في الثُّلمة شقٌّ أو تحديدٌ يجرح شفة
(3)
الشَّارب. ولغير هذه المفاسد
(4)
.
وأمَّا النَّفخ في الشَّراب، فإنَّه يُكْسِبه من فم النَّافخ رائحةً كريهةً يُعاف لأجلها، ولا سيَّما إن كان متغيِّر الفم. وبالجملة، فأنفاس النَّافخ تخالطه. ولهذا جمع
(5)
صلى الله عليه وسلم بين النَّهي عن التَّنفُّس في الإناء والنَّفخ فيه، في الحديث الذي رواه الترمذي
(6)
وصحَّحه عن ابن عبَّاسٍ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتَنفَّس في الإناء أو يُنْفَخ فيه.
(1)
كذا في جميع النسخ بتخفيف الهمزة.
(2)
قاله أبو قِلابة لأيوب السَّختياني لمّا رآه يشتري تمرًا رديًّا. أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (2/ 286) وابن عساكر في «تاريخه» (28/ 308).
(3)
س، ث، ل:«فم» .
(4)
س، ث، ل:«من المفاسد» بزيادة «من» .
(5)
بعده في س، ث، ل:«النبي» . وفي ن: «رسول الله» .
(6)
برقم (1888). وأخرجه أبو داود (3728)، وابن ماجه مقطَّعًا (3428، 3429)، وأحمد (1907، 2817، 3366)، وغيرهم. وصحَّحه ابن حبَّان (5316)، والحاكم (4/ 138)، ولفظه عندهما:«نهى أن يتنفَّس في الإناء، وأن يشربَ من في السِّقاء» ، وصحَّحه الضِّياء في «المختارة» (12/ 138) والألباني في «الإرواء» (1977).
فإن قيل: فما تصنعون بما في «الصَّحيحين»
(1)
من حديث أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتنفَّس في الإناء ثلاثًا؟
قيل: نقابله بالقبول والتَّسليم. ولا معارضة بينه وبين الأوَّل، فإنَّ معناه أنَّه كان يتنفَّس في شربه ثلاثًا. وذكر الإناء لأنَّه آلة الشُّرب. وهذا كما جاء في الحديث الصَّحيح: أنَّ إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في الثَّدي، أي في مدَّة الرَّضاع
(2)
.
فصل
وكان صلى الله عليه وسلم يشرب اللَّبن خالصًا تارةً، ومشوبًا بالماء أخرى. وفي شرب اللَّبن الحلو في تلك البلاد الحارَّة خالصًا ومشوبًا نفعٌ عظيمٌ في حفظِ الصِّحَّة، وترطيبِ البدن وريِّ الكبد، ولا سيَّما اللَّبن الذي ترعى دوابُّه الشِّيح والقَيصُومَ والخُزامى
(3)
وما أشبهها، فإنَّ لبنها غذاءٌ مع الأغذية، وشرابٌ مع الأشربة، ودواءٌ مع الأدوية.
وفي «جامع الترمذي»
(4)
عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا أكل أحدكم طعامًا فليقل: اللَّهمَّ
(1)
البخاري (5631) ومسلم (2028).
(2)
أخرجه مسلم (2316) من حديث أنس.
(3)
أنواع من النبات طيب الرائحة ترعاها الماشية.
(4)
برقم (3455) من طريق عليِّ بن زيد، عن عمر بن حرملة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما به. وأخرجه أيضًا أبو داود (3730)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (10045، 10046)، وأحمد (1978، 2569). وإسناده ضعيفٌ؛ عليٌّ ــ وهو ابن جُدعان ــ ضعيف، وشيخه مجهول. وأخرجه ابن ماجه (3322) عن هشام بن عمَّار، عن إسماعيل بن عيَّاش، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عتبة، عن ابن عبَّاس بنحوه، وهذا طريقٌ مُعلٌّ؛ قال أبو حاتم كما في «العلل» لابنه (4/ 359): «ليس هذا من حديث الزُّهريِّ، إنَّما هو من حديث عليِّ بن زيد، عن عمر بن حرملة، عن ابن عبَّاس
…
وأخاف أن يكونَ قد أُدخِل على هشام؛ لأنَّه لمَّا كبِر تغيَّر». وقد حسَّنه المصنِّف كما سبق (2/ 473) وابن حجر كما في «الفتوحات الرَّبَّانيَّة» (5/ 238)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (2320).
بارِك لنا فيه، وأطعِمْنا خيرًا منه. وإذا سُقِي لبنًا فليقل: اللَّهمَّ بارِكْ لنا فيه، وزدنا منه؛ فإنَّه ليس شيءٌ يجزي من الطَّعام والشَّراب إلا اللَّبن». قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ
(1)
.
فصل
وثبت في «صحيح مسلم»
(2)
أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يُنْبَذ
(3)
له أوَّلَ اللَّيل، ويشربُه إذا أصبح يومَه ذلك، واللَّيلةَ الَّتي تجيء، والغدَ واللَّيلة الأخرى، والغدَ إلى العصر. فإن بقي منه شيءٌ سقاه الخادمَ أو أمرَ به فصُبَّ. وهذا النَّبيذ هو ماءٌ
(4)
يُطرَح فيه تمرٌ يحلِّيه. وهو يدخل في الغذاء والشَّراب، وله نفعٌ عظيمٌ في زيادة القوَّة وحفظ الصِّحَّة. ولم يكن يشربه بعد ثلاثٍ خوفًا من تغيُّره
(5)
إلى الإسكار.
(1)
وهكذا في «تحفة الأشراف» (5/ 186) ونسخة الكروخي. وقد ضرب بعضهم عليه في ز، وكتب:«صحيح» مع علامة «صح» والإشارة إلى أنه كذا في نسخة.
(2)
برقم (2004) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
ن: «ينتبذ» ، وكذا في «الصحيح» .
(4)
في س، حط، د بالمدة على الألف. وفي النسخ المطبوعة:«ما» .
(5)
ز، د، ن:«تغييره» .